هل يتزايد الصراع داخل جماعة الإخوان بعد وفاة إبراهيم منير؟

أعادت وفاة إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان الإرهابية، مشهد الانشقاق والتشرذم الذي تعيشه الجماعة، حيث تجدد تتبادل الجبهتين وأنصارهم للاتهامات، وأنتجت عشرات الفيديوهات خلال ساعات قليلة ماضية عمن أحق بالقيادة بعد منير، وعليه اتضحت حجم الخلافات من خلال إصدار بيان نعي منير من جبهة إخوان لندن دون جبهة إخوان إسطنبول بقيادة محمود حسين، كما وضح الخلاف القائم في تصريحات المتحدث الرسمي باسم الجماعة “أسامة سليمان”، عبر قناة الجزيرة، حيث أكد “سليمان” أن جبهة لندن، هي الجهة الرسمية الممثلة لجماعة الإخوان والتي قامت بتعيين “محي الدين الزايط” خلفا لمنير عقب وفاته لحين الإعلان عمن سيقوم بعمل القائم بأعمال المرشد، وأكد أن الجماعة غير مسئولة عن تصرفات أو تصريحات أي جهة أخري تدعي أنها معبرة عن التنظيم، قاصدا تيار محمود حسين والتيار الثالث المعروف بالكماليين(الذي يكتفي بالتخطيط للعنف) دون أن يدخل في حرب التصريحات تجاه أي من الطرفين.

علي ما سبق، وفي ظل التطورات المحتملة في المشهد في ظل ما حدث بين أطراف الجماعة خلال الأيام القليلة الماضية يبقي السؤال؛ ما الذي تؤول إليه الأوضاع داخل التنظيم في ظل حالة الانشقاق بين ثلاث جبهات؟، وما الجبهة التي سيكون لها اليد العليا في تسيير أوضاع التنظيم؟، وكيف استخدم إبراهيم منير مبدأ التقية حتى أخر لحظات حياته؟

تنازع شرعية:

يعود الصراع بين جبهة إخوان لندن بقيادة إبراهيم منير وجبهة إخوان إسطنبول بقيادة محمود حسين إلي عام ٢٠٢٠، بعد قيام جبهة إسطنبول بالإعلان عن عزل إبراهيم منير وفصله وأعضاء جبهته نهائيا، وردت جبهة لندن بتشكيل مجلس شورى جديد للجماعة، حيث نجحت جبهة منير باستقطاب عدد من إخوان إسطنبول فضلا عن عناصر من مصر ودول أخرى وتصعيدهم داخل هذا المجلس.

استمرت الخلافات حول القيادة، وتبادل اتهامات بين الجبهات والتي تتعلق بمخالفات مالية، وتهم نشر الفتنة وتعميق الانقسام في صفوف الجماعة، إلي أن أعلن إبراهيم منير يوليو الماضي في لقاء مع وكالة رويتر في تطور لافت أن الجماعة لن تخوض صراعا علي السلطة مجددا في مصر، حيث أكد منير أن الجماعة ترفض استخدام العنف أو السلاح، وأنها تكتفي بالعمل الدعوي، في المقابل تطالب جبهة محمود حسين باستمرار العمل نحو الحفاظ علي المكتسبات التاريخية والسياسية سعيا للوصول للسلطة والحفاظ علي المبادئ التي أرساها مؤسس الجماعة التي ترتكز علي السعي وراء أستاذية العالم.

في ذات السياق؛ استمر الصراع بين جبهتي الجماعة خلال الأيام الماضية بعد وفاة منير، الذي تولي عقب وفاته الزايط، وفيما يبدوا آن جبهة لندن هي الطرف الأوفر حظا في قيادة الجماعة، وذلك للأسباب التالية:

(*) جبهة لندن تملك التحكم في الأصول المالية للجماعة، بالإضافة إلي أن الزايط مسئول الحركة الطلابية داخل التنظيم لفترة طويلة، وهو ما يمكنه بالتواصل مع قطاعات الشباب داخل التنظيم، ومحاولة السيطرة على حجم الانشقاقات، وذلك لتمتعه بتأييد العديد من المكاتب الإدارية الداخلية للجماعة.

(*) تراجع مؤكد، فقد ألقت قوات الأمن المصرية، القبض في يوليو الماضي على شبكة داخل مصر تتبع محمود حسين تضم شركات صرافة وعاملين في المطارات، تقوم هذه الشبكة بتهريب أموال لتوفير التمويل للقيام بعمليات داخل مصر مما أضعف من جبهة إسطنبول.

(*) تحرك محسوب، حيث تقوم قوات الأمن التركية، بالقبض واستجواب بعض عناصر إعلام الإخوان بسبب تحريضهم ضد مصر في الأيام القليلة الماضية، مما يعد تضيق في وقت تسعي جبهة إسطنبول للحشد لما يسمونه حراك ١١-١١.

(*) عوامل حاسمة، في الوقت الذي رفض فيه محمود حسين تعليمات محمد بديع من داخل السجن، بخصوص وضع سجناء الإخوان، سعي إبراهيم منير لتقديم الدعم لأسر السجناء وحصر مشاكل الإخوان داخل مصر والتعامل معها، مما اكسب جبهة لندن الشرعية أمام المرشد وأعضاء التنظيم داخل مصر، كما صرح الزايط لقناة الجزيرة باستكمال نفس التوجهات بخصوص الاهتمام بملف المحبوسين من أعضاء الإخوان.

عقيدة التقية:

كشفت مصادر داخل جماعة الإخوان، أن إبراهيم منير شارك في أخر ساعات قبل وفاته في اجتماع مع قادته جبهته بخصوص الاستعداد لما تسميه الجماعة “حراك ١١ نوفمبر”، وأكد منير علي التعامل بإيجابية مع هذه التظاهرات في إشارة إلي تأييدها ودعمها والمساهمة فيها فيما يعد تكليف لأعضاء الجماعة، ويعكس حجم التناقض بين ما كان يصرح به منير للإعلام وما يقول به في الاجتماعات المغلقة ليعبر منير بذلك عن نموذج استخدام مبدأ التقية لدي الجماعة.

فعلي الرغم من أن مبدأ التقية معروف لدي الشيعة، إلا أن الجماعة اعتادت استخدامه في مواجهة أعدائها منذ مؤسس الجماعة حسن البنا، الجدير بالذكر أن مبدأ التقية وفقا للأصول الفقهية لا يجوز استخدامه، إلا مع الكفار مما يؤكد على العقيدة القطبية التكفيرية التي كان ينتمي لها منير، قال ابن القيم: ” التقية أن يقول العبد خلاف ما يعتقده لاتقاء مكروه يقع به لو لم يتكلم بالتقية” من أحكام آهل الذمة. (١٠٣٨/٢)، ويؤصل جوازها قوله تعالي: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة) آل عمران/٢٨ بذلك يستخدم الإخوان وأخواتهم الآيات القرآنية والفقه للاستدلال والتأصيل في غير موضعها بهتانا وزورا.

ما سبق، يؤكد أن استخدام التقية عقيدة راسخة لدي كل فرد في الجماعة وليس قادتها فحسب، بمتابعة تصريحات الجماعة عبر صفحتها الرسمية وقنواتها الإعلامية في الفترة الأخيرة، نجد أعضائها لا يحاولون التصريح بأفكار العنف والتكفير وضرورة استخدام الإرهاب، بل يظهرون عكس ذلك تماما ويرفعون شعارات التسامح والسلمية وقبول الأخر كذبا.

بالإضافة إلي أن رصد بعض صفحات عناصر تابعة للجماعة منذ أمس، يشير إلى مجموعات منها ما يشمت في مقتل جنودنا من أبناء القوات المسلحة، والبعض الأخر يلوح بأنهم بدءوا التصعيد الثوري، في إشارة إلي أن الجماعة لها يد في مقتل الجنود، وربما إشارة لشباب الجماعة لبدء استخدام العنف.

كما اعتمدت الجماعة على أن الشعب المصري، لا يقرأ ولا يبحث في جميع المصادر ليكون وجهات نظره، فتساهلت في عدم التحوط من إظهار التناقض بين التصريحات الحديثة والقديمة، وبين ما يدعيه إعلام الإخوان، وما يعلن عنه التيار الثالث (الكماليين) من العودة لاستخدام العنف.

فقد اعترفت دراسة منذ فترة لـ أحمد فريد مولانا، عضو الجبهة السلفية تابعة “للمعهد المصري للدراسات” الإخواني في تركيا، أن تنظيم “أجناد مصر وأنصار بيت المقدس” مارسا العنف المسلح ضد الدولة المصرية، بالتنسيق والتعاون مع تنظيم داعش، ويشير إلي أن من أسس تلك الجماعات هو “همام عطية” حيث أسسها من خلفيات متعددة سلفية وإخوانية وجنائية، ويستخدم أحمد فريد في الدراسة، كلمات تعكس إيمانه الشخصي بالأفكار الإرهابية وتأييد العنف.

بناء عليه؛ الجماعة تتقاسم الأدوار في تلك الفترة؛ فجانب منها يدعي الثورية السلمية والتسامح والعمل لمصلحة الشعب المصري، وجانب أخر متمثل في التيار الثالث أنصار القيادي محمد كمال، الذي اصدر وثيقة تعد بمثابة رسالة لشباب الإخوان للقيام بموجة عنف جديدة، والتي جاء المؤتمر الذي عقد في إسطنبول تأييدا لنفس الاتجاه يناير الماضي، حيث نظم المؤتمر وحضره عناصر إخوانية من كافة الاتجاهات وبعض المليشيات المسلحة (حركة حسم ولواء الثورة) وأعلنت العودة إلي الجهاد المسلح ومقاومة السلطات المصرية، ولعل أول إفرازات تلك التحركات استهداف جنودنا في سيناء الذين استشهدوا.

من مجمل ما سبق؛ يمكن التأكيد على أن الجماعة سواء في وضع خلافات وانشقاقات بين جبهاتها أو وئام وتماسك، فإن وضعها لن يختلف كثيرا بالنسبة لعداء الجماعة للدولة المصرية والشعب المصري أو بالنسبة لسياسات الجماعة في انتهاج العنف عقيدة سواء بالتصريح أو المراوغة واستخدام التقية.

أسماء دياب

-رئيس برنامج دراسات الإرهاب والتطرف. -باحث دكتوراه في القانون الدولي- بكلية الحقوق جامعة عين شمس. - حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة. - خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى