غزة بين شرم الشيخ ومجلس السلام.. من نهاية الحرب إلى هندسة المستقبل

دراسة استراتيجية تحليلية
حين يطوي التاريخ صفحة الحرب ويبدأ كتابة المعادلة الجديدة:
لم تكن غزة يوماً ملفاً عابراً في الحسابات الإقليمية والدولية لكن عام 2025 حمل معه منعطفاً يختلف جذرياً عمّا سبقه ففي 9 أكتوبر 2025 أعلنت مصر من أرض السلام في شرم الشيخ التوصل إلى اتفاق رسمي لإنهاء الحرب التي دامت عامين واضعة حداً لمرحلة عدم الاستقرار الاقليمى فاتحه باباً جديداً نحو الاستقرار وما إن هدأ صوت المدافع حتى جاء إعلان الرئيس الأمريكي في 10 ديسمبر 2025 عن إطلاق “*مجلس السلام لقطاع غزة*” ليؤكد أن القضية دخلت طوراً جديداً عنوانه “*نهاية الحرب وبداية هندسة سياسية وأمنيه جديد للمنطقة*”
هذا الدراسه الصادر عن مركز رع للدراسات الاستراتيجية، يمثل تحليلاً مرجعياً يُقدّم رؤية متكاملة لما جرى وما يمكن أن يجري ويضع المشهد أمام صناع القرار والدبلوماسيين والباحثين بوضوح .
أولا- اتفاق شرم الشيخ لحظة توقف فيها الزمن لتبدأ مرحلة التاريخ الجديد:
9 أكتوبر 2025 الإعلان الدولي بأن الحرب انتهت:
في مؤتمر دولي موسّع أعلنت القاهرة التوصل إلى اتفاق شامل لوقف الحرب بعد جهود تفاوضية كثيفة شاركت فيها مصر والولايات المتحدة وقطر والأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية
أبرز بنود الاتفاق :
• وقف كامل للعمليات العسكرية
• ترتيبات أمنية تضمن حماية السكان
• إدخال المساعدات الإنسانية دون قيود
• إطلاق أسرى من الجانبين
• بدء عملية سياسية فلسطينية جديدة
بهذا الاتفاق انتقلت غزة من زمن الحرب إلى زمن الانتقال السياسي .
ثانيا- وقف الحرب إلى بناء السلام •• البعد الجيوسياسي الجديد:
لم يكن وقف الحرب نهاية الصراع بل بداية مرحلة تتطلب:
١. إدارة انتقالية واعية: تضمن عدم عودة الفوضى وتعيد بناء المؤسسات والخدمات .
٢. إعادة تشكيل العلاقة بين القوى الإقليمية والدولية: مصر وقطر وأمريكا والأمم المتحدة تشكل اليوم ما يشبه “مثلث الهندسة السياسية”.
٣- توحيد المؤسسات الفلسطينية: إعادة بناء السلطة على أساس الشرعية والقانون. هذه الطلبات كانت مُقدمة طبيعية للإعلان الأمريكي عن مجلس السلام.
ثالثًا- 10 ديسمبر 2025 إعلان مجلس السلام •• ولادة عهد جديد لغزة:
في خطاب رسمي أعلن الرئيس الأمريكي عن إطلاق “مجلس السلام الخاص بغزة” مؤكداً أن أعضاءه سيُعلنون مطلع عام 2026 من بين اعضاؤه رؤساء دول وحكومات وشخصيات دولية كبرى .
لماذا يُعد المجلس أهم تحول منذ عقود؟
١- لأول مرة يتم تكوين إدارة انتقالية ذات تفويض دولي، تحت إشراف الأمم المتحدة وبدعم أمريكي وعربي .
٢- لأول مرة هيكل سياسي وأمني مشترك، يجمع القوة الدولية والسلطة الفلسطينية ومؤسسات دولية .
٣- لأول مرة خارطة طريق كاملة، تشمل الأمن والإعمار والحوكمة والسيادة.
وهو ما يجعل المجلس ركيزة المرحلة الانتقالية ونافذة نحو إعادة الاستقرار .
