تقارب ملحوظ: لماذا تتطور العلاقات الكينية-الإثيوبية؟
رضوى صقر- باحثة ببرنامج الدراسات الأفريقية.
في زيارة هي الأولى له خارج البلاد؛ قام الرئيس الكيني الجديد “ويليام روتو” -المنتخب في الثالث عشر من سبتمبر 2022- بزيارة إلى إثيوبيا في السادس من أكتوبر 2022، أي بعد حوالي ثلاثة أسابيع فقط من توليه السلطة في كينيا.
وقد التقى”ويليام روتو”، برئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد”، الذي حضر مراسم تنصيبه كرئيس جديد لكينيا، وبالرغم من أن الجانبين أكدا على أن الزيارة تأتي في إطار تعزيز العلاقات الثنائية طويلة الأمد، حيث صرح رئيس الوزراء الإثيوبي على حسابه الرسمي على “تويتر” أن “العلاقة بين كينيا وإثيوبيا تقوم على أسس قوية وتعاون ودي؛ يركز على الأمور ذات الاهتمام المشترك”؛ إلا أنه بالنظر إلى كَوْن تلك الزيارة هي الأولى للرئيس الكيني الجديد، فإن ذلك يدعو للتساؤل حول أهمية تلك الزيارة، ودوافعها، وآثارها المحتملة؟، وهوما يحاول التحليل التالبي الإجابة عنه.
دوافع الاهتمام الكيني بإثيوبيا:
يأتي اهتمام الرئيس الكيني الجديد بتعزيز العلاقات مع إثيوبيا؛ نتيجة توافر عدد من الأسباب التي تدفعه للتقارب أكثر مع إثيوبيا، يأتي من أهمها ما يلي:
(*) التداعيات السلبية للنزاع الإثيوبي على الداخل الكيني: حيث صرح الرئيس الكيني في 23 سبتمبر 2022، أن ما يجري في إثيوبيا، باعتبارها دولة جوار لكينيا، ينعكس في كافة الأحوال على الداخل الكيني، لا سيما ما يتعلق باللاجئين، فوفقًا لمفوضية الأمم المتحدة العُليا للاجئين، يمثل اللاجئون الإثيوبيون 5% من عدد اللاجئين وطالبي اللجوء الإجمالي في كينيا(1)، والذي يصل لحوالي نصف مليون شخص(2)، في وقت تُعاني فيه كينيا من تداعيات ثلاثة مواسم قليلة المطر، والتي تزامنت مع تداعيات جائحة كوفيد-19، ليأتي النزاع في إثيوبيا ليُهدد بمزيد من عدم الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي ككل.
(*) دعم جهود حل النزاع الإثيوبي: يمكن أن تدخل زيارة الرئيس”ويليام روتو”، في إطار دعم الجهود الأفريقية للتوصل لحل للنزاع في إثيوبيا؛ ذلك لأن استمررا التعثر الإثيوبي يُضعف كينيا(3)، وبناءً عليه لابد من التدخل للمساعدة في محاولة إيجاد لحالة عدم الاستقرار التي تعاني منها إثيوبيا.
(*) دعم العلاقات الاقتصادية وتعزيز الاستثمارات: باعتبار أن كلاً من كينيا وإثيوبيا تمثلان أكبر اقتصادين في تلك المنطقة، ويمثل التعاون الاقتصادي بينهما عامل مهم لكلا البلدين، لذلك شهدت الزيارة مباحثات مشتركة حول زيادة التبادل التجاري وتعزيز الاستثمارات الكينية في إثيوبيا، خاصة في مجال التكنولوجيا والاتصالات، وفي هذا الإطار، شهدت الزيارة افتتاح الرئيس الكيني الفرع التابع لشركة الاتصالات SfaraiCom الكينية، والتي تعتبر أول استثمار أجنبي في مجال خدمات الهاتف المحمول في إثيوبيا، حيث تملك الحكومة الكينية 35% من أسهمها(4).
