“نسر الشتاء”.. ماذا تريد “تركيا” من هجماتها على الأراضي العربية؟
أطلقت تركيا عملية عسكرية جديدة ضد أكراد سوريا والعراق، في مطلع فبراير الجاري، عُرفت باسم “نسر الشتاء”، حيث شنت ضربات عنيفة على كل من مقاتلي “وحدات حماية الشعب الكردي” في سوريا، و “حزب العمال الكردستاني” بالعراق، استطاعت خلالها تدمير ما يقرب من 80 موقعًا تابعًا لهما. وقد أكد وزير الدفاع التركي ” خلوصي أكار”، نجاح الجيش التركي في تدمير العديد من مخابئ وكهوف وحصون الأكراد في شمال شرق سوريا، وشمال غرب العراق.
وبناءًا على ما سبق، يهدف ذلك التحليل إلى تفسير أهداف ومسببات هذه العملية الأخيرة، وتطوراتها، وتحديد انعكاساتها على مختلف الأطراف.
تطورات جديدة:
اعتمدت تركيا في هذه العملية على مقاتلات وطائرات مسيرة، وأكد المرصد السوري أن أنقرة قامت بقصف حوالي 40 قذيفة، سقطت على مناطق سيطرة الأكراد في سوريا، وبالتوازي مع ذلك، قامت قوات المعارضة السورية بتوجيه ضربات تجاه وحدات حماية الشعب الكردي، على محاور التماس بشمال حلب. أما في المقابل كان الرد من قسد باستهداف قوات سوريا الديمقراطية لمحاور القتال بمدينة “أعزاز”، تجاه مناطق سيطرة المعارضة السورية “المدعومة من تركيا”، كما أعتبر “حزب الإتحاد الديمقراطي” القصف التركي المسمى بعملية “نسر الشتاء” إعلانًا لتجديد مسارات لحرب على الأكراد، خاصًة بعد عملية “نبع السلام 2019”.
وقد أشارت تقارير إلى أن تركيا حصلت على ضوء أخضر من واشنطن وموسكو قبل اتخاذ القرار الحاسم بشأن الهجوم، لتجنب أية إشكاليات، من شأنها أن تعرقل أي انتصارات متوقعة لهذه العملية العسكرية، وهو ما قلل من تعويل الأكراد على طلب الدعم الروسي والأمريكي للحد من تداعياتها، التي شكلت قصف ثلاثة مناطق، في شمال شرق سوريا وشمال غرب العراق (المالكية- ديريك / سنجار/ قراجق).
أهداف عديدة:
ثمة أهداف أرادتها تركيا من عمليتها العسكرية ضد أكراد سوريا والعراق، في مطلع فبراير الجاري، التي عُرفت باسم “نسر الشتاء”، هي كالتالي:
(*) تقييد تنامي خطر هجمات الأكراد في الداخل التركي: مع تزايد الهجمات التي يشنها أفراد “وحدات حماية الشعب” و”حزب العمال الكردستاني”، ضد الأراضي التركية، بإطلاق قذائف صاروخية سقط ضحيتها ضباط من الشرطة التركية، أعلن الرئيس التركي منذ نوفمبر 2021، عزم بلاده على شن عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري ضد “قسد”، وسط استنكار أمريكي شديد من ذلك، لكون واشنطن الحليف الاستراتيجي لـ”قسد” في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا، وبالرغم من اشتداد المواجهة مع الأكراد دون القيام بهذه العملية، كان عليها أن تقلل من وطأة هجمات حزب العمال بالعراق، ومعه وحدات حماية الشعب في سوريا.
(*) مواجهة عدم التزام كلًا من (روسيا والولايات المتحدة) بوعودهم: تعهدت كلا من واشنطن وموسكو باتفاقات فردية مع تركيا، بتطهير مناطق الشمال السوري المتفق عليها، وإبعاد الفصائل الكردية من عمق ٣٠ كم، بعد عملية “نبع السلام” التركية التي تمت في 2019، ويبرر عدم الالتزام بتلك الوعود، إدانة وزير الخارجية التركي “أوغلو” لهما، قائلًا بأن “روسيا والولايات المتحدة لم تفيا بالوعود، ولم يطهروا المناطق المتفق عليها من الإرهابيين، ولذلك فتتحمل هاتان الدولتان أيضًا المسؤولية عن هجمات مسلحي حزب العمال الكردستاني (pkk، ووحدات حماية الشعب الكردي(ypg)”، مشيرًا أنه نتيجة لذلك ينبغي على تركيا حل المسألة بنفسها، وضمان أمن هذه المناطق.
(*) الرد على تزايد الهجمات الصاروخية على القواعد التركية بالعراق: تعرضت قاعدة “زليكان” العسكرية التركية في شمال العراق، يومي 15-16 يناير الماضي، لهجوم قوي وقصف للصواريخ بشكل متكرر خلال اليومين على التوالي، وتكرر ذلك الهجوم بشكل مماثل يوم 3 فبراير الجاري.
(*) تقليل حدة تداعيات المسألة الكردية على الداخل التركي: شكل حصول الأكراد على حكم ذاتي واستقلال في شمال العراق بمساعدة واشنطن، تهديدًا للتماسك التركي الداخلي حيث يمثل أكراد تركيا حوالي20% من سكانها، وبالإضافة إلى سيطرة حزب الإتحاد الديمقراطي في سوريا على مناطق واسعة في شمال سوريا، تخشى القيادة التركية من أن يؤدي ذلك لتحفيز رغبة الأكراد داخل الدولة في الانفصال التام عنها، مساواة بأكراد سوريا والعراق، أو أن يسعوا إلى الحصول على حكم ذاتي.
مواقف الأطراف المستهدفة:
يمكن قراءة مواقف الأطراف المستهدفة على الهجوم على النحو التالي:
(&) موقف السلطات العراقية: أدانت العراق الهجوم التركي العسكري في شمال العراق، فقد أدانت خلية الإعلام الأمني الحكومية خرق الطائرات المسيرة التركية للمجال الجوي العراقي، وتنفيذها لضربات متعددة، ودعت أنقرة للالتزام بمبادئ حسن الجوار، والمصالح المشتركة بين البلدين، مع التذكير أن العراق على أتم استعداد للتعاون، لضبط الأوضاع على الحدود المشتركة.
(*) موقف حزب العمال الكردستاني: أعلنت وزارة الدفاع في يوم 2 فبراير، عن مقتل جندي تركي في عملية إرهابية لحزب العمال الكردستاني، بقذائف “هاون”، تم إطلاقها بمنطقة جزرة الحدودية جنوب شرق تركيا، كما أكد “قيس الخزعلي”، أمين عام عصائب أهل الحق، عدم الصمت أمام ما ترتكبه تركيا، مؤكدًا أنه سيأتي يومًا لتلقين تركيا درسًا لا يُنسى.
(*) موقف الإدارة الذاتية لأكراد سوريا: ترى “ٌقسد” في تصعيد أنقرة الأخير إعلانًا للحرب، كما أشارت في بيان ردًا على هذا الهجوم، أن تركيا تساعد إرهاب “داعش” بإلهاء وحدات حماية الشعب الكردي عن حربها مع عناصر التنظيم الإرهابي، في إشارة لتمرد سجن “غويران” الذي نظمه عناصر “داعش”، كما يبدو أن “قسد” قررت اللجوء لدعم أمريكي وروسي في مواجهة هجمات أنقرة، في إشارة بيان “حزب الإتحاد الديمقراطي” إلى موسكو وواشنطن، لتذكير الطرفان بتفاهماتهما معها، أثناء إيقاف عملية “نبع السلام” التركية 2019.
تأسيسًا على ما سبق، يظل الموقف الأمريكي من العملية العسكرية التركية “نسر الشتاء” غير متضح، والأمر المرجح هو أن تركيا حصلت على ضوء أخضر قبل اتخاذ القرار للبدء بالهجوم، ومن الواضح أن الهدف الحقيقي وراء هذه العملية، هو قطع الاتصال وأية إمدادات بين قيادات حزب العمال الكردستاني في العراق، وحزب الإتحاد الديمقراطي “قسد” في سوريا، خاصة في ظل القصف التركي على الطرفين معًا.
وفي النهاية، يمكن القول أن تركيا قد تستخدم ذلك النجاح العسكري، كورقة رابحة للتفاوض مع روسيا والضغط عليها لتنفيذ اتفاق “سوتشي 2019″، الذي يشمل طرد جميع عناصر حزب العمال الكردستاني من المنطقة الآمنة شمال سوريا.