د. محمد الجمال يكتب.. اهتمام الدولة بتوطين صناعة الألواح الشمسية وتأثيرها على صناعة الألومنيوم

تشهد صناعة الألواح الشمسية عالميًا تحولات عميقة لم تعد تقتصر على كونها قطاعًا تقنيًا مرتبطًا بالطاقة النظيفة، بل أصبحت إحدى أدوات التنافس الاقتصادي والصناعي بين الدول، في ظل تسارع التحول نحو خفض الانبعاثات الكربونية واضطراب أسواق الطاقة التقليدية. وفي هذا السياق، تمثل خطوة توطين صناعة الألواح والخلايا الشمسية في مصر، التي يقودها توجه الدولة ويدعمها وزير الصناعة والنقل، انتقالًا نوعيًا من الاعتماد على الاستيراد إلى بناء قاعدة إنتاجية قادرة على خلق تشابكات صناعية واسعة تتجاوز قطاع الطاقة ذاته.
لطالما سيطرت الصين على المشهد العالمي لصناعة الألواح الشمسية بفضل تكاملها الصناعي وانخفاض تكلفة الإنتاج، بينما اتجهت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة إلى إعادة توطين هذه الصناعة بدوافع تتعلق بالأمن الصناعي وحماية سلاسل الإمداد، حتى وإن جاء ذلك بتكلفة أعلى. وبين هذين النموذجين، تتبنى مصر مسارًا أكثر توازنًا يقوم على جذب الشراكات الدولية وتوطين التكنولوجيا وربط صناعة الطاقة الشمسية بصناعات وطنية قائمة، بما يحقق قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد المحلي.
ويبرز في هذا الإطار البعد الصناعي الأوسع لتوطين صناعة الألواح الشمسية، حيث لا يقتصر أثرها على إنتاج الطاقة النظيفة، بل يمتد ليشكل رافعة مباشرة لدعم صناعات استراتيجية، وفي مقدمتها صناعة الألومنيوم وقطاعات الألومنيوم. فالألومنيوم يعد مكونًا رئيسيًا في صناعة الألواح الشمسية، حيث يُستخدم في الإطارات والهياكل الحاملة والوحدات الداعمة، نظرًا لخصائصه التي تجمع بين خفة الوزن ومقاومة التآكل وطول العمر الافتراضي، وهو ما يجعل الطلب عليه جزءًا أصيلًا من أي توسع في صناعة الطاقة الشمسية.
وتستعد صناعة الألومنيوم في مصر لهذا التحول عبر اتجاه عدد من المصانع إلى تطوير خطوط إنتاج مخصصة لمقاطع وهياكل الطاقة الشمسية، ورفع كفاءة التشطيب والمعالجة السطحية لتلائم المعايير الدولية المطلوبة في هذا القطاع، إلى جانب التوسع في استخدام الألومنيوم المعاد تدويره بما يقلل التكلفة ويعزز البعد البيئي للصناعة. كما يتزايد توجه الشركات العاملة في قطاعات الألومنيوم نحو توحيد المواصفات الفنية وتبني نظم جودة أكثر صرامة، بما يؤهل المنتج المصري للدخول في سلاسل التوريد المرتبطة بمشروعات الطاقة المتجددة محليًا وإقليميًا.
ويمثل توطين صناعة الألواح الشمسية فرصة تصديرية مزدوجة لمصر، لا تقتصر على تصدير المنتج النهائي، بل تمتد إلى تصدير المنظومة الصناعية المتكاملة المرتبطة به. ففي ظل التوسع المتسارع لدول القارة الإفريقية في مشروعات الطاقة الشمسية لتلبية احتياجاتها التنموية، تملك مصر ميزة تنافسية واضحة تتمثل في القرب الجغرافي، وانخفاض تكاليف النقل، وتوافر الخبرة التنفيذية، فضلًا عن الاتفاقيات التجارية التي تسهل نفاذ المنتجات المصرية إلى الأسواق الإفريقية. ويتيح ذلك تصدير الألواح الشمسية المصنَّعة محليًا، إلى جانب الهياكل المعدنية ومكونات الألومنيوم المرتبطة بها، في صورة حلول متكاملة تنافس المنتج الآسيوي من حيث الجودة وسرعة التوريد.
ولا يتوقف الأثر عند حدود السوق الإفريقية، إذ يسهم هذا التكامل الصناعي في تعميق المكون المحلي وتقليل الاعتماد على استيراد الهياكل والمكونات المعدنية الجاهزة، بما يوفر النقد الأجنبي ويعزز استدامة القطاع الصناعي. كما يعكس الربط بين صناعة الطاقة الشمسية وصناعة الألومنيوم رؤية تنموية أكثر شمولًا، تقوم على بناء سلاسل قيمة محلية قادرة على التوسع إقليميًا والدخول إلى الأسواق الدولية بثقة أكبر.
وفي المحصلة، فإن توطين صناعة الألواح الشمسية في مصر، بدعم مباشر من الدولة وقيادة وزارة الصناعة والنقل، لا يمثل إنجازًا في قطاع الطاقة فحسب، بل يشكل نقطة ارتكاز لإعادة هيكلة قطاعات صناعية أخرى، وفي مقدمتها صناعة الألومنيوم والألومنتال، ويفتح آفاقًا تصديرية واسعة نحو القارة الإفريقية. وهو توجه يعكس وعيًا استراتيجيًا بأن التنمية الصناعية الحقيقية لا تُبنى على مشروع واحد، بل على منظومة مترابطة من الصناعات القادرة على خلق قيمة مضافة مستدامة وتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للصناعات الخضراء في المرحلة المقبلة.