إلي أين يتسع الدور القطري في أفغانستان؟
المُتابع للتحركات القطرية في الملف الأفغاني يلحظ نشاطا دبلوماسياً فاعلاً للدوحة، فمنذ انعقاد أولى جلسات المفاوضات بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية عام 2018 وعلى مدى ثلاثة سنوات استضافت الدوحة كافة المباحثات والجلسات الثنائية والحوار الوطني الأفغاني- تأسيساً على ما سبق، يطرح هذا التحليل تساؤلات عديدة، أهمها: إلى أي مدى يمكن إن يتسع الدور القطري في المسألة الأفغانية بعد إتمام الانسحاب الأمريكي، الذي كان مقرر له في نهاية أغسطس المنتهى، هذا بالإضافة إلى استتباب الأمور لحركة طالبان والسيطرة على السلطة ؟، وما هي حدود التحركات القطرية في الأزمة الأفغانية، ومستقبل دورها في الملف؟.
قطر وإدارة الشئون القنصلية والدبلوماسية للدول الغربية:
أعلنت الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها”انتوني بلينكن” إن بعثتها الدبلوماسية تم نقلها إلى الولايات المتحدة بعد إن استقرت مؤقتا في الدوحة كما أعلنت عن تشكيل فريق جديد لمتابعة فتح مكتب لقنصليتها يكون مقرة بالدوحة، وهو النهج الذي انتهجته هولندا وبريطانيا واليابان وكوريا الجنوبية، حيث أعلنت تلك الدول عن نيتها انتهاج الخطوات الأمريكية ونقل قنصليتها إلي الدوحة، وهو ما يعني أن القوى الدولية سوف تفاوض طالبان عبر مكتبها في الدوحة، خاصة بعد غياب إجماع دولي بمسألة الاعتراف بحكم طالبان كإمارة إسلامية -حتى الآن-وفي ظل سعي الحركة للانفتاح على العالم الخارجي، وهو الدور الفعلي الذي سوف تستغله الدوحة جيداً ويتمتع بقبول دولي ولعل تصريحات وزير الخارجية القطري تصب في هذا الاتجاه، حيث أنه في مساء الـ 13 من أغسطس صرح، المسئول السابق، قائلاً- “موقفنا المشترك مع حلفائنا هو التعامل مع طالبان والتشجيع على التواصل مع الحركة”، وفي الثاني من سبتمبر الجاري، قال في تصريح أخر، أن ” “جهودنا مستمرة لتعزير التوافق الدولي بشأن أفغانستان” وخاصة بعد تأكيد الخارجية البريطانية على هذا النهج ” نحن بحاجة للتأقلم مع الوضع الجديد في أفغانستان”.
تسويق قطر لعملية التعامل مع “طالبان”:
وفيما يخص الشأن الداخلي الأفغاني، تتمتع الدوحة بالقبول كوسيط بين الفرقاء الأفغان، فوفقاً لوزير الخارجية القطري، فإنه أكد لوزير الخارجية البريطاني استمرار الدور القطري كوسيط محايد بين الأطراف الأفغانية”، وأن دعوته لقادة الحركة في طالبان أكدت على ضرورة احترام حقوق الإنسان والمحافظة على مكتسبات المرأة الأفغانية وضرورة تشكيل حكومة وطنية “.
وفي سياق متصل، أكد القيادي الطالباني “أنس حقاني” أن المشاورات السياسية مستمرة لتشكيل نظام سياسي، وهو ما يعد وفقا لبعض المحللين توافق مع الرغبة الدولية، حيث جاءت تصريحات وزير الخارجية البريطاني” نريد تشكيل حكومة تشمل كل الأطياف في أفغانستان وسنحكم على طالبان بأفعالها”.
على أية حال، وفقاً للمراقبين فإن الدور القطري، من المحتمل أن يمتد ليصل إلى حث المجتمع الدولي على ضرورة القبول بطالبان في الحكم، وهو الوضع الذي يمكن أن ترضى عنه واشنطن، وقد أكد على قبول هذا المسار، وزير الحارجية الأمريكي، حيث قال “سنتعامـل مـع الحكومـة الجديدة فـي أفغانستان إذا كان ذلك يحقـق مصالحنـا القوميـة ويعيـد الاستقرار للمنطقـة”.
تأسيسا على سبق، يبدو أن الدعوات القطرية والضغوط على حركة طالبان قد أسفرت عن نتائج، حيث أعلن مصدر من داخل طالبان لشبكة قنوات الجزيرة “انتهاء المشاورات بشأن تشكيل الحكومة الجديدة في أفغانستان والنتائج ستعلن قريبا”.
دور قطر في مطار كابول:
مثَّل تأمين وتشغيل مطار كابل بعد إتمام الانسحاب الأمريكي، معضلة لدى حركة طالبان، خاصة بعد تنفيذ الهجوم الإرهابي في الـ 26 من أغسطس الماضي، والذي أسفر عن مقتل 170 مواطن، فضلاً عن عشرات الجرحى ومنهم أمريكيين ومدنيين أفغان. وفي هذا السياق، سعت أنقرة إلى محاولة ملئ فراغ القوات الأمريكية لتامين المطار، وتشغيله ولكن بشرط تأمين وجود أمني تركي، وعلى الرغم من هذا العرض، فإن حركة طالبان رفضت ذلك في حينه.
ولكن بعد الهجوم الإرهابي لتنظيم”ولاية خرسان”، والضغط القطري على قادة الحركة، وهو ما تأكد في قي تصريح وزير الخارجية القطري لفايننشال تايمز، حيث قائل، إن “الدوحة تحث حكام كابل الجدد على قبول المساعدة الخارجية لتشغيل المطار”، وعليه، أسفر هذا الضغط القطري على طالبان بقبول الحركة للمساعدات التركية فيما تواردت الأنباء عن إمكانية تشغيل مطار كابل بدعم فني قطري تركي.
وتشير تصريحات رئيس هيئة الطيران المدني الأفغاني، التي قالت فيها، إن “الطاقم الفني القطري يقيم الأضرار بمطار كابل ويخطط لتشغيل المطار قريبا.. وأن الهيئة سوف تطلب من الدوحة المساعدة في النقل الجوي وجاهزون لعقد اتفاقيات شراكة”- إلى أن هناك إمكانية عقد شراكات واتفاقات تجارية واستثمارية قطرية.
قطر والرعايا الأجانب:
أعلن الجينرال “ماكينزي” عن انتهاء المرحلة العسكرية من مهمة الإجلاء في أفغانستان، مشيراً إلى أن خارجية ستقود جهود المرحلة المقبلة، وفي سياق ذلك أكدت نائبة وزير الخارجية أن استمرار عمليات الإجلاء حتى آخر أمريكي من أفغانستان، ومن تلك النقطة يمكن استنباط الدور القطري في تسهيل عمليات إجلاء الأمريكيين والمتعاونين الأفغان من خلال توفير الحماية وأماكن الاستضافة بالدوحة، وهو الدور الذي ثمنته الخارجية الأمريكية والفرنسية، حيث عبرتا عن شكرهما لقطر وجهودها في العبور الآمن للمواطنين الأمريكيين والأفغان، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تمكنت من إجلاء 6000 أمريكياً من كابل وأكثر من 124 ألفاً متعاون ومدني.
ورغم تمكن واشنطن من إجلاء 6124 شخصاً، إلا أن هناك مزيد من المتعاونين والحلفاء والأمريكيين لا يزالون عالقين بكابل، وهؤلاء ترغب واشنطن في تأمين مسارات لهم خاصة البرية منها. كما تعاونت الدوحة لتسهيل زيارة المسئولين الغربيين لمجمعات الأفغان المتعاونين داخل أراضي الدوحة وأبرزهم وزير الخارجية البريطاني.
قطر والمساعدات الإنسانية للأفغان:
وفقاً لمفوضية الأممية للأمم المتحدة فان مئات الآلاف في أفغانستان بحاجة إلي المساعدات خاصة في ظل وضع مضطرب واقتصاد منهار، لذلك سعت الدوحة للتشاور مع المسئولين الغربيين لإدارة عملية إدخال المساعدات إلي أفغانستان- بحسب وزير الخارجية الهولندي، فإنه مناقشة مسألة تقديم المساعدات مع نظيرة القطري، كما إن واشنطن تعهدت بإدخال مساعدات للشعب الأفغاني عبر المنظمات غير الحكومية، وعليه يمكن أن يكون للمنظمات القطرية دور فاعل في هذا المجال، وبالطبع أبرز المنظمات المرشحة لهذا الدور هي “منظمة حمد الخيرية” القطرية .
وإجمالا، يمكن القول إن ما سبق ذكره، وبالإشارة إلى تحركات الدوحة في الفترة الأخيرة، يتضح مدى اتساع الدور القطري المستقبلي. فوفقاً لبعض المراقبين، فقد يصبح المكتب السياسي لحركة طالبان بالدوحة نافذة الحركة للانفتاح على مختلف الدولية والإقليمية، فضلاً عن احتضان المشاورات الأفغانية- الأفغانية لتشكيل حكومة جديدة، أضف إلى ذلك مهام التنسيق والتعاون في إدارة وتشغيل مطار كابل وفي مجال مكافحة الإرهاب وإدخال المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني واستمرار الدور القطري في حماية وإجلاء الرعايا الغربيين وحلفائهم من الشعب الأفغاني.