رابعاً- مجلس السلام وفق رؤية مركز رع للدراسات الاستراتيجية •• الهندسة السياسيه الدقيقة لمرحلة ما بعد الحرب:
المحور الأول : الاستقرار الأمني:
• قوة استقرار دولية تحت تفويض قانوني .
• مراقبة وقف إطلاق النار .
• حماية المدنيين والبنية التحتية .
المحور الثاني : إعادة الإعمار:
• صندوق دولي لإعادة الإعمار .
• معايير للشفافية والحوكمة .
• مشاريع الإسكان والمياه والصحة والطاقة .
المحور الثالث : المسار السياسي:
• تمكين تدريجي للسلطة الفلسطينية .
• دعم الوحدة الوطنية .
• تهيئة بيئة للانتخابات .
المحور الرابع : الإدارة المدنية:
• تشغيل المرافق والخدمات .
• إدارة المعابر بالتنسيق مع مصر .
• إعادة بناء قطاع المؤسسات .
خامسًا- الضامن الأكبر للسلام والأمن الإقليمي.
وهنا يؤكد مركز رع أن الدور المصري كان وسيظل حجر الزاوية في كل ما يجري في غزة وذلك عبر الاتى :
١- قيادة تفاوضية مسؤولة. وصلت إلى اتفاق شرم الشيخ .
٢- حماية الأمن القومي المصري والعربي. رفض التهجير ورفض التغيير الديموغرافي وتأمين الحدود الشرقية .
٣- المشاركة المركزية في المرحلة الانتقالية. مصر طرف أساسي في ضبط الأمن وإدارة المعابر وإعادة الإعمار تثبيت الاستقرار .
سادسا- المشهد العربي بين الأمل والحذر.. وبين الدعم والشروط:
فقد رحبت الدول العربية باتفاق شرم الشيخ وبفكرة مجلس السلام لأنها :
• توقف الحرب وتمنع الانفجار الإقليمي وتعيد الاعتبار للسلطة الفلسطينية وتمنح الإعمار إطاراً واضحاً .
ومع ذلك عبرت بعض الأطراف عن مخاوف من تدويل مفرط للإدارة وتهميش الدور الفلسطيني وهذا يؤكد ضرورة إدارة المرحلة الانتقالية بعناية وحكمة .
التحديات الراهنة •• الطريق ليس ممهداً لكنه ممكن:
١- قبول الفصائل الفلسطينية بالإطار الانتقالي حيث إن التوافق الداخلي ضرورة حتمية .
٢- ضبط الأمن في بيئة ما بعد الحرب الفترة الأولى حساسة للغاية .
٣- تنفيذ الإعمار دون فساد الشفافية شرط لاستمرار الدعم الدولي .
٤- إعادة بناء الثقة بين المؤسسات والمجتمع حيث ان ابناء غزه يريدون خدمات مستقرة وأماناً ملموساً .
ثامنا- رؤية مركز رع •• خريطة طريق لغزة الجديدة:
الخطوة الأولى : تثبيت وقف إطلاق النار من خلال آلية مشتركة (دولية – مصرية – فلسطينية).
الخطوة الثانية: تشغيل مجلس السلام بتركيبة متوازنة وحيادية.
الخطوة الثالثة : دمج السلطة الفلسطينية وفق جدول زمني واضح.
الخطوة الرابعة : إعادة الإعمار خلال عامين بتمويل دولي وإشراف مؤسسي.
الخطوة الخامسة : إطلاق عملية سياسية فلسطينية تؤدي إلى انتخابات شاملة.
فى نهاية التحليل، تعتبر غزة في مرحلة ما بعد الحرب ونحو أفق جديد. فإنها الحرب باتفاق شرم الشيخ ثم إطلاق مجلس السلام في ديسمبر 2025 تدخل غزة مرحلة هي الأكثر أهمية منذ عقود إنها مرحلة يكتب فيها العالم بأقلام عربية ودولية صيغة جديدة للسلام والأمن والاستقرار وغزة اليوم ليست مجرد ملف على طاولة السياسة بل نقطة اختبار لاستقرار الشرق الأوسط بأكمله .