مشهد مضطرب: هل تقود الأزمة السياسية الفرنسية لنهاية الجمهورية الخامسة؟

سلمى محمد-باحثة مساعدة
تشهد فرنسا منذ منتصف عام 2024 مرحلة من الاضطراب السياسي غير المسبوق في تاريخ الجمهورية الخامسة، إثر الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها الرئيس إيمانويل ماكرون في يونيو 2024 ردًا على صعود اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية. وقد أسفرت تلك الانتخابات عن برلمان معلق منقسم إلى ثلاث كتل متعارضة: اليسار ممثلًا في تحالف الجبهة الشعبية الجديدة، والوسط بقيادة تحالف ماكرون “معًا”، واليمين المتطرف ممثلًا في حزب التجمع الوطني ، دون أن تتمكن أي كتلة من تحقيق الأغلبية المطلقة (289 مقعدًا من أصل 577).
أدخل هذا الانقسام البرلماني العميق فرنسا في دوامة من الأزمات الحكومية المتتالية حيث اضطر الرئيس ماكرون إلى تعيين ثلاث حكومات أقلية متعاقبة برئاسة ميشيل بارنييه وفرانسوا بايرو وسيباستيان لوكورنو. غير أن حكومتي بارنييه وبايرو انهارتا بسبب خلافات حادة حول الميزانية العامة، في حين استقال لوكورنو بعد أقل من يوم على توليه المنصب قبل أن يُعاد تعيينه لاحقًا في محاولة لاحتواء الموقف.
وقد بلغت هذه الأزمة السياسية الفرنسية (2024–2025) ذروتها في الأسابيع الأخيرة بعد انهيار حكومة جديدة خلال ساعات من تشكيلها، مما يعكس عمق الانقسام المؤسسي وتراجع قدرة النظام السياسي الفرنسي على تحقيق الاستقرار. ومن ثمّ فإن هذه الأزمة الراهنة لا تمثل حدثًا عابرًا، بل هي تعبير عن اختلالات بنيوية في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وعن تحول أعمق في المزاج السياسي والاجتماعي الفرنسي في مواجهة التحديات الاقتصادية والهوية الوطنية وصعود الشعبوية في أوروبا.
جذور وأبعاد الأزمة
تعود جذور الأزمة الحكومية في فرنسا إلى عام 2022، حين فقد الرئيس إيمانويل ماكرون أغلبيته البرلمانية بعد الانتخابات التشريعية، ما أدخل البلاد في حالة من الجمود السياسي وصعوبة تمرير القوانين. هذا التحول كشف عن تآكل النموذج الحزبي التقليدي الذي كان قائمًا على ثنائية اليسار واليمين المعتدل، وظهور قوى جديدة على رأسها اليمين المتطرف الذي نجح في التغلغل داخل الشارع الفرنسي. تفاقمت هذه الأزمة مع مرور الوقت نتيجة تراكمات اجتماعية واقتصادية وسياسية.
(*) البعد المالي والاقتصادي: أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام الفرنسي، ودفعت الحكومة إلى التفكير في تقليص بعض أوجه الدعم الاجتماعي؛ فالنموذج الفرنسي المتميز بإنفاق نحو 14.5% من الناتج المحلي الإجمالي على المعاشات أصبح يواجه ضغوطًا متزايدة نتيجة التحول الديمغرافي وارتفاع نسبة المسنين مقابل انخفاض المواليد.
كما تراجعت نسبة العاملين مقابل المتقاعدين من أربعة إلى واحد في ستينيات القرن الماضي إلى 1.7 في عام 2020، ومن المتوقع أن تنخفض إلى 1.5 خلال العقد المقبل، ما يهدد استدامة النظام الاجتماعي. في الوقت ذاته، تسعى باريس إلى زيادة ميزانية الدفاع إلى 400 مليار يورو للفترة 2024–2030، مقابل 295 مليار في الخطة السابقة، وهو ما يخلق جدلًا داخليًا حول أولويات الدولة بين الأمن والدعم الاجتماعي.
(*) البعد السياسي والاجتماعي: منذ وصول ماكرون إلى الحكم، تبنّت حكومته سياسات إصلاحية ذات طابع ليبرالي تميل إلى خدمة مصالح الطبقات العليا، ما أثار احتجاجات واسعة تمثلت في حركة “السترات الصفراء” (2018)، التي عكست عمق الهوة بين النخبة الحاكمة والمجتمع. وتكررت موجات الاحتجاج في يناير 2023 ضد قانون رفع سن التقاعد، في ظل مشاركة واسعة من النقابات العمالية الكبرى.
وقد ساهمت هذه التحركات في تآكل شرعية السلطة التنفيذية، ودفعت قطاعات واسعة من المواطنين إلى البحث عن بدائل سياسية غير تقليدية، مما مكّن اليمين المتطرف من توسيع قاعدته الشعبية مستفيدًا من حالة الغضب الاجتماعي وضعف الأداء الحكومي.
(*) البعد النيابي والحزبي: تأثر هذا البعد بالهشاشة البنيوية للنظام السياسي الفرنسي، وتراجع تأييد السلطة التنفيذية، إلى جانب تآكل صورة التيار الوسطي الذي فقد قدرته على تمثيل التوازن التقليدي، مما مهّد الطريق أمام اليمين المتطرف لتعزيز نفوذه وتوسيع حضوره داخل المشهد السياسي الفرنسي.
وتجسد هذا بوضوح في الانتخابات التشريعية لعام 2022، حين فقد تحالف “معًا” الحاكم أغلبيته البرلمانية المطلقة، متراجعًا من 350 مقعدًا في انتخابات 2017 إلى 245 مقعدًا فقط، في حين يحتاج إلى 289 مقعدًا لتأمين السيطرة البرلمانية. وفي المقابل، حقق حزب “التجمع الوطني” قفزة نوعية بحصوله على 89 مقعدًا، في سابقة تعد الأولى من نوعها منذ عام 1986، ما مثّل تحولًا نوعيًا في موقع اليمين المتطرف من الهامش إلى صلب العملية السياسية.
وازداد المشهد تعقيدًا بعد تمرير الحكومة لقانون التقاعد بمرسوم دون تصويت برلماني، الأمر الذي أثار انقسامات داخل حزب “الجمهوريين” المحافظ وأبرز هشاشة التحالفات التي يعتمد عليها ماكرون. وقد عمّق هذا الإجراء من أزمة الثقة في النظام، ودفع بالمشهد السياسي نحو استقطاب حاد بين اليمين المتطرف واليسار المتطرف في ظل تراجع التيار الوسطي وفقدانه قدرته على لعب دور التوازن.
وفي هذا السياق، جاء الانتخابات الأوروبية لعام 2024 لتؤكد هذا التحول، إذ حقق حزب “التجمع الوطني” بقيادة مارين لوبان وجوردان بارديلا فوزًا لافتًا بحصوله على 30.4% من الأصوات، مقابل 14.6% فقط لتحالف النهضة التابع للرئيس ماكرون، ما مثّل إعادة تشكيل شاملة للمشهد السياسي الفرنسي والأوروبي على السواء. وأمام هذا الصعود غير المسبوق، راهن ماكرون على ما وصفه بـ” قدرة الحياة الحزبية على إقصاء اليمين المتطرف” من خلال حل الجمعية الوطنية في يونيو 2024 والدعوة إلى انتخابات مبكرة لإعادة بناء التحالفات، غير أن هذه الخطوة كشفت عمق الأزمة البنيوية في النظام السياسي الفرنسي، وعجز التيار الوسطي عن بناء تحالف مستقر، في ظل الانقسام الحاد بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، بما أضعف فاعلية مؤسسات الحكم وهدد استقرار الجمهورية الخامسة برمتها.
إعادة إنتاج الأزمة
تُظهر التطورات الأخيرة في الساحة السياسية الفرنسية درجة غير مسبوقة من الشلل المؤسسي داخل النظام السياسي للجمهورية الخامسة، حيث أعادت الأحداث فرنسا إلى نقطة البداية بعد أسبوعٍ حافل بالمشاورات السياسية الفاشلة. فقد عاد سيباستيان لوكورنو إلى منصب رئاسة الوزراء مجددًا، مكلفًا بتشكيل حكومة جديدة هدفها الرئيس تمرير الموازنة قبل نهاية العام، في حين يُنظر إليه باعتباره أضعف رئيس وزراء منذ عام 1958، إذ لم تستمر حكومته الأولى أكثر من أربعٍ وعشرين ساعة.
(&) أزمة الثقة: تعكس هذه الأزمة الطبيعة الهشة للتحالفات البرلمانية الحالية، إذ بدأ الدعم السياسي من أحزاب مثل الجمهوريين (LR) وآفاق (Horizons) يتآكل تدريجيًا، مما قلّص قدرة الحكومة على الصمود في مواجهة المعارضة المتزايدة. ورغم ما يُقال عن حصول لوكورنو على تفويضٍ مطلق من الرئيس ماكرون لتشكيل حكومة تكنوقراطية قادرة على تجاوز الانقسام، فإن الوضع ازداد سوءًا، حيث ينظر كثيرون إلى إعادة تعيينه بوصفها محاولة لتأجيل الأزمة وليس حلّها.
أما على المستوى الرمزي، فإن الخطاب الرسمي يحاول تقديم لوكورنو باعتباره “الراهب الجندي” الذي ينفذ مهام الدولة بولاءٍ وتجرد، غير أن هذا الخطاب يلقى تشكيكًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية، باعتباره محاولة لتجميل الواقع دون معالجة جذور الأزمة المتمثلة في تآكل الثقة بين مؤسسات الحكم والأحزاب السياسية، وغياب رؤية واضحة لمستقبل الحكم في ظل برلمان منقسم.
(&) حلول مستبعدة: تشير التحليلات السياسية في فرنسا إلى أن الحل الواقعي الوحيد للأزمة السياسية الحالية يكمن في فتح حوار جاد مع قوى اليسار غير المتطرف، وهي الحقيقة التي وصفتها صحيفة ليبراسيون بأنها “واضحة أمام أعين الجميع”، غير أن الرئيس إيمانويل ماكرون لا يزال يتجاهلها سعيًا للحفاظ على موقعه السياسي.
فمنذ الهزيمة الانتخابية في عام 2024، واجه ماكرون خيارين لا ثالث لهما: إما تسليم السلطة إلى اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان وجوردان بارديلا، اللذين رفضا تولي الحكم دون أغلبية مطلقة، أو التفاوض مع اليسار من أجل التوصل إلى برنامج حدٍّ أدنى للحكم حتى عام 2027.
وترى “ليبراسيون” أن الطريق كان واضحًا منذ البداية، وهو بناء حكومة تحظى بدعم اليسار أو على الأقل بموافقته، من خلال تعديل السياسات التي رفضها الناخبون في الانتخابات الأخيرة.
لقد انتُخب ماكرون مرتين على أساس فكرة تجاوز الانقسامات التقليدية بين اليمين واليسار وإنهاء حالة العجز السياسي، لكنه بدلًا من اغتنام الفرصة لتحقيق هذا التوازن اختار البقاء متمسكًا بمواقفه اليمينية التي تبناها منذ عامي 2017 و2022.
وفي هذا السياق، تكشف الصحافة الفرنسية أن الاجتماع الذي عقده ماكرون في قصر الإليزيه مع قادة الأحزاب – باستثناء اليمين واليسار المتطرفين – انتهى دون أي تقدم ملموس، بل زاد من حالة الانسداد السياسي، فقد غادر القادة المشاركون الاجتماع في صمت، بينما واصل زعيم حزب الجمهوريين حينها برونو روتايو انتقاده لما وصفه بـ”التحالف الهش” الذي يتمسك به الرئيس كملاذٍ أخير.
وفي ظل غياب أي إشارات إيجابية من ماكرون، لم يجد قادة الاشتراكيين والشيوعيين والخضر سوى الاعتراف بأن البلاد أمام طريق مسدود، بل إن الاجتماع الذي كان يُفترض أن يمنع حلّ البرلمان، أسفر عن نتيجة عكسية زادت الوضع سوءًا.
وتمنح الصحف الفرنسية سيباستيان لوكورنو “فرصة ضئيلة لإنقاذ الموقف”، بشرط أن يتحرر من تأثير الرئيس ويتجه نحو شراكة عملية مع اليسار، حتى يتمكن من إنقاذ التيار الوسطي من الانهيار السياسي الذي تسبب فيه ماكرون. وتؤكد تلك التحليلات أن الرئيس الفرنسي، رغم ضعف موقعه الداخلي، ما زال يحتفظ بورقته الأقوى في مجال السياسة الخارجية، بينما تزداد عزلة فرنسا الأوروبية مع تعثر تمرير الموازنة العامة، وهو ما جعل بعض المراقبين الأوروبيين ينظرون إلى الأزمة الفرنسية بنظرة “يائسة” أو “ساخرة”، معتبرين أن الرابح في تلك الأزمة اليمين المتطرف بقيادة لوبان وبارديلا اللذين يستفيدان من تفاقم الانقسام السياسي.
مآلات الأزمة
بمكن استشراف أربعة سيناريوهات رئيسية تحدد المسار المحتمل للأزمة الحكومية الراهنة في فرنسا، في ظل تصاعد حالة الجمود السياسي وتراجع الثقة في المؤسسات التمثيلية.
(-) سيناريو الاستمرار في إدارة الأزمة: يتمثل هذا السيناريو في لجوء الرئيس إيمانويل ماكرون إلى تعيين رئيس وزراء رابع ينتمي إلى التيار المعتدل، سواء من الوسط أو اليمين المعتدل، بهدف الحفاظ على الوضع الراهن دون إحداث تغييرات بنيوية في الخريطة السياسية. غير أن هذا الخيار يعني عمليًا استمرار حكومة أقلية ضعيفة تواجه صعوبات في تمرير القوانين الأساسية، خاصة الموازنة العامة، مما قد يؤدي إلى حالة من الشلل المؤسسي والاضطراب المالي.
اقتصاديًا، يُتوقع أن تنعكس هذه الهشاشة على الأسواق من خلال انخفاض قيمة اليورو وارتفاع عوائد السندات السيادية، فيما ستتراجع مكانة فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي لصالح قوى أخرى مثل ألمانيا والمملكة المتحدة. وعلى الصعيد الداخلي، يُرجح أن يؤدي هذا المسار إلى مزيد من تآكل شرعية التيار الوسطي وتعزيز موقع اليمين المتطرف في استطلاعات الرأي، وهو ما يعكس استراتيجية ماكرون القائمة على “الصمود المرحلي” دون معالجة جذرية للأزمة.
(-) سيناريو التعايش: يقوم هذا السيناريو على احتمال اضطرار الرئيس إلى تعيين رئيس وزراء من معسكر المعارضة، سواء من اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان أو من كتلة معارضة أخرى، أو بعد حلّ البرلمان وإجراء انتخابات جديدة تفرض واقعًا من “التعايش السياسي”.
هذا السيناريو من شأنه أن يعيد توزيع السلطة التنفيذية بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، ويُحدث تحولًا في السياسات العامة باتجاه قومي محافظ، خصوصًا في ملفات الهجرة والعلاقات الأوروبية ودعم أوكرانيا، إلا أن هذا التعايش سيكون محفوفًا بالتناقضات بين توجهات الرئيس الوسطي والبرلمان اليميني، ما قد يضعف انسجام السياسة الخارجية ويهدد بتقويض التزامات فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي. كما أنه قد يثير حالة من الاحتقان الاجتماعي، خاصة إذا رأت شرائح واسعة من المجتمع أن هذا التحالف يمثل تراجعًا عن المبادئ الديمقراطية.
(-) سيناريو استقالة الرئيس: في حال تفاقم الضغوط السياسية والاقتصادية، قد يختار ماكرون تقديم استقالته قبل انتهاء ولايته في عام 2027، استجابة لضغوط من داخل تياره أو من شخصيات سياسية بارزة. هذه الخطوة ستفتح الباب أمام انتخابات رئاسية مبكرة، تُحدث فراغًا دستوريًا مؤقتًا تتولى خلاله رئاسة مجلس الشيوخ إدارة شؤون الدولة.
هذا السيناريو، وإن كان مستبعدًا نسبيًا، قد يعيد رسم المشهد السياسي الفرنسي عبر إعادة توزيع القوى بين اليمين المتطرف واليسار المتطرف، مع احتمالية ظهور مطالب بإصلاحات دستورية تمسّ طبيعة النظام شبه الرئاسي. كما أنه قد يؤدي إلى اضطراب اقتصادي أوسع داخل الاتحاد الأوروبي بسبب تزايد حالة عدم اليقين السياسي.
(-) سيناريو الانهيار الدستوري أو الأزمة الاقتصادية العميقة: يُعد هذا السيناريو الأكثر تشاؤمًا، ويتمثل في فشل الحكومة والبرلمان في تمرير الميزانية لعام 2026، ما سيدفع البلاد إلى الاعتماد على قوانين مالية مؤقتة تُقلص الإنفاق العام وتزيد الضرائب، بما يفاقم الاحتقان الاجتماعي ويعيد إلى الأذهان احتجاجات “السترات الصفراء”.
في هذا الإطار، ستدخل فرنسا مرحلة من الشلل المؤسسي الكامل، مع احتمال تصاعد أزمة ديون تهدد استقرار منطقة اليورو. وقد يُجبر ماكرون حينها على تعليق إصلاحاته الاجتماعية الكبرى، فيما يتحول البرلمان إلى ساحة صراع سياسي مفتوح. على المدى الأبعد، قد يؤدي هذا الوضع إلى إصلاح دستوري جذري أو حتى إلى بداية نهاية الجمهورية الخامسة وصعود موجات شعبوية جديدة.
ختاماً، إنّ المسار الذي يتجه نحوه المشهد الفرنسي يُظهر تآكلًا تدريجيًا في النموذج الوسطي الذي اعتمد عليه الرئيس ماكرون منذ 2017 كخيار لتجاوز ثنائية اليمين واليسار، لكنه أصبح اليوم عاجزًا عن احتواء التناقضات المتنامية داخل المجتمع الفرنسي. فالتوتر بين الشرعية الانتخابية والفعالية الحكومية بلغ مستوى يهدد التوازن الذي قامت عليه الجمهورية الخامسة منذ عهد ديجول، ويعيد إلى الواجهة فكرة الحاجة إلى إصلاح دستوري والحاجة لإعادة تعريف العلاقة بين الرئاسة والبرلمان.
وفي ضوء تحليل السيناريوهات المطروحة، يبدو أن استمرار إدارة هو الاتجاه الأقرب للتحقق في المدى القصير، لكنه لا يُعد حلًا مستدامًا، بل مرحلة انتقالية نحو إعادة هيكلة أعمق للنظام السياسي الفرنسي. فالإصرار على الإبقاء على الوضع القائم قد يمنح الوقت لماكرون لتجاوز أزمته الآنية، لكنه في المقابل يفتح الباب أمام اليمين المتطرف لترسيخ موقعه كقوة بديلة جاهزة لتولي السلطة في الانتخابات المقبلة.
وبناءًا عليه، فإن الأزمة الحالية تمثل نقطة انعطاف في التاريخ السياسي الفرنسي؛ فإما أن تؤدي إلى تجديد للنظام السياسي من خلال إصلاحات مؤسساتية تعزز الشفافية والتعددية، أو أن تمهد الطريق لتحول جذري يقوده صعود التيارات الشعبوية المتطرفة، بما يهدد استقرار النموذج الجمهوري ذاته الذي حكم فرنسا لعقود.