ماذا بعد انتهاء المباحثات المصرية مع الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية؟

في الرابع من أكتوبر الجاري انطلقت مباحثات مصرية حمساوية، حيث رئيس الوفد المصري اللواء “عباس كامل” رئيس جهاز المخابرات المصرية، وشاركه اللواء أحمد عبد الخالق، مسئول الملف الفلسطيني في الجهاز، وتشكل الوفد الفلسطيني من “إسماعيل هنية” و”صالح العاروري” و”يحي السنوار” وآخرين، وفي سياق متصل وصل إلي القاهرة – قبل أربعة أيام – منسق شئون الأسرى والمفقودين الإسرائيلي”يارون بلوم”، وهو الأمر الذي فتح التكهنات بشان مضمون هذه المباحثات وأثار عدة تساؤلات بشأن تثبيت الهدنة في قطاع غزة وصفقة تبادل الأسرى والمصالحة بين الأطراف الفلسطينية وإعادة الإعمار.
وتأسيساً على ما سبق، يحاول هذا التحليل الإجابة على تساؤلا رئيسيا،ً وهو: ما الذي انتهت إليه المباحثات المصرية مع الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية؟.
مناقشات متنوعة:
وفقاً لبيان حركة حماس، فقد بحث الجانبان العديد من القضايا على مستوى التطورات السياسية والميدانية، والعلاقات الثنائية، وسبل تحقيق وحدة الشعب الفلسطيني، وأضاف البيان قائلاً إن “الطرفين بحثا تطورات الملفات الساخنة وسلوك الاحتلال فيها، وخاصة قضية القدس بشكل عام، والشيخ جراح، وسبل التعامل لكبح سلوك الاحتلال وإجراءاته في القدس والأقصى”، كما تناول اللقاء قضية الأسرى في سجون الاحتلال بشكل عام، والأسرى الإداريين بشكل خاص، والمعاناة التي يمرون بها”.
وتجدر الإشارة إلي وصول وفد اقتصادي مصري لقطاع غزة في ذلك الوقت وبالتزامن مع لقاء قادة حماس في القاهرة، ووفقاُ لأسامة كحيل كبير المقاولين بقطاع غزة، والذي ناقش مع الوفد المصري مسألة زيادة وتنوع السلع التي تدخل للقطاع وإمكانية تسهيل تصدير السلع الفلسطينية من خلال الموانئ المصرية عبر معبر رفح ومن ثم الوصول للأسواق في أوروبا، كما تناولت المباحثات نية الجانب المصري إنشاء 3 مدن سكنية في بيت لاهيا وجباليا ومنطقة الزهراء إلي جانب إنشاء عدة طرق وشوارع وجسور.
تحركات مصرية فاعلة:
وتنفيذاً للسياسة الخارجية المصرية والدور الإقليمي المصري الفاعل في المنطقة، فقد عقدت القاهرة عدة اجتماعات خلال سبتمبر الماضي، ففي الثاني من نفس الشهر جاءت اجتماعات القمة المصرية الأردنية الفلسطينية للتأكيد على الدعم المصري لثوابت القضية الفلسطينية، ورفض الانتهاكات ضد الفلسطيني القدس الشرقية، وفي الرابع عشر من الشهر ذاته، وصل إلى القاهرة في زيارة رسمية وتُعَد الأولى من نوعها منذ عشرة سنوات، رئيس الوزراء الإسرائيلي” نفتالي بينت” ورئيس مجلس الأمن القومي” آيالهولاتا “، والسكرتير العسكري لرئيس الوزراء الفريق أول “آلي جيل” وقد حضر اللقاء من الجانب المصري الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية “سامح شكري ووزير” المخابرات العامة اللواء عباس كامل، وخلال اللقاء تم استعراض العلاقات الثنائية وسبل دعم وإحياء عملية السلام وملف الأسرى الإسرائيليين لدي الجانب الفلسطيني، وفي الحادي والعشرين من سبتمبر استقبلت القاهرة وبرئاسة اللواء “عباس كامل” وفد من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ظل وجود بعض المناوشات والتصعيد المتبادل من بعض الفصائل الفلسطينية والجانب إسرائيلي، وقد أكد الجانب المصري على أن منظمة التحرير الفلسطينية، تعد بمثابة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وأشار إلى رغبة القيادة السياسية المصرية بإنهاء الانقسام كخيارٍ استراتيجي لا بديل عنه، وعلى تقديم التسهيلات الاقتصادية لقطاع غزة و تنفيذ مشروعات إعادة الإعمار.
والجدير بالذكر، أنه في 30 من سبتمبر الماضي، وصل مسئول شئون الأسرى للقاهرة ووفقاً لبعض المصادر، فإنه قدم لمصر تصوراً إسرائيلياً يمكن أن يكون بمثابة نواة للتحرك على ضوئه لإتمام اتفاق بشأن الأسرى، وبعد عقد اللقاءات مع الحركة أجرى الرئيس “السيسي” اتصالاً هاتفياً بالرئيس محمود عباس في إطار استمرار الجهود المصرية تجاه القضية الفلسطينية، وبهدف إعادة إحياء عملية السلام، واستعاده حقوق الشعب الفلسطيني، وتعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة، كما كشفت عدة مصادر مصرية عن احتمالية وصول وفد امني إسرائيلي للقاهرة خلال الفترة المقبلة للتشاور بشان تطورات الأوضاع في غزة وبحث الملفات ذات العلاقة.
انعكاسات محتملة:
وفقاً لمصدر من داخل حركة حماس نشرته بعض وسائل الإعلام، فقد طرح الوفد كافة الأسباب التي من شأنها التوصل لاتفاق تهدئة، وبالتالي فقد تم التوافق على إطالة أمد الهدنة مقابل رفع الحصار جزئيا، وتعهدت حماس بعدم القيام بأي عمل فردي ضد إسرائيل في مقابل سماح الأخيرة بفتح المعابر، وإدخال المواد الغذائية والمواد التي حظرتها إسرائيل من قبل وتوسيع حركة المعابر وبدء عمليات إعادة الإعمار وفق التصور المصري وبدعم دولي أيضا. وقد نشهد أيضا تقدماً في ملف الأسرى، خاصة بعد تسريب بعض وسائل الإعلام أنباء عن التصور المصري بإمكانية تنفيذ الصفقة على 3 مراحل، ففي المرحلة الأولى تكشف الحركة عن مصير الجنود الأربعة مع معلومات تفصيلية عن حالتهم مقابل أن تفرج إسرائيل عن النساء والأطفال. فيما تشمل المرحلة الثانية، تسليم الجنديين الإسرائيليين “إفرام مانجيستو” و”هشام السيد” مقابل إخلاء سبيل الأسرى الفلسطينيين المعاد اعتقالهم، وعدد آخر من الصادر بشأنهم أحكام قضائية كبيرة. وفي المرحلة الثالثة، قد يتم تسليم رفات الجنديين الإسرائيليين “هدار جولدن” و”أرون شاؤول”، مقابل أن تطلق تل أبيب سراح باقي القائمة التي تضم أكثر من 1000 أسير فلسطيني، وعلى جانب أخر يرى البعض أن فرص نجاح إتمام صفقة الأسرى ضعيفة بسبب هشاشة الحكومة الإسرائيلية وخوف “نفتالي بينت” من تقديم أي تنازلات للجانب الفلسطيني يمكن أن تقوض استقرار حكومته.
وبخصوص المصالحة الفلسطينية، فقد أعلنت الحركة الاستعداد لإجرائها، وفي الواقع فإن مهمة الجانب المصري، تتمحور حول إحداث نوع من راب الصدع بين الأطراف الفلسطينية وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء، هو ما يمكن أن ينعكس على ملف إجراء الانتخابات وبشرط تعهد الجانب الإسرائيلي بالسماح لمواطني القدس بالمشاركة في الانتخابات الفلسطينية.
وعلى أيه حال، فإن بيان حركة حماس قد ألمح إلى “الاستعداد للانخراط في عملية جادة لإعادة ترتيب القيادة الفلسطينية عبر بوابة الانتخابات، أو التوافق على تشكيل قيادة مؤقتة لفترة زمنية محددة ومتفق عليها تمهيدا للوصول للانتخابات”، وهو ما يمكن أن يمثل مرونة كبيرة في موقف الحركة من هذا الملف إذ كان بمثابة نقطة خلافية أفشلت مباحثات الحوار الوطني الفلسطيني في مايو/يونيو الماضي، ويمكن أيضا بفضل الدور المصري والأمريكي على الرئيس “محمود عباس” أن يقدم بعض التنازلات لتشكيل حكومة توافقية تدعم جهود القاهرة في المفاوضات بين غزة وتل أبيب.
في النهاية، يمكن القول إن اجتماعات القاهرة خلال الفترة الأخيرة، والتي استمرت خلال شهرين سابقين سواء مع الأطراف الفلسطينية أو مع الإسرائيلية قد جاءت وسط أجواء إيجابية ناجحة وحددت الخطوات التنفيذية للفترة المقبلة، فربما نشهد دفعة لإحياء عملية السلام، وربما تكون هناك بعض النجاحات فيما يخص المصالحة ورأب الصدع بين الأطراف الفلسطينية وتشكيل حكومة وفاق وطني وإعادة الإعمار وإنشاء المدينة المصرية بالقطاع وبدعم دولي. وأما ما يخص ملف التهدئة والانتهاكات ضد فلسطيني الضفة فمشروط بالتزام الجانب الإسرائيلي وقف تلك الانتهاكات خاصة بعد قرار المحكمة الإسرائيلي الأخير بالسماح للمستوطنين الإسرائيليين بالصلاة في باحات المسجد الأقصى.