هل تستفيد “داعش” من الغارات التركية في الشمال السوري؟
تعتزم تركيا القيام بعملية توغل بري في شمال سوريا خلال أيام وفق مسئولون أتراك، يأتي هذا الإجراء كخطوة تصعيدية متوقعة بعد استمرار القصف التركي لفصائل مسلحة كردية في سوريا عبر الحدود على مدار الأسبوع الماضي. كما يصرح النظام التركي بأن هذا الهجوم جاء ردا على التفجير الواقع داخل إسطنبول منذ أكثر من أسبوعين، اتهمت فيه أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية، إحدى مكونات قوات سوريا الديمقراطية، من جهتها نفت وحدات حماية الشعب الكردية صلتها بالتفجير الواقع في إسطنبول ولم تعلن أي جهة رسميا مسئوليتها عن الحادث حتى الآن.
الجدير بالذكر أن النظام التركي، يسعى منذ ٢٠١٦ إلي إقامة حزام أمنى من الغرب إلي الشرق على طول الحدود الجنوبية لتركيا بعمق ٣٥ كيلومترا، وحقق النظام بالفعل إقامة هذه المنطقة بعمق ٣٠ كيلومترا حتى عام ٢٠١٩ بالتزامن مع اتفاق سوتشي، ويبدوا أن النظام التركي يفتعل الأحداث لاستكمال خطته في التخلص من القوات الكردية بشكل كامل في المنطقة المذكورة بعد التزامه بموجب الاتفاقية بوقف النار في مناطق التصعيد الحدودية.
بناء على ما سبق؛تثير هذه التحركات تخوفات المحللين والأطراف الدولية بخصوص، احتمالية تمكن التنظيمات الإرهابية علي رأسها داعش من استعادة قوتها في تلك المناطق والمناطق المحيطة داخل سوريا، ويبقي السؤال عن تأثير تلك الأوضاع الأمنية على جهود مكافحة التحالف الدولي لداعش؟، وما نيات النظام التركي التي يسعي لتحقيقها من وراء هذا التصعيد؟.
جذور العداء:
تتعامل تركيا مع قوات سوريا الديمقراطية، باعتبارها عدو تاريخي لكون الكيان الكردي، يتبني أفكار الزعيم السابق”عبد الله أوجلان” زعيم حزب العمال الكردستاني. بناء عليه تتعامل تركيا مع كل المكونات الكردية باعتبارها تنظيمات إرهابية، في حين تتعامل معها أطراف دولية أخري باعتبارها أحد أهم أعمدة محاربة الإرهاب في المنطقة(خاصة تنظيم داعش).
في ذات السياق، تضيق تركيا على”حزب الشعوب الديمقراطي” الحزب المعارض الأكثر شعبية في تركيا، ساعية إلي حل الحزب لاتهامه بعلاقته بحزب العمال الكردستاني، حيث تعتقل تركيا الزعيم السابق للحزب “صلاح الدين دميرتاش” ورؤساء بلديات تابعين لحزب الشعوب الديمقراطي منذ محاولة الانقلاب ٢٠١٦.
بقراءة المعطيات السابقة؛ نجد أن النظام التركي، يحمل عداء تاريخي لأسباب متشعبة تدفعه لمحاربة أي كيان يشتبه ولاءه لحزب العمال الكردستاني داخل تركيا أو خارجها في (سوريا والعراق)، لذا اتهمت تركيا حزب العمال الكردستاني بالقيام بالتفجير الذي وقع في إسطنبول منذ أكثر أسبوعين رغم عدم وجود قرائن تشير إلي تلك الاحتمال، فيما ذهب اغلب المحللين إلي قراءة المشهد باعتبار تنظيم داعش هو المنفذ للتفجير.
أهداف تركية:
يسعى النظام التركي من تحركاته الأخيرة فيما يتعلق بقصف أهداف كردية شمال شرق سوريا إلي تقويض الكيانات الكردية بشكل كامل، وذلك للأسباب التالية:
(*) أعلنت تركيا أكثر من مرة أن هدفها، هو إقامة حزام أمنى على امتداد حدودها الجنوبية والجنوبية الشرقية مع سوريا والعراق، وتأتي العملية التي بدأت تركيا فيها منذ أسبوع وتعتزم استكمالها بغزو بري لسوريا، لاستكمال الهدف بالسيطرة على تل رفعت ومنبج وعين العرب لتعميق الحزام الأمن إلي ٣٥ كيلو متر داخل الحدود السورية، والتعدي على اتفاق سوتشي الذي اتفق بموجبه على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق ١٥-٢٠ كيلو مترا شرق سوريا، حيث تسعي تركيا لربط المناطق التي دخلت تحت سيطرتها عام ٢٠١٦.
(*) القضاء الكامل على العناصر التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، حيث تمكنت في الأيام القليلة الماضية من القضاء على أكثر من ٥٠٠ عنصر كردي، كما استهدفت منشآت نفطية مساء الأربع مما يعني أنها تسعي إلي القضاء على مصادر الدخل للقوات الكردية في المنطقة، و يدعم فكرة رغبة تركيا في القضاء على كل من يرتبط بحزب العمال الكردستاني، تقوم تركيا منذ فترة بعملية للقضاء على العناصر الكردية داخل العراق، حيث نجحت المخابرات التركية منذ ساعات في اغتيال مسئولة استخباراتية في حزب العمال الكردستاني شمال العراق.
(*) يسعي النظام التركي لإقامة١٠ مناطق و١٤٠ قرية في المنطقة الآمنة، بهدف نقل أكثر من مليون لاجئ سوري في تركيا، يدعم هذا ممارسات السلطات التركية التي تتمثل في ترحيل القسري لبعض الفتيات والأطفال والرجال إلي سوريا بين فبراير ويوليو ٢٠٢٢، فضلا عن إجبار اللاجئين السوريين على توقيع استمارة العودة الطوعية وإجبارهم على عبور الحدود تحت تهديد السلاح وفقا لما أكدته بعض المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان.
خطر داعشي:
من مجمل ما سبق؛ نجد أن خطر عودة نشاط تنظيم داعش، وانتعاش بعض الأنظمة الأخرى كهيئة تحرير الشام احتمال حاضر بشدة، وذلك للأسباب التالية:
(&) سوف تتسبب العمليات العسكرية داخل الحدود التركية إلي تهجير المدنيين في المنطقة وتعريض اللاجئين، الذين انتقلوا قسرا إليها للخطر، مما يزيد من احتمالية تمركز البؤر الداعشية على الشريط الحدودي وإعادة نشاطهم.
(&) أعلنت قوات سوريا الديمقراطية منذ يومين توقف عمليات القضاء على داعش في المنطقة، وهذا بسبب التركيز على صد هجمات الجيش التركي، مما قد يتسبب في إنعاش الجماعات المتطرفة في المنطقة خاصة داعش.
(&) وجود مخاوف جدية من هروب قد يكون ممنهج لعناصر لتنظيم داعش من مخيم الهول، وظهور خلايا للتنظيم مختبئة في المناطق حول المخيم، بسبب عجز إدارة الحكم الذاتي بقيادة الأكراد عن حفظ الأمن في ظل ظروف القصف التركي، خاصة مع تصاعد أعمال العنف في السنتين الأخيرتين داخل المخيم وحوله، ومحاولة نساء داعش وخلاياه النائمة استعادة نشاطهم.
(&) استهداف البنية التحتية وضرب الأهداف الاقتصادية، قد يدفع البعض من المدنيين بسبب سوء الأوضاع المعيشية إلى الانضمام إلي التنظيمات المتطرفة لضمان متطلبات المعيشة الضرورية، في ظل تعسر وصول المساعدات الإنسانية في تلك المنطقة الحدودية، فقد سعت تركيا للحصول على موافقة مجلس الأمن لإغلاق ثلاث معابر حدودية كانت مخصصة لعبور المساعدات الإنسانية.
(&) انتشار “فرقة الحمزة” التابع للجيش السوري الحر-المعروف سيطرة عناصر تنظيمات متطرفة عليه لضعف تمويله- في الأيام القليلة الماضية في مدينة العين وبامتداد الشريط الحدودي، واعتقال بعض عناصر الشرطة العسكرية التابعة لأنقرة، فيما اظهر صراع لعناصر لقوات مختلفة مما يؤكد وجود المناخ الحاضن لانتشار الجماعات المتطرفة.
(&) أعلن المتحدث الرسمي باسم تنظيم داعش رسميا أمس، عن مقتل زعيم التنظيم أبو الحسن القرشي، بعد ستة شهور من إعلان القبض عليه من قبل قوات الأمن التركية، دون الوصول إلي تفاصيل مقتله وعلاقة السلطات التركية بالأمر، بما يثير مخاوف من وجود علاقة مشبوهة للتنظيم مع السلطات التركية.
(&) المنطقة التي تسعى تركيا إلي جعلها منطقة آمنة تنشط فيها وحولها الجماعات المتطرفة، فضلا عن معسكرات لأسر المسلحين من كل الاتجاهات منذ القَضاء علي دولة داعش ٢٠١٧، مما يزيد المخاوف الأمنية من استغلال تلك التنظيمات لظروف القصف لترتيب أوضاعهم وعودة نشاطهم في المنطقة.
أخيرا؛ تنتهك تركيا جملة من القوانين والأعراف الدولية التي تتعلق بوضع اللاجئين وشروط استخدم حق الدفاع الشرعي، وشروط والتزامات إقامة المناطق الآمنة والتعامل غير المشروع مع التنظيمات الإرهابية، وانتهاك التزاماتها كدولة حامية، فضلا عن رغباتها التوسعية في المنطقة التي تؤسس لشرعنتها منذ سنوات، بما يوجب مواجهتها بإجراءات من المؤسسات الدولية والأطراف ذات التأثير المعنية بمحاربة التنظيمات الإرهابية.