د. محمد الجمال يكتب..كيف تصبح مصر مركزًا لصناعة الألومنيوم في الشرق الأوسط؟

في الوقت الذي تتسابق فيه الدول لاحتلال مكانة متقدمة في الصناعات الثقيلة، تسعى مصر لتثبيت أقدامها بقوة في صناعة الألومنيوم، باعتبارها إحدى الصناعات الاستراتيجية التي يمكن أن تدفع الاقتصاد الوطني إلى آفاق أوسع. فخطة التطوير الشاملة التي تنفذها شركة مصر للألومنيوم التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، تكشف عن رؤية طموحة لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة الألومنيوم، بما يضعها في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال على مستوى الشرق الأوسط.
الخطة التي نشرت جريدة “الدستور” تفاصيلها منذ يومين عبر تقرير صادر من مركز معلومات قطاع الأعمال العام، تركز على إعادة هيكلة المجمع الصناعي العملاق بمدينة نجع حمادي في محافظة قنا، ذلك الصرح الذي يُعد واحدًا من أكبر مجمعات إنتاج الألومنيوم في المنطقة. فالتطوير لا يقتصر على تجديد خطوط الإنتاج التقليدية، بل يمتد إلى إدخال تكنولوجيات متقدمة قادرة على تقليل استهلاك الطاقة، ورفع كفاءة التشغيل، وتحسين جودة المنتج النهائي ليكون قادرًا على المنافسة في الأسواق المحلية والدولية. وفي الوقت نفسه، تستهدف الخطة إضافة وحدات إنتاجية جديدة لمنتجات ذات قيمة مضافة، الأمر الذي يقلل من الاعتماد على تصدير الألومنيوم الخام، ويعزز فرص التوسع في أسواق جديدة أكثر ربحية.
لكن التطوير لا يقف عند حدود الآلات والتقنيات، إذ تولي الشركة أهمية قصوى لتأهيل الكوادر البشرية ورفع مهارات العاملين. فمع دخول تقنيات حديثة، يصبح من الضروري تدريب العمالة على استيعاب التحولات التكنولوجية وتطبيقها بكفاءة، وهو ما يشكل ضمانة لاستمرارية التطوير وتحقيق أهدافه. كما أن الجانب البيئي يحظى بنصيب وافر من الخطة، إذ يجري التوسع في مشروعات صديقة للبيئة تقلل من الانبعاثات وتتماشى مع المعايير العالمية للاستدامة، وهو ما يمنح المنتج المصري ميزة إضافية في الأسواق التي تشترط مواصفات بيئية صارمة، مثل الأسواق الأوروبية.
وإذا كانت الدولة قد وضعت حجر الأساس عبر هذه الخطة الطموحة، فإن النجاح الكامل يتطلب بيئة استثمارية أكثر مرونة. هنا تبرز الدعوة إلى إصلاحات شاملة تشمل إعادة النظر في تكاليف مدخلات الإنتاج الأخرى، وعلى رأسها أسعار الأراضي الصناعية، بحيث تُتاح للمستثمرين بأسعار مناسبة تتيح لهم التوسع. كما أن تسهيل إجراءات تأسيس الشركات والمشروعات الصناعية يعد ضرورة لتقليل الوقت والجهد المهدور في البيروقراطية. ولا يقل عن ذلك أهمية إصلاح منظومة الإفراج عن السلع، وتسريع عمليات الاستيراد والتصدير لتخفيف الأعباء الإدارية عن كاهل المستثمرين، سواء كانوا محليين أو دوليين.
وفي هذا السياق، يبرز الدور الحيوي للقطاع الخاص الذي يمثل شريكًا لا غنى عنه في تحقيق الحلم بتحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة الألومنيوم. فبينما تتحمل الدولة عبء تطوير البنية الأساسية وتحديث المجمعات الصناعية الكبرى، يملك القطاع الخاص المرونة والقدرة على ضخ استثمارات إضافية، وإقامة شراكات استراتيجية مع شركة مصر للألومنيوم، سواء في مجال التصدير أو في إنتاج المنتجات ذات القيمة المضافة. كما أن خبرة القطاع الخاص وشبكاته الإقليمية والدولية تمثل بوابة رئيسية لفتح أسواق جديدة أمام المنتج المصري، بما يعزز حصته السوقية ويضاعف عوائده.
وتتضاعف أهمية هذه الشراكة مع الزيادة المضطردة في الطلب على الألومنيوم عالميًا، خاصة في قطاعات البناء والنقل والطاقة. ففي ظل التحولات نحو الطاقة النظيفة، تبرز صناعة الألومنيوم كعنصر رئيسي في تصنيع مكونات الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية. وهنا تملك مصر فرصة ذهبية لتوظيف موقعها الجغرافي، وقدراتها الصناعية، وبنيتها التحتية المتطورة في مجال النقل والموانئ، لتصبح حلقة وصل رئيسية في سلاسل الإمداد العالمية.
إن الرهان على صناعة الألومنيوم ليس مجرد مشروع صناعي، بل هو مشروع وطني متكامل يمكن أن يعيد رسم خريطة الاقتصاد المصري. فمصر لا تسعى فقط إلى إنتاج الألومنيوم وتصديره، بل إلى بناء صناعة متكاملة تضيف قيمة حقيقية، وتفتح آفاقًا جديدة للتصنيع المحلي، وتوفر فرص عمل للشباب، وتمنح الاقتصاد الوطني قوة دفع إضافية نحو النمو المستدام.
الطريق أمام مصر لتصبح مركزًا إقليميًا لصناعة الألومنيوم محفوف بالتحديات، لكنه في الوقت نفسه مليء بالفرص. وإذا ما تضافرت جهود الدولة مع القطاع الخاص، وترافق ذلك مع إصلاحات اقتصادية جادة تعالج مشاكل الاستثمار وتزيل العوائق البيروقراطية، فإن مصر ستكون على موعد مع تحول استراتيجي يعيد تموضعها على خريطة الصناعات الثقيلة في المنطقة، ويجعل من الألومنيوم المصري علامة تجارية رائدة في الشرق الأوسط والعالم.