لماذا تتزايد عمليات داعش في سوريا؟
أخذ مؤشر عمليات داعش في سوريا، اتجاه تصاعدي منذ مطلع عام٢٠٢٢ حتى وصل إلى مستوى مقلق خلال الشهر الجاري عام ٢٠٢٣، فعلي الرغم من استئناف قوات سوريا الديمقراطية، عملياتها ضد التنظيم بعد أن علقتها لفترة ليست بالقصيرة، بسبب الضربات التركية على حدود سوريا، إلا أن تنظيم داعش، تمكن من القيام بعمليات مؤثرة في الأيام الأخيرة قاربت ٢٠ عملية، بل استطاع من خلالها إثبات أنه ما زال نشطًا ومؤثرًا في المعادلة الدولية.
بناء على ما تقدم؛انتبهت الفواعل الدولية، ذات المصالح داخل سوريا إلي مدي خطورة إمكانية عودة داعش بشكل مؤثر على الساحة السورية، ليطرح.. التساؤل التالي، هو: ما التغيرات الإقليمية التي أسهمت في إعطاء التنظيم فرص لعودة نشاطه؟، وما احتمالات تصاعد عمليات التنظيم في النصف الأول من ٢٠٢٣؟
محفزات إقليمية:
رغم الجهود الدولية التي تُبذل في مكافحة تنظيم داعش في سوريا، إلا أن التنظيم مازال قادرًا علي القيام بعمليات ذات تأثير، حيث نفذ التحالف الدولي ٣١٣ عملية ضد التنظيم في سوريا والعراق، منها ٢٢٢ عملية في سوريا خلال عام ٢٠٢٢ أسفرت عن مقتل ٤٦٦ عنصرا واعتقال ٢١٥ آخرين، منهم أهم قيادات وعناصر مركزية داخل “داعش”.
بالإضافة إلي ما تقدم؛ استأنفت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” عملياتها ضد “داعش” في ٢٩ ديسمبر الماضي بعملية “صاعقة الجزيرة”، بعد توقف استمر أكتر من شهر بسبب الهجمات التركية التي استهدفت قواتها المنتشرة في الشمال، وأصابت مدنيين وبنية تحتية.
لقد جاءت النتائج على عمليات مكافحة داعش السابق الإشارة لها، غير مرضية للمتابعين، وللأطراف الدولية، لوجود تغيرات في التحالفات والخصومات والأوضاع الإقليمية والدولية، يمكن الإشارة إلي بعضها على سبيل المثال كالتالي:
(*) سحب روسيا لأغلب قواتها من سوريا، بسبب الحاجة إلي حشد قواتها العسكرية في أوكرانيا، وهو ما أدي إلي المساهمة في ضعف القوة العسكرية التي تواجهه تنظيم “داعش”، مما ترك فراغ أمنى مكن التنظيم من القيام بعمليات تهدف إلي محاولة إطلاق سراح مقاتليه من سجون القوات الكردية.
(*) تراجع جهود مكافحة الإرهاب داخل العراق، فقد أدي ذلك تفلت عناصر من “داعش” عبر الحدود إلي سوريا، كنتيجة لخفض التعاون بين العراق وواشنطن، فيما يخص جهود مكافحة الإرهاب من الناحية العسكرية والاستخباراتية، منذ تولي رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد شياع السوداني، بسبب تعيين الأخير لضباط ينتمون إلي مجموعات الحشد الشعبي التابع لإيران، مما آثار حفيظة الولايات المتحدة، ودفعها لعدم تسليم دفعة الأسلحة والمعدات المتفق عليها سلفا إلي العراق.
(*) هجمات تركيا على شمال سوريا بمثابة مساعدة لداعش للحصول على فرصة لإدخال السلاح ونقل فلول داعش عبر المناطق التي تحتلها تركيا، تلك الهجمات مكنت التنظيم من الوقوف على أرض صلبة وعودة نشاطه، في ظل انشغال قوات “قسد” بصد الهجمات التركية، حيث تعد قوات سوريا الديمقراطية، بمثابة القوي الوحيدة التي من مصلحتها القضاء نهائيا على داعش، وتعمل بشكل حيوي ومستمر لتحقيق هذا الهدف.
(*) التقارب التركي السوري في الأسابيع الأخيرة ربما يسهم في عودة نشاط داعش، حيث تشير احتمالات التوافق بين أنقرة ودمشق إلي احتمالية التعاون في القضاء على ما يعتبرونه العدو المشترك لهما، المتمثل في الجماعات الكردية، التي تسيطر على أجزاء كبيرة من شمال شرق سوريا، مما سينعكس بدوره على جهود مكافحة تنظيم داعش التي تعد قوات سوريا الديمقراطية أهم أعمدته الرئيسية.
(*) ردود أفعال مربحة للتنظيمات المتطرفة بسبب التقارب التركي السوري، فقد يودي التقارب بين الدولتين في هذا التوقيت إلي تحالف هيئة تحرير الشام فرع القاعدة سابقا الذي يسيطر على أجزاء من شمال سوريا مع تنظيم داعش، حيث اعترض الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام على محاولات التقارب التركي السوري ووصفه بأنه انحراف خطير.
إضافة إلي ما سبق من تغيرات إقليمية شكلت عوامل إضافية في مصلحة تنظيم داعش، فقد أدت أسباب تتعلق بتمكن التنظيم من استمرار الحصول على التمويل وتوفر العناصر التي تعمل لصالحة سواء كمقاتلين أو بالتعاون الاستخباراتي من مواصلة نشاطه بنجاح. في ذات السياق؛ صرح وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب “فلاديمير فلنكوف” وفق أخر إحصائيات، بأن تنظيم داعش يمتلك ما يزيد عن ١٥ ألف عنصر داخل العراق وسوريا، بالإضافة إلي مبلغ يتراوح بين ٢٥- ٥٠ مليون دولار أصول تديرها قادة التنظيم. هذا فضلا عن ٣٠ ألف من قادة وعناصر داعش محتجزين في سجون سوريا والعراق معرضين للهروب بسبب محاولات التنظيم المتكررة لإطلاق سراح عناصره من خلال عملياته، بالإضافة إلي الأجيال الجديدة من الدواعش التي تتكاثر في مخيم الهول.
عوامل دولية مؤثرة:
قراءة المؤشرات الدولية والإقليمية، تشير إلي تصاعد منحني العمليات الإرهابية لتنظيم داعش في سوريا على وجه الخصوص والتنظيمات الإرهابية عموما في النصف الأول من ٢٠٢٣ لأسباب، يعد من أهمها:
(&) انشغال المجتمع الدولي عن مكافحة الإرهاب، وذلك بسبب محاولة امتصاص وتدارك تداعيات الأزمة الاقتصادية على دول العالم، مما أدي لخفض ميزانية مكافحة الإرهاب لدي أغلب الدول المعنية.
(&) العلاقة الطردية بين عمليات الإرهاب في سوريا والعراق، ومستويات التنسيق بين الأطراف العنيفة الفاعلة في الدولتين، فقد شهد عام ٢٠٢٢ تصاعد عمليات داعش في سوريا والعراق، باعتبار الأخيرة مؤثرة على الوضع في الأولى للارتباط الحدودي بين البلدين، مما يشير إلي استمرار منحني العنف في الصعود لاستمرار الأسباب السياسية والإقليمية ذاتها في العام الجاري.
(&) استمرار نجاح اللامركزية في تنظيم “داعش”وتأثيرها على استمرار عملياته وإعادة نشاطه يسن الحين والآخر، فقد أثبتت السوابق التاريخية، أن معدل عمليات تنظيم داعش لا تنحصر باستهداف قياداته، فقد خسر التنظيم أكثر من ٥٦٦ من عناصره وقياداته خلال عام٢٠٢٢، حيث يعتمد التنظيم منذ سقوط دولته سياسة لامركزية الإدارة، التي انعكست على قدرته على استمرار نشاطه، واعتمد التنظيم في جزء من عملياته على الذئاب المنفردة التي تنفذ عمليات زرع ألغام في نطاق مناطق قوات “قسد” والقتل بآلة حادة وإطلاق الرصاص.
(&) تجديد مصادر تمويل التنظيم وقدرته على الاستفادة من الأزمة الدولية الراهنة، من الواضح أن “داعش” لازال قادرًا علي توفير التمويل من خلال انتقاله عبر قنوات سرية، حيث يسيطر التنظيم على مناطق غنية بالنفط والمعادن في إفريقيا، بالإضافة إلي تزايد معدل تعاونه مع جماعات الجريمة المنظمة المتخصصة في الاتجار في النفايات الخطرة والحيوانات المنقرضة. في ذات السياق؛ كشفت الإدارة الأمريكية عن شبكة تحويل أموال لتنظيم داعش عبر شام اكسبريس بواسطة أتراك، كما تكشف القوات الكردية كل يوم عن جهات تحول أموال بطرق غير شرعية إلي مخيم الهول داخل سوريا.
في النهاية، يمكن القول إن المجتمع الدولي، سيظل يعاني من تداعيات استمرار قدرة الجماعات الإرهابية علي المواصلة والتواجد كعنصر فاعل في الساحة الدولية، بسبب عجز الآليات الدولية علي تقويض الإرهاب من جهة، وعدم توافر النوايا الصادقة لدي بعض الأطراف الدولية للقضاء علي تلك الجماعات من جانب أخر، فبعض الأطراف تتعامل مع الجماعات المتطرفة وفق مصالحها وتستخدمها لاستمرار حالة الفوضى في بعض الدول، ويغذي هذا الوضع ضعف المنظومة الدولية عن محاسبة التنظيمات الإرهابية والدول والأفراد الداعمة لها وفق معايير محددة ومجردة ورادعة.