لماذا لم يضغط “نصر الله” على زرّ الحرب الإقليمية؟
لم يكن بوسّع السّيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني، أن يؤخر ظهوره أكثر من ذلك، فقد مضي ما يقرب من الشهر منذ بداية عملية طوفان الأقصى والحرب على غزة، استشهد فيها ما يقرب من 11 ألف شهيداً، غير الدمار الذي أصاب القطاع وبنيته التحتية، إضافة إلي أضعاف هذا العدد من الشهداء من الجرحى والمصابين. فبمجرد الإعلان عن خطاب منتظر لأمين حزب الله، عددت مراكز الفكر والدراسات من تحليلاتها، منها ما رفع من مستوى التوقعات، ومنها أكد على أن الخطاب سيكون متوازن، ومكتوب وفقا لحسابات دقيقة، وهو الأمر الذي أكدته الـ 90 دقيقة التي ظل فيها حسن نصر الله متصدر كل شاشات العالم.
تأسيسا على ما سبق، يحاول هذا التحليل، الإجابة عن السؤال التالي، وهو: لماذا لم يعلن الأمين العام الحرب على إسرائيل؟.
قراءة مؤجلة:
جاء الخطاب الذي أمتد لأكثر من 90 دقيقة، بدأها السيد بفقرةٍ امتدت لما يقرب من سبعين دقيقة في التّرحْم على الشهداء اللبنانيين أولاً وكذلك الفلسطينيين في لبنان كرسالة للداخل على ترتيب لبنان في سلم أولويات الحزب، ثم شهداء فلسطين عامة والقسّام على وجه الخصوص، ثم شهداء المقاومة في كل مكان، وأكد الأمين العام على أن قرار عملية طوفان الأقصى كانت فلسطينيً خالصاً، وكذلك التنفيذ، وكأنه يُشْهد العالم أن محور المقاومة الممتد من العراق ولبنان وفلسطين واليمن وسوريا لم يكن له دور في تلك العملية، وعلى رأس هذا المحور إيران بالطبع، التي حرصت منذ اللحظات الأولي على تأكيد ذلك، وشاركتها الولايات المتحدة بإعلانها أنها لا تملك دليلا على اشتراك إيران في العمل وإن كانت أكدت على دعمها المستمر لحماس، على الرغم من ما أعلنته وول ستريت جورنال، بأن التخطيط للعملية تم بإشراف الحرس الثوري الإيراني في اجتماعات عُقدت في بيروت، فسارعت الإدارة الأمريكية لنفي ذلك على لسان مسئول في المخابرات الأمريكية، بأن لا صلة مباشر بين الهجوم الذي شنّته حماس وإيران، وأن هناك تقارير متناقضة حول تأكيد مشاركة إيران في التخطيط للهجوم.
لقد قال مسئولون أمريكيون، أن لا إثباتات لديهم على حصول هذه الاجتماعات، حسب النيويورك تايمز، ولم تكتفي بذلك بل أكدت على لسان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أن البنتاجون لم يلحظ وجود حشود من قبل الحزب في الجنوب اللبناني، ووصل التخبط الأمريكي في تبرئة إيران إعلان البيت الأبيض أنه لا يوجد دليل محّدد على أن إيران كانت متورطة في الهجوم على إسرائيل، لكنها بشكل عامّ متواطئة.
وبعد المرور على الضعف العربي، وعدم قيام الدول العربية بما يجب القيام به، وتناسي السّيد ما بذلته كثير من الدول العربية والإقليمية وقامت به لإدخال المساعدات إلي القطاع، وكأنه لم يخبره أحد بما قامت به مصر منذ بداية الأزمة من ربط خروج الأجانب من القطاع بدخول المساعدات إلي القطاع، مما أجْبَر الولايات المتحدة الأمريكية وكثيرٌ من القوي الدولية للقيام بالضغط على إسرائيل، والسماح بدخول الشاحنات المحملة بالمساعدات للشعب الفلسطيني، وكذلك إلغاء الاجتماع الذي كان مقرراً في عَمّان للرئيس الأمريكي مع الرئيس السيسي والملك عبد الله الثاني ملك الأردن والرئيس محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، مما كان له أكبر الأثر في دق ناقوس الخطر داخل أروقة الإدارة الأمريكية، بأن الانحياز الأعمى لإسرائيل سيكلفها الكثير، خاصة أن الدول الثلاث من أوثق حلفائها، كذلك رفض مصر في حضور وزير الخارجية الأمريكي بلينكن على لسان الرئيس السيسي خلال المؤتمر الصحفي المشترك مشروع تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وكذلك في حضور ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني، والرئيس الفرنسي ماكرون، والمستشار الألماني شولتس، وغيرهم من قادة العالم، وكذلك تنسيق الجهود العربية والإقليمية مع تركيا وحتى إيران لإيقاف العدوان على غزة من خلال اللجوء إلي منظمات المجتمع الدولي ممثلاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي حظي بدعم 120 دولة وامتناع 45 دولة من بينهم العراق الذي يحكمه حلفاء السّيد نصر الله.
لماذا تأخر خطاب “نصر الله”؟
ووصل الأمين العام لحزب الله إلي الفقرة الأخيرة من خطابه، والذي أكد فيها انخراط الحزب في الحرب الدائرة في فلسطين منذ اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى من خلال العمليات التي قام بها الحزب على الجبهة اللبنانية، وسقوط ما يقرب من خمسين شهيداً حتى الآن، ولكن السّيد كما يحب أعضاء حزب الله ومنتَسِبّيه ومُحِبيّه في لبنان وغيرها، تناسي أن كل ما حدث على الجبهة اللبنانية لم يخرج عن قواعد الاشتباك المعمول بها بين الحزب وإسرائيل، والتي وضعت منذ سبعة عشر عام بعد حرب تموز في 2007، وأخير حدد السْيد شروط الحرب المفتوحة مع إسرائيل، بأنها مرهونة أولاً بما يجري في غزة، وثانياً بموقف إسرائيل من العدوان على لبنان، بمعني أن الحزب لن يذهب إلي الحرب إلا إذا فَرَضت إسرائيل ذلك، وأختتم الخطاب بعبارة حماسية أن كل الخيارات مفتوحة للتعامل مع المعركة، وكأن السيد كان له مفهوم آخر لوحدةْ السَاحَات التي أقرها مع جميع فصائل محور المقاومة، وأن هذا المعني لم يصل للسيد موسي أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الذي كان ينتظر الكثير من حزب الله حسب ما صرح به لقناة الجزيرة، كذلك السيد خالد مشّعل، الذي صرح بأن ما قام به حزب الله من خطوات مشكوراً، لكن تقديري أنه غير كافٍ،وأن المعركة تتطلب أكثر.حسب ما صرح به،كما أن الحزب لم يلب دعوة حماس في بيانها الأول بعد طوفان الأقصى، والتي جاءت على لسان قائد القسّام محمد ضيف.
وعليه، يمكن القول إن خطاب السيد نصر الله، لم يخرج عن ما توقعه الكثير من المحللين والدارسين، فقد ارتبط ظهور الأمين العام، بأربعة أمور أساسية، يمكن تحديدها كالتالي:
- نصر الله، لديه كافة تفاصيل الميدان سواء في غزة أو في جنوب لبنان، وما كان له أن يظهر لو لم تكن لديه التفاصيل الأمنية والعسكرية والاستخبارتية التي تجعله يعلن موقفاً.
- إن ظهور الأمين العام لحزب الله، يعني أن آفاق المعركة باتت واضحة المعالم، كما أن مسارها المستقبلي بات واضحاً جداً بالنسبة له.
- إن ظهور الأمين العام في هذا التوقيت، هو نتيجة ومحصلة اتصالات أُجريت مع الحزب لمعرفة موقفه وموقعه من المواجهة، وقد ألَمّح لذلك في الخطاب.
لماذا لم يعلن الحرب على إسرائيل؟
انضمام حزب الله لمعركة طوفان الأقصى، يخضع لحسابات دقيقة بين الحزب وإيران، في ضوء الظرف الإقليمي والدولي الراهن لخوض معركة مع إسرائيل، وعليه، يمكن القول إن عدم إعلان حزب الله الدخول لمعركة طوفان الأقصى، يرجع لعدة أسباب نذكر أهما فيما يلي:
- عدم تجاوز إسرائيل للخطوط الحمراء التي رسمتها إيران، والتي تتمثل في انتهاء حكم حماس لقطاع غزة وإزاحتها من المشهد الإقليمي، بما يمثله من خسارة لإيران على المستوي الاستراتيجي، مما يعني خسارة ورقة إستراتيجية في الشرق الأوسط، عبر وجود ورقة فلسطينية في ملف الصراع العربي الإسرائيلي بيدها، ونُقِلَتْ عن طهران رسائل إلي واشنطن ولندن وباريس، أنها وحلفائها بما فيهم حزب الله، مستعدون لفتح جبهات لبنان وسوريا والعراق واليمن لمنع ذلك.
- يفضل الحزب في حالة عدم تجاوز إسرائيل الخطوط الحمراء الإيرانية، بقاء ما يسمي بتوازن الَردْع، حتى لا تؤثر مواجهة غير محسوبة على وضعية حزب الله الشعبية والسياسية في الداخل اللبناني، خصوصاً في ظل حالة الفراغ اللبناني الحالي على كافة المستويات من فراغ الرئاسة ومرور عام على ذلك، الفراغ الحكومي في حكومة تسير الأعمال الحالية، كذلك الفراغ التشريعي، كذلك الأوضاع الاقتصادية شديدة الصعوبة التي تمر بها لبنان، والتي قد تزيد منها أي حرب من هذا النوع وتقضي على ما تبقي من لبنان، فضلاً عن الدمار الهائل التي يمكن أن تُحّدِثْة تلك الحرب، في وقت وصل فيه الانحياز الغربي والدولي لإسرائيل إلي مستويات لم يصل إليها من قبل، وعدم توفر جهات دولية وعربية يمكنها أن تغطي جهود إعادة الإعمار كما حدث من قبل بعد حرب يوليو2006.
- كان حزب الله العَرّابْ اللبناني الرئيسي لعملية ترسّيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وينتظر أن يجني ثمار استخراج النفط والغاز من المياه الإقليمية اللبنانية، مما يخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان ويصور نفسه من خلال إعلامه بأنه في موقع المنقذ للبنان والحريص على ثرواته.
- رغبة القوي السياسية والطائفية والاجتماعية في لبنان في عدم الدخول في الحرب الدائرة وتحيد لبنان عنها خوفاً من تبعاتها على لبنان ما تبقي منه وعدم خوض حزب الله لتلك المعركة وتسويقه على أنه حرصاً على لبنان ومستقبله مما يظهره بالقوي المسئولة داخلياً، مما يزيد من قوته في الداخل اللبناني مما يمكنه من تنفيذ مشروعاته في الداخل اللبناني خاصة معركة الرئاسة اللبنانية.
- مَثّل إسراع الولايات المتحدة الأمريكية، بإرسال حاملتي الطائرات جيرالد فورد وروزفلت إلي مياه البحر المتوسط رسالة طمأنة إلي الداخل الإسرائيلي، وإشارة إلي المدى الذي يمكن أن تذهب إليه أمريكا ومن ورائها الغرب في مساندتها لإسرائيل، مما يتطلب إعادة التفكير مرات عدة قبل اتخاذ قرار فتح الجبهات وأولها الجبة اللبنانية.
وختاماً، يمكن القول إن خطاب الأمين العام لحزب الله السّيد حسن نصر الله، لم يخرج عن ما توقعه كثيرون، ومنهم الجنرال الإسرائيلي عاموس يدلين رئيس منظمة مايند إسرائيل والرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية، بأن حزب الله وزعيمه نصر الله لا يريدان حرباً شاملة في بيروت يتلقي فيها الحزب ضربة موجعه. وهو ما توقعه الكثيرون داخل لبنان ومنهم السيد وليد جنبلاط زعيم الحزب الاشتراكي السابق وزعيم الدروز، بأن كلمة السّيد نصر الله جاءت موزونة جداً وواقعية حسب تعبيره.