كيف يرى الرأي العام الإسرائيلي عملية طوفان الأقصى؟
منذ صباح الساعات الأولى من يوم الـ 7 أكتوبر الجاري، يتابع الساسة ووسائل الإعلام تطورات المواجهات بين المقاومة الفلسطينية والإسرائيليين، على وقع عملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب القسام (الذراع العسكري لحماس) في العمق الإسرائيلي، وماهية رد الفعل الإسرائيلي على العملية، وكم الخسائر التي تلقاها الجانبين.
تأسيسًا على ما سبق، يحاول هذا التحليل، الإجابة عن التساؤل التالي، هو: هو كيف استقبل الرأي العام الإسرائيلي الهجمات؟، وكيف تفاعل معها؟، وما الذي ينتظر الداخل الإسرائيلي؟.
خيبة داخلية:
على المستوى الدبلوماسي أنهت إسرائيل جميع الاتصالات الدبلوماسية، بأمريكا وبريطانيا وروسيا وغيرها، ولم تترك دولة لها علاقات معها إلا وطرقت بابها. ولا شك أن هناك عملية برية قادمة سوف تؤدي إلى مجازر فلسطينية جديدة، ولكن هذا قد لا يكون مقنعا بالنسبة للرأي العام الإسرائيلي، لأن الثمن في هذه الحالة سيكون غاليا في ظل تطور قدرات المقاومة الفلسطينية التي رآها مؤخرا.
ورغم ذلك، لم تنعكس مثل هذه التحركات في صورة تأييد أو اقتناع من قبل الرأي العام عن أداء الحكومة، فثمة مشاعر إحباط وتخوف لدى الرأي العام الداخلي في إسرائيل من تطورات، بل وتبعات العملية، حاولت نقلها بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، وكان أهمها:
- أصبح المجتمع الإسرائيلي في حالة إضراب وحداد اليوم الأحد، فإسرائيل لم تتلق هذا العدد المهول من القتلى؛ 3500 قتيلا و180 مفقودا و1500 مصابا، وهذه كلها بيانات أولية، بالإضافة إلى دمار شبه كامل لمستوطنات قطاع غزة، ولا يزال الجنود الإسرائيليون يلاحقون عناصر حماس الذين يتجولون في المزارع والحدود الموازية، وبالتالي هناك إمكانية لدخول عناصر جديدة للمستوطنات بعد تدمير القواعد العسكرية، فأصبحت هناك خشية من القناصة وإصابة المروحيات من المضادات.
- وفقا لوسائل إعلام إسرائيلية، فقد انتاب قطاع كبير من الرأي العام الإسرائيلي الشعور بالإهانة والهزيمة بعد العملية العسكرية، وخاصة في ظل عنصر المباغتة التي فاجأت بها حماس الجيش الإسرائيلي.
- كذلك الصدمة من عدم جاهزية أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية، والتي عجزت بدورها عن توقع واستباق هذه العملية، وخمنت المكان الخاطئ لانطلاق عملية المقاومة، فقد سبق وبنت إسرائيل حائط صد تحت الأرض لأنها توقعت بدء العملية من الأنفاق، وكانت المفاجأة بأن جاءتها كتائب القسام على الأرض وفي العمق الإسرائيلي.
- وقد تتضاعف مشاعر الخذلان من رؤية رد الفعل الإسرائيلي تجاه العملية وتطوراتها، فأول ما فعلته السلطات الإسرائيلية هو إخلاء المنازل ليلا في غلاف غزة، وهذا قد يؤشر بالنسبة للرأي العام إلى قلة حيلة من الجانب الإسرائيلي، بما قد يدفع المواطنين الإسرائيليين إلى التخوف من العودة إلى منازلهم مرة أخرى حال تم وقف إطلاق النار. وباعتبار أنه حتى في الوقت الحالي لازالت عناصر حماس موجودة داخل المستوطنات، ولا زالوا يحتجزون رهائن لديهم، ليس فقط مواطنين مدنيين، بل جنود وقيادات عسكرية.
- كذلك التخوف من ارتدادات العملية، وإمكانية توسيع رقعة هذه الجبهات، وهذا وارد بالنظر إلى العملية التي تمت في جنوب لبنان وشمال إسرائيل. وبشكل عام، هناك إحساس لدى الرأي العام الإسرائيلي بأن هذه المنطقة متوترة وغير آمنة. وقد ضاعف هذه التخوفات، أن تتصدر قوة إقليمية أخرى المشهد حال انكسار شوكة القوات الإسرائيلية، مثل حزب الله.
واقع جديد:
فمن المتوقع أن تفرض هذه العملية واقعا سياسيا جديدا في الداخل الإسرائيلي، قد تكون أولى مؤشراته ظهرت بالأمس حينما دعا نتنياهو إلى تشكيل حكومة طوارئ يشارك فيها قياديين من المعارضة، مثل بيني جانتس ويائير لابيد. وهذه المحاولة قد تكون محاولة فقط لحفظ ماء وجه إسرائيل، يشارك فيها كل التيارات لاتخاذ التدابير الضرورية لمواجهة المرحلة المقبلة.
ولكن المعارضة أدركت أن نتنياهو يحاول توريطها في المشهد، ولهذا اعتبرت أن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة يجب أن تدفع الثمن غاليا، نتيجة لقيادة المشهد من قبل سموتريتش وإتمار بن غفير، وباعتبار أن عملية طوفان الأقصى ستمثل انتكاسة جديدة لن تغتفر، حتى أنها أتت بعد انتكاسة سابقة في ظل إصرار حكومة نتنياهو على الإصلاحات القضائية رغم الخلافات الداخلية حولها، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، ورغم حتى اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية.
ويبقى السؤال، لماذا لم يتم احتلال قطاع غزة بالدبابات، أين الدبابات الإسرائيلية؟، أين المدفعية؟. فمن المتوقع أن يكون هناك ردا إسرائيليا موسعا، ولكن هذا الرد قد لا يعني الكثير بالنسبة للرأي العام الداخلي الذي تملكه إحساس انعدام الأمن عقب العملية الأخيرة تحديدا.
واستنادا إلى ذلك، قد يتطور الأمر عقب التوصل إلى هدنة أو وقف لإطلاق النار إلى حد خروج احتجاجات جديدة في الشارع الإسرائيلي ضد حكومة نتنياهو، وفي هذه الحالة لن يكون الباعث فقط الاحتجاج على ملفات داخلية أو سياسة حكومية معينة، وإنما سيكون الأمن الداخلي باعثا أقوى للمطالبة بإسقاط الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، ولكن في هذه المرة ستلقى طلبات الشارع دعما قويا من قبل الإعلام والمعارضة الإسرائيلية.
وختاما، فإن حكومة نتنياهو بالنسبة للمعارضة والرأي العام تعتبر فشلت في إدارة المشهد السياسي والأمني الإسرائيلي وتم تحميلها المسؤولية كاملة. باعتبارها لم تفلح حتى في تدارك الأمر وإيقاف الخسائر الإسرائيلية. حتى أن نتنياهو عقد اجتماعا في وزارة الجيش الإسرائيلي للحصول على تقييم أمني للوضع، ولم يخرج أي نتائج عن هذه المسألة.