ما هي دلالات مشاركة الشيخ محمد بن زايد في افتتاح قاعدة “3 يوليو” البحرية؟
لا شك أن متغير القيادة السياسية يعد أحد أبرز المتغيرات التي يتم التعويل عليها في تحليل السياسية الخارجية لأي دولة والتي تعد في الأخير امتداد للسياسية الداخلية للدولة وجزء منها، فالقائد السياسي باعتباره رأس الدولة هو المسئول عن صنع سياستها الخارجية، ومن ثم فإن أي تغيير في تلك القيادة يؤثر بشكل كبير على توجهات وأنماط السياسية الخارجية، إذ تسعي القيادة الجديدة لتنفيذ أهدافها الخاصة. وفي ضوء ذلك تساهم القيادة السياسية في كل من مصر والإمارات بشكل دائم في تعزيز سبل التعاون، ودفع العلاقات نحو الإمام؛ خاصة مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي للسلطة في مصر في عام 2014، ومنذ ذلك التاريخ أخذت العلاقات بين القاهرة وأبو ظبي منحي مغاير عما كانت عليه قبل ذلك.
محور القاهرة – أبو ظبي:
تتسم العلاقات بين القاهرة وأبو ظبي بالاستراتيجية والتاريخية منذ أن تأسست دولة الإمارات العربية المتحدة علي يد الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في عام 1971، حيث كانت مصر من أوائل الدول التي دعمت قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وسارعت للاعتراف بها فور إعلانها ودعمتها دوليًا وإقليمًيا كركيزة للأمن والاستقرار العربي. وفي المقابل؛ وفي خضم الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية بالتزامن مع أحداث الربيع العربي، وما شهدته مصر في عام 2011 وما تبعها من خلق بيئة أمنية وإقليمية مضطربة ومربكة أعلنت القيادة السياسية في أبو ظبي عن دعمها للقاهرة ومساندتها لها حتى تتجاوز تلك الأحداث، وتوطدت العلاقة بين البلدين بشكل أكبر في عام 2013 إذ أعلنت الإمارات عن دعمها لمصر سياسيًا واقتصاديا، وأكدت على مساندتها وتأييدها لتطلعات الشعب المصري، كما أعلنت القاهرة بشكل دائم ومستمر أن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي. ليصبح محور القاهرة – أبو ظبي أحد أهم وأبرز التحالفات العربية -العربية الذي يهدف إلى الحفاظ على استقرار المنطقة ودعم الأمن القومي العربي.
مجالات التعاون بين البلدين:
تشهد العلاقات بين البلدين نموًا مطردًا على كافة المستويات والأصعدة؛ إذ لم تقتصر على جانب واحد فقط؛ الأمر الذي يؤكد حرص البلدين على توطيد العلاقات بينهما بشكل مستمر، ويعكس أيضًا التوافق المشترك بينهما في الرؤى والأهداف:
(*) على المستوي السياسي: تسعي القيادات السياسية في كلا البلدين إلى توطيد العلاقات ومد جسور التواصل والتعاون بينهما في مختلف القضايا سواء كانت ثنائية أو قضايا إقليمية، انعكس ذلك في حجم الزيارات المتبادلة بين كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي وولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد والتي بلغت نحو 26 مرة منذ 7 يونيو 2014 حتى لقائهما في قاعدة “3 يوليو”يوم 3 يوليو من الشهر الجاري. وعلى صعيد السياسية الخارجية شهدت السنوات الأخيرة تنسيقًا وثيقًا حيال القضايا الرئيسية مثل القضية الفلسطينية والعراقية واللبنانية والليبية واليمنية والسورية، فهناك تقارب كبير في الرؤى والمواقف السياسية تجاه القضايا الإقليمية والتي تمثلت في التسوية السياسية لتلك الأزمات حفاظًا على مقدرات الشعوب، وصونًا للسلامة الإقليمية للدول العربية وحفاظًا على وحدة وسلامة الأراضي العربية، مع ضرورة تكثيف العمل العربي المشترك والجهود الدولية للتوصل لحلول سياسية لكافة الأزمات الإقليمية خاصة جهود مكافحة الإرهاب.
(*) علي المستوي العسكري: شهدت الفترة منذ عام 2014 وحتى اليوم، تعاوناً غير مسبوق في المجال العسكري بين القاهرة وأبو ظبي، حيث شاركت قوات البلدين البحرية والجوية والبرية في سلسلة من التدريبات العسكرية المشتركة كان أبرزها فعاليات التمرين العسكري المشترك “زايد 3” في مايو الماضي والتي جرت علي أرض الإمارات، كما شاركت القوات الإماراتية في فعاليات التدريب المشترك “سيف العرب” في 22 نوفمبر الماضي والتي جرت في قاعدة “محمد نجيب” العسكرية في مصر، كما نفذت القوات المسلحة الإماراتية والمصرية التدريب العسكري المشترك “صقور الليل” في نوفمبر 2019، وفي 25 يوليو 2018 انطلقت فعاليات التدريب البحري المشترك “استجابة النسر 2018″، وقبلها في أبريل من العام ذاته جرت فعاليات التدريب البحري المصري الإماراتي المشترك “خليفة 3″، وغيرها الكثير والكثير من التدريبات والمناورات المشتركة بين البلدين، والتي يتم من خلالها تنمية وترسيخ أسس التعاون العسكري وتطوير العمل المشترك بين القوات المسلحة المصرية والقوات المسلحة للدول العربية الشقيقة وذلك باستخدام كافة الأسلحة والمعدات ذات التكنولوجيا المتطورة.
(*) على المستوي الاقتصادي: تشكل الجوانب الاقتصادية أحد الأعمدة القوية للعلاقات المصرية الإماراتية، وقد ساهمت الإرادة السياسية القوية لدى قيادتي البلدين في الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية. وقدمت الإمارات 4 مليارات دولار لدعم الاقتصاد المصري عقب ثورة 30 يونيو، كما يعد السوق الإماراتي الوجهة الأولى للصادرات المصرية ويستقبل سنوياً نحو 11% من إجمالي صادرات مصر للعالم، في حين تساهم الإمارات في السوق المصرية بمشروعات تزيد استثماراتها على 15 مليار دولار، بالإضافة إلى تأسيس منصة استثمارية بـ 20 مليار دولار. كما تعد الإمارات الشريك التجاري الثاني عربياً والتاسع عالمياً لمصر، حيث بلغ حجم التبادل التجاري غير البترولي بين البلدين خلال عام 2019 نحو 6 مليارات دولار، بنسبة نمو بلغت 9.6% مقارنة بعام 2018، وتعد مصر سادس أكبر شريك تجاري عربي للإمارات.
حضور متكرر:
يُعد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، القائد العربي الوحيد الذي حضر افتتاح وتدشين كل القواعد العسكرية المصرية الجديدة، إذ لم تكن المشاركة الإماراتية البارزة في افتتاح قاعدة “3 يوليو” البحرية هي الأولى من نوعها، إذ سبق وشارك ولي العهد الإماراتي في افتتاح قواعد عسكرية مصرية أخري. وهو ما يؤشر على عمق ومتانة العلاقات المصرية الإماراتية. وتأكيدًا لذلك؛في شهر يوليو من عام 2017 شاركت دولة الإمارات بوفد رفيع المستوي علي رأسه الشيخ محمد بن زايد في حفل افتتاح قاعدة “محمد نجيب” العسكرية -والتي تعد أكبر قاعدة عسكرية في إفريقيا والشرق الأوسط-بمدينة الحمام في محافظة مرسي مطروح، وكذلك تخريج دفعات من الكليات والمعاهد العسكرية، فضلًا عن مشاركة وفود عربية أخري.
وفي منتصف شهر يناير من عام 2020 شارك ولي العهد الإماراتي في افتتاح قاعدة “برنيس” العسكرية بجنوب محافظة البحر الأحمر والتي تم تدشينها لحماية وتأمين السواحل المصرية الجنوبية،كما شهد ولي العهد أيضا فعاليات المناورة “قادر 2020″، وعقب الافتتاح غرد الشيخ محمد بن زايد علي حسابه الشخصي على موقع “تويتر” بأن “القاعدة تعد إنجازات نوعية تعكس رؤية مصر الطموحة لآفاق تنموية شاملة، تعزز دورها المحوري في منظومة الأمن العربي والاستقرار الإقليمي”.
وفي 3 يوليو الجاري شارك ولي العهد الإماراتي في افتتاح قاعدة “3 يوليو”البحرية في منطقة “جربوب” المطلة على البحر المتوسط، والتي تعد أحدث القواعد العسكرية المصرية على البحر المتوسط، والتي تختص بتأمين البلاد في الاتجاه الاستراتيجي الشمالي والغربي. بالإضافة إلى مناورات “قادر 2021” الاستراتيجية. وعقب الافتتاح أعرب الشيخ محمد بن زايد عن سعادته بحضور افتتاح القاعدة البحرية الجديدة، مشيدا بالإنجازات التي تشهدها مصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي. وهو ما يؤكد ويعكس قوة وخصوصية العلاقات المصرية الإماراتية في جميع المسارات السياسية والاقتصادية والعسكرية، والتي تمثل أحد محاور الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وفي منطقة الخليج.
دلالات المشاركة:
حمل مشاركة الشيخ محمد بن زايد في افتتاح قاعدة “3 يوليو” البحرية، بالإضافة إلى مشاركة رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي رسائل سياسية عدة، ودلالات مهمة؛ منها كالأتي:
(&) التأكيد على متانة العلاقات بين القاهرة وأبو ظبي: جاءت مشاركة ولي عهد الإمارات في حفل افتتاح القاعدة البحرية لتؤكد من جديد علي قوة العلاقات التي تجمع بين مصر والإمارات بشكل عام وبين كل من الرئيس السيسي والشيخ محمد بن زايد بشكل خاص؛ خاصة مع حرص ولي عهد الإمارات علي حضور معظم الفعاليات العسكرية التي نظمتها مصر مثل افتتاح القواعد العسكرية، والمناورات العسكرية، كما أن اصطحاب الشيخ محمد بن زايد لحفيديه – وهو أمر غير مألوف في مثل هذه الفعاليات – يشير لطبيعة العلاقة المستمرة عبر الأجيال بين القاهرة وأبو ظبي. كما أن حرص مصر على دعوة ولي عهد الإمارات يؤكد أن التقارب المصري مع قطر وتركيا لن يكون على حساب علاقة القاهرة بأبو ظبي، وأن القاهرة حريصة على استمرار العلاقات مع أبو ظبي بل وتطويرها.
(&) استمرار التنسيق المصري الإماراتي في الملف الليبي: شهد الملف الليبي تنسيق بين مصر والإمارات والذي استند بالأساس على دعم جهود الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر، في مواجهة الميلشيات التي كانت مدعومة من قبل حكومة الوفاق برئاسة “فايز السراج” والتي لم تحظي بموافقة البرلمان الليبي. كما أيدت الإمارات المبادرة التي أعلنتها مصر في يونيه من العام الماضي لحل الأزمة الليبية والتي عُرفت بـ “إعلان القاهرة”، حيث أعلن وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان أنه “يثمن الجهود المباركة والحثيثة التي قامت بها جمهورية مصر العربية وأثمرت عن “إعلان القاهرة” الذي يسعى للتوصل إلى وقف إطلاق النار وتعزيز فرص الحل السياسي في ليبيا”. كما أعلنت كل من القاهرة وأبو ظبي عن دعمهما للمجلس الرئاسي الليبي برئاسة محمد المنفي وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. ويعكس مشاركة المنفي وبن زايد في حفل افتتاح القاعدة البحرية استمرار التنسيق المصري الإماراتي في دعم استقرار ليبيا واستكمال خارطة الطريق.
(&) دعم إمارتي لمصر في ملف سد النهضة: تعد قضية سد النهضة من أهم القضايا المهددة لاستقرار الأمن القومي العربي بشكل عام، والأمن القومي لكل من مصر والسودان بشكل خاص، ومن ثم جاءت مشاركة ولي العهد الإماراتي في تلك الفاعلية لتحمل دلالة مهمة مفادها أن أبو ظبي تدعم القاهرة والسودان في قضية سد النهضة، وإسقاط كل الادعاءات التي تم تروجيها حول دعم الإمارات لإثيوبيا ضد كل من مصر والسودان، في ظل فشل المفاوضات الدبلوماسية بسبب التعنت الإثيوبي، مع لجوء مصر والسودان إلى مجلس الأمن كأخر الخطوات الدبلوماسية من أجل إلزام إثيوبيا للانخراط في مفاوضات جادة تفضي إلي اتفاق ملزم بشأن قواعد الملء والتشغيل.
(&) حماية الأمن القومي العربي: أكدت مصر في أكثر من مناسبة أن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري والأمن القومي العربي، وأن القاهرة على استعداد دائما لحماية مصالحها ومصالح أشقائها الخليجين، خاصة في ظل المتغيرات التي تمر بها المنطقة والتي تتمثل في وجود الإرهاب وانتشار الجماعات المسلحة التي تهدد استقرار الدول، والجرائم العابرة للحدود. وتأتي تلك الفاعلية لتجدد القاهرة عهدها من جديد بحفاظها على استقرار الأوضاع في المنطقة.
وختامًا؛ مع استمرار النجاحات المصرية سواء في الداخل أو الخارج، وفي ظل سعي بعض دول الإقليم لإعادة تموضعها لتكون أطراف فاعلة في القضايا الإقليمية التي تشهدها المنطقة، سيظل التحالف المصري الإماراتي محل هجوم وتشكيك من جانب بعض الأطراف التي تسعي لإحداث وقيعة بين القاهرة وأبو ظبي، إلا أن إدراك القيادات السياسية في كلا البلدين يقف حائلا للحيلولة دون ذلك، مع تأكيد كل طرف عن دعمه للأخر بشكل دائم ومستمر.