مؤشرات مُقلقة: هل بات أمن واستقرار الأردن في دائرة الخطر؟
يشهد الأردن منذ أبريل الماضي تحركات داخلية مُقلقة، كان أبرزها قضية الأمير حمزة، والتي تمت تسويتها بشكل ما في إطار الأسرة الحاكمة، بيد أن تداعيات هذه القضية لا تزال في الشارع الأردني وعلى ألسنة الأردنيين في كل مكان، خاصة وأن بعض الأشخاص الذين اقترن أسمهم بهذه القضية لا يزالون قيد التوقيف، فالقضية لم تُحسم قضائياً بعد، وهناك تقارير عن تدخلات من أطراف إقليمية للضغط على الحكومة الأردنية للإفراج عن بعض هذه الشخصيات، ما يشير إلى أن قضية الأمير حمزة ربما كان خلفها أطراف من خارج الأردن، استهدفت بشكل أو بأخر استقرار الأردن وأمنه. وعلى ما يبدو أن هناك نار تحت الرماد، وهناك من ينفخ في هذه النار لتحريك الشارع، وفي هذا الإطار يمكن أن نقرأ تصريح وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، في 29 مايو الماضي، والذي حذر فيه من “الدعوة لأية حشد أو تجمعات تمس بسيادة القانون وتماسك النسيج الوطني الأردني والأمن المجتمعي، واستغلالها لتنفيذ أجندات خاصة للعبث بالأمن الوطني وترويع الآمنين”.
لقد جاءت التصريحات السابقة رداً على دعوات للتجمع والتظاهر من جانب بعض الأطياف السياسية والمجتمعية، وبعدها رفع رايات جهوية وقبلية، ففي يوم الجمعة 28 مايو 2021، شهدت منطقة ناعور بالعاصمة عمّان، وهي مكان وجود عشيرة العجارمة، احتجاجات وإغلاق للطرق، ما دفع الأمن إلى التدخل وفض تجمهرهم، وهو ما يهدد بالفعل السلام الأهلي في الأردن. كما قامت قوة أمنية أردنية، السبت 29 مايو 2021، بإزالة خيمة كانت مجهزة في العاصمة عمّان لاستقبال مؤيدين للنائب البرلماني أسامة العجارمة، وذلك بعد قرار بتجميد عضويته في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، بسبب إساءات قيل إنه وجهها إلى المجلس. كما طالب مجلس الأعيان (الغرفة الثانية للبرلمان) الجهات المعنية، بـ”إنفاذ القانون، والحفاظ على النظام العام، ومحاسبة كل من تسول له نفسه العبث بالسلم الأهلي والنسيج الاجتماعي أو إثارة الفتن ونشر الفوضى”. كما شهد الأردن انقطاع للتيار الكهربائي في عموم البلاد، اعتبره النائب العجارمة في مداخلة برلمانية، متعمداً، لمنع مسيرات تضامنية للعشائر مع فلسطين في ظل العدوان الإسرائيلي الأخير.
تأسيسا على ما سبق، ووفقا للتطورات والمعطيات المُقلقة التي تم التطرق لها- يبقى السؤال، هو: ما هي دلالات المؤشرات الأخيرة داخل الشارع الأردني، وهل بالفعل يمكن أن يكون لها تأثير على معادلة الاستقرار داخل الأردن ؟.
مؤثرات محيط إقليمي مضطرب:
يعيش الأردن منذ عام 2011 في محيط مضطرب، حيث تحاصره عدد من الأزمات في دول الجوار، ألقت بتداعياتها على أمن الأردن واستقراره، خاصة على المستويين الاقتصادي والأمني، علاوة على جائحة كورونا التي أثرت بشكل كبير على أداء الاقتصاد الأردني، وعلى فرص العمل ومستويات البطالة، خاصة وأن الأردن يعتمد بصورة كبيرة على قوة العنصر البشري وتميزه، وما يمثله من رصيد للدولة ومصدر من مصادر الدخل القومي لها، خاصة قطاعات العاملين بالخارج، وبالتحديد في دول الخليج العربي. ومن هذا المنظور، فإن قضايا تطرح من خلال الصحافة كالفقر والبطالة، وتراجع نسبة النمو المستدام في مجمل الناتج المحلي والتضخم والتزايد السكاني، ومشكلة المياه تصبح بمجملها أو بصورتها الفردية مواضيع تهديد نسبية لحالة الاستقرار والازدهار الداخلي المرغوبة، وتؤسس بالتالي لتحديات حقيقية للأمن الوطني.
إن كل ما تم ذكره في السطور السابقة، أدخل الأردن في وضع اقتصادي صعب، ووضع مزيداً من الضغوط على الحكومات الأردنية المتعاقبة للاستجابة للتحديات الداخلية بالأساس، بينما تتصاعد مستويات عدم الرضا بين قطاعات من الشعب الأردني. غير أن هذه التحديات الداخلية والاقتصادية بالأساس ليست هي بيت القصيد فيما ينتظر الأردن على المدى المنظور، فهناك تغيرات في البيئة الاستراتيجة الإقليمية والدولية غيرت من بعض المفاهيم الخاصة بالأمن القومي الأردني، وظهر ذلك بوضوح خلال فترة الإدارة الأمريكية السابقة، التي تحركت في دوائر الأمن القومي الأردني، دون التشاور أو التنسيق الكافي مع الدوائر الرسمية الأردنية، ما اعتبر تجاوزاً لثوابت العلاقات بين الأردن والولايات المتحدة، لكون الأردن من الدول الصديقة لواشنطن، ودوما ما عبرت واشنطن عن دعمها لاستقرار الأردن في كافة المناسبات والأحداث التي مرت به.
لقد أثرت الأزمة السورية على مفاهيم الأمن القومي الأردنية بصورة كبيرة، حيث تحمل الأردن عبء 100 ألف لاجئ سوري في مخيم الركبان، علاوة على ألاف من السوريين يعيشون داخل المدن الأردنية، وغيرهم من جنسيات أخرى تقدر أعدادهم بـ 1,3 مليون لاجئ، يشاركون إخوانهم الأردنيين لقمة العيش المحدودة أصلا، مما تسبب في ضغط على الخدمات وعلى فرص العمل وغيرها، علاوة على التداعيات الأمنية التي ظهرت في أكثر من مناسبة، نتيجة تعرض مخيم الركبان للاجئين السوريين على الحدود الأردنية الشمالية الشرقية مع سورية، والمجاورة للحدود العراقية، للاستهداف أكثر من مرة، وراح ضحية هذه الاستهداف عدداً من الجنود الأردنيين وعدداً من المدنيين. كما أن الاستهداف المتكرر جعل الدوائر الأمنية والعسكرية في الأردن تنظر إلى المنطقة الشمالية الشرقية للمملكة، بوصفها التهديد الخارجي الأول، وتجعل من الحدود الشمالية بمثابة مصدر واضح لعدم الاستقرار الأمني، مما دفع الجيش الأردني لتعزيز الاحتياطات العسكرية وإغلاق المناطق الشمالية، والتعامل، بدرجةٍ كبيرة من الحذر، مع مخيمي الركبان والحدلات، علاوة على التعاون مع الولايات المتحدة في تدريب بعض الفصائل السورية المسلحة، للتصدي لتهديدات داعش المتكررة، وهو ما وضع الأردن في وقت من الأوقات في دائرة الدول التي تتعاون مع الولايات المتحدة وتتدخل في الشأن السوري وفق منظور الحكومة السورية ونظام بشار الأسد.
كما لا يزال الأردن يعاني من بعض المتغيرات التي حدثت في علاقته مع دول الخليج، باعتبارها من أكثر الدول الداعمة للأردن على المستوى الاقتصادي، خاصة منذ 2017 والجدل الذي ثار حول موقف الأردن من مقاطعة قطر من جانب دول الرباعي العربي، علاوة على تأثر الاقتصاد السعودي بحرب اليمن وتراجع مستوى المساعدات من دول الخليج الأخرى التي بات بعضها يعاني من أوضاع اقتصادية ضاغطة خاصة في ظل استمرار جائحة كورونا، علاوة على تطور أخر مهم، وهو العلاقات الإسرائيلية مع دول الخليج والتي أخذت مستويات متقدمة، خاصة مع الإمارات والبحرين، اتفاقات السلام الإبراهيمي وفتح الإمارات سفارة لها في إسرائيل، وما تردد خلال فترة الرئيس ترامب عن دور خليجي في الترويج لصفقة القرن، التي عارضها الأردن بقوة، والضغط على الأردن للقبول بالصفقة، وتوتر العلاقات الأردنية الإسرائيلية ورفض الأردن عبور طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي للأجواء الأردنية، وهو في طريقة لأبو ظبي، هو ما جعل البعض يتحدث عن تأثير سلبي للعلاقات الإسرائيلية الخليجية على الأردن.
إن قراءة وتحليل ما تم ذكره في السطور السابقة، يؤكد أن المؤثرات الإقليمية تلعب دوراً لا يستهان به في الأمن الوطني الأردني، وتتمثل هذه المؤثرات في طبيعة الصراع العربي – الإسرائيلي، والانفلات الأمني والسياسي في العراق وسوريا المجاورتان للأردن، وكذلك الوضع الهش في لبنان، والضغوط الدولية على إيران بسبب ملفها النووي والتصعيد الحاصل بينها وبين إسرائيل. وبالتالي، يظل الأمن الوطني الأردني مهدداُ في حالة حدوث مواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل.
تحديات الداخل الضاغطة:
طرحت قضية الأمير حمزة، وكذلك قضايا التحركات الأخيرة في الشارع الأردني سيناريو افتراضي يتحدث عن وجود مخطط لتغيير نظام الحكم في الأردن، بما يشبه انقلاب قصر مثلاً أو تغيير من الشارع ، ونعتقد أن مثل هذا الطرح هو من قبيل المبالغة، فالاستقرار السياسي في الأردن قبل أن يكون مصلحة أردنية بحته، فإنه مرتبط بتحالفات دولية عميقة ومتينة، وبالتالي فإن مسألة حدوث انقلاب وحالة من عدم الاستقرار السياسي غير واردة على الأقل في الوقت الراهن، في ظل الوضع الإقليمي المعقد، والذي يلعب فيه الأردن أدوارا كبيرة وإيجابية لصالح الاستقرار الإقليمي، بالتعاون مع القوى الكبرى ومع الدول الإقليمية الفاعلة وعلى رأسها مصر ودول الخليج العربي، وهذا ما يفسر موقف الأطراف العربية والإقليمية التي نددت مباشرة بأي محاولة للمساس بالأمن الأردني.
من جانب أخر، فإن العوامل الجيوبوليتكية تمثل ضمانة أخرى للاستقرار السياسي في الأردن، فالجغرافيا هي العنصر الدائم في السياسـة الأردنية، وهي العنصر الأساسي لقدرة الدولة وضمان استقرارها، فقد غدت قوة الدولة تكمن في معطياتها الجغرافية، المتمثلة في الجوار المباشر والمتداخل مع إسرائيل، وبالتالي فإن أي حالة من عدم الاستقرار السياسي في الأردن ستؤثر على إسرائيل بشكل مباشر، وهو ما يعني أن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية لن يسمحوا بأي حال من الأحوال بحدوث حالة من عدم الاستقرار السياسي في الأردن، وهي ضمانة مهمة للأمن الأردني، ولا يعني ذلك سهولة المعادلة، فهناك التزامات على الأردن من الضروري أن تقوم بها في المقابل، وهو ما يتطلب سياسة حذرة، وخطوات محسوبة بدقة، من كافة القضايا الإقليمية بشكل عام، ومن القضايا التي تدخل فيها إسرائيل كطرف مباشر أو غير مباشر.
لذلك فإن التحديات الأمنية الداخلية، بمثابة الخطر الأكبر على استقرار الأردن، وقد ثبت صحة ذلك عبر تاريخ المملكة، منذ منتصف الخمسينيات من القرن المنصرم في مواجهة القوى اليسارية وما سُمي في حينه بالمد الناصري، واستطاعت الدولة تجاوزها عبر جملة من الخيارات السياسية الداخلية، كان منها التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين. ولم تكن أحداث سبتمبر الأسود 1971 إلا اختبار أخر لصحة هذا الافتراض، وكانت بالفعل محطة مهمة ومفصلية وشكلت خطرا حقيقا على أمن الدولة والنظام السياسي، لكن تم تجاوز الأزمة، بعدها ظهرت مشكلة الوضع الاقتصادي، وما يمكن أن يؤدي إليه من توترات أمنية داخلية ومهددة لاستقرار النظام السياسي، كانت أبرزها في عام 1989 ما سُمى بهبة أبريل نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية. ويتوقع البعض، أن تقود أحداث الرابع من أبريل 2021 لتعامل ما من الحكومة الأردنية لتخفيف الضغط من الشارع، سواء بتغيير الحكومة ككل أو ربما بحل البرلمان والاتجاه لإجراء انتخابات برلمانية جديدة.
في النهاية يمكن القول، إن الأردن يشهد تحديات كثيرة، أخطرها الوضع الداخلي على المستوى الاقتصادي، ونعتقد أن الدولة الأردنية لديها خبرة تاريخية ومتوارثة في التعامل مع مثل هذه التحديات، حيث أظهرت التجارب قدرة الملك على كبح مشاعر القلق الأردني من خلال انحيازه الدائم للشعب، سواء عبر تغيير الحكومات أو الاتجاه لحل البرلمان، ونعتقد أن السيناريو القادم سيسير في هذا الاتجاه، فالتعديل الحكومي الأخير لم يُرضي قطاعات من الشارع الأردني، ولا تزال هناك مطالب بإقالة الحكومة وربما بحل البرلمان. ما يعني، أن الأردن سيظل يعاني من تداعيات الوضع الاقتصادي على المدى المنظور، وأكثر ما نخشاه أن تتفاعل عوامل إقليمية مرتبطة بالجوار المتواتر مع بعض الأزمات الداخلية، ليتم استثمار الموقف ضد الاستقرار في الأردن، ومن هنا نوجه رسالة للدول العربية ولكافة الدول المعنية بأمن واستقرار الأردن بضرورة تقديم الدعم للأردن الشقيق على كافة المستويات، فاستقرار الأردن من استقرار المنطقة ككل والعكس صحيح.