استشراف السياسة الخارجية للولايات المتحدة لعام 2022
أثبت عام 2021 مع اقتراب نهايته، أنه عام تنظيف الفوضى القديمة بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، حيث شرع بايدن في إصلاح الضرر الذي أحدثه سلفه ترامب في مكانة أمريكا في العالم وتذكير خصوم واشنطن بأن الولايات المتحدة لا تزال قوة على المسرح الدولي، من خلال إعادة الانضمام إلى اتفاق باريس للمناخ، وإصلاح العلاقات مع الناتو، واستئناف المحادثات مع إيران، تمكنت إدارته من تحقيق عدة النجاحات، لكن بالرغم من ذلك مازال هناك العديد من الملفات العالقة التي سيتعين على إدارة بايدن خلال عام 2022 التركيز عليها، بما في ذلك العلاقات بين روسيا وأوكرانيا، والتوترات مع الصين وأزمة الحدود الجنوبية.
تأسيساً على ما سبق، يحاول هذا التقرير وضع تصور لمسار السياسية الخارجية الأمريكية خلال عام 2022.
التوترات بشأن أوكرانيا 2022:
من المرجح أن تستمر أوكرانيا في تعكير العلاقات الأمريكية الروسية لبعض الوقت في المستقبل حيث لم يعد من الممكن تنحية الصراع في أوكرانيا جانبًا في إطار جهود بايدن لتحقيق الاستقرار في العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا من خلال وضع خطوط حمراء بشأن الحرب الإلكترونية وغيرها من القضايا الاستراتيجية، ولذلك من المحتمل أن تتحول الأزمة المتزايدة الناجمة عن التهديد الروسي لتحركات القوات ضد أوكرانيا إلى فرصة لوضع العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة على أرض مستقرة، عن طريق محاولة إدارة بايدن إبطاء الزخم الحالي نحو مواجهة خطيرة من خلال قيام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالتوسط في محادثات مصممة لجعل موسكو وكييف تلتزمان بإطار عمل مينسك 2، كذلك يجب على الولايات المتحدة ألا تفترض أن زيادة العقوبات على روسيا أو شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا سوف تردع بوتين بل سوف تحثه على القيام بمزيد من التوغلات، وبالتالي إذا وجدت واشنطن طرقًا لتقليل التوترات بشأن أوكرانيا أخيرًا، فقد تفتح المزيد من الفرص لتقليل الاحتكاك مع موسكو، في وقت تفضل فيه الولايات المتحدة التركيز على الصين.
الولايات المتحدة والصين 2022:
يبدو أن مصطلح “الحرب الباردة الجديدة” هو أفضل وصف للعلاقة المستقبلية بين الولايات المتحدة والصين، فقد أوضح شي جين بينج في عدة مناسبات أن الصين هي القوة العظمى الصاعدة التي ستعيد تشكيل النظام العالمي حسب رغبتها ، بينما في المقابل تعهد جو بايدن بأن الولايات المتحدة “ستنتصر في المنافسة الاستراتيجية مع الصين” وتصدرت مواجهة بكين أجندة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، حيث عمل بايدن على الإبقاء على التعريفات التجارية لدونالد ترامب، وارسال السفن الأمريكية عبر مضيق تايوان، وادانة قمع الصين للحرية في هونج كونج وانتهاكات حقوق الإنسان للأويغور في شينجيانج ، وأخيراً إعلان المقاطعة الدبلوماسية لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 التي تستضيفها الصين، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات مع حلفاء مثل أستراليا واليابان، واقناع الناتو بإصدار بيانات صارمة بشأن الصين ، وعلى الرغم من إجراء بايدن وشي مكالمة لمدة ثلاث ساعات ونصف في نوفمبر لمناقشة خلافاتهما، إلا أن الحديث لم ينته بأي اتفاقات أو بيانات مشتركة ، ولم يهدئ من التصريحات الصادرة عن أي من العاصمتين، وبالتالي يبدو أن لدى كلا الجانبين سبب وجيه للاحتفاظ بخلافاتهما في المستقبل.
الحضور الأمريكي في الشرق الأوسط 2022:
لن يحدث تغيير ملحوظ في خارطة التحالفات الأمريكية في الشرق الأوسط خلال عام 2020، فإدارة بادين لن تتخلى عن الشركاء التقليديين لواشنطن في المنطقة، لاسيما وأن الولايات المتحدة ما تزال محافظة على شبكة كثيفة من العلاقات والتحالفات، بالإضافة إلى شبكة واسعة من القواعد العسكرية تسمح لها بسهولة الانخراط في قضايا الأمن الإقليمي والعالمي، كما أن تطورات الأحداث المستمرة في المنطقة تشدد على أهمية الوجود الأميركي وعلى ضرورة تعزيز تلك التحالفات.
أما فيما يتعلق بالمفاوضات مع إيران، فلا يبدو أن الدبلوماسية أو الردع يعملان حتى الآن ومن المرجح فشل المساعي الغربية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني كما لا يمكن استبعاد العمل العسكري ضد برنامج إيران النووي من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، فإيران أقرب من أي وقت مضى لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لقنبلة نووية واحدة، كما أن مطالبة إيران بإزالة جميع العقوبات تجعل العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي لعام 2015 أمرًا مستبعدًا، بالإضافة إلى تصاعد الهجمات الإلكترونية الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، و تزايد ضغط الكونجرس على الرئيس جو بايدن لفرض عقوبات أكثر صرامة على إيران واتخاذ إجراءات ضد أنشطة انتهاك العقوبات الإيرانية مثل مبيعات النفط إلى الصين، وبالتالي الانهيار المحتمل للمحادثات النووية مع طهران سيؤدي إلى مزيد من الزخم الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط.
دعم الاستقلال الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي 2022:
سترحب إدارة بايدن بالحكم الذاتي الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي بدلاً من القلق بشأن ما إذا كان سيضر الناتو، خاصة وأن من مصلحة الولايات المتحدة أن تتحمل أوروبا المزيد من المسؤوليات كلاعب عالمي، لان روسيا ليست التهديد الوحيد لأمن أوروبا بل هناك أيضاً تحديات في الشرق الأوسط وأفريقيا مثل إخفاقات الدول وموجات تدفق اللاجئين والمهاجرين، كما ان الاتحاد الأوروبي يشير إلى الاستقلال الذاتي الاستراتيجي بأنه ضمان “قدرته على العمل بشكل مستقل عندما وحيثما لزم الأمر ومع الشركاء حيثما أمكن ذلك”، أي لا يستبعد التعاون مع الولايات المتحدة، لكن القادة الأوروبيين يريدون القدرة على التصرف بشكل مستقل حيث يناسب مصالحهم بما في ذلك ممارسة القوة الاقتصادية في مجالات مثل التكنولوجيا.
وبالتالي إذا كانت إدارة بايدن جادة في جعل آسيا محور تركيزها الجيوسياسي الأساسي، يجب عليها الاستمرار في تسهيل التكامل الأوروبي وأن تكون المؤيد الرئيسي لها، لأنها ستستفيد من تجهيز أوروبا نفسها لإدارة قضاياها الخاصة بمفردها، كما أن الجدال مع أوروبا حول حقها في تحقيق السيادة لن يؤدي إلا إلى تقويض التحالف على المدى الطويل.
استراتجية جديدة في التعامل مع منطقة المحيطين الهندي والهادئ 2022:
تستعد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في عام 2022 لإطلاق إطار عمل اقتصادي بين المحيطين الهندي والهادئ لتعميق المشاركة مع المنطقة، والتي تم الإعلان عنها لأول مرة من قبل بايدن في قمم إقليمية افتراضية في الخريف، لكن يبدو أن احتمالات النجاح ليست لصالح واشنطن، خاصة في غياب استراتيجية قوية للتجارة الإقليمية، كما أن تعريف الإطار لا يزال غامضًا على أنه اتفاق يسعى إلى تحقيق “أهداف مشتركة” ، بما في ذلك تلك المتعلقة بتيسير التجارة والاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا وسلاسل التوريد والطاقة النظيفة والبنية التحتية ومعايير العمال والأولويات الأخرى.
ولكن يمكن لواشنطن أن تحسن من استراتيجية التجارة في تلك المنطقة من خلال تعزيز آلية التجارة الرقمية سريعة النمو، والتي شكلت 17 % من تجارة التجزئة العالمية في عام 2020، على غرار اتفاقية التجارة الرقمية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، واتفاقية التجارة الرقمية بين الولايات المتحدة واليابان، والشراكة عبر المحيط الهادئ، واتفاقية الشراكة بين سنغافورة ونيوزيلندا وشيلي للاقتصاد الرقمي (DEPA)، والتي يعتبرها بعض المسؤولين في إدارة بايدن نموذجًا رائدًا لنهج أكثر شمولًا للعمال والشركات الصغيرة.
التعامل مع تحديات دول أمريكا اللاتينية 2022:
بينما تركز الولايات المتحدة بشكل متزايد على الصين وآسيا، لا تستطيع الولايات المتحدة تجاهل منطقتها، خاصة وأن العديد من القضايا اليومية التي يقلق الأمريكيون بشأنها مثل الهجرة وتجارة المخدرات وتغير المناخ عبر تدمير غابات الأمازون المطيرة لها جذور هناك، إلى جانب تضرر منطقة أمريكا اللاتينية بشكل خاص جراء وباء كوفيد-19، وبالتالي سيكون على إدارة بايدن أن تفعل أكثر من مجرد زيادة المساعدات الخارجية للمنطقة لوقف تدفقات المهاجرين، من خلال لعب دورًا نشطًا في تعزيز تخفيف عبء الديون ، والمساعدة في التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من حدته ، وبناء قاعدة قائمة للتكنولوجيا الفائقة ، ورعاية تماسك إقليمي أكبر ، ولذلك توفر قمة الأميركيتين في العام المقبل فرصة لإدارة بايدن لتوضيح التزام أمريكا تجاه جيرانها.
تغيير نهج “الدبلوماسية والردع الصارم” مع كوريا الشمالية 2022:
صاغت إدارة بايدن سياستها تجاه كوريا الشمالية منذ ستة أشهر تقريبًا، ومنذ ذلك الحين لم يحدث شيء للتخفيف من التهديد الذي تشكله الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، بل على العكس من ذلك تعهد كيم جونج أون بتطوير أسلحة أكثر تقدمًا وتعزيز القوات النووية لبلاده، على سبيل المثال اختبرت كوريا الشمالية أنظمة صواريخ كروز مختلفة وصواريخ باليستية قصيرة المدى في مارس وسبتمبر، حيث يبدو أن نهج واشنطن “الدبلوماسية والردع الصارم” تجاه كوريا موجهة بشكل أساسي نحو استيعاب الإدارة في سيول وتقوية التحالف.
وبالتالي سيتعين على واشنطن تعديل هذا النهج، خاصة إذا أدت الانتخابات الرئاسية في كوريا الجنوبية في مارس 2022 إلى تغيير الإدارة الحالية، لان وجود إدارة أكثر تحفظًا في سيول ستدعو بالتأكيد إلى مزيد من الضغط على بيونج يانج وتؤكد على العقوبات المفروضة على انتهاكات حقوق الإنسان، لكن إذا أرادت إدارة بايدن تجنب الكارثة التي تلوح في الأفق لسياستها تجاه كوريا الشمالية ، فستحتاج إلى إضافة حوافز لتسهيل استعداد بيونج يانج للتعاون، و قد يشمل ذلك حل وسط أمريكي لتسوية اتفاقية محدودة لمنع انتشار الأسلحة النووية مقابل تخفيف انتقائي للعقوبات ، مثل استثناء مشاريع التعاون بين الكوريتين، و من شأن تلك الخطوات إغراء كيم جونج أون للسماح لمفاوضيه بالرد على التواصل الدبلوماسي لواشنطن وراء الكواليس.
خلاصة القول، من الواضح أن إدارة بايدن تهدف إلى تقديم أجندة للسياسة الخارجية أكثر تطوراً وتركيزاً في عام 2022، وذلك بعد أن هيمنت القضايا الداخلية على أولويات العام الأول من الإدارة، لكن من المرجح أن تبقى العديد من أهداف السياسة الخارجية دون تغيير إلى حد كبير، وبينما ستكون هناك جهود أكبر لتعزيز العلاقات مع الحلفاء من خلال آليات مثل الرباعية من أجل مواجهة نفوذ الصين، من المتوقع ان التركيز على قضايا أخرى قد تتأثر بشكل متزايد بالسياسات المحلية، وذلك بالنظر إلى ان على الرغم من أهمية السياسة الخارجية لأجندة بايدن ، إلا انه يعي جيداً أن أكبر تهديد على رئاسته يكمن في تحديات الداخل مثل مكافحة كوفيد-19 وتحوراته والتضخم، وتمرير مشروع قانون “إعادة البناء بشكل أفضل” وحماية حقوق الناخبين ومؤشرات تآكل الديمقراطية الأمريكية.