وضرب مثالًا على ذلك بأنه فى أعقاب السابع من أكتوبر 2023 انضم الجناح المسلح للجماعة الإسلامية فى لبنان-ويشير به إلى قوات الفجر التابعة للجماعة-إلى كلٍ من حركة حماس وحزب الله والفصائل الفلسطينية فى شنّ هجمات صاروخية ضد أهداف مدنية وأخرى عسكرية داخل إسرائيل.وأن أحد قادة جماعة الإخوان فى مصر دعا مع طوفان الأقصى إلى القيام باعتداءات عنيفة ضد حلفاء الولايات المتحدة وكذلك ضد المصالح الأمريكية.أما قادة جماعة الإخوان فى الأردن فإنهم دأبوا لفترة طويلة على تقديم الدعم المادى للجناح العسكرى لحركة حماس.
وهكذا أعطى ترامب إشارة البدء لسلسلة من الإجراءات المالية والاستخباراتية والسياسية المعقدة لبحث إمكانية تطبيق أمره الإدارى،على أن يُرفع إليه تقرير فى غضون ثلاثين يومًا،ثم يبدأ التنفيذ خلال خمسة وأربعين يومًا من تاريخ استلامه التقرير.
وكما هو واضح فإن ترامب تجنّب الأخذ بالنهج الذى اتبعه جريج أبوت حاكم ولاية تكساس بذهابه لوضع كل ما يتبع تنظيم الإخوان ومجلس العلاقات الأمريكية-الإسلامية(كير) فى الولاية على قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية.
وآثر ترامب فى المقابل اللجوء إلى الانتقائية والتدرج فى عملية التصنيف تقليلًا لفرص الطعن فى أمره التنفيذى،وذلك بالنظر إلى الطبيعة العنكبوتية لهذا التنظيم التى تجعل من الصعب جمع كل فروعه فى سلة واحدة، فمنها مَن يشارك فى السلطة فى دول حليفة للولايات المتحدة ومنها مَن يؤدى دورًا يخدم المصالح الأمريكية.ومن جهة أخرى فإن العلاقة التى تربط هذه الفروع الموزّعة على العديد من دول العالم بالتنظيم الدولى للإخوان هى علاقة من الصعب إثباتها فى كثيرٍ من الأحيان.يضاف إلى ذلك أن التشظّى المستمر للفرع الواحد إلى أكثر من نواة وبمسميات مختلفة يجعل من المتعذر تتبّع مسار التطور من تنظيم لآخر،والأهم هو الاتجاه الذى يذهب فيه هذا التطور.لكن هذه الانتقائية فى تحديد فروع جماعة الإخوان المستهدَفة بالتصنيف لم تحمِ الأمر التنفيذى لترامب من المنتقدين، الذين إما رأوه عديم الجدوى، وإما رأوه يمثل تطورًا استراتيچيًا. ذهب فريق من المحللين إلى تشبيه الأمر التنفيذى لترامب بأنه لا يعدو كونه عملًا مسرحيًا على شاكلة مسرح «الكابوكى» اليابانى الذى يتميّز بالمبالغة فى كل شىء.
وتبرير ذلك فى رأى هؤلاء هو أن ترامب أتى على تصنيف فروع مصنفة فى الأصل كتنظيمات إرهابية فى دولها كما هو الحال فى مصر والأردن، ما يعنى أن ترامب لم يأتِ بجديد، ولا أحدث فارقًا فى التصدّى لحركات العنف السياسى باسم الدين. أما الذى كان يُحدث الفرق حقيقةً فهو تعميم الأمر التنفيذى بما يقطع كل أشكال الدعم التى يتلقاها التنظيم من بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة عربية وغير عربية.وواقع الحال أن هذا الحكم غير دقيق،وذلك أن تصنيف مصر والأردن لجماعة الإخوان كجماعة إرهابية لم يلزم الولايات المتحدة بالتعامل مع الجماعة بالمثل، على الرغم من أن الولايات المتحدة تصنّف بالفعل حركتَى «حسم» و«لواء الثورة» المنبثقتين عن إخوان مصر ضمن التنظيمات الإرهابية الأجنبية.والعكس صحيح،بمعنى أن الأمر التنفيذى لترامب فى حال وضعه موضع التطبيق سيكون له تأثير على تعامل مختلف دول العالم مع كل ما يمت لإخوان مصر والأردن بصلة من حيث حركة الأموال والأشخاص والتنظيمات والجمعيات…إلخ.والفارق كبير بين الأمرين.
وعلى الجانب الآخر ذهب فريق ثانٍ من المحللين إلى تشبيه الأمر التنفيذى لترامب بأنه تحول استراتيچى فى موقف الولايات المتحدة الذى قام على أساس استخدام الإسلام السياسى كأداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية.وهنا يثور السؤال التالي:وهل توقفَت الولايات المتحدة عن استخدام هذه الورقة؟ الإجابة يقدمها لنا موقف ترامب الداعم بشدة لرئيس المرحلة الانتقالية فى سوريا بما هو معروف عن خلفيته المتطرفة،وقبل أيام قليلة فقط دعا ترامب إلى عدم حدوث ما يحول دون تطور سوريا لدولة مزدهرة،فى إشارة إلى الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على مناطق متفرقة من سوريا.
أما كون إسرائيل تستمع لنصيحة ترامب فتلك مسألة أخرى.ومع أن العلاقة بين النظام الانتقالى فى سوريا وبين الإخوان ليست على ما يرام، وسبق للنظام المطالبة بحَل التنظيم وهو ما اعتبره إخوان سوريا بمثابة انقلاب على شركاء الأمس فى إسقاط بشار الأسد-إلا أن امتناع ترامب عن شمول الفرع السورى فى التصنيف هو تجسيد آخر للبراجماتية الأمريكية فى أوضح صورها.من جهة بتجنّب استفزاز تركيا والضغط عليها فى ملفات أخرى تتعلق مثلًا بإدارة خلافها مع إسرائيل سلميًا وربما أيضًا فى ملف الأكراد، من جهة أخرى بعدم فتح جبهة جديدة للصراع فى سوريا فى ظل تعدد جبهات الصراع الداخلى والإقليمى المفتوحة أمام النظام الانتقالى.
ونفس هذا المنطق البراجماتى يحكم موقف ترامب من عدم تصنيف إخوان اليمن والسودان كتنظيمين أجنبيين إرهابيين، فالأول يحارب فى صفّ معسكر الشرعية، والثانى يحارب فى صفّ الجيش بما يتوافق مع المصالح الأمريكية، فأين هو التخلّى عن توظيف ورقة الإسلام السياسي؟.
إذا انتقلنا لتحليل الآثار المحتملة لهذا القرار التنفيذى فى حال وضعه موضع التطبيق، نجد أنه قد يسهم فى مزيد من إضعاف الفروع المشار إليها، ليس فقط بمحاصرة مصادر تمويلها،لكن كذلك بتأجيج الخلافات الداخلية بين أعضائها وزيادة عدد المنصّات المتحدثة باسمها.كما أنه قد يؤدى إلى محاولة القفز من سفينة الإخوان،وهى محاولة ليست جديدة بالمناسبة فلها سوابقها فى تونس واليمن،أو يؤدى ببعضها للجوء للعمل السرّى.هذا على مستوى التنظيم نفسه، أما على مستوى المواقف الدولية، فقد تتشجع دول أخرى على المضّى فى نفس الاتجاه، وفرنسا ليست بعيدة عن هذا المسار.
نقلا عن جريدة الأهرام.