ما تداعيات رفع روسيا لـ “طالبان” من قوائم الإرهاب؟
أعلنت موسكو في الـ ٢٣ من أبريل ٢٠٢٤، عن نيتها في رفع حركة “طالبان” من قائمة التنظيمات الإرهابية المجدولة في روسيا، رغم عدم عرقلة هذا التصنيف لمستوى العلاقات والتعاون بين أفغانستان وروسيا منذ وصول الحركة للحكم قبل عاميين، في الوقت ذاته تتمسك “طالبان” حتى حينه بفرض رؤيتها المتطرفة داخل أفغانستان، وتُعد أخر الإجراءات التي أعلنت عنها الحركة في هذا الصدد العودة، هي تنفيذ عقوبة رجم النساء علناً حتى الموت، الذي يعتبر أحد انعكاسات صمت المجتمع الدولي عن انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان داخل أفغانستان منذ تولي طالبان للحكم.
ومن المرجح، وفقا للخبراء أن يؤدى رفع “طالبان” من قوائم الإرهاب من قبل أولى الدول التي صنفتها بهذا التصنيف منذ عشرين عاماً، إلى بداية إزالة الحاجز القانوني الذي يمنع من الاعتراف الدولي بالحركة كتنظيم شرعي، وليس مجرد الاعتراف بها كسلطة أمر واقع داخل أفغانستان تقتضي ظروف الواقع السياسي التعامل معها.
في ذات السياق؛ أدى الحادث الإرهابي الذي استهدف مجمع “كروكوس سيتي هول” مساء ٢٢ مارس ٢٠٢٤ في موسكو، إلى رغبة روسيا في تكثيف التعاون مع حركة طالبان لمجابهة نشاط تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بعدما أشارت التحقيقات إلى أن الهجوم كان بفعل عناصر تابعة لتنظيم الدولة، بناء عليه؛ يحاول هذا التحليل الإجابة عن التساؤلات التالية، هي: الذي ماذا يعني رفع اسم حركة طالبان من قائمة التنظيمات الإرهابية من الناحية القانونية؟، وما تداعيات ذلك على محيط أفغانستان الإقليمي من الناحية السياسية؟، وهل سيسهم هذا الإجراء إلى تراجع الإرهاب في أسيا؟
شرعية خطرة:
أعلن تنظيم “داعش” عبر منصة “تليجرام” عن تبنيه الهجوم على قاعة حفلات قرب موسكو في اليوم التالي لهجوم مجمع “كروكوس”، ما دفع موسكو إلى إعلان نيتها في رفع “طالبان” من قائمة التنظيمات الإرهابية، لرغبتها في التعاون مع الحركة في القضاء على “داعش خرسان” لتقويض نفوذه المتصاعد في منطقة وسط أسيا لضمان عدم توسيع نفوذه في كامل ربوع آسيا. وعليه، يمكن القول إن الإجراء القانوني الذي تنوي تنفيذه موسكو، قد يؤدى إلي زيادة نفوذ الحركة في منطقة أسيا ورفع الحظر عن بنيتها المالية، مما يسهل من زيادة دعم تنظيمات أخرى مثل “تنظيم القاعدة” الذي مازالت تتحالف معه الحركة.
يعد الطاجيك (شعب معروف في التاريخ الإسلامي من الشعوب الآرية “أخوة الفرس والكرد والأفغان”) بمثابة حجر الأساس في تكوين “داعش خراسان”، حيث انضم عدد من الطاجيك التابعين لحزب النهضة الإخواني في طاجاكستان إلى جبهة النصرة، التي تحولت فيما بعد لتنظيم “داعش” بعد إعلان دولته ٢٠١٤، فكانت هذه النواة لتكوين “داعش خراسان” الذي يضم أعداد من الطاجيك المتخصصين في استهداف دول أسيا الوسطي والشمالية، خاصة أن بعضهم موالون لحركة طالبان، ولهم نفوذ ويتمكنون من التدريب ويتمتعون بالحماية داخل أفغانستان، بما يصعب معه تميز ولائهم إلى “داعش” أو “طالبان” وسبب رئيسي في فشل حركة “طالبان” في تحجيم خطر “داعش خرسان” حتى حينه. بناء على ما سبق؛ سوف تسفر إكساب حركة “طالبان” شرعية قانونية في محيط أسيا عدة نتائج خطيرة، هي كالتالي:
(*) رفع الحظر القانوني عن أصول حركة المالية”لطالبان” وعناصرها من شأنه إتاحة مساحة حرية أكبر لدعم وتمويل العناصر المتطرفة سواء من الطاجيك متعددي الولاء للإخوان أو لـ “داعش” أو “طالبان”، مما سيؤدي إلى سهولة تنفيذ عمليات بالوكالة لأي جهة من التنظيمات أو الدول.
(*) زيادة استهداف “الذئاب المنفردة” من الطاجيك التابعين لداعش لروسيا على وجه الخصوص، لصعوبة رصدهم وتتبعهم في حال رفع الحظر على عناصر طالبان، فأغلب الطاجيك الذين ينتمون لداعش فكراً، هم خلايا نائمة ينتمون لطالبان تنظيمياً، خاصة مع وجود العداء التاريخي من الطاجيك ذي الأصول الإخوانية منذ وقت انقلاب الإخوان على السلطة في طاجاكستان وارتكاب أعمال عنف عام ١٩٩٢، ولجوء الرئيس “ناييف” إلى روسيا حينها، مما نتج عنه تدخل روسيا في طاجاكستان بقوات وعينت رئيس شيوعياً.
(*) رفع الحظر القانوني عن حركة طالبان، قد يسفر عن الاعتراف بالحركة، وسقوط طوق النجاة الأخير للأفغان للمطالبة ببعض الحقوق الإنسانية، حيث نفذت الحركة منظومتها المتطرفة واحدة تلو الأخرى على الشعب الأفغاني، وسط صمت المجتمع الدولي عن انتهاكات حقوق الإنسان داخل أفغانستان منذ تولي الحركة للحكم.
(*) يؤكد ما أشارات إليه التحقيقات الروسية، وهو وجود علاقة بين منفذي الهجوم على قاعة حفلات في روسيا وبين القوميين الأوكرانيين، أن العناصر التابعة لـ “داعش” من الطاجيك يعملون مرتزقة لأي جهة تدفع، ويؤكد خطورة إعطاء شرعية لحركة “طالبان” في محيط أسيا، وهو ما يعني زيادة نشاط التنظيمات الإرهابية وليس العكس.
(*) يدير تنظيم القاعدة في أفغانستان ١٠ معسكرات تدريب و٥ مدارس دينية حتى وقت كتابة هذا التحليل، فضلا عن امتلاك التنظيم لمخازن سلاح ومنازل تستخدم في تسهيل حركة عناصره، مما يشير إلى إضفاء شرعية لحركة “طالبان”، قد تسفر عن زيادة عمليات تنظيم القاعدة في محيط أسيا لتوفر السلاح والتدريب لحركة طالبان الباكستانية التي مازالت على صلة بطالبان أفغانستان، مما يشير أن دائرة تحالفات التنظيمات الإرهابية مازالت قوية بين تنظيم القاعدة وطالبان أفغانستان وطالبان باكستان.
ارتدادات إقليمية محتملة:
رفع حركة طالبان من قائمة الإرهاب، ربما يصب في مصلحة كل التنظيمات الإرهابية في المنطقة، فبرصد صفحات عناصر تابعة لجماعة الإخوان على منصة “إكس” تلاحظ دعم عناصر الجماعة لتوجهات وقرارات حركة “طالبان” والاحتفاء وتمجيد قادة الحركة، سواء داخل أفغانستان أو في محيطها الإقليمي، مما يعكس حجم التأييد والتنسيق بين الحركة وعناصر الجماعة في محيطها الإقليمي، بناء عليه قد يؤدي سهولة التعاون المحتمل بفعل سهولة تحرك عناصر “طالبان” في إطار المشروعية المحتملة الممنوحة للحركة، إلى تسهيل تسرب التمويل إلي جماعة الإخوان التي اعتادت الاستيلاء عليه من المساعدات الإنسانية، وتقويه نفوذها واستمرار أنشطتها المشبوهة في المنطقة كنتيجة لذلك.
على صعيد أخر؛ قد يؤدي إعطاء شرعية لطالبان في أسيا، إلى تسهيل تجنيد السنة المضطهدين في إيران في التنظيمات المختلفة، كرد فعل لإيواء إيران للشيعة اللاجئين على أراضيها، وإيوائها للمعارضة الأفغانية كذلك، في حين ربما تفشل جهود التعاون الاستخباراتي بين إيران وطالبان من جهة وطالبان وروسيا من جهة أخرى في القضاء على “داعش خراسان” لتداخل شبكة العلاقات بين عناصر التنظيمات المختلفة، وعدم صدق نيات مجابهة الإرهاب بشكل مجرد من قبل كل الأطراف.
ورغم أن إيران وروسيا وطالبان، يجمعهم مصالح مشتركة يُعد من أهمها العداء للولايات المتحدة، والرغبة في صد نفوذها في المنطقة، إلا أن إضفاء الشرعية على حركة “طالبان” في محيط أسيا، قد ترتد أثاره السلبية على أقطاب المنطقة قبل أن يطال الدول الأخرى لأسباب عدة، يُعد من أهمها:
(&) عدم قدرة حركة “طالبان” على القضاء على “داعش خراسان” رغم الوعود تجاه المجتمع الدولي بهذا الالتزام منذ توليها الحكم في أفغانستان، ورغم التعاون الاستخباراتي المقدم من الأطراف الإقليمية (إيران وروسيا) في هذا الشأن، بناء عليه لم تتوقف عمليات “داعش” تجاه كلاً من إيران أو روسيا.
(&) إعطاء شرعية قانونية لطالبان في محيط أسيا، لن يصب إلا في مصلحة التنظيمات الإرهابية المتحالفة مع “طالبان”، حيث إن الحركة لم تتخلي طوال السنوات الماضية عن حلفائها التقليدين (القاعدة- الإخوان)، ويمكن التدليل على هذا من خلال رصد صفحات الإخوان والقاعدة وطالبان.
(&) صرح مدير الإدارة الآسيوية بوزارة الخارجية الروسية، قائلًا إن “تعاون روسيا مع حركة طالبان يتم بشكل منتظم رغم حظر الحركة حتى حينه”، إذن الحظر لن يعوق فعلياً مساعي التعاون على جميع الأصعدة، ورفع الحظر بالتالي لن يصب إلا في صالح سهولة حركة أفضل للتنظيمات الإرهابية التي تحتفظ الحركة معها بالولاء.
معطيات مؤكدة:
برصد وقراءة مواقع وصفحات تنظيم الدولة الإسلامية حتى تاريخه، نستطيع قراءة عدد من المعطيات، كالتالي:
(-) التنظيم يحتفي كل يوم باستهداف قوات تابعة لحركة “طالبان” ويصفهم بالمرتدين، بالتالي حركة طالبان لم تتمكن منذ تولي الحكم في أفغانستان من حماية قواتها من استهداف التنظيم، بناء عليه؛ الحركة ستكون عاجزة من باب أولى بإعطائها الشرعية القانونية عن القضاء على “داعش” في محيط آسيا، خاصة مع اتباع التنظيم لمنهج “الذئاب المنفردة” كأسلوب للاستهداف.
(-) التنظيم يوجه رسائل لأتباعه بوصفهم “جنود الخلافة في كل مكان” لتنفيذ عمليات إرهابية في كل بقاع الأرض، وقد بدأت بالفعل تلك الاستراتيجية باستهداف دول آسيا وأوروبا، حيث تخلى التنظيم مرحلياً عن فكرة الخلافة المكانية، في المرحلة الحالية التي يصفها بمرحلة ما قبل التمكين.
(-) تؤكد المعلومات السابقة، أن العناصر التي اعتقلتها السلطات الروسية بعد الحادث الأخير من جنسيات وسط آسيا مثل طاجاكستان وأوزبكستان وكازاخستان، انتقلوا إلى مواقع مختلفة في أسيا وأوروبا وأفريقيا، حيث استغل التنظيم الانشقاقات التي وقعت داخل التنظيمات الأخرى مثل “هيئة تحرير الشام”، وتنظيم القاعدة بعد تحالفه مع إيران وحركة طالبان بسبب سعيها لكسب تحالف الغرب وروسيا، وتمكن من تجنيد بعض العناصر المنشقة عبر مواقعه وصفحاته الإلكترونية من مكانهم.
بناء على القراءات السابقة؛ يحتاج القضاء على “داعش خرسان” في محيط أسيا، إلى خطت استراتيجية دولية وإقليمية قريبة وبعيدة المدى، ولن تفلح معه مجرد التحالف مع حركة إرهابية كـ “طالبان” ورفع الحظر القانوني عليها، حيث لا يؤتمن استفادة عناصر الحركة من هذا الإجراء في تحالفاتهم مع باقي التنظيمات الإرهابية.
في ذات السياق؛ رفع الحظر القانوني عن حركة طالبان من قبل موسكو، ليس له تأثير قانوناً إلا داخل روسيا، والدول غير المصنفة “طالبان” كتنظيم إرهابي في محيطها الإقليمي، بالتالي لن يمتد رفع الحظر الروسي إلى التأثير على قرارات مجلس التابع للأمم المتحدة تجاه الحركة، بناء عليه لن يستفيد الشعب الأفغاني من رفع تقيد المساعدات والإفراج عن أموال الحركة.