تشبيك مقلق.. ما حدود العلاقة بين “إخوان الأردن” و”إيران”؟

خلال الفترة السابقة، شهد الشارع الأردني، مظاهرات داعمة لغزة، ترفع لافتات وتتبني هتافات تُمجد من فصائل وعناصر مسلحة، وتهاجم المملكة الأردنية وفق وصف سياسيين أردنيين، وبيان مدرية الأمن العام في المملكة، يأتي هذا في ظل تحقيقات تشهدها المملكة مع عناصر إخوانية متورطة في تهريب أسلحة إلى المملكة أرسلتها فصائل مدعومة من إيران في سوريا منذ 15 يومًا وفق “رويترز”، في ذات السياق منعت فصائل مسلحة شيعية عراقية عبور شاحنات النفط إلى الأردن بذريعة نصرة القضية الفلسطينية، وهذا وفق تصريح سابق لخبير الطاقة الأردني “عامر الشوبكي”.

تأسيسا على ما سبق، يطرح هذا التحليل عدد من التساؤلات، هي: ما علاقة إخوان الأردن بتلك المخططات؟، وما المستهدف الإيراني الفاعل في تحريك تلك الأحداث؟، وما مدى تأثير وفاة رئيس إيران “إبراهيم رئيسي على استمرار سياسات إيران في المنطقة؟

منطلقات مشتركة:

تمتد العلاقات الإيرانية بجماعة الإخوان المسلمين رغم العداء المذهبي منذ الثمانينات مع بداية الحرب الإيرانية العراقية، حيث أنشأ النظام الإيراني وقتها دار نشر لترجمة كتب الإخوان لترسيخ الفكر الجهادي في المجتمعات العربية، كما حرصت إيران منذ ذلك الحين، على التواصل مع قيادات الجماعة في مصر وتونس والسودان وغيرها من الدول العربية، وكلل هذا التواصل والدعم بعقد “المؤتمر الإسلامي الشعبي العربي” عام ١٩٩١في الخرطوم، حيث سعت إيران من خلاله الحصول على اعتراف من قادة الجماعات السنية الراديكالية المسلحة التي حضرت المؤتمر،  بأن مرشدها الأعلى هو زعيم الأمة الإسلامية.

في ذات السياق، وبقراءة فاعليات المؤتمر الإسلامي السابق ذكره، يمكن القول إن كل الجماعات الإرهابية في العصر الحديث السنية والشيعية من الإخوان إلى القاعدة، تتشاطر عدة منطلقات فكرية منها؛ الإيمان بوجوب إعداد المؤامرات وعقد التحالفات السرية لصالح التنظيم أو الميلشيا لإحداث قلاقل وقت الاستقرار، واعتماد القوة المسلحة طريقاً وحيداً ضد الأنظمة العربية والغرب بأولوية حسب الظرف السياسي، وقد أكد على ذلك “حسن البنا” ـ المنهج المركزي الذي اعتمدته كل التنظيمات وعملت على نشر فكره بكل الوسائل المتاحةـ حيث قال في عدة رسائل: “إن القوة أضمن طريق لإحقاق الحق”، “لقد حقق الإسلام النصر بحد السيف”، “في الوقت الذي يكون منكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة ـ أي ١٢ ألف أخ ـ قد جهزت كل منها نفسها روحيا بالإيمان، وفكريا بالعلم، وجسميا بالرياضة،في هذا الوقت طالبوني، بأن أخوض بكم لجج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل ذلك إن شاء الله”.

مخططات تأمرية:

حاولت الميلشيات الموالية لإيران وجماعة الإخوان المسلمين، تقليب الرأي العام ضد الأردن تحت ذريعة اعتراض القوات الأردنية مسيرات إيرانية في أجواء الأردن وعدم دعم الأردن للقضية الفلسطينية، كما عمل أعلام الجماعة علي تأكيد هذه الادعاءات عبر قنواته، كما حاولت كتائب “حزب الله” العراقي، استهداف قوات أمريكية في الأردن، فقد صرح “أبو علي العسكري” مسئول الأمن لكتائب حزب الله العراق، عبر تلجرام منذ شهريين، على أنهم أعدوا لتجهيز ـ ما أسموهم ـ مجاهدي المقاومة الإسلامية في الأردن بما يسد حاجة ١٢ ألف مقاتل من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، والقاذفات ضد الدروع، والصواريخ التكتيكية، والذخائر والمتفجرات، وتنتظر كتائب “حزب الله” التزكية من قادة حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، بما يعني أن المجاهدين المذكورين تابعين لميلشيات سنية تابعة لإخوان الأردن، يلاحظ استخدام منهج البنا في أن الكتيبة يجب أن تكون ١٢ ألف أخ. وعليه، يمكن القول إن الأحداث خاصة في الأيام الأخيرة، تؤكد على تحالف التآمري- تمت الإشارة إليه في السابق، يستهدف الأردن، وهو ما تؤكده المؤشرات التالية:

