في الذكرى الثالثة: ماذا قدمت الإمارات للسلم الاجتماعي منذ “وثيقة الأخوة الإنسانية”؟
في الرابع من فبراير عام 2019 وقع شيخ الأزهر الشيخ محمد الطيب والبابا فرانسيس، بابا الفاتيكان على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة، وبرعاية قادتها ” وثيقة الأخوة الإنسانية”، التي تعد بمثابة دعوة عالمية للأخوة والتسامح.
فبعد عامين من توقيع الوثيقة، واتخاذ دولة الإمارات العربية المتحدة عدة خطوات لترسيخ قيم التسامح ونبذ العنف وإرساء قيم السلام المجتمعي في وقت قد عانت فيه دول عربية من انتشار خطاب الكراهية والتفرقة وتمزق النسيج المجتمعي والفوضى والإرهاب وانتشار الفكر المتطرف- نطرح عدة تساؤلات، وهي: ماذا قدمت دولة من أجل السلم المجتمعي، وما أهم التشريعات المواكبة لهذه الخطوة؟، وكيف تحركت الإمارات عالمياً لاعتبار يوم “الأخوة الإنسانية” بمثابة يوم عالمي في تاريخ البشرية، خاصة وأن الدول المصرية تحركت، ومعها بعض الدول العربية في دعم هذا المجال، وحصلت على قرارا من الجمعية العامة للأمم المتحدة بـ ” تعزيز ثقافة السلام والتسامح من أجل حماية المواقع الدينية”؟.
تشريعات ناجزة ومؤسسات فاعلة:
عمدت دولة الإمارات إلى وضع تشريعات واستحداث عدة مبادرات ومؤسسات لإرساء قيم التعايش السلمي وبناء جسور التفاهم والتواصل والحوار ونبذ العنف وتشجيع الحوار بين الأديان وإبراز الصورة الحقيقية للإسلام ، ويعتبر القانون الإماراتي من ابرز القوانين التي جرمت أعمال الإساءة إلى الأديان أو التطاول عليها أو السخرية منها أو المساس بها بأي حال من الأحوال حيث استهدفت دولة الإمارات تحقيق الحفاظ على نسيج المجتمع وروابطه وقيم الأخوة والتسامح والتعايش بين أصحاب الديانات المختلفة، وإعلاء مبادئ المواطنة والمساواة أمام القانون وحرية العقيدة وحسن النية وقبول الأخر، ومنع التطاول على الذات الإلهية والأنبياء والرسل أو الكتب السماوية واحترام الاختلاف بين العقائد واحترام المؤمنين بها وعدم جواز اتخاذها مادة للتمييز أو الإساءة آو السخرية ووقاية المجتمع من محاولات غرس مفاهيم مغلوطة قد تباعد بين أفراده وتمس حقائق دينهم بما يثير الكراهية.
تشريعياً، حرصت دولة الإمارات على تعزيز التسامح الديني وحماية التنوع الثقافي في الدولة ومواجهة الفكر المتطرف والعنيف، ويرى البعض إن من أهم الدلائل على التسامح في الإمارات تجذر قيم احترام الأخر في فكر الدولة وذلك من خلال سن تشريعات وقوانين تحث على التسامح والمساواة لتكفل تطبيقها لكل من يعيش على أراضيها ومن أبرز هذه التشريعات قانون رقم 2 لسنة 2015 بشأن التمييز ونبذ الكراهية، وقد كرس هذا القانون مبدأ عدم جواز الاحتجاج بحرية الرأي والتعبير والإتيان أي قول أو عمل من شــأنه التحريض على ازدراء الأديان أو المساس بها، كما تناول في مادته الثانية العقوبات لأبرز جرائم التمييز والكراهية وتراوحت العقوبات ما بين الحبس 6 شهور بحد أدني وحد أقصى خمسة سنوات وغرامة لا تقل عن نصف مليون درهم إماراتي .
حيث تم وضع إطار عمل وإدخال تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب خلال عام 2014 والذي يحقق ميزة نسبية بحيث يوفر أدوات جديدة لمحاكمة الإرهابيين ومن جهة أخرى يوفر إليه لإعادة تأهيل الإرهابيين السابقين الذين قرروا نبذ العنف والفكر المتطرف العنيف .
وعلى جانب أخر، جاء إعلان دائرة تنمية المجتمع – أبو ظبي بدء وضع الأطُر القانونية المنظّمة لترخيص وتأسيس وتنظيم دور العبادة تأكيداً على مضي الإمارات قُدماً نحو تعزيز منظومة تشريعية وقانونية تحفظ الحريات الدينية، دون المساس بأصالة العادات والتقاليد الإماراتية المنبثقة عن إطار تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
تكريس السلام المجتمعي ونبذ العنف:
وإيماناً من حكام الإمارات بتحقيق قيم التسامح بين الأديان والإخوة على ارض الواقع لذلك فتحتوي الإمارات على أربعين كنيسة للطوائف المسيحية المختلفة، فضلاً عن إعلان الدولة إنشاء أول معبد يهودي فيها أواخر عام 2019 على أن يتم افتتاحه عام 2022، وهذا لا يعني حرمان الطائفة اليهودية المقيمين في الدولة ممارسة شعائرهم الدينية حيث يستخدم الوافدين اليهود بيتا في دبي لإقامة الشعائر الدينية الخاصة بهم، ويوجد أيضا في الإمارات معبد هندوسي ومعبد سيخي نظراً لان اغلب المقيمين في الإمارات من العاملين الوافدين وأكبر طائفة منهم من الهنود.
وتكريساً منها لتدعيم نهج التسامح والسلام قامت الدولة بتوجيه دعوات لأبرز واكبر رموز الديانات الإبراهيمية لزيارتها مثل توجيه الدعوة لزيارة “للبابا تواضروس الثاني ” عام2014 والتي استمرت 5 أيام وقد حرص البابا على تقديم الشكر لحكام دولة الإمارات على وقوفها بجانب مصر في أزمتها خاصة وأن الإمارات قد قامت بالفعل بتمويل جزء كبير من مشروع إعادة بناء وترميم الكنائس المصرية التي تعرضت للاعتداءات من قبل المتطرفين في أعقاب ثورة 30 يونيو2013 وفض اعتصامي رابعة والنهضة الذي نظمتهما جماعة الإخوان الإرهابية، كما أشاد بموقف الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بإطلاق اسم “مريم” أم عيسى على مسجد “الشيخ محمد بن زايد” في منطقة المشرف بأبوظبي، ترسيخاً للتسامح والصلات الإنسانية بين أتباع الديانات.
وبالنسبة للمؤسسات والوزارات، فلأول مرة في المنطقة العربية استحدثت دولة الإمارات العربية وزارة التسامح في فبراير 2016 وتبنّي مشروعات ومبادرات نوعية محلياً وإقليمياً وعالمياً.
كما تم إنشاء البرنامج الوطني للتسامح يونيو2016 وإنشاء المعهد الدولي للتسامح، وإطلاق “جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للتسامح”، والتي يتم من خلالها تكريم الفئات والجهات التي لها إسهامات متميزة في هذا الشأن، تأسيس مجلس علماء المسلمين ،ودعم الخطاب الديني المعتدل ، تأسيس ملتقى تحالف الأديان، فضلاً عن إقامة المؤتمر الدولي للأخوة الإنسانية حيث استضافت دولة الإمارات و فضيلة الإمام “احمد الطيب” شيخ الأزهر الشريف و الأب “فرانسيس الثاني” بابا الفاتيكان ضمن مؤتمر الأخوة الإنسانية والذي عقدة مجلس حكماء المسلمين في الفترة من 3-5فبراير 2019 في أول زيارة له لمنطقة الخليج العربي للمشاركة في حوار عالمي بين الأديان، حول “الأخوة الإنسانية” في خطوة تعكس الدور الحضاري للإمارات في نشر قيم التسامح والتعايش بين الأديان.
الإمارات وتحسين الصورة العربية:
وبالطبع تلك كانت خطوات دولة الإمارات وتحقيق قيم التسامح والإخاء ومواجهة التعصب والفكر المتطرف والإرهاب ومن شأن ذلك أن يقلل من نسب العنف ويحد من خطاب الكراهية خاصة بعد ما شهدته المنطقة العربية من تعصب وتطرف تنظيمات الإرهاب والتي اتخذت من الدين شعاراً لها لتحقيق مأرب سياسية. ففي الوقت الذي تصاعدت فيه موجه الإرهاب وإعلان خلافة “داعش” المزعومة على الأراضي العربية -والتي كان اكبر ضحاياها من عرب ومسلمين- واجتذابها للمتطرفين من جميع أنحاء العالم، كانت الأولوية لدولة الإمارات في مواجهة الفكر المتطرف ومواجهة الإرهاب عبر اتخاذ الخطوات السابق ذكرها والتي من شأنها أن تساهم في تحسين صورة العرب والمسلمين حيث حرصت دولة الإمارات على تقديم نماذج دينية وسطية معروفة بفكرها المستنير والوسطي وتبني شخصيات مثل الشيخ “وسيم السيسي” والشيخ “على الجفري” وتقديمهم على الساحة الإعلامية العربية والدولية لتلقي الضوء على نموذج الإسلام الوسطي المتسامح على عكس الصورة التي تعارف عليها الغرب والتي قدمتها تنظيمات الإسلام السياسي الإرهابية.