موقف التنظيمات الإرهابية من المواجهات الإيرانية-الإسرائيلية
في خضم ترقب المحللين للمواجهات المباشرة وغير المباشرة الدائرة بين إيران وإسرائيل، الذي تديرها إيران من خلال ازرعها المسلحة، وبنفسها مؤخراً ضد إسرائيل في سياق حرب غزة وما قبلها، فيما تستهدف إسرائيل الأذرع الإيرانية في المنطقة منذ ١٥ عاما، حيث تطور الصراع منذ ساعات إلى ضربات متبادلة بين البلدين، برد إيران في ١٤ أبريل الجاري على استهداف قنصليتها في سوريا من قبل إسرائيل، بإطلاق مسيرات بإتجاه إسرائيل لم تحقق خسائر في الجانب الإسرائيلي، فيما ردت إسرائيل على الضربة الإيرانية من خلال هجوم جوي داخل إيران صباح الجمعة ١٩ أبريل.
وفي ظل بدأ معركة مباشرة بين البلدين، هل يتوقع أن يستمر التصعيد؟ أم تعود المواجهات بين الجانبيين إلى الحرب بالوكالة أو المواجهات التقليدية (الاغتيالات، العمليات النوعية) ؟، مما يطرح التساؤل عن مدى قدرة إيران على تحقيق تهديد حقيقي في ضوء علاقتها بالجماعات الإرهابية، في حال تصاعدت المواجهات المباشرة بين إيران وإسرائيل؟، وما موقف التنظيمات الإرهابية خاصة “داعش” من إيران في حال دخلت في حرب مفتوحة، خاصة وأنهذاالتنظيم لم يستهدف إسرائيل منذ تأسيسه حتى الآن؟
قدرات مقيدة:
ذكر رئيس الموساد السابق “يوسي كوهين” من قبل أن إيران تشكل التهديد الرئيسي لأمن إسرائيل في ظل الاتفاق النووي أو بدونه، فقد بدأ الصراع غير المباشر بين إيران وإسرائيل يتفاقم منذ عام ٢٠٠٠، حيث دعم ومول الحرث الثوري الإيراني عدة جماعات مسلحة في حربها مع إسرائيل، مثل مساعدة إيران لحزب الله في هجماته على إسرائيل عام ٢٠٠٦، في المقابل استولت إسرائيل عام ٢٠٠٩ على سفينة في شرق البحر الأبيض المتوسط محملة بالأسلحة متجه من إيران إلى حزب الله، ودمرت القوات الجوية الإسرائيلية عام ٢٠٠٧ مفاعل نووي إيراني اشتبهت فيه في سوريا.
مع بداية عام ٢٠١٠ استهدفت المخابرات الإسرائيلية (الموساد) العلماء النوويين الإيرانيين بموجة من الاغتيالات تهدف لوقف البرنامج النووي الإيراني، كما تم استهداف عدة سفن منذ عام ٢٠١١ حتى وقت قريب، متجهة إلى غزة تحمل أسلحة إيرانية إلى الفصائل الفلسطينية، بالإضافة إلى استهداف إسرائيل بالصواريخ لأذرع إيران في المنطقة في فترات مختلفة، بداية من حزب الله مروراً بقوات الأسد في سوريا، والحرس الثوري في العراق، وصولاً للحوثيين في اليمن، بهدف تقويض قدرات إيران الهجومية في المنطقة، وتحجيم خطر وقدرة إيران على تحقيق خسائر لإسرائيل.
بناء عليه؛ لم تسفر تبادل الهجمات غير المباشرة بين الجانب الإيراني والإسرائيلي خلال ١٥ عاما الأخيرة عن خسائر كبيرة، تنبأ بقدرة إيران على خوض حرب مفتوحة في مواجهة إسرائيل، لعدة أسباب يمكن قراءة بعضاً منها:
(*) عدم اكتمال البرنامج النووي الإيراني، وقدرة إسرائيل على استهداف المعامل المشتبه، بأنها نووية لإيران على أراضيها، أو على أراضي دول أخرى كسوريا ولبنان.
(*) اعتماد قدرات المليشيات المسلحة التي اعتمدتها إيران، كأذرع على السلاح الذي تقوم إيران بإرساله لخوض معركتها مع إسرائيل، وغياب الشرعية الدولية لتلك الميلشيات، مما يسهل من قدرة إسرائيل على استهدافها واستهداف الأسلحة المنقولة إليها.
(*) غياب شرعية الميلشيات المتحالفة مع إيران يصعب الجهود الاستخباراتية لمحور إيران، وسهولة الوصول إلى العناصر المتخابرة معهم في أي دولة، في مقابل نجاح الاستخبارات الإسرائيلية في الوصول إلى مصالح إيران واستهدافها في عدة دول.
(*) موقف التنظيمات الإرهابية السنية المتحالفة وغير المتحالفة مع النظام الإيراني، صعب من مهمة إيران في الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل، وبالتالي يمكن تقسيم موقف التنظيمات الإرهابية المسلحة إلى؛ عداء تنظيم داعش لإيران: جعل من التنظيم جهة قاسمة مستهدفة لعناصر إيرانية (روافض) في أي دولة، تنسيق تنظيم القاعدة مع إيران: الإيواء الإيراني لعناصر تنظيم القاعدة لم تستفيد منه إيران إلى وقتنا في صراعها مع إسرائيل، دعم وتحالف إيران لحركة حماس: كجزء من محور المقاومة السنية، لم يحقق مكاسب معتبرة يستفيد منها الجانب الإيراني في أهدافه التوسعية أو في حربه مع إسرائيل.
(*) التداعيات الاقتصادية للحرب التي بدأت بالفعل مؤشراتها في الظهور، قد تؤدي إلى احجام البلدين وحلفائهم عن الاستمرار في حرب مفتوحة.
تباين مواقف التنظيمات تجاه إيران:
رغم دخول تنظيم القاعدة في تحالف مع إيران بموجب رسالة بعثها “سيف العدل” زعيم التنظيم إلي فرع التنظيم في اليمن، إلا أن التحالف والتنسيق لن يسفر عن استقواء إيران بتحالفها القاعدي في مواجهتها مع إسرائيل، فهذا التحالف نتاجه لن يتعدى زيادة معدل استهداف المصالح الغربية في المنطقة، وتوفير الملاذات الأمنة لقادة تنظيم القاعدة داخل إيران بدل من أفغانستان، بالإضافة لوقف أفرع تنظيم القاعدة عن استهداف وكلاء إيران في المنطقة (الحوثي)، على الجانب الأخر خسر التنظيم جزء من قوته العسكرية بانشقاق بعض عناصره اعتراضاً على التحالف مع إيران للاختلافات العقدية التي تصل إلي استهداف الشيعة (الروافض) في كل الدول من قبل عناصر التنظيم حتى وقت قريب.
إضافة لما سبق؛ يظل عداء “تنظيم الدولة” للنظام الإيراني مستمر، مما يستحيل معه توقع وجود تحالف أو تنسيق من أي نوع بين إيران والتنظيم في أي وقت، حيث يؤكد التنظيم في إصداراته الإعلامية (النبأ، دابق،..) حتى الإصدار الأخير، على عدائه للروافض، واستهدافهم لعناصرهم حتى المدنيين منهم في أي دولة، وتؤكد هذه العقيدة لتنظيم الدولة عدة ملامح يمكن قراءتها من خلال كلمات التسجيلات الصوتية للمتحدث الرسمي باسم التنظيم “أبو حذيفة الانصاري” كالتالي؛
(#)صرح “أبو حذيفة الأنصاري” خلال التسجيل الصوتي الأخير على موقع صحيفة “النبأ” تحت عنوان “واقتلوهم حيث ثقفتموهم”، “غاية الجهاد هو إعلاء التوحيد وقد غابت هذه الغاية عن معركة فلسطين.. لا قيمة للأرض إذا لم تحكم بشريعة الرحمن سواء حكمها عباس أو حكمها دحلان، وسيان إذا حكم غزة أولياء أمريكا أو أولياء إيران”، بناء عليه لن يتحالف التنظيم مع إيران تحت أي وضع أو مسمى، باعتبارها نظام خارج عن عقيدة التوحيد وفق تصريحات التنظيم المتعاقبة.