(*) تسجيل “محمد الضيف” القائد العسكري لكتائب عز الدين القسام، الذي جاء عقب زيارة قادة حركة “حماس” لمرشد إيران، يقول فيه بادئاً بمخاطبة الأردنيين: “يا أهلنا في الأردن ولبنان ومصر والجزائر والمغرب العربي، وفي باكستان وماليزيا وإندونيسيا، وفي كل أنحاء العالم العربي والإسلامي.. ابدؤوا الزحف اليوم.. الآن وليس غدا نحو فلسطين.. لا تجعلوا قيوداً ولا حدوداً ولا أنظمة، تحرمكم شرف المشاركة في تحرير المسجد الأقصى” وهي نفس العبارات التي تستخدمها جماعة إخوان الأردن في المظاهرات والميلشيات العراقية في تجمعاتها على الحدود. الجدير بالذكر، أن حركة حماس أسست كجزء من تنظيم الإخوان المسلمين في الأردن عام ١٩٧٨ واتخذت من الأردن مقرا لمكتبها السياسي، قبل تأسيس حماس بطابعها العسكري عام ١٩٨٧.

(*) جندت حركة “حماس” عناصر من إخوان الأردن في الفترة من الثمانينات إلى بداية الألفية الثانية، فكونت بذلك كتلة وازنة منتمية للحركة فكرياً وتنظيمياً، وهم مستمرين في العمل لصالح الحركة حتى حينه.

(*) تهديد كتائب “حزب الله” العراقية، بقطع الطريق البري عبر الأردن وصولاً لإسرائيل، رغم إتاحة الطريق لإسرائيل عبر سوريا، إذا كانت جادة في الوصول لإسرائيل براً، مما يؤكد المخططات التآمرية تجاه المملكة بإيعاز من إيران التي تستخدم تلك الميلشيات لنشر التشيع وتوسيع نفوذ إيران منذ حربها مع العراق، فالمليشيات الشيعية العراقية تعمل لصالح إيران منذ الحرب العراقية-الإيرانية.

(*) القبض على خلية إخوانية أردنية، تم تجنيد عناصرها من قبل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” صالح العاروري الذي تم اغتياله مطلع يناير الماضي على يد إسرائيل، الخلية قامت بتهريب السلاح إلى الأردن عبر ميلشيا مدعومة من إيران، وهذه ليست المرة الأولى التي تكتشف الأردن خلايا مرتبطة بإيران متسللة من سوريا والعراق تنقل صواريخ ومتفجرات، فضلاً عن تهريب المخدرات بقيادة الحرس الثوري وحزب الله، حيث تعمل إيران على توسيع التجارة في المخدرات وتهريبها لتمويل تسليح ميلشياتها.

(*) أكد وزير الاتصالات الأردني، مهند مبيضين، المتحدث باسم الحكومة في تصريحاته، رصد اتصالات بين جماعة الإخوان في الأردن وحركة “حماس”، وهو ما لم تنفيه جماعة الإخوان،وأكد مبيضين على استمرار ارتباطهم الأيديولوجي والفكري وأن حماس بمثابة الأم للجماعة وفق تعبيره.

ثبات استراتيجي:

عن تأثر وفاة الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” منذ أيام على سياسات إيران في المنطقة، فالممارسات الإيرانية والاستراتيجية التي اعتمدتها إيران منذ تأسيس الحرس الإيراني منذ عقديين تشير إلى أن سياسات إيران لا ترتبط برئيس، فالحرس الثوري هو المسئول عن تسليح وصناعة الميلشيات في المنطقة، والمرشد الأعلى في إيران، هو المسئول عن وضع السياسات والإشراف عليها داخل حدودها وخارجها.

بالإضافة إلى أن إيران صنعت بالفعل شبكة ميلشيات شيعية وتحالفت مع أخرى سنية يصعب القضاء عليها أو تحيدها، لارتباطها وتشابكها مع الفواعل والأحداث، فمن جهة، أيديولوجية تلك الجماعات تقوى وتنتشر يوم بعد يوم بفعل استراتيجيات لنشر إيديولوجية تلك الميلشيات، من جهة أخرى، الأحداث السياسية الدولية المحفزة في المنطقة وارتباط مصالح تلك الميلشيات بالتشابك مع تلك الأحداث، يعزز ثبات استراتيجية إيران في التعامل مع محيطها الإقليمي ودعم الميلشيات ومحاولة صناعة ميلشيات جديدة، وهو ما تدعمه المشاهد التالية:

(&) احتفاء جماعة الإخوان بمشهد تقديم إسماعيل هنية العزاء في رئيسي، يشير إلى أن العلاقات بين إيران وميلشياتها علاقة تتعلق بمفهوم الولاء والبراء، وقد أعلنت إيران عن ولائها للميلشيات السنية (ولاء برجماتي)، رغم التباينات العقائدية والفقهية بين السنة والشيعة، حيث لازالت أفكار سيد قطب وحسن البنا مصدر إلهام لنواب صفوي والخميني، كما كانت الثورة الخمينية ملهمة لجماعة الإخوان في كل الدول العربية، كما يعني استقواء جماعة الإخوان بتحالفها مع إيران، خاصة مع خسائرها المتتالية للعمل السياسي في أغلب أنظمة الدول العربية.

(&) تغلب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، طابع التنظيمي أكثر من الدولة، حيث يعد المرشد هو المتحكم في سياسات الدولة، في حين الرئيس يخضع له وينفذ سياساته، والحرس الثوري يحل محل الجيش فعلياً في الغالب، فقد أسس الحرس الثوري في الأساس لصناعة الميلشيات في المنطقة وحماية جمهورية ولاية الفقيه.

(&) هاجم الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي إدارة بايدن، بسبب تقديمها “التعازي” في وفاة رئيسي، متهمين بايدن، بأن حزبه هو الحزب المؤيد للإرهاب، مما يشير إلى أن جانب كبير من السياسيين الأمريكيين لم يغير نظرته لإيران باعتبارها راعية للميلشيات في المنطقة، وهو ما أكد عليه المحللين والمراقبين بأن رئيسي لم يكن الشخصية الحاسمة في صياغة القرارات وإدارة الصراعات داخل إيران، بل سياسات مرتبطة بالجمهورية الإسلامية خاصة في ظل سيطرة المتشددين على الحكومة الإيرانية.

من مجمل ما سبق، وانطلاقاً من المنهج الراسخ للجماعات الإرهابية جميعاً، اشتركت كل من الميلشيات الشيعية في العراق وسوريا، وتعاونت معهم جماعة الإخوان المسلمين في الأردن في التآمر ومحاولة زعزعة استقرار المملكة، تفعيلاً لتحالفهم لصالح إيران محاولين صناعة ميلشيا داخل الأردن، استغلالاً لأحداث غزة وتوظيفها قضية عادلة للتأصيل لميلشيات إرهابية، حيث تعمل إيران على تطويق الأردن والسيطرة عليها من الداخل والخارج، فالتواجد الإيراني في الجنوب السوري يقوم بتهريب السلاح والمخدرات إلى الأردن، والميلشيات العراقية التابعة لإيران (كتائب حزب الله- عصائب أهل الحق – النجباء – كتائب سيد الشهداء) تعرقل دخول النفط العراقي إلى الأردن وتتمركز على الحدود بحجة دعم غزة.

في الأخير؛ على الرغم من أن المعطيات تشير إلى سعي إيران صناعة ميلشيا جديدة داخل المملكة الأردنية، إلا أن هذا المسعى من الصعب تحقيقه ليقظة الجهات الأمنية والمخابراتية في الأردن، ولاستقرار أوضاع الجهات السيادية والنظام داخل المملكة، الذي أتاح لجماعة الإخوان في العمل السياسي داخل الأردن رغم عدم توفيق الجماعة لأوضاعها،ومحاولة اتجاه كبير داخل الجماعة شق استقرار المملكة والعبث بسيادتها.

أسماء دياب

-رئيس برنامج دراسات الإرهاب والتطرف. -باحث دكتوراه في القانون الدولي- بكلية الحقوق جامعة عين شمس. - حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة. - خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى