أين وصل مسار المفاوضات بين “القاهرة” و”أنقرة”؟
في الثامن من سبتمبر الجاري اختتمت بالعاصمة “أنقرة” الجولة الثانية من المفاوضات المصرية التركية، التي عقدت على مستوى نواب وزراء الخارجية للبلدين. يذكر أن المفاوضات بدأت في أوائل مايو الماضي على إثر تصريحات اعتبرها البعض مغازلة من الجانب التركي لنظيرة المصري، كما تجدر الإشارة هنا إلى أن الاستجابة المصرية للمغازلة التركية اشترطت بعض الاعتبارات والمحددات على الجانب التركي.
وتأسيساً على ما سبق، يمكن طرح عدة تساؤلات بشأن مسار المفاوضات والمغازلة التركية ورد الفعل المصري، منها: إلي أي مدى وصلت جولة المفاوضات الاستكشافية بين الطرفين؟ ومتى يمكن أن نشهد تحسناً في العلاقات بين الجانبين؟.
مغازلة تركية وشروط مصرية:
تعتبر الظروف الدولية والإقليمية التي تشهدها المنطقة بمثابة عامل ضغط على الأطراف الإقليمية لضرورة معالجة الوضع الجديد، خاصة بعد تغيير القيادة الأمريكية وانسحابها من أفغانستان وإعادة تموضع قواتها بالمنطقة، لذلك جاء التقارب التركي العربي وبشكل خاص المصري كنتيجة حتمية لتلك التغييرات.
ووفقاً لتشاويش أوغلو، فإن الاتصالات واللقاءات بين الجانبين كانت على المستوى الاستخباراتي ثم لقاءات وزارة الخارجية، وبعد عقد جلسة المفاوضات التركية-المصرية الأولى بالعاصمة المصرية مايو الفائت والتي صاغت فيها القاهرة بعض الشروط لاستعادة العلاقات، التي تلخصت في: تعديل السياسة التحريرية لقنوات تنظيم الإخوان الإرهابي، وتسليم المطلوبين جنائياً والمتورطين في قضايا إرهابية، وانسحاب المرتزقة الموجودين في ليبيا، فضلاً عن احترام سيادة الدول ومراعاة مقتضيات الأمن القومي العربي. وبحسب السفير “سامح شكري” وزير الخارجية المصرية، فإن مصر سوف تتابع أفعال وسياسات الدولة التركية ولن تكتفي أبدا بالتصريحات الدبلوماسية.
ما الذي تحقق؟:
بمراجعة التحركات التركية في المرحلة الأخيرة، يمكن ملاحظة الأتي: ففيما يتعلق الملف الإعلامي وسياسات التحرير الإعلامية لقنوات تنظيم الإخوان الإرهابي، يمكن ملاحظة أن أجهزة الأمن التركية منعت أبرز الإعلاميين مثل محمد ناصر ومعتز مطر من الظهور على منصاتها الإعلامية المنطلقة من تركيا، وقد استبدلت هؤلاء ببعض الوجوه الجديدة، كما أن برامج مع معتز لا يزال ينطلق عبر قنواتهم الخاصة.
وعلى الرغم إعلان بعضهم مغادرة تركيا والتوجه لدول أوروبية، فإن المتتبع لسياسة قنوات الشرق ومكلمين يلحظ أن السياسة التحريرية لم تتغير بالمقارنة بنظيرتها القطرية “الجزيرة”،- أي أنه نفس المضمون نفس الرسالة، ولكن بوجوه جديدة، وهو ما يعد مناورة تركية في هذا الملف. وفيما يخص تسليم المطلوبين جنائياً والمتهمين في قضايا إرهابية، فإنه وفقاً لموقع “تركي 24” فأنقرة تعتزم تسليم 15 عنصرًا تابعًا لجماعة الإخوان إلى مصر في أكتوبر المقبل، وهو الأمر الذي أصاب قادة الإخوان بهلع كبير، خاصة بعد تلقيهم معلومات بنية السلطات التركية بتسليمهم وبمصادرة ممتلكاتهم في إطار إحياء ملف المفاوضات مع مصر.
أما فيما يخص الملف الليبي، فالموقف المصري من الأزمة الليبية ثابت، وهو الحفاظ على الدولة الليبية، وضرورة خروج المرتزقة منها، وهو ما عبر عنة سامح شكري في مقابلة مع وكالة بلومبرج “، حيث قال إن “القضية الرئيسية لمصر تظل في تورط تركيا بليبيا”، مؤكداً على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، وأضاف الوزير شكرى في نفس اللقاء المذكور”نود أن نترك الليبيين يقررون مستقبلهم”. وعلى الرغم من أن البيان الختامي لمؤتمر برلين 2 قد شدد على ضرورة خروج المرتزقة من ليبيا، فإن أنقرة قد تحفظت على هذا البند وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية” تانجو بيلغيتش”، قائلاً “لن نسمح بالتساؤل حول مدربينا ومستشارينا في ليبيا في منابر إقليمية ودولية، وأن تتم مساواتهم مع مرتزقة غير شرعيين”، وتزامناً مع تلك التصريحات والتحركات، يلاحظ أن الأوضاع في ليبيا تتجه نحو التهدئة وربما يحدث تهيئ لإجراء الانتخابات الليبية في موعدها ديسمبر المقبل.
ولا ننسى ملف العلاقات (التركية الإثيوبية) كمؤثر في مسار العلاقات المصرية -التركية، حيث تعتبر الدولة المصرية قضية “سد النهضة” قضية وجودية وخط أحمر، وبمراجعة التحركات التركية يلاحظ في الفترة الأخيرة” تكثيف لمستوى الزيارات الإثيوبية لأنقرة في ظل استمرار الصراع بين القوات الفيدرالية بقيادة آبي أحمد وقوات جبهة تحرير التيجراي، والدعم التركي المستمر لرئيس الوزراء الإثيوبي.
لقد تبلورت المصالح الإثيوبية-التركية من خلال توقيع عدة اتفاقيات للتعاون في المجال المائي وتنمية السدود والمجال العسكري والدفاعي، كما عرض الرئيس التركي الوساطة بين الجانب الإثيوبي والسوداني لحل الأمور الخلافية في أراضي الفشقة السودانية، ويرى بعض المراقبون أن تلك الاتفاقيات تأتي في إطار المصالح المتبادلة بين الدولتين، مشيرين إلى أنه لا يمكن أن تفكر تركيا في المساس بالمصالح المصرية في الوقت الذي تحاول جاهدته استعادة العلاقات مع القاهرة.
وعلى الصعيد الإقليمي وحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، يمكن التأكيد على أن التقارب (السعودي الإماراتي- القطري التركي) جاء ليتوج جهود الاستقرار، خاصة بعد استعادة العلاقات القطرية-المصرية بشكل كبير وتبادل السفراء. وقد انعكست تلك الجهود بإقامة “قمة بغداد” أواخر أغسطس الفائت، وهي القمة التي شهدت اجتماع فرقاء الأمس- مصر وتركيا والسعودية والإمارات وقطر.
وفيما يخص ملف “غاز شرق المتوسط“، فيلاحظ أن الدولتين تولي هذا الملف اهتماماً كبيرا، وخاصة الجانب التركي، وما يؤكد أهمية هذا الملف لأنقرة واحتمال وقوفه حجر عثرة أمام حلحلت مساراته بين أطرافه، هو ما صرح به في وقت سابق، وزير الخارجية التركي مولود تشاويش اوغلو، حيث قال إن “أي اتفاق بشأن الغاز الطبيعي شرقي المتوسط يستثني تركيا لا قيمة له أبدا.. وإن انتُهكت حقوقنا فسنتخذ الإجراءات اللازمة، واستكمل في نفس التصريح، قائلاً” إنه “من الممكن عودة سفيري البلدين، ويمكننا أيضا التفاوض حول مناطق الصلاحية البحرة (شرقي المتوسط) بما يحقق مكاسب حقيقية للجانب المصري”.
ترجيحات حول استئناف العلاقات بين البلدين:
في حواره مع وكالة بلومبرج الأمريكية أكد رئيس الوزراء المصري” مصطفى مدبولي” أنه يمكن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع تركيا هذا العام إذا تم حل القضايا العالقة بين البلدين لإعادة تطبيع العلاقات”، كما أوضح أن القاهرة “حريصة على إيجاد حل”، وهي نفس الرغبة التركية أيضا، والتي تترجمها التصريحات على المستوى الرسمي.
تأسيساً على ما سبق، فإن استئناف العلاقات بين القاهرة وأنقرة، مازال مرهون بمدى التقدم والتجاوب التركي في ملفات تخص الأمن القومي مثل تسليم المطلوبين جنائياً والإخوان وقضية سد النهضة) والملفات العربية، منها الأزمة الليبية، وكذلك التقدم في العلاقات الخليجية (الإمارات والسعودية) التركية، وهو ما ينعكس بالأخير على ملف غاز شرق المتوسط، وإمكانية تحقيق الاستفادة للجانبين، وعند هذه النقطة يمكن استعادة العلاقات بشكل كامل ومن تبادل السفراء.