فرص نجاح الوساطة التركية في تسوية الخلافات الإثيوبية-الصومالية
تسعي تركيا للعب دور الوساطة بين الصومال وإثيوبيا من خلال عقد مباحثات مع البلدين، حيث أكد وزير الخارجية التركي “هاكان فيدان” إن أنقرة تستعد في سبتمبر المقبل لعقد الجولة الثانية من المحادثات بين نظيريه الإثيوبي “تاي أتسكي سيلاسي” والصومالي “أحمد معلم فقي”، وقد انعقدت الجولة الأولي من المفاوضات غير المباشرة في مطلع يوليو 2024 في العاصمة أنقرة بين وزراء الدول الثلاث، وتم التوقيع علي بيان مشترك بعد عقد محادثات “صريحة وودية وتستشرف المستقبل” لحل أزمة الاتفاق المبرم بين أديس أبابا مع إقليم “أرض الصومال” الانفصالي، وتخوفًا من اندلاع أي مواجهات مسلحة بين البلدين، قد تمتد لتشمل القرن الأفريقي بشكل خاص وإفريقيا بشكل عام، قدمت تركيا نفسها كوسيط في محاولة لمنع الصراع، بالإضافة إلي تعزيز مصالحها مع البلدين، فضلاً عن تقديم نفسها دولة محبة للسلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
وقد بدأت جهود الوساطة التي تقوم بها أنقرة بعد زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” إلي العاصمة التركية في مايو الماضي، وخلال الزيارة التقي بالرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” وطلب من تركيا آنذاك القيام بدور الوسيط بين مقديشو وأديس أبابا، في حين لو يشارك إقليم “أرض الصومال”في المحادثات.
تأسيسًا علي ما سبق؛ يحاول هذا التحليل الإجابة علي التساؤلات التالية، وهي: ما هي أهداف أنقرة من لعب دور الوساطة؟، وإلي أي مدي قد تنجح فرص الوساطة التركية؟.
أهداف واضحة:
تسعي تركيا للعب دور الوساطة بين مقديشو وأديس أبابا؛ لعدة أهداف أهمها:
(*) تعزيز نفوذها وتواجدها في إفريقيا: تطمح تركيا لتعزيز نفوذها وتواجدها في إفريقيا بشكل عام ومنطقة القرن الأفريقي بشكل خاص في ظل الفراغ الذي خلقته الدول الغربية وتحديدًا فرنسا، لذلك تسعي أنقرة للعب دور الوسيط بين الصومال وإثيوبيا؛ لكي تتمكن من تعزيز علاقاتها في مختلف المجالات مع إثيوبيا التي تعتبرها قوة إقليمية صاعدة في المنطقة، بجانب الشراكة الاستراتيجية التي تجمعها مع الصومال. وعليه، قد تحاول تركيا إرضاء البلدين من خلال تحقيق مصالح الطرفين، الأمر الذي من شأنه أن يعزز الوجود التركي في القرن الأفريقي.
جدير بالذكر، أن أنقرة حظيت بلقب “الشريك الاستراتيجي” للاتحاد الأفريقي” عام 2008، وذلك علي غرار نجاحها في تحقيق التوازن وتعزيز الأمن وبناء المؤسسات ودعم السلام من خلال التوسع في الشركات التجارية في إفريقيا.
كما تتمتع تركيا بعلاقات قوية مع الصومال، حيث تمتلك تركيا أكبر قاعدة عسكرية في مقديشو، ومنشأة تدريب لديها القدرة علي استيعاب حوالي 1500 متدرب في نفس الوقت.
(*)تقديم نفسها كدولة راعية للسلام: تحاول تركيا أن تحل الخلاف بين مقديشو وأديس أبابا سلميًا؛ لمنع حسم الصراع عسكريًا؛ لتقديم نفسها دولة راعية للسلام الإقليمي، خاصة في ظل الصراعات والحروب التي تشهدها المنطقة، فضلاً عن أن الصراع قد يضر بأهداف تركيا في إفريقيا، بالإضافة إلي أنه في حال وصل النزاع للحل العسكري، فقد تكون أنقره مضطرة للدفاع عن الصومال وأمنه البحري وفقًا للاتفاقية المُوقعة بين تركيا والصومال في فبراير الماضي، والتي تتضمن التعاون الأمني والعسكري والاقتصادي بين البلدين لمدة 10 سنوات، ويتمثل الهدف الرئيسي لهذه الاتفاقية في الدفاع عن الصومال ومياهه الإقليمية.
سيناريوهات محتملة:
بقراءة وتحليل جهود الوساطة التركية بين إثيوبيا والصومال، يمكن طرح سيناريوهين حول إمكانية فرص نجاح الوساطة، كالتالي:
(&) السيناريو الأول،- نجاح الوساطة التركية: قد تنجح تركيا في الوساطة بين الصومال وإثيوبيا، خاصة وأن إثيوبيا ترحب بالدور التركي وما يدل علي ذلك زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” إلي تركيا في مايو الماضي، ومقديشو أيضًا أبدت ترحب بتلك المفاوضات بعد أن كانت ترفض كل أنواع الوساطة الخارجية، ولكن الوساطة التركية قد تكون بشