هل يتجه العمل الأهلي إلى الحوكمة بعد إطلاق التحالف الوطني؟
في مارس 2022 انطلق تأسيس التحالف الوطني للعمل الأهلي، إذ يضم في عضويته الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية بالإضافة إلى 24 كيان تنموي وخدمي من رواد العمل المجتمعي في مصر بإجمالي عدد متطوعين 250 ألف متطوع، ليقدم خدماته لأكثر من 30 مليون شخص، خاصة وأن الحاجة في الوقت الراهن فرضت وجود استراتيجية واضحة للعمل الأهلي، وتنسيق واضح لتعزيز التواصل المؤسسي وتوحيد جهود العمل الأهلي على مستوى الجمهورية، وتنفيذ رؤية الدولة التي تستهدف استغلال الموارد بشكل أمثل والحرص على وصول الدعم لمستحقيه، فضلاً عن الرغبة في حوكمة القطاع الثالث -المجتمع المدني-تماشياً مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة واتخاذ خطوات محسوبة لتحقيق رؤية مصر 2030 للتنمية.
تأسيساً على ما سبق، يحاول التحليل قياس التأثيرات الاجتماعية للتحالف، وحدود تحقيق الرضا العام من عدمه.
حوكمة القطاع الثالث.. دوافع متعددة:
من المعروف أن لأية دولة عدة وظائف تقوم بها لتحفظ أمن واستقرار المجتمع وتحقيق التنمية، انطلاقاً من الوظيفية التوزيعية للدولة، فقد شكلت رغبة النظام المصري للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية وتأثيراتها وأزمات تخفيض سعر صرف الجنية المصري أمام الدولار، والزيادة المستمرة لأسعار السلع لرفع معاناة الفئات الفقيرة والأشد فقراً، المنطلق الأساسي لإنشاء التحالف الوطني للعمل الأهلي ليكون المظلة الجامعة لكافة المنظمات والجمعيات والهيئات التي تمارس العمل الأهلي بمصر، ويمكن القول إن انخراط الدولة في برامج الإصلاح الاقتصادي كان دافع أساسي للتوسع في عمل برامج الحماية الاجتماعية للفئات المتأثرة.
وقد سبق إنشاء التحالف استصدار قانون تنظيم العمل الأهلي 149 لسنه 2019 والذي كفل للجمعيات الأهلية عدة مزايا مثل الإعفاء من رسوم التسجيل والقيد والضرائب ورسوم الدمغة بكل أنواعها، ثم إنشاء اتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية والذي يمثل قمة الهيكل التنظيمي للعمل التطوعي على مستوى الجمهورية والجهة المسئولة عن رسم السياسة العامة للعمل الاجتماعي في مصر ووضع سياسة التدريب وإعداد العاملين في ميادين الرعاية الاجتماعية المختلفة وفق احتياجاتها، ويضم في عضويته 27 جمعية و30 كيان الأهلي على مستوى الجمهورية، كما تم اعتبار عام 2022 عام “المجتمع المدني” ليمثل النهج التشاركي الذي تتخذه الدولة المصرية للتعاون مع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق اقصى استفادة لخدمة المجتمع المصري.
وقد جاءت تلك الخطوات التي استهدفت تطبيق مفهوم “حوكمة القطاع الثالث”- أي حوكمة المجتمع المدني والعمل الأهلي والذي من أهم مبادئه وجود استراتيجية توضح الأهداف والأدوار لمنظمات المجتمع المدني والعمل الأهلي وتحديد أصحاب المصلحة المستهدفين، وسيادة القانون لإرساء أسس حوكمة لهذا القطاع، فضلاً عن تطبيق سياسة الاستجابة والمشاركة الفعالة ويقصد بها قدرة الكيان أو المنظمة أو الجمعية على توجيه مشروعاتها وأنشطتها نحو تلبية احتياجات المجتمع خلال إطار زمني محدد والذي يتطلب مشاركة أفراد المجتمع الراغبين في التطوع، وأخيرا تطبيق معايير الشفافية والإفصاح وهو الشق الخاص بالموارد المالية وأوجه إنفاقها.
ولقد مثل إنشاء التحالف الوطني للعمل الأهلي رغبه الدولة المصرية في تطبيق مبادئ البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة الخاص بحوكمة القطاع الثالث، ففعلياً، سجل التحالف عدة إنجازات على المستوى التنظيمي والإداري فقد سعى التحالف لعمل قاعدة بيانات للأسر الفقيرة والأكثر احتياجاً تضم حوالي 37 مليون مستحق لضمان وصول الدعم لمستحقيه، وإنشاء قاعدة بيانات موحدة للتطوع في مختلف الجمعيات حيث يتم تبادل المتطوعين عند الحاجة وتوفير برامج تدريبية لبناء قدراتهم،ورسم سياسات عمل الجمعيات الكبرى بشكل تشاركي تكاملي والتخطيط المناسب للمشروعات قبل تنفيذها وهو ما يحقق التكامل وبعيدا عن المنافسة والتكرار للمشروعات والخدمات الأهلية، وهو ما يتفق مع المبدأ الأول والثاني، ومراجعة ميزانيات أعضائه من كافة الجهات الرقابية المنوط بها،وتحقيق حوكمة إنفاق أموال جمعيات التحالف، وهو ما يتفق مع المبادئ المذكورة في السابق.
التأثرات الاجتماعية المحتملة:
على الرغم من حداثة إنشاء التحالف، فإن تأثيراته واضحة بشكل كبير فعلى المستوى الاجتماعي، استهدف التحالف توجيه دعم نقدي وإنفاق 12 مليار جنية لمساعدة 30مليون مواطن، كما قام التحالف بتقديم مساعدات غذائية لـ 25 مليون مواطن، وفي المجال الصحي تم استقبال 35مليون مواطن بمستشفيات التابعة لأعضاء التحالف، وتوفير حوالي 39الف فرصه عمل للشباب من خلال المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وفي مجال الزراعة فقد تم إطلاق “مبادرة ازرع” لتشجيع صغار الفلاحين لزراعة المحاصيل الاستراتيجية مثل الأرز والقمح والقطن وقصب السكر وتحسين أحوال صغار الفلاحين، أيضا إطلاق قوافل ستر وعافية تنفيذا لقرارات الرئيس السيسي” وتقدم هذه القوافل مجموعة الخدمات الاجتماعية مثل توزيع مواد غذائية وبطاطين ضمن حملة “دفء الشتاء” وإقامة معرض ملابس بأسعار مخفضة، وسداد دين عدد من الغارمات. كما تم إطلاق مبادرة “كتف في كتف” بتوجيه من الرئيس السيسي لمواجهة غلاء الأسعار.
وإلى جانب البعد الاجتماعي والاقتصادي، فقد كما قام التحالف بالمشاركة في قمة المناخ COP 27، ومؤتمر النقابات المهنية، وتنظيم حلقات نقاشية لجلسات الحوار الوطني في بعض القرى والمراكز بالمحافظات المختلفة، وهو بعد سياسي جديد يضيفه التحالف لقائمة أعماله التي تستهدف تنمية المجتمع المصري.
وأخيرا، فقد مثل إنشاء التحالف الوطني للعمل الأهلي آلية تشاركية تضم القطاع العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني، وهي الخطوات التي شكلت رغبه الدولة المصرية في تحقيقي أقصى استفادة من نشاط الجمعيات الأهلية الحكومية وغير الحكومية وذلك لمواجهة الأزمات الاقتصادية وتداعياتها على الفئات الأكثر استحقاقاً، فضلاً عن توحيد الجهود ومنع الازدواجية عند تقديم العمل الأهلي ومن ثم ترشيد العمل والوصول لأكبر عدد من المستفيدين.