أثر صراعات الغاز بين المغرب والجزائر علي إنقلاب النيجر
أحدثت الإطاحة برئيس النيجر محمد بازوم، في 26 يوليو الماضي، مفاجأة كبرى لدول الجوار، خاصة الجزائر التي تشارك النيجر بحدود تُقارب ألف كم، نظرًا لتداعيات الأزمة على الأمن القومي الجزائري، أولها الأوضاع الأمنية، حيث تدفُق المهاجرين، ونشاط الجماعات المسلحة والإرهابية، فقد كانت النيجر الدولة التي تنعم بالاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي، في ظل الاستثمار بمشروعات عملاقة مع دول الجوار، وداخل العمق الإفريقي خاصة مع الجزائر ونيجيريا، والأهم خط الغاز العابر للصحراء الذي يمتد من نيجيريا عبر النيجر إلي الجزائر بطول 4200 كم ومنه إلى أوروبا، الباحثة عن بدائل الغاز الروسي الرخيص في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي مشروعى الطاقة المغربي والجزائري، وكيف أثرا في مواقف البلدين تجاه أزمة النيجر؟
الطاقة في ميزان التنافس الجزائري المغربي بالساحل:
ويلقي ذلك الضوء على التنافس المحموم بين الجزائر والمغرب داخل القارة الإفريقية الذي يمتد لكافة المجالات، وبصفة خاصة ملف الطاقة والتنافس على خط غاز نيجيريا-أوروبا بوجود مشروع مغربي لإنشاء أطول خط بحري لنقل الغاز عبر الساحل الغربي لإفريقيا والذي من المقرر أن يمر عبر ثلاثة عشر دولة، بطول5660 كم بين نيجيريا والمغرب.
(&) مشروع خط الغاز الجزائري: تعود بداية الحديث عن خط غاز الصحراء إلي ثمانينيات القرن الماضي، قبل التوقيع على مذكرة تفاهم بين الجزائر ونيجيريا عام 2002، لدراسة جدوى مشروع خط أنابيب غاز يمتد بين دلتا نيجيريا الغازية إلى حوض حاس الرمل بالجزائر ثم يمتد إلى أوروبا، غير أن تأخر نيجيريا في إصدار قانون النفط الجديد، وانخفاض الطلب جعل المشروع غير ذي جدوى، وفي عام 2009 أُعيد طرح الفكرة بعد طفرة الأسعار التي شهدتها سوق الطاقة عالميًا، وتم التوقيع على اتفاق مبدئي جديد لتكليف مكاتب استشارية بإجراء دراسات معمقة حول إمكانية تنفيذ المشروع.
وأبدى الاتحاد الأوروبي رغبة المشاركة عن طريق تسهيل الدراسات ونقل التكنولوجيا التي يحتاج إليها المشروع، وكان الحماس الأوروبي مرتبطًا بأول أزمة طاقة مباشرة مع روسيا، بعد قطع أنابيب الغاز التي تمر عبر أوكرانيا بعد أزمة القرم.
وحدث خلاف بين الشركاء الرئيسيين للمشروع حول الاحتياطيات الغازية في دلتا نيجيريا، كما أدى تأزم الوضع السياسي بعد مرض الرئيس النيجيري عمر ياداوا والسفر إلى السعودية لتلقي العلاج، مع قيام جماعة “بوكو حرام” الإرهابية بالسيطرة على مناطق كان من المفترض أن يمر بها الخط، وكذلك إعلان العديد من الجماعات المسلحة في الصحراء تبعيتها لتنظيم “القاعدة” الإرهابي، مما أدى لتوقف المشروع مبدئيًا، مع عدم استبعاد تدخل الشركات المنافسة لعرقلة المشروع، نتيجة الانتعاش الطفيف في أسعار الغاز، عام 2012، عاد المشروع مرة أخرى إلى الواجهة، مع دخول منافسين كُثر إلى السوق الأوروبية، وبالأخص الخط الروسي الألماني الثاني”نورد ستريم-2″، وخط الغاز من أذربيجان عبر تركيا، ووجود أمريكا وقطر كمنافسين محتملين.
وشهد عام 2022 تغيرات على المستوى الداخلي الجزائري، حيث تجاوزت البلاد حالة الفراغ السياسي بسبب مرض الرئيس السابق بوتفليقة وصولًا لانتخاب الرئيس عبد المجيد تبون، وخارجيًا باندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من خلل في تزويد أوروبا بالغاز، مما مثل فرصة ذهبية للجزائر لإحياء المشروع من جديد، مع التوقعات العالمية بنمو الطلب الأوروبي على الغاز بنسبة لا تقل عن %40 حتى عام 2030 والذي يُقدر حاليًا بنحو 350 مليار م3، وجاءت التكلفة المرتفعة للمشروع التي تقدر بـ13 مليار دولار كإحدى العوائق إلا أنها من الممكن تجاوزها في ظل اهتمام الشركات الأوروبية الكبرى مثل توتال الفرنسية وإيني الإيطالية وشركة الغاز الإسبانية وشركة جازبروم الروسية، كما أبدت الصين اهتمامًا بالمشروع، ومن الممكن للجزائر توفير التمويل من خلال الاحتياطيات المالية كما صرح محمد عرقاب وزير الطاقة الجزائري، مما يعكس إصرار الجزائر على تنفيذ المشروع. مع وجود مخاوف أمنية من القدرة على حماية خط الغاز.
(&) مشروع خط الغاز الساحلي المغربي: خلال زيارته لنيجيريا في ديسمبر عام 2016، والتي التقي فيها الملك المغربي محمد السادس الرئيس محمد بخاري، اتفق الطرفان على إجراء دراسة جدوى لربط البلدين بخط غاز يبدأ من نيجيريا ويصل إلى أوروبا عبرالرباط، وبعد عامين من هذا الإعلان، وفي يونيو 2018 وقع البلدان إعلانًا مشتركًا بتحديد الخطوات التنفيذية للمشروع الذي سيمتد على طول 5660 كم، ويمر بإحدى عشر دولة غير المغرب ونيجيريا ليصل مجموع الدول التي سيمر بها المشروع ثلاثة عشر دولة، ليصبح أطول خط أنابيب بحري في العالم، وتبلغ قيمته الاستثمارية ما يقرب من 30 مليار دولار، ويتمتع المشروع بدعم كبير من أوروبا حيث يمثل أهمية كبرى في السياسة الأوروبية، وقد زادت فرص إنشاء المشروع خاصة بعد التحولات التي نتجت عن الحرب الروسية الأكرانية خاصة في سوق الطاقة، وزيادة معدلات استهلاك الغاز بعد جائحة كورونا مما أدي إلى ارتفاع أسعار الغاز بصورة كبيرة، بالإضافة إلى النتائج السياسية والاجتماعية على شعوب الغرب الإفريقي، ويبرز التمويل كأحد المشكلات والتحديات التي تواجه المشروع، إذ يتطلب حشد الدعم السياسي من قِبل المغرب ونيجيريا لتشجيع الدول الأخرى وخاصة الأوروبية للمساهمة في المشروع، كذلك وجود مشروعات منافسة مثل خط الصحراء بين نيجيريا والجزائر وإن قلل الانقلاب الأخير في النيجر من فرص تنفيذه، وكذلك الأوضاع السياسية غير المستقرة في الغرب الإفريقي خاصة في السنوات الأخيرة بعد الانقلابات العسكرية التي شهدتها دوله، وأخيرًا التشكيك بالجدوى الاقتصادية للمشروع الذي يستهدف السوق الأوروبية التي تخطط على المدى المتوسط والطويل للاستغناء عن الوقود الأحفوري بكل أشكاله.
محددات موقف الجزائر من أزمة النيجر:
مع تواتر أنباء احتجاز الرئيس محمد بازوم على يد عناصر الحرس الرئاسي، حرصت الجزائر على اتخاذ موقفًا متوازنًا، تمثل في دعمها للشرعية، ورفض أي تدخل عسكري في النيجر، ووجدت نفسها أمام مسئولية إقليمية، لمنع التدخل العسكري الذي هددت به المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “الإيكواس”، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
(*) أمن الحدود: يحمل التدخل العسكري بالنيجر مجموعة من تداعيات السياسية والأمنية والاقتصادية في واحدة من أهم الدول المجاورة لها، فأمنيًا التجارة غير المشروعة عبر الحدود من تجارة وتهريب البشر، وتجارة المخدرات، فضلًا عن حالات اللجوء الإنساني عبر الحدود، وما تحمله من ضغوط اقتصادية على موارد الدولة، وضغوط أمنية لضبط مناطق الحدود المشتركة، إلى جانب النشاط المحتمل للجماعات الإرهابية في المنطقة، كذلك تحول الجزائر إلى منصة عبور للهجرة غير الشرعية للمتضررين من التدخل العسكري.
(*) خط الغاز العابر للصحراء: تمتد الآثار الاقتصادية إلى مشروعات الطاقة، بتأثر مشروع إنشاء خط غاز الصحراء (خط لاجوس) الذي يمر بالنيجر لمسافة 830 كم، وتقدر طاقته الإنتاجية المحتملة بحوالي 30 مليار م3، وبتكلفة 13 مليار دولار، حيث يؤدي التدخل العسكري في النيجر إلى تباطؤ مراحل إنشاء الخط أو توقفه كليًا، مما يكون له بالغ الأثر على الوضع الاقتصادي في الجزائر، خاصة مع الخسائر المتوقعة علي مجمل مشروعات التعاون الثنائية بين البلدين، وفي مقدمتها مشروعات التنقيب في مناطق شمال النيجر الموقعة منذ 2015، بالإضافة إلى الطريق العابر للصحراء الذي يبلغ 4800 كم ويربط الجزائر العاصمة ولاجوس مروراً بالنيجر، كما تخشى التورط في الحرب حال اندلاعها، وخروج الأمور عن السيطرة في المنطقة، خاصة أن التعامل الغربي مع الأزمة الليبية ما زالت أثاره قائمة وشاهدة على سوءه.
(*) المصالح الاستراتيجية للجزائر: بدى الموقف الجزائري متوازنًا بين الدعوة إلى ضرورة العودة للنظام الدستوري ورفض العمل العسكري، بهدف الحفاظ على مسافة واحدة بين الأمن القومي الجزائري وإدارة العلاقة بكل من أوروبا التي ترفض السلطة الانتقالية، وأمريكا التي تتبنى موقفًا غامضًا من الحدث، وروسيا التي تبدو منحازة للسلطة الجديدة بقوة، مما يمثل معضلة للجزائر التي ترتبط بمجموعة من الاتفاقيات العسكرية مع روسيا، وفي نفس الوقت تؤسس لعلاقات اقتصادية مع أوروبا والولايات المتحدة خاصة في مجال الطاقة وفي القلب منها خط لاجوس الذي يمر بالنيجر.
وأجرى وزير الخاجية الجزائرية أحمد عطاف بعدة زيارات بدأت بالولايات المتحدة ثم دول الإيكواس على أمل تجاوز الخيار العسكري، وقد بدى أن هناك دعمًا أمريكيًا لدور الوساطة الجزائرية في أزمة النيجر من خلال لقاء وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن مع نظيره الجزائري، حيث تهدف واشنطن للحفاظ على مصالحها في منطقة الساحل بعيدًا عن روسيا وفرنسا.
وتبلور الموقف الجزائري في مبادرة تتضمن حلًا سياسيًا سلميًا للأزمة طرح في أواخر أغسطس الماضي من عدة نقاط أبرزها عدم شرعية التغييرات غير الدستورية وتحديد فترة زمنية مدتها ستة أشهر لبلورة وتحقيق حل سياسي يضمن العودة إلى المسار الديمقراطي، وصياغة ترتيبات سياسية بمشاركة كافة الأطراف دون إقصاء.
وتقوم الجزائر بالاتصالات على ثلاثة مستويات في الداخل النيجري، ودول الجوار ومجموعة الإيكواس وخاصة نيجيريا التي تمثل بداية خط غاز لاجوس أو خط الغاز العابر للصحراء، والمستوى الدولي مع الدول الداعمة للحل السلمي للأزمة.
وتختمم المبادرة بالدعوة إلى تنظيم مؤتمر دولي حول التنمية في منطقة الساحل لتشجيع التعاون بين دولها.
موقف المغرب من الأزمة:
معروف عن الدبلوماسية المغربية الهدوء وعدم التسرع بإعلان المواقف إزاء الأحداث الدولية حتى تكتمل الصورة، وعلى الرغم من الأهمية الاستراتيجية للنيجر، والتواجد المغربي على صعيد الاستثمارات، كان لافتًا تأخر إصدار المغرب موقفًا من الأحداث بعد عزل الرئيس بازوم، على الرغم من إعلان العديد من حلفاء المغرب الغربيين تنديدهم بما جرى من الإطاحة بالرئيس محمد بازوم، مما يُفسر بعدم رغبة الرباط المجازفة برصيد دبلوماسي واقتصادي بُني منذ سنوات، وبمقارنة موقف المغرب من أحداث النيجر بموقفها من أحداث مالي في 2020، و2021 حيث سارعت الخارجية المغربية برفضها الانقلابين، والمطالبة بعودة الشرعية والمؤسسات، يمكن أن يشكل تغيير السلطة في النيجر فرصة للمغرب لوضع تكتيكات جديدة تخدم مصالحها الإستراتيجية، فالمغرب في حاجة لربح تحالفات جديدة على حساب الجزائر، من جهة أخرى ففتح جبهة صراع جنوب الجزائر يشغلها بعض الشئ عن صراعها مع المغرب.
علي المستوى الاستراتيجي فإن سيناريو التدخل العسكري في النيجر عن طريق الإيكواس، أو أطراف خارجية أخرى في صالح المغرب،لأن ذلك سيحدث صراع بين قوى داخلية لها أجندات خارجية، خاصة مع ظهور جيوب مقاومة داخلية تطالب بعودة الرئيس بازوم للحكم، على غير رغبة الجزائر، مما يزيد من احتمالات طرح الخلافات الحدودية بين الجزائر والنيجر، مما ينهي فرص خط الغاز الجزائري.
قد يبدو التدخل المغربي في أزمة النيجر مغامرة، ولكن تحقيق الأهداف الإستراتيجية لابد له من هامش من المغامرة، وفق منطق السياسة والعلاقات الدولية.
وختاماً: يمثل تغيير السلطة بالنيجر خطوة إيجابية لصالح مشروع الغاز الممتد عبر إحدى عشر دولة بين المغرب ونيجيريا، على حساب المشروع الجزائري، وقد تباين الموقف الجزائري والمغربي من أحداث النيجر، حيث رفضت الجزائر بشكل حاسم أية حلول عسكرية للأزمة،بل وصرح الرئيس تبون أن أية تدخلات عسكرية تمثل تهديدًا مباشرًا للجزائر، ورفضت اقتراح لعبور الطائرات العسكرية الفرنسية مجالها الجوي للتدخل في النيجر، وإن نفت فرنسا تلك الأنباء.
كما رفضت المشاركة في العقوبات ضد قادة السلطة الانتقالية، حيث لم تتخذ أية إجراءات ضد النيجر مثل غلق الحدود المشتركة، أو تعليق الرحلات الجوية أو المعاملات التجارية مع النيجر، بل وأعلنت مبادراتها لحل الأزمة بشكل سلميًا لقطع الطريق على الخيار العسكري، في نفس الوقت الذي شكل الانقلاب وما نتج عنه من عدم استقرار سياسي وأمني تحديًا جديدًا يضاف إلى التحديات التي تواجه المشروع الجزائري لنقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا، في الوقت الذي مثل فيه الانقلاب حدثًا إيجابيًا لصالح مشروع الغاز المغربي النيجيري، حيث أزال إلى وقت ليس بالقريب أهم المشروعات المنافسة له في القارة الإفريقية.