الأبواق الإخوانية: آلة تشويه فاشلة تسعى لهدم ما يبنيه المصريون

في كل محطة وطنية مهمة، تظهر أبواق معلومة الهدف لا لتقديم رؤية أو نقد بنّاء، بل لنسف العمل الوطني وبث اليأس والتشكيك في أي إنجاز يحقق للمجتمع مستقبلاً أفضل. تلك الأبواق — التي تُدار أحيانًا من قنوات ومواقع وصفحات تمولها شبكات خارجية — لم يُصِبها غضبها من سياسةٍ ما أو قرارٍ هنا، بل هو صراع وجودي: ردّ انتقامٍ من قيادة مصر الرشيدة التي عطّلت مشروع الجماعة التوسعي وأحبطت أدواتها في إنشاء دوائر نفوذ إقليمية.

الإعلام الإخواني لا يعمل كمنبر للحوار؛ بل كآلة لتوزيع سردياتٍ مضلِّلة. أسلوبه ثابت: تضخيم السلبيات، تقزيم الإنجازات، ونشر إشاعات متكررة حتى تتغلغل في وعي المتلقي. هذا النمط ليس صدفة إعلامية؛ إنه تكتيك ممنهج يهدف إلى تعميق الفجوات الاجتماعية، وإثارة الاستقطاب، وخلق حالة دائمة من الارتباك والشلّ التي تفضي — إن نجحت — إلى تراجع الاستثمار والثقة بالمؤسسات، وبالتالي إضعاف الدولة والمجتمع. تقارير وتحليلات عدة أكدت تنامي منصات إعلامية تروج لسرديات التحريض والشائعات حول المشهد المصري.

خلف هذا الضجيج تكمن أيديولوجيا لا تريد مصر مستقرة، بل تبحث عن بيئات إفلاس اجتماعي وسياسي تسمح لها بالعودة إلى ساحة العمل السياسي، حتى لو كان ذلك عبر إغراق المجتمعات بالفقر الفكري والثقافي. الجماعة في جوهرها تاريخياً ربطت نجاحها بوجود فراغات مؤسساتية ومعرفية؛ لذا فإن أفضل ردٍ عليها هو سدّ هذه الفراغات بالتنمية، بالتعليم، وبسياسات تضامن اجتماعي واقتصادي حقيقية تجعل المجتمعات أقل عرضة للتلاعب بالأحزان والأزمات.

وليس خافياً أن الجماعة تمرّ بأزمات تنظيمية وانقسامات داخلية متفاقمة جعلت كثيراً من قنواتها وصفحاتها بلا قيادة واضحة، مجرد أصوات متناثرة تتسابق في إنتاج الضجيج بدل إنتاج خطاب مسؤول. الانقسام هذا يفضح هشاشة مشروعها ويؤكد أن نفوذها الحقيقي يضعف يوماً بعد يوم — بينما يستمر البناء الوطني للأجيال القادمة.

فالردّ العملي على هذه الجماعة الإرهابية لا يكون بمزيد من الردود الإعلامية التي تمنحها أهمية أكثر من حجمها، بل بتحصين المجتمع ومعالجته: رفع مستوى التعليم، دعم الاقتصاد، توسيع فرص العمل، وتعزيز الثقة في مؤسسات الدولة والمجتمع المدني. كلما زاد حصاد التنمية على الأرض، نقص هامش المناورة لسرديات الكراهية والتمزق. هذه معادلة بسيطة: القيم والبنى القوية تقتل جذور الضعف الذي تتطفل عليه أبواق الفراغ.

في النهاية، هناك رسالة واضحة للمواطن والمثقَّف والفاعل العام  هي:  لا تعطِ هذه الأصوات أكثر مما تستحق. تجاهل الدعاية المظللة، لا تشاركها ولا تتفاعل معها، واعمل على نشر الحقائق والإنجازات بشفافية وموضوعية. الجماعة تدرك اليوم أنها في حالة تآكل وانقسام، وأن تأثيرها الحقيقي محدود — والقافلة تسير والكلاب تعوي. لا ندع العويل يوقف مسيرة البناء.

د. محمد الجمال

د. محمد الجمال، كبير الهيئة الاستشارية بمركز رع للدراسات، هو خبير في شئون الصناعات والاستثمار. حاصل على بكالوريوس في الهندسة الكهربائية – جامعة القاهرة، وحاصل على دكتوراه في الهندسة الكهربائية – أكاديمية فينكس، الولايات المتحدة الأمريكية. هو عضو في مجلس الأعمال المصري الفنلندي منذ عام 2013، ورئيس شعبة الألومنيوم باتحاد الصناعات المصرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى