تعاون أمني.. دلالات زيارة مستشار الأمن القومي العراقي إلى طهران
تشهد العلاقات العراقية – الإيرانية سيما التعاون الأمني المشترك، تطورًا ملحوظًا في الفترة الراهنة علي إثر الأوضاع المضطربة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بعد التحذيرات التي تلقتها الحكومة العراقية من قبل بعض المسئولين في الإدارة الأمريكية من مغبة سماح بغداد للميليشيات المسلحة الموالية لطهران علي أراضيها بتنفيذ هجمات بالصواريخ والمسيرات علي تل أبيب، وكذلك علي ما اسمته الميليشيات بـ”أهداف مشروعة” والتي تشمل القواعد والمصالح الأمريكية في العراق والمنطقة برمتها، والتحذير أيضًا من استخدام الأراضي والأجواء العراقية لتنفيذ أية هجمات صاروخية إيرانية ردًا على الغارات الإسرائيلية.
من هنا بدأت المباحثات العراقية – الإيرانية حول التعزيزات الأمنية المشتركة بين البلدين، والتي بادر بها الجانب العراقي، من خلال زيارة مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، للعاصمة طهران الأحد العاشر من نوفمبر الجاري 2024، باعتبار أن “أمن العراق من أمن إيران”، وفقًا لتصريحاته، حيث بحث الأعرجي، مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال اجتماع ثنائي، ملف التعاون الأمني بين الجانبين خاصة أمن الحدود وتعزيزه في الفترة المقبلة، لمواجهة التهديدات الإقليمية وكذلك بحث سبل منع تفاقم رقعة الصراع في المنطقة.
هذه المبادرة ليست الأولي من نوعها في إطار التعاون الأمني بين بغداد وطهران، لاسيما في ظل الحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، ففي العام الماضي علي سبيل المثال لا الحصر، وقّع كل من العراق وإيران “اتفاقًا أمنيًا” يهدف إلى “التنسيق في حماية الحدود المشتركة بين البلدين من خلال نزع سلاح المجموعات المسلحة الكردية الإيرانية وكذلك إبعادهم عن الحدود مع إيران”.
وعليه، فإن العلاقات العراقية الإيرانية تعد من أكثر العلاقات ترابطًا كدول جوار في الوقت الراهن، حيث تسعى كل منهما لحفظ الأمن والحدود المشتركة وعدم السماح بانتهاك سيادتهما، وهذه الزيارة تأتي تأكيدًا لتلك المساعي، خاصة في ظل الوضع الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، وعقب تحذيرات الإدارة الأمريكية لبغداد من الوقوف بجانب إيران أو ميليشياتها.
في مطلع نوفمبر الجاري، كشف موقع “أكسيوس” أن الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن، قد وجهت تحذيرات للحكومة العراقية بأن إسرائيل قد تهاجم العراق، في حال سماحها بهجوم إيراني عبر الميليشيات المسلحة أو حتي استخدام مجالها الجوي من قبل طهران لتنفيذ أية هجمات ضد تل أبيب. كما طلب كل من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، من رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني بضرورة عدم السماح باستخدام الأراضي العراقية كقاعدة للهجمات على إسرائيل أو أية أهداف تابعة لها، حيث لم يستبعدا تعرض الأراضي العراقية لغارات إسرائيلية انتقامية.
أمن العراق من أمن إيران
جاء الاجتماع الرسمي لمستشار الأمن القومي العراقي، مع وزير الخارجية الإيراني في العاصمة طهران، من خلال مبادرة عراقية، قائمة علي أن “العراق يرى أمن إيران جزءًا من أمنه، باعتبارهما دولتين مسلمتين شقيقتين وجارتين، يتمتعان بعلاقات ممتازة على المستوى الثنائي والإقليمي” حسبما صرّح الأعرجي، وأن الاجتماع أساسه التركيز علي ملف أمن الحدود بين البلدين والتأكيد علي استمرار التعاون المشترك بينهما لتحقيق أمن شامل ومستدام لحدودهما وتعزيز العلاقات الاستراتيجية الثنائية، خاصة بعد التحذيرات التي تلقتها بغداد من بعض المسئولين الأمريكيين، إلي جانب أنه خلال الاجتماع تم استعراض آخر تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط المستعرة سياسيًا وأمنيًا، والتأكيد علي أهمية التعاون بين دول المنطقة لوقف العدوان الإسرائيلي علي كل من غزة ولبنان.
كما أكد الأعرجي على “موقف العراق الرافض وبشدة لاستخدام الأجواء العراقية للتجاوز على الجارة إيران أو أية دولة جوار من دول المنطقة”، وشدد على أن “أي عمل ضد أمن إيران سيواجه من قبل الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق”. في إشارة هنا للتهديدات التي يطلقها المسئولون الإسرائيليون بشن هجمات على طهران وبغداد.
أما عن الجانب الإيراني، فقد أشار وزير الخارجية عباس عراقجي إلى أن “العلاقات جيدة جدًا بين طهران وبغداد في كافة المجالات”، مضيفًا أن “التعاون بين البلدين مهم جدًا في المجال الأمني، وأن تقدمه سيؤدي إلى تحقيق المزيد من التقدم في تطوير العلاقات خاصة في المجال الاقتصادي”. وأن “العلاقات بين البلدين استراتيجية ومتميزة، ونأمل أنه مع التنفيذ الكامل للاتفاقية الأمنية، سيتم توفير الأمن المستقر في المناطق الحدودية من البلدين”، وفقًا لوكالة مهر الإيرانية.
تطوراً أمنيًا ملحوظًا
بالنظر إلى التطور في العلاقات الأمنية بين بغداد وطهران، نجد أنه ليس وليد اللحظة، فكما ذكرنا سلفًا أنه في مارس من العام الماضي 2023، وقّع العراق وإيران “اتفاقًا أمنيًا” بعد أشهر قليلة على تنفيذ طهران لعدة ضربات ضد مجموعات كردية معارضة شمالي العراق، ومنذ ذلك الحين، اتفق البلدان على نزع سلاح المجموعات المتمردة الكردية الإيرانية وإبعادها عن الحدود المشتركة. وصرّح مستشار الأمن القومي العراقي، للتلفزيون الإيراني الرسمي أن “الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران”. وكانت طهران دائمًا ما تتهم هذه المجموعات بالحصول على أسلحة من جهة العراق، وبتأجيج التظاهرات الداخلية ضد النظام الإيراني، والتي اندلعت في سبتمبر 2022، في أعقاب مقتل الفتاة الشابة الإيرانية، مهسا أميني، داخل أحد مراكز الاحتجاز التابعة للشرطة الإيرانية.
كما إن زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى العراق في سبتمبر الماضي، جاءت للتأكيد على تطور العلاقات الأمنية بين البلدين، وصرّح بأهمية التعاون الأمني بينهما قائلًا “نحتاج إلى تطبيق اتفاقات التعاون الأمني بهدف التعامل مع الإرهابيين والأعداء”. وجاء ذلك وسط الاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، جراء العدوان الإسرائيلي البربري الوحشي على قطاع غزة منذ أكثر من عام ومؤخرًا علي لبنان، فضلًا عن الغارات التي يشنها الاحتلال على العديد من المدن العربية في اليمن وسوريا، وكذلك إيران، ما أثار استنفار فصائل “محور المقاومة” المدعوم إيرانيًا، لشن هجمات من حين لآخر على الاحتلال الإسرائيلي.
وختامًا، بات واضحًا مدي متانة العلاقات التي تجمع العراق وإيران خاصة في هذه الفترة، وأهمية مواصلة العمل على تعزيزها وتنميتها في مختلف المجالات وعلى رأسها المجال الأمني، وذلك استنادًا إلى الروابط التاريخية والاجتماعية والدينية التي تجمع البلدين الجارين، وبما يحقق المصالح المشتركة لشعبيهما، ويعزز أمن واستقرار المنطقة.