2022 عام الفرص للدبلوماسية الإماراتية
تزامنا مع احتفال الدولة بيوبيلها الذهبي، وضعت القيادة الإماراتية الخطوط العريضة لتوجهات الدولة وسياساتها خلال الخمسين عاما المقبلة وصولا إلى 2071، والتي تضمنت رؤية طموحة لتقوية الاتحاد وتعزيز سمعة ومكانة الدولة على المستويين الإقليمي والدولي في إطار سياسة خارجية منفتحة على مختلف بلدان وشعوب العالم وتوسيع نطاق تحركاتها وصياغة أهداف ذات أفق إنساني، توجتها انتخاب دولة الإمارات للعضوية غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي 2022-2023 وعضوية مجلس حقوق الإنسان 2022 : 2024.
وتأسيسا على ما سبق؛ يستعرض هذا التحليل مكتسبات الدبلوماسية الإماراتية في الفترة الأخيرة وما تؤسس له من فرص تؤطر سياسة الدولة وترسيخ رؤيتها لحل القضايا الإقليمية والدولية.
المصلحة الوطنية هي البوصلة:
تجاوزت السياسة الإماراتية مؤخرا مساحات رمادية وسعت لبلورة مقاربة جديدة إزاء القضايا الإقليمية، رأت فيه تجاوزا لحالة الجمود والاستعصاء للصراعات في منطقة الشرق الأوسط، فبادرت بتطوير العلاقات مع المحيط الإقليمي بتعميق الصلات الاقتصادية والتجارية كمسوغ لإخماد نيران التصعيد والشروع في بناء علاقات بناءة تحقق الاستقرار الإقليمي المنشود.
هذا التوجه عبرت عنه بشكل واضح مبادئ الخمسين التي أعلنها نائب رئيس الدولة رئيس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في سبتمبر الماضي وصادق عليها رئيس الدولة حاكم أبوظبي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، والتي أكدت على تطوير علاقات سياسية إيجابية تتبنى مبادئ السلم والحوار وإحلال السلام وتفصل العامل الإنساني والإغاثي عن الخلافات السياسية الدولية، بصورة تخدم في المحصلة أهداف التحول الاقتصادي.
(*) إقليميا:
وكانت دولة الإمارات من أولى الدول اشتباكا مع الشأن الأفغاني على الصعيد الإنساني، فقد أعلنت أبوظبي استضافة الرئيس السابق أشرف غني لدواع إنسانية، كما قدمت مساعدات إنسانية للشعب الأفغاني على الرغم من عدم تأييدها حكم حركة طالبان، وقبيل تطوير العلاقات مع تركيا أعلنت أبوظبي في أوائل نوفمبر الماضي تقديم 36.7 مليون درهم لتأهيل المناطق المتضررة من حرائق الغابات والفيضانات.
كما طورت الإمارات علاقاتها مع إسرائيل وتركيا مؤخرا بجانب رفع مستوى الحوار مع النظام الإيراني في مسعى لتدارك حقيقة جيوسياسية هامة مفادها أن سيولة المشهد الإقليمي لا تلبث أن تنتهي إلى تثبيت التحولات في موازين القوى من معارك ميدانية ودبلوماسية، وبالتالي ترى أبوظبي أن مالا يمكن تغييره من مدركات وعقائد سياسية يمكن على الجانب الآخر التأثير في مسار وسلوكيات فاعليه، وهو مالا يتأتى سوى بفرض التواجد وبفاعلية في الساحة استنادا إلى ظهير عربي، وهو ما دلل عليه انفتاح أبوظبي على تطبيع العلاقات مع دمشق.
(*) دوليا:
وعلى الصعيد الدولي، تنطلق الإمارات من ذات التوجه نحو تعميق العلاقات الاستراتيجية مع الصين خاصة التعاون في مختلف المجالات، كما ترتبط أبوظبي بعلاقات استراتيجية مع روسيا تمتد للمجال العسكري في إطار إبداء الاهتمام بشراء المقاتلة سوخوي 35، في وقت حافظت فيه على العلاقات القوية مع الشركاء الغربيين ومن بينهم فرنسا التي وقعت معها عقود لتوريد 80 مقاتلة من طراز رافال.
ويأتي كل ذلك مع تصاعد التباينات بين دولة الإمارات من جانب والإدارة الأمريكية من جانب آخر حول تسليم مقاتلة الجيل الخامس إف 35 في ضوء القيود الأمنية وسياسة التشغيل التي تفرضها واشنطن بداعي مخاوفها من تسرب تكنولوجيا عسكرية أمريكية حساسة لقوى غير حليفة، في إشارة للجانب الصيني الذي زعمت صحيفة أمريكية اضطلاعه ببناء قاعدة عسكرية داخل ميناء خليفة دون علم سلطات دولة الإمارات. وفي حين رد سفيرها بواشنطن يوسف العتيبة بأن بلاده ملتزمة بحماية أسرار التكنولوجيا العسكرية الأمريكية، لوحت أبوظبي مؤخرا بالانسحاب من الصفقة الضخمة والمقدرة بنحو 23 مليار دولار وتتضمن طائرات ريبر المسيرة.
فرص الدبلوماسية الإماراتية:
ثمة اتساع في مجال الحركة لا يمكن إغفاله في السياسة الخارجية الإماراتية يتعدى تنوع الشراكات والانفتاح على مختلف الفاعلين إلى إضفاء نزعة إنسانية جامعة على خطابها المطعم بعبارات التسامح والسلام والأخوة والتي تندرج تحتها عدة مبادرات كان أبرزها احتضان أبوظبي التوقيع على وثيقة “الأخوة الإنسانية” بين شيخ الأزهر الشريف الإمام أحمد الطيب وبابا الفاتيكان البابا فرانسيس الثاني في 4 فبراير 2019، لتحتفي به الأمم المتحدة كيوم عالمي للأخوة الإنسانية بناءا على مبادرة مشتركة قدمتها كل من مصر والإمارات والسعودية والبحرين، ومن ثم ستشغل قضايا التعايش والحوار بين الشعوب والثقافات جانبا من الأجندة الدولية للإمارات في العام المقبل باعتبارها انعكاسا لسياسة الانفتاح في الداخل الإماراتي
وعملت الإمارات على اكتساب موقع مؤثر في فضاء المستقبل لاستشراف التحديات التي تواجه البشرية والمساهمة في إثراء النقاش حولها والمشاركة في تقديم الحلول كذلك عبر منصة إكسبو دبي 2020، وهي الرسائل الكامنة خلف برنامجها لاستكشاف الفضاء وإطلاق مسبار الأمل كأول مسبار إماراتي وعربي حول المريخ لاستكشاف فرص الحياة على الكوكب الأحمر، وكذلك كان تحدي تغير المناخ فرصة لإلقاء الضوء على الحلول المستدامة في مجالات الطاقة والنقل والغذاء والمياه.
ويمكن القول إن عام 2022 سيشهد حصاد تلك المكتسبات للسياسة الإماراتية في ضوء شغلها مقعد غير دائم بمجلس الأمن الدولي وعضوية مجلس حقوق الإنسان وانتخاب ممثلها اللواء أحمد ناصر الريسي رئيسا لمنظمة الشرطة الجنائية الدولية، ومن المنتظر أن يرتكن الدور الإماراتي على تقديم المبادرات على النحو التالي:
(*) إحلال السلام:
سعت دولة الإمارات للتوسط في عدد من الأزمات في المنطقة للعب دور صانع السلام، فقد رعت إلى جانب المملكة العربية السعودية جهود السلام بين إريتريا وحكومة إثيوبيا، وساهمت في جهود التوصل لاتفاق سلام السودان بين الحكومة والحركات المسلحة، كما عرضت التوسط في عدة نزاعات إقليمية أبرزها النزاع الهندي-الباكستاني.
ويُتوقع أن تعزز أبوظبي رؤيتها لحل الأزمات وتقديم مبادرات للسلام عبر أدوات مجلس الأمن من استصدار قرارات يتوفر لها الغطاء الدولي وبالتعويل على الإرادة الجماعية للدول الأعضاء في حفظ السلم والأمن الدوليين، ويتضمن ذلك الشق تخفيف النزاعات والحد منها خاصة في منطقتي الشرق الأوسط والقرن الأفريقي.
تأتي الأزمة السورية في مرتبة متقدمة على أجندة العمل الدولي للإمارات للعب دور في إنهاء عزلة دمشق من خلال دعم التطبيع العربي مع دمشق والعمل مع الدول المعنية بالشأن السوري من أجل تخفيف أثر العقوبات والمساعدة في تحريك الحل السياسي للأزمة.
ويعد الشأن الأفغاني ميدانا رئيسيا للعمل الدولي في ظل الأزمات الإنسانية والأمنية المتصاعدة جراء سيطرة حركة طالبان على الحكم بشكل منفرد وتمدد نشاط تنظيم داعش، في بلد يحفل بتنوع مذهبي وعرقي مما يعزز من مخاوف اتخاذ أفغانستان قاعدة لتجنيد عناصر في التنظيمات الإرهابية السنية والشيعية، وعليه فمن الطبيعي أن تعمل أبوظبي مع الدول الأعضاء والأطراف ذات الصلة بشأن وضع آليات للتعامل مع حركة طالبان مقابل التزامها بتوسيع مشاركة الفرقاء الأفغان في السلطة ومنع أي أنشطة للتنظيمات الإرهابية على الأراضي الأفغانية.
(*) تحديات تغير المناخ:
ساهمت دولة الإمارات في تعزيز الاستدامة ودعم تطبيقاتها عبر الاستفادة من تجارب الشركاء الدوليين واستعراض فرص التعاون وتبادل الخبرات في مختلف مجالات العمل المناخي ومنها على سبيل المثال الالتزام بالزراعة المستدامة، حيث أطلقت بالتعاون مع 39 دولة مبادرة “الابتكار الزراعي للمناخ”، وعلى صعيد إيجاد الحلول في مواجهة ندرة المياه ستسعى أبوظبي لمشاركة تجاربها في استمطار السحب للدول التي تعاني عجزا في موارد المياه.
وتتوسع أبوظبي في مجال الطاقة المتجددة بجانب خططها الطموحة لدعم التحول الاقتصادي في ضوء التزامها بتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، وهو ما سينعكس كذلك على خططها للتعاون الاقتصادي مع دول الجوار لدعم مكانتها في أجندة العمل المناخي الدولي والذي توّجه مؤخرا اختيار أبوظبي لاستضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في دورته الثامنة والعشرين عام 2023.
وإجمالا؛ تستقبل دولة الإمارات العام المقبل بالمزيد من الفرص على صعيد العمل الدولي لخدمة مصالحها الحيوية في المقام الأول، بالاستناد إلى سياستها البراجماتية والمبادرة التي تركز على إيجاد الحلول للأزمات المختلفة ويعتمد نجاحها في تلك المهمة على فعالية أدواتها للحل من جهة وإدراكها لطبيعة التحديات وموازين القوى إقليميا ودوليا من جهة أخرى هو التحدي الأبرز خاصة في القضايا السياسية والأمنية المعقدة.