بيئة محفزة: هل ينشط داعش في العراق؟
أعلنت وكالة الاستخبارات العراقية قبل أمس الـ ٤ من سبتمبر ٢٠٢٢ استهداف وتدمير وكر لإرهابيين في منطقة جيمن بمحافظة “كركوك” بواسطة القوات الجوية العراقية، أسفر عن مقتل أحد أبرز قيادات داعش “أمني قاطع الدبس” المكني بـ “أبو دنيا” واثنين من معاونيه، وذلك استكمالا لعملية “الذئب الخاطف” التي انطلقت منذ ثلاثة أيام لمحاصرة عناصر “داعش” التي نشطت خلال الأسبوع الماضي استغلالا لحالة الاضطراب السياسي. فقد تمكنت القوات العراقية يوم السبت الـ 3 من سبتمبر الجاري من تدمير سبعة أوكار في جبال حمرين يستخدمها إرهابيو “داعش” للإعاشة والتخطيط والانطلاق منها لتنفيذ عمليات إرهابية.
تأتي هذه العملية-الذئب الخاطف- كضربة استباقية، تخوفا من استغلال تنظيم داعش للأحداث التي شهدتها المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد يوم الاثنين قبل الماضي الـ ٢٩ من أغسطس، حيث اندلعت تظاهرات أسفرت عن اشتباكات وسقوط قتلي وجرحي، إثر إعلان زعيم التيار الصدري عن اعتزال العمل السياسي، مما أسفر عن اضطرابات في كافة أنحاء العراق، الذي ربما ينعكس على قدرة التنظيمات الإرهابية على رأسها “داعش” على تصعيد عمليتها نتيجة لذلك.
ترتيبا على ما سبق؛ تثير الأوضاع السياسية والأمنية المرتبكة في العراق، مخاوف المسئولين والمراقبين الإقليميين، وعليه يبقي السؤال؛ وهو: ما حدود تأثير تداعيات الوضع الأمني العراقي على نشاط داعش؟، وما حدود قدرة التنظيم على ارتكاب عمليات جديدة في ظل في ظل قدراته التنظيمية والعسكرية؟
عوامل محفزة:
أدت الأزمة السياسية بين أنصار التيار الصدري والإطار التنسيقي إلي اضطراب الوضع الأمني في كافة مناطق العراق، على الرغم من تهدئة الأوضاع بين أنصار التيار الصدري والإطار التنسيقي بناء على أوامر إيرانية حتى انقضاء الزيارة الأربعينية التي يفد من بمناسبتها آلاف الزوار الشيعة من إيران إلي العراق. حيث يتوافد أتباع المذهب الشيعي إلي مدينة كربلاء لإحياء ذكري أربعينية الإمام الحسين التي توافق الـ من ١٦ سبتمبر هذا العام، وتتم إحياء هذه الذكري كل عام في العراق وسط إجراءات أمنية مشددة عبر مروحيات الجيش العراقي على طول الطرق المؤدية إلي مدينة كربلاء، ومع اضطراب الأوضاع السياسية في البلاد ومخاوف تفلت عناصر تابعة لداعش لإحداث أعمال إرهابية، خاصة أن التنظيم معروف عنه عدائه وتكفيره للشيعة، ومحاولة إشعال النزعة الطائفية التي ينتهجها لترسيخ نفوذه. يذكر أن تنظيم “داعش” صعد من استهداف الشيعة خلال الأشهر القليلة الماضية في محافظة ديالي لتوسيع نفوذه الميداني، لذا أطلقت القوات العراقية عملية “الذئب الخاطف” لمحاولة تحجيم التنظيم بضربات استباقية.
بناء على ما سبق؛ ترتفع المخاوف الأمنية تجاه احتمالية تصعيد التنظيم لعملياته مستغلا حالة تأجج الصراع السياسي في البلاد لإثبات وجوده باحتمالية استهداف الشيعة من زوار كربلاء، للتغطية على هزائمه المتتالية منذ سقوط دولته عام ٢٠١٧.
إزعاج أمنى:
علي الرغم من إعلان القضاء علي دولة داعش في العراق عام ٢٠١٧، إلا أن التنظيم لايزال يشكل صداع أمني في جسد النظام والقوات الأمنية في العراق، لما يمثله فلول التنظيم وعناصره النشطة المتمركزة على الأطراف الحدودية والجبلية مهدد أمنى خطر ودائم، هذا التموضع الداعشي يمكن التنظيم من القيام بعمليات إرهابية بين الحين والأخر، تمثل هذه العمليات أعلي نسبة في المنطقة العربية، وفقا لمؤشر الإرهاب العالمي ٢٠٢١، حيث جاء العراق على رأس الدول التي تعرضت لأعلي معدل استهداف من قبل “داعش” خلال العام الماضي سجلت ما يقرب من ٢٥٠ عملية.
بناء على ما سبق؛ المؤشرات الأمنية تشير إلي احتمالية استمرار تصاعد نشاط داعش داخل العراق خلال الفترة القادمة، وذلك لاستمرار نفس الأسباب الأمنية والسياسية الآتية:
(*) أسباب أمنية: استقبل العراق دفعات من عائلات عراقية عائدة من مخيم الهول شرق سوريا منذ منتصف أغسطس الماضي، وتزداد الأعداد من العائدين وفق إجراءات عراقية مع وجود نية لدي الحكومة لنقل ٥٠٠ عائلة عراقية من المخيم هذا العام. الجدير بالذكر أن المخيم يحمل أفراد اغلبهم شديدي الانتماء لفكر تنظيم داعش، ويبلغ عدد العراقيين في مخيم الهول ٢٧ ألف عراقي، مما يشكله هذا الرقم من قنابل موقوتة معده للانفجار داخل العراق، حيث فشلت في السابق محاولات بعض الدول الأوروبية إعادة التأهيل الفكري والنفسي لمن عاشوا في المخيم لسنوات، بناء على تلك المحاولات الفاشلة رفضت هذه الدول إعادة رعاياها من هذا المخيم إلي موطنهم.
(*) تشكل الأنفاق: حيث تعتبر الأنفاق عائق أمني أمام إحكام السيطرة الأمنية على التنظيم، خاصة أن القوات العراقية مازالت تعثر على أنفاق معدة حديثا، حيث تم العثور على حوالي ٧٠ نفقا حديثا لتنظيم داعش خلال النصف الأول من العام الحالي، مما يشير إلي أن التنظيم لايزال لديه ظهير قبلي يشكل خلايا نائمة تمكنه من عمل الأنفاق حتى تكون عناصره بعيدة عن رصد الطيران الحربي والقوات والاستخبارات العراقية.
(*) استمرارية في عملية التمويل: لازال التنظيم يمتلك قدرة الحصول على التمويل لتأمين السلاح والإعاشة ودفع مرتبات المرتزقة، وهذا ما يؤكد استمرار قدرة “داعش” على استهداف قوات وكمائن عراقية وأهداف شيعية منذ مطلع عام 2022، مع ملاحظة أنه لم يتم حصر ورصد إحصائي دقيق لتلك الأعداد.
(*) أسباب سياسية: استمرار الصراع السياسي والنزاعات المسلحة داخل العراق، وعجز القوات العراقية عن القضاء على الجماعات المسلحة التي تعمل كل واحدة منها لصالح طرف دولي، أسهم في صعوبة السيطرة والقضاء نهائيا على تنظيم داعش.
(*) استمرارية النزاع المناطقي: حيث أن استمرار النزاع حول بعض المناطق العراقية مثل كركوك بين الحكومة العراقية وكردستان، وهو ما يزيد من حالة الاحتقان السياسي والاستخباراتي، قد ينتج عنه رخاوة أمنية في تلك المناطق لتصبح بذلك أرض خصبة لنشاط داعش.
(*) انعكاسات الأوضاع الاجتماعية: استغلال التنظيم الاحتقان السياسي في العراق الذي خلف وراءه أحوال معيشية مأزومة نتيجة انشغال النخبة الحاكمة بالمكاسب السياسية على حساب تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، وتأجيج الغضب الشعبي لاستمرار حالة عدم الاستقرار التي تعد الوقود لبقاء الجماعات المتطرفة واستقطاب وتجنيد عناصر لصفوف التنظيم.
استمرار النشاط ومحدودية التأثير:
علي الرغم من استمرار نشاط تنظيم داعش للعوامل السابق ذكرها، إلا أن تأثير عمليات التنظيم حتى تاريخه تظل تحت السيطرة من قبل القوات العراقية والكردية، بحيث يصعب تمكن التنظيم من السيطرة على مناطق واسعة، وإعلان دولته كما حدث عام ٢٠١٤ لعدم توافر العوامل المؤدية إلي ذلك. الجدير بالذكر أن التنظيم استطاع منذ عام السيطرة على قرية “لهيبان” بمحافظة كركوك، وقاوم الأهالي مسلحيه حتى مجيء القوات العراقية والبشمركة الكردية، وتم استعادة السيطرة على القرية من أيدي التنظيم سريعا، الذي يستغل الخلافات السياسية والغفلة الأمنية لتحقيق مكاسب لصالحه.
مما سبق، يتضح مدي ترقب واستغلال التنظيم لأي استرخاء أمنى، وينبأ عن مؤشر خطير، يعكس قدرة التنظيم على إحراز مكاسب ميدانية لصالحه في حالة تطور الصراع السياسي الحالي في العراق وخروجه عن السيطرة. حيث تتحقق مأرب الجماعات المتطرفة كلما انشغلت مؤسسات الدولة بالأزمات السياسية، وتساهم بعض الأطراف في تأجيج حالة عدم الاستقرار لأغراض براجماتية خالصة، وتساهم بعض الأطراف في استمرار الصراع، خاصة في المناطق المتنازع عليها، حيث تعد محافظة كركوك النفطية، أهم هذه المناطق لذا تنشط فيها عمليات التنظيم بين الحين والأخر، حيث تتنازع القوات العراقية والقوات الكردية على مساحة تبلغ ٣٧ ألف كم مربع تمتد من الحدود مع سوريا حتى الحدود مع إيران، مما يشكل منطقة رخوة لتنازع تأمينها بين القوتين.
بناء على ما تقدم؛ يتموضع ٦٦ فصيلاُ تابع لجماعات إرهابية وجماعات مسلحة في المنطقة المشار إليها سابقا، تعرقل فرض السيطرة والقانون من قبل القوات العراقية، مما أسهم في إغراق تلك المناطق في الفوضى واستغلال الجماعات المسلحة للأوضاع المعيشية المتردية الناتجة عن هذا الوضع، لتجند كل جماعة أفراد من السكان المحليين غير المؤدلجين مقابل مرتب شهري.
أخيرا؛ من مجمل المؤشرات الحالية والسابقة يبقي وضع التنظيمات الإرهابية وعلى رأسهم داعش داخل العراق رهين حل الأزمات السياسية واستقرار الأوضاع الأمنية، حتى تستطيع أن تنجو العراق من الغرق في أتون جحيم التنظيمات الإرهابية، خاصة تنظيم داعش الأكثر تأثيرا وفقا لإحصائيات العام الحالي والماضي.