(#) في ذات التسجيل الصوتي صرح أبو حذيفة: قائلا إن”التحالف مع الرافضة خطيئة إخوانية نشأت منذ فتنتهم بالثورة الخمينية الشركية، وبلغت ذروتها في السنوات الأخيرة، وتمثلت في ارتماء الفصائل الفلسطينية في أحضان الإيراني وتشكيل ما أسموه محور المقاومة”، وهذا يدعم رؤية عدم إمكانية مساعدة التنظيم لإيران في مواجهتها مع إسرائيل.
(#) كما صرح أبو حذيفة: قائلًا إن ” إيران أنشأت (محور المقاومة) لخدمة مشاريعها للوصول لسب الصحابة وأل بيت النبي من فوق منبر المسجد الأقصى، والقيام بمواكب اللطم في شوارع القدس، الرافضة خططهم التوسعية ومؤامرتهم ضد المسلمين لا تقل خطورة عن مؤامرات وأحقاد اليهود والصلبيين”، بذلك يرى التنظيم أن لا فرق بين إيران وإسرائيل في العداء لهم والبراء منهم، وواجب قتالهم واستهداف مصالحهم، بل يرى التنظيم أن قتال حلفاء إيران وحلفاء إسرائيل مقدم عن قتال إسرائيل في الوقت الحالي.
يؤكد على القراءة السابقة استمرار عمليات استهداف الروافض أو عناصر متحالفة مع إيران في سوريا والعراق حتى أخر رمضان ٢٠٢٤، بما يشير إلي أن احتمالية تحالف التنظيم مع إيران مستبعدة، فتنظيم الدولة يرى أن نصرة غزة محصور في استهداف اليهود والصليبيين وفق تعبير المتحدث الرسمي في أي مكان أو في عقر دارهم، واستهداف الأنظمة العربية لتحالفها مع اليهود والصليبين وفق تعبير المتحدث.
نتيجة لما تقدم؛ هدد التنظيم باستهداف الغرب ومباريات الدوري الأوروبي، وبدأت بالفعل عمليات التفجير والطعن في الغرب تزيد منذ حرب غزة، ومن المتوقع أن تستمر موجة عمليات إرهابية خاصة من الذئاب المنفردة، خاصةً باستنفار التنظيم عبر مواقعه لاتباعه خاصة الذئاب المنفردة لاستهداف الغرب والشرق، بقراءة تعليقات اتباع التنظيم على مواقعه نجد إشارة عناصر التنظيم ـ حتى المتعاونين اضطراراً مع بعض الجيوش العربية ـ لبعضهم الرجوع لروابط صناعة المتفجرات علي الموقع، حيث دع أبو حذيفة عناصر التنظيم إلى ذلك فقال: “إن الدولة الإسلامية تستنفر جنودها خاصة والمسلمين المتشوقين إلى نصرة الإسلام عامةً، باستهداف اليهود والصليبين وحلفائهم المجرمين فوق كل أرض وتحت كل سماء.”
كما أكد أبو حذيفة على تنشيط العمليات النوعية ضد الغرب بقوله: “احكموا الخطط ونوعوا العمليات فنسفاً بالمتفجرات وحرقاً ورمياً بالطلقات الفارقات ونحراً بالسكاكين، لا تفرقوا بين مدني وعسكري، اجعلوهم يعرفوا أن جرائمهم في فلسطين والعراق والشام ترتد عليهم في عقر دارهم في واشنطن وباريس ولندن وروما وغيرها من بلاد الكافرين، الأهداف السهلة قبل الصعبة والمدنية قبل العسكرية والدينية كالكنائس، فإن ذلك أشفى لصدوركم وأظهر لمعالم المعركة، فإن حربنا معهم حرباً دينية نقاتلهم أينما ثقفوا استجابة لأمر الله تعالى”.
بناء على المعطيات السابقة؛ بقراءة موقف التنظيمات الإرهابية من المواجهات بين إيران وإسرائيل، يظل من المستبعد أن يصب نشاط التنظيمات الإرهابية في صالح دعم أو تقوية جبهة النظام الإيراني، سواء بسبب ضعف نتائج التحالف القاعدي الإيراني رغم التغاضي عن الخلافات العقدية بين الجانبين، أو بسبب الرفض القاطع لتحالف “تنظم الدولة” مع إيران لاعتبار “تنظيم الدولة” أن إيران وحلفائها وإسرائيل وحلفائها على قدم المساواة بالنسبة لوجوب قتالهم من قبل التنظيم.