هل يُغير “الحوار الوطني” النخبة البرلمانية في 2025

أعلنت الأمانة الفنية للحوار الوطني، أن القضايا السياسية المتمثلة في النظام الحزبي المصري وكذلك النظام الانتخابي، بالإضافة إلى تنظيم الحكم المحلي (القانون المنظم لإجراء العملية الانتخابية)- تمثل أولوية لدى جلسات الحوار اتساقا وتماشياً مع الأوراق المقدمة للنقاش، وعليه يمكن اعتبار أن المحاور السياسية الثلاثة سابقة الذكر، تمثل الوسائل الأساسية لفهم طبيعة النظام السياسي ومكانة البرلمان فيه؛ وبالتالي أداء البرلماني، ومدى مدى ديمقراطيته، وتمثيله لكل شرائح المجتمع سياسيًّا واجتماعيًّا، وتحدد أولوياته التي تسمح بتوقيته، ومدى إنجازه للوظائف التشريعية والرقابية على أعمال السلطة التنفيذية بطريقة تلبي حاجات المواطنين.

تأسيساً على ما سبق، وفي ظل العلاقة الطردية بين مستوى النخب البرلمانية والتنوع في تركيبة البرلمان وبين الأداء الرقابي والتشريعي للمجالس النيابية- يبقى السؤال، وهو: في ظل التغيير المحتمل الذي يحدثه”الحوار الوطني” في النظام الحزبي المصري، وكذلك النظام الانتخابي.. ما هي حدود التغيير المتوقعة في برلمان مصر 2025؟

تعديل محتمل:

إذا كانت أغلب طلبات “المعارضة” أو محاورهم المقدمة للأمانة الفنية للحوار الوطني تتركز في جزءها السياسي على ضرورة دعم النظام الحزبي المصري، وإعادة النظر في شكله القائم، ارتباطاً بتغيير النظام الانتخابي من القائمة المغلقة المطلقة إلى القائمة النسبية-فإلى مدى يمكن أن توثر نتائج الحوار الوطني في الجانب السياسي على تشكيل برلمان 2025، سواء من حيث التركيبة السياسية والحزبية وكذلك الأداء الرقابي والتشريعي؟.

توجب العلاقة التبادلية من التأثير والتأثر بين تركيبة البرلمان وأدائه التشريعي والرقابي، أهمية معرفة تأثير ثورتي نتائج الحوار الوطني المحتملة على التركيبة السياسية لأعضاء المجلس التشريعي المقبل، وخلفياتهم الاجتماعية والتعليمية والوظيفية، وحدود تمثيل الفئات المهمشة، بالمقارنة بمجلس سابقة سواء 2015 أو  2005 كآخر فصل تشريعي اكتملت مدته قبل هاتين الثورتين.

وانطلاقًا مما سبق، يمكن القول إن الحكم على تطور الإطار التشريعي والقانوني للانتخابات البرلمانية بعد انتهاء الحوار الوطني من أعماله، من الضروري أن ينعكس بشكل أساسي في تركيبة المجلس التشريعي، التي تؤثر بالتبعية على أدائه. وهو الأمر الذي يثير تساؤلاً هو: إلى أي مدى تؤثر التعديلات المحتملة في بنية النظام الحزبي المصري، وكذلك القوانين المنظمة للعملية الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية، وإجراءات تطبيقها في الخلفية السياسية والحزبية، والاجتماعية والمهنية لبرلمان 2025 بالمقارنة ببرلماني 2015 و2005؟.

تقتضي معرفة أثر نتائج الحوار الوطني على التركيبة السياسية والحزبية لبرلماني 2025 المقبل مقارنته ببرلماني 2015 و 2005؛ لما قد يسبقه من تعديلات دستورية وقانونية، قد تمثل مستقبلاً تغييرًا هامًّا في الأطر التشريعية والقانونية المنظمة للبرلمان المصري.

فمن خلال البيئتين السياسية والقانونية اللتين يمكن استنباط ملامحهما من خلال ما تناقشه الأحزاب السياسية المهتمة بشأن الحوار الوطني، وكذلك تصريحات النخب السياسية بكافة أشكالها، وأيضا أوراق ومشروعات العمل المقدمة للأمانة الفنية للحوار، والتي أفصح مقدموها عن بعض ما تحتويه- يحتمل أن يصاحب التعديل المتوقع في النظام الحزبي المصري وكذلك النظام الانتخابي زيادة كبيرة في عدد الأحزاب الممثلة في برلمان 2025، وبالتالي قد تزيد عن الـ  19 حزبًا في مجلس 2015، وهو العدد الأكثر منذ ثورتي يناير ويونيو.

تشكيل مغاير:

وبالتالي، قد تكون من أهم نتائج الحوار الوطني المحتملة علي برلمان 2025، تراجع نسبة المستقلين فيه، التي ارتفعت من 4,3% في مجلس 2005؛ من إجمالي عدد الأعضاء إلى 58.9% من إجمالي عدد أعضاء مجلس 2015، وهي النسبة العليا للمستقلين في التاريخ البرلماني المصري، وبالتالي قد تتراجع ظاهرة ظاهرة تجوال المستقلين التي كانت من سمات مجلس 2005، سيطرت على مجلس 2015 الذي انتقل أغلب النواب المستقلين فيه إلى ائتلاف دعم مصر الذي هيمن على أجهزة المجلس، وترجم في عملية التشريع والرقابة داخل المجلس.

وبالتالي، من المحتمل أن تؤدي نتائج الحوار الوطني إلى حدوث تغير كبير في التركيبة الحزبية داخل المجلس التشريعي 2025 بالمقارنة بمجلس 2015، وبالتالي يستتبعه تغير في طبيعة التحالفات داخل البرلمان، وفي الأوزان النسبية للأحزاب الممثلة؛ وعليه يحدث تغير جذري في طبيعة النخبة الحزبية المتحكمة في مخرجات في المجلس المقبل. وبالتالي، أتصور أن إصلاح النظام الحزبي في مصر مع تغير النظام الانتخابي كنتائج للحوار الوطني، قد يؤديا إلى القضاء على ظاهرة الأغلبية المطلقة التي كانت تسيطر على برلمانات ما قبل عام 2011 لأي من الأحزاب الممثلة بالمجلس.

هذا بالإضافة إلى أن إصلاح النظام الحزبي مع تغير النظام الانتخابي إلى القائمة النسبية، قد يؤدى أيضا إلى إتاحة الفرص لعودة نواب سابقين حزبيين، وهو ما يعني أنه قد يكون من انعكاسات نتائج الحوار الوطني على تركيبة برلمان 2025، عودة الخبرة السياسية للنخب البرلمانية، التي تنعكس أيضاً على جودة التشريعات، ومدى مناقشة مشروعات القوانين في اللجان النوعية والخاصة، والموافقة عليها في اللجنة العامة، وكذلك تأثيرها على مستوى علاقات النواب بالسلطة التنفيذية. وبالتالي قد نشاهد في تركيبة مجلس الشعب 2025 تراجعاً في نسبة الأعضاء الجدد، التي بلغت في برلمان 2015 إلى 75,7%، ليؤكد ذلك تراجع الخبرة البرلمانية بعد ثورة يناير 2011 بالمقارنة بما قبلها؛ حيث وصلت نسبة الأعضاء ذوي الخبرة البرلمانية السابقة في مجلس 2005 إلى 36,2% متراجعةً إلى 21,9% في برلمان 2012، متزايدةً بدرجة طفيفة في مجلس النواب 2015 حتى وصلت 24,3% من إجمالي عدد أعضائه.

انضباط حزبي وأداء ايجابي:

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إنه من المحتمل أن تؤدى نتائج الحوار الوطني على المستوى السياسي إلى تغير واسع في شكل النخبة الحزبية داخل المجلس النيابي المصري القادم. وبالتالي قد ينعكس مستوى النخبة الحزبية في البيئة التي تعمل فيها على أداء المؤسسة التشريعية، وبالتبعية تتـأثر قدرتها بالإيجاب على أداء دورها التشريعي والرقابي. وهو ما يعني أن البرلمان المقبل قد يشهد اختفاء ظاهرة تغليب المصلحة الحزبية على حساب الدور الرقابي والتشريعي للبرلمان، حيث أدى فقدان أغلب الأحزاب المصرية، خلال الفصول التشريعية الثلاثة 2005 و2012 و2015 للتنظيم، ووسمها بالطابع الشخصي غير المؤسسي، وتمدد ظاهرة الحزب الواحد، وعدم ارتباط تلك الأحزاب بقواعد وقوى اجتماعية ثابتة، وعدم تمثيلها مصالح تلك القوى –وهو ما ترتب عليه استمرار ظاهرتي انتقال النواب المستقلين إلى الأحزاب بعد الانتخابات، والنائب الخدمي الذي يفضل المصالح الضيقة لدائرته الانتخابية على وظيفته الرقابية لضمان إعادة انتخابه– إلى تغليب المصلحة الحزبية على حساب الدور الرقابي والتشريعي للبرلمان.

إن أهم ما يمكن ملاحظته مما سبق، هو أن الإجراءات المحتملة التي يقوم بها الحوار الوطني فيما يتعلق بالنظام الحزبي والنظام الانتخابي في مصر، قد تؤدى في النهاية على العوامل السلبية التي تعيشها الأحزاب السياسية في مصر قبل وبعد ثورتي يناير ويونيو، وأثرت بالسلب على الأداء البرلماني لنخبها النيابية، أهمها الجنوح نحو الشللية والقبلية والعصبية والمذهبية داخل الهياكل القيادية، وغياب الاجتماعات التنظيمية على مختلف الأصعدة، وهذا استتبعه عدم الانضباط النيابي لأغلب النخب الحزبية في البرلمان، وتبرير مشروعية أداء الحكومة مهما كان مستواها.

 

د.أبو الفضل الاسناوي

المدير الأكاديمي -حاصل على دكتوراه في النظم السياسية من جامعة القاهرة في موضوع الأداء البرلماني في دول الشمال الأفريقي. -حاصل على ماجستير في النظم السياسية عن موضوع النظام السياسي والحركات الإسلامية في الجزائر. -مدير تحرير مجلة السياسة الدولية بالأهرام. -كاتب في العديد من المجلات العلمية وخبير مشارك في العديد من مراكز الدرسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى