معضلة التسوية.. هل تنجح مصر في تسوية الحرب السودانية؟
تستضيف جمهورية مصر العربية مؤتمر للقوى السياسية المدنية السودانية في أواخر يونيو الجاري، بحضور ممثلين إقليميين ودوليين معنيين، وذلك في إطار حرص القاهرة على بذل كل الجهود الممكنة للتوصل إلى حلول مرضيه لطرفي الصراع؛ لإحلال السلام الشامل والدائم في السودان، من خلال حوار سوداني-سوداني، يتأسس على رؤية سودانية خالصة؛ لوقف الحرب السودانية القائمة التي تسببت في نزوح أكثر من 8.8 مليون شخص داخل السودان وخارجه منذ بداية النزاع في أبريل 2023.
وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى تقدير فرص نجاح المبادرة المصرية لإيقاف الحرب السودانية.
أهداف المؤتمر:
يمكن إجمال أهداف مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية في القاهرة على النحو الآتي:
(*) محاولة القاهرة حل الأزمة السودانية: تسعى القاهرة لاستضافة مؤتمر للقوى السياسية المدنية، بهدف حل الأزمة السودانية بين الجيش وميليشيا “الدعم السريع”، مؤكدة على أن النزاع الحالي هو قضية سودانية بالأساس، وأن أي عملية سياسية مستقبلية لابد وأن تشمل كل الأطراف الفاعلة في الداخل السوداني.
(*) الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية: شددت مصر في بيانها على ضرورة الحفاظ على الدولة السودانية ومؤسساتها، والتأكيد على ضرورة احترام مبادئ وسيادة السودان، ووحدة وسلامة أراضيه، فضلًا عن عدم التدخل في شؤونه الداخلية، وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أشار في كلمته بقمة دول جوار السودان في يوليو الماضي إلى إطلاق حوار جامع يلبي تطلعات الشعب السوداني.
(*) تقديم المساعدات: من المؤكد أن يتم التوصل إلى اتفاق بشأن تسهيل توصيل المساعدات الإنسانية دون تهديد أو قيود، خاصة وأن الوضع في السودان أصبح مأساوي في ظل ارتفاع مستويات الجوع وسوء التغذية الحاد والذي أدى إلى ارتفاع حالات الوفيات.
وعليه، يعد المؤتمر استكمالاً للجهود المصرية المبذولة والمستمرة لوقف الحرب منذ عقدها قمة دول جوار السودان في يوليو 2023 إلى استضافتها للمؤتمر القادم بالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين، والقوى السياسية المدنية السودانية، وذلك من أجل ضمان نجاح المؤتمر والحد من المعاناة التي يعيشها المدنيين السودانيين.
كما تتزامن دعوة مصر لاستضافتها حوارًا سودانيًا مع اجتماعات لتنسيقية القوى المدنية “تقدم” في أديس أبابا، وهناك اتهامات تؤكد دعم التحالف لميليشيا “الدعم السريع”.
جهود مصرية سابقة:
بذلت مصر العديد من المبادرات من أجل التوصل إلى حلول مرضية لأطراف الصراع لإيقاف الحرب السودانية، ومن ضمن المبادرات الآتي:
(&) توحيد القوى السياسية في كيان واحد: استضافت القاهرة في مايو 2024 مؤتمرًا ضم 8 كتل سياسية سودانية كبرى، وأكثر من 50 تنظيمًا سياسيًا وحركات مسلحة وتجمعات مهنية ودينية، وقد وقعت هذه الكيانات على ما أطلق عليه “الميثاق الوطني السوداني” والذي يتضمن رؤية إطارية لإدارة فترة انتقالية، من خلال توحيد القوى السياسية في كيان واحد وهو ما يختلف عن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”؛ ويهدف لتقديم خريطة طريق تنفيذية لحل شامل للأزمة السودانية، فضلًا عن دعم الكيان للقوات المسلحة السودانية في حربها ضد ميليشيا “الدعم”.
(&) زيارات متعددة للقاهرة: استقبلت مصر وفدًا من تنسيقية “تقدم” برئاسة “عبدالله حمدوك” في 8 مارس 2024، وتضمنت الزيارة عقد لقاءات مع قيادات رسمية ومفكرين ومسؤولين بالجامعة العربية، ومكونات المجتمع السوداني بمصر، في محاولة لإيجاد حلول للأزمة السودانية.
وكان قد التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان في أواخر فبراير الماضي، بهدف التوصل لحلول يوقف الحرب القائمة وكان قد عرض البرهان رؤيته لإنهاء الحرب وإحلال الأمن والاستقرار في بلاده.
(&) عقد القاهرة قمة لدول الجوار: عقدت مصر قمة لدول الجوار في 13 يوليو 2023، بهدف الدعوة لإنهاء الحرب والتأكيد على ضرورة احترام ووحدة وسيادة السودان، ووقف تدخل الأطراف الخارجية، للحفاظ على سلامة واستقرار السودان.
(&) مؤتمر القضايا الإنسانية في السودان: عقدت القاهرة مؤتمر القضايا الإنسانية في السودان، والذي هدف إلى معالجة الأوضاع الإنسانية والإغاثية.
وعليه، كل هذه الاجتماعات تؤكد الجهود المصرية المبذولة لحل الأزمة السودانية، وقد تجعل تلك الجهود مصر ذات دور محوري ومهم في المرحلة القادمة من الحرب، وخاصة في ظل فشل 3 جولات تفاوض في جدة وقمتين للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيجاد”.
موقف الأطراف:
قبلت الخارجية السودانية دعوة القاهرة لعقد المؤتمر القادم، مؤكدة حرص مصر على أمن واستقرار السودان، واشترطت الخارجية ضرورة وجود تمثيل حقيقي للشعب السوداني الذي تحمل أعباء الحرب، كما طالبت بتوضيح الشركاء الإقليمين والدوليين المشاركين في المؤتمر، خاصة وأن المؤتمر يهدف إلى الوصول إلى رؤية سودانية خالصة، فضلًا عن معارضة الخارجية السودانية لحضور أي ممن وصفتهم بـرعاة “ميليشيا الدعم” الإرهابية، ورفضت مشاركة بعض دول الجوار التي تعتبرها شريكة في عبور الأسلحة لعناصر “الدعم” ، إضافة إلى تمسك السودان بعدم مشاركة الاتحاد الإفريقي و”إيجاد” إلا إذا تم رفع تجميد نشاط السودان بالمنظمة وأن تصحح المنظمة موقفها الذي ينتهك سيادة السودان. وفي المقابل أكد “الهادي إدريس” نائب رئيس الهيئة القيادية لتنسيقية “تقدم”، عدم تلقي الهيئة أي دعوة رسمية حتى الآن من القاهرة لحضور المؤتمر، ومع ذلك أكدت التنسيقية ترحيبها بكل المبادرات التي تفضي لحل الأزمة السودانية.
فرص النجاح:
لا شك أن الدور المصري مهم وفعال في حل الأزمة السودانية، وقد يختلف هذا المؤتمر عن أي مبادرات أو مؤتمرات أخرى كونه يجمع كافة القوى السياسية المدنية السودانية، حيث تواصلت مصر مع كل الأطراف السياسية السودانية، وقبلت الأطراف المشاركة بالمؤتمر بشكل مبدئي، وبالتالي يرى المراقبون أن المؤتمر القادم يعد مرحلة مهمة في التشاور بين القوى السياسية من أجل وضع الثوابت وتحديد الأولويات والاتفاق على رؤية مشتركة، فضلًا عن إمكانية الخروج من حالة الانقسام والاستقطاب الحاد بين القوى السياسية السودانية التي تعد من أهم أسباب قيام الحرب.
وعليه، من المؤكد أن مصر أدركت أسباب تعثر مبادرة قمة دول الجوار، خاصة وأن مصر من أكثر الدول المتضررة من استمرار الحرب، إضافة إلى وصول عدد اللاجئين السودانيين في مصر إلى قرابة نصف مليون لاجئ، لذلك قد تحاول القاهرة أن تبرز دورها في حل الأزمة السودانية، في ظل فشل كل المبادرات السابقة، حيث تسعى مصر لجمع كل القوى السياسية السودانية سواء الداعمة للجيش، أو غيرها، بهدف وضع خريطة طريق لبلادهم لإنهاء الحرب.
قد تكون فرص نجاح المؤتمر أكبر في حال قدمت الأطراف السودانية تنازلات وتخلت عن المطامع السياسية التي أدت إلى تدمير السودان والتوقف عن احتكام السلاح، فضلاً عن عدم السماح لأي تدخلات إقليمية أو دولية تعرقل حل الأزمة، وهو ما تحاول القاهرة معالجته، لذلك لابد أن تتطرق الأطراف السياسية إلى حوار سوداني-سوداني دون شروط، مراعاة لما يعيشه الشعب السوداني من تدمير ونهب وتجويع واغتصاب، وما يزيد أيضًا من فرص نجاح المؤتمر هو العلاقات القوية المصرية مع القوى السياسية التي تقيم أغلبها في مصر، ولكن في حال اختلفت القوى ولم تتوصل إلى اتفاق قد تكون فرص نجاح المؤتمر ضعيفة.
وتعد أيضًا شروط الحكومة السودانية لحضور المؤتمر إلى حد ما غير مقبولة لبعض القوى السياسية، في ظل تبني الجيش لمشاركة المقاومة الشعبية في المؤتمر وهي لجان تشكلت بعد الحرب لدعم الجيش، ويعتقد البعض على الجانب الآخر أنها “من أنصار نظام البشير”، ولكن تبرر الخارجية السودانية وضعها هذه الشروط خوفًا من تكرار المبادرات السابقة التي لم تحقق أي تقدم لحل الأزمة.
وختامًا، يمكن القول إن نجاح المؤتمر وحل الأزمة السودانية بأيدي السودانيين أنفسهم، لذلك لابد وأن تُقدم الحكومة السودانية والقوى السياسية بعض التنازلات لضمان نجاح المؤتمر.