وهناك مساع كينية إلى زيادة الاستثمارات الخارجية؛ لتوفير المزيد من فرص العمل؛ إذ أن الاقتصاد الكيني يُقدم أقل من 200 ألف فرصة عمل رسمية للشباب الذين ينضمون لسوق العمل سنويًا ويبلغ عددهم حوالي مليون فرد(8)، كما تسعى كينيا لمواجهة معدلات التضخم والدين الخارجي، وجميعها قضايا تحتاج إلى الاستقرار الداخلي والإقليمي لجذب الاستثمارات الخارجية للاقتصاد الكيني.
(*) تعزيز المكانة الإقليمية والدولية لكينيا: فقد أكد الرئيس الكيني “ويليام روتو”، خلال حملته الانتخابية، أن حكومته ستعمل على ضمان تمتع بلاده بالاحترام والتقدير على المستوى الخارجي، وأنها ستسعى لتعزيز علاقات الصداقة مع الدول المجاورة، إلى جانب القيام بدور قيادي في القضايا الإقليمية وذات البُعد القومي الإفريقي، إضافة للتعاون مع الشركاء الدوليين، والقيام بالالتزامات الكينية تجاه المجتمع الدولي(5)، وبالتالي تأتي زيارة أديس أبابا في هذا الإطار.
في الوقت ذاته يسعى الرئيس الكيني الجديد للاستفادة من عضوية كينيا في كل من تجمع شرق إفريقيا، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “الإيجاد”، إلى جانب البناء على جهود الوساطة من جانب سلفه الرئيس السابق “أوهورو كينياتا”، التي دعمته كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الإفريقي؛ كما تحتاج كينيا أيضًا إلى تعزيز علاقاتها مع القوى الغربية؛ لاسيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، الأمر الذي يتطلب بدوره تعزيز موقع كينيا ونفوذها على المستوى الإقليمي في شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، ليس فقط لتعزيز المكانة الدبلوماسية الكينية، ولكن أيضًا للحصول على الدعم الاقتصادي والمالي من تلك القوى باعتبار كينيا تمثل إحدى القوى الفعالة والمهمة بالنسبة للاستقرار، والسلم، ومواجهة الإرهاب، وهي الرؤية التي يُعززها شمول الجولة الخارجية الأولى للرئيس الكيني الجديد لكل من تنزانيا، وأوغندا إلى جانب إثيوبيا.
(*) زيادة قدرات النظام على مواجهة التحديات الداخلية: يأتي ذلك في ظل سعي الرئيس الجديد لتدعيم موقفه على المستوى الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى المستوى الداخلي، باعتباره يواجه العديد من التحديات على رأسها أهمية العمل على توحيد المجتمع الكيني الذي يتكون من أكثر من أربعين مجموعة إثنية(6)، بالإضافة إلى السعي لخفض نسبة الفقر التي تصل إلى حوالي 35% في عام 2021(7)، وفقًا لتقديرات البنك الدولي، بالإضافة إلى تحسين الوضع الاقتصادي على خلفية الأزمات المتتالية التي عانت منها البلاد خلال الفترة الأخيرة، وجميعها تحديات لا يمكن التعامل معها ومعالجتها في ظل استمرار تدفق اللاجئين من الدول المجاورة، (الصومال، وجنوب السودان، والسودان)، وبالتالي أهمية قيام كينيا بدور فعال في عمليات التوصل لاتفاق سلام وتسويات سياسية في تلك الدول.
محددات التقارب:
استنادا إلى ما سبق، فإن التقارب الكيني الإثيوبي الحالي، وتحديداً بين الرئيس الكيني الجديد”ويليام روتو”، ورئيس الوزراء الإثيوبي “أبي أحمد”؛ إذ كان الأخير أول من هنأ “ويليام روتو”، بفوزه بالانتخابات الرئاسية، بالرغم من انتظار كثير من قادة العالم والقارة لحين البت في الطعون الانتخابية، إلا أن ذلك التقارب التكتيكي من المتوقع أن يستمر لحين حل النزاع القائم بين القوات الإثيوبية الرسمية وقوات تحرير شعب التيجراي؛ ليشهد بعد ذلك حالة من عدم الاستقرار حال توجه كينيا إلى منازعة إثيوبيا على قيادة اللجنة الحكومية المعنية بالتنمية “إيجاد”، في ظل سعي كينيا لتقديم نفسها كقوة إقليمية تستفيد من التعاون مع القوى الكبرى للحفاظ على استقرار منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي.
فعلى الرغم من التقارب الإريتري الإثيوبي الحالي منذ توقيع اتفاق السلام في عام 2018، برعاية خليجية، وهو التقارب الذي تزايد مع الدعم الإريتري للجانب الإثيوبي في مواجهة قوات تحرير شعب التيجراي، من غير المتوقع، عقب انتهاء النزاع الداخلي الإثيوبي، أن تسمح إريتريا باستمرار السيطرة والنفوذ الإثيوبيين على حساب النفوذ الإريتري في وقت تسعى فيه إريتريا للتغلب على الآثار والتداعيات الناجمة عن العقوبات التي كانت مفروضة عليها، وكذلك التداعيات المترتبة على جائحة كورونا، وما تلاها من الآثار السلبية للحرب الروسية الأوكرانية.
في الأخير، من المتوقع خلال الفترة القادمة أن يتجه الرئيس الكيني الجديد إلى تعزيز علاقاته بالقوى الإفريقية الكُبرى لاسيما مصر وجنوب إفريقيا، إلى جانب التوجه نحو العمل على دعم الجهود المبذولة حاليًا من خلال الاتحاد الإفريقي عبر المفاوضات القائمة بين الحكومة الإثيوبية وقوات تحرير شعب التيجراي في جنوب إفريقيا، إضافة إلى التركيز على تدعيم نفوذ كينيا في تجمع دول شرق إفريقيا “EAC”، مع السعي لجذب استثمارات خارجية جديدة خاصة من القوى الخليجية، والولايات المتحدة، والعمل على التفاوض بشأن تسديد الديون الخارجية الكينية، وإن ظلت كافة الاحتمالات مطروحة بشأن مستقبل العلاقات الكينية الإثيوبية خاصة مع استمرار الصراع الإقليمي والدولي للسيطرة على منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا في ظل أهميتها بالنسبة للتجارة الدولية، وعلى المستويين العسكري والاستراتيجي.
المراجع:
- “Kenya: Figures in a Glance”, UNHCR, accessed November 3rd, 2022: https://www.unhcr.org/ke/figures-at-a-glance.
- “ECHO Factsheet – Kenya – (Last updated 03/02/2022)”, Relief Web, accessed November 3rd, 2022: https://reliefweb.int/report/kenya/echo-factsheet-kenya-last-updated 03022022#..
- Zakeriye ahmed, “Kenya’s President William Ruto lands in Ethiopia on his first official visit to the region”, Horn Diplomat Website, accessed November 2nd, 2022: https://www.horndiplomat.com/2022/10/06/kenyas-president-william-ruto-lands-in-ethiopia-on-his-first-official-visit-to-the-region/.
- Tesfa-Alem Tekle, “Kenya’s Ruto, Ethiopia’s Abiy hold bilateral talks”, Sudan Tribune, accessed November 2nd, 2022: https://sudantribune.com/article265042/.
- Otieno Otieno, Fred Oluoch, Luke Anami, “William Ruto Promises To Play Key Role In EAC Affairs, Promote Peace”, The East African, accessed November 3rd, 2022: https://www.theeastafrican.co.ke/tea/news/east-africa/william-ruto-promises-to-play-key-role-in-eac-affairs-3944070.
- “President Ruto Faces Enduring National Challenges”, People Daily, accessed November 3rd, 2022: https://www.pd.co.ke/features/opinion/president-ruto-faces-enduring-national-challenges-149195/.
- “Half A Million Kenyans Out of Extreme Poverty”, Business Daily, accessed November 3rd, 2022: https://www.businessdailyafrica.com/bd/economy/half-a-million-kenyans-out-of-extreme-poverty-3812372.
- “What William Ruto’s Presidency Would Mean For Kenya’s Economy”, The Conversation, accessed November 3rd, 2022: https://theconversation.com/what-william-rutos-presidency-would-mean-for-kenyas-economy-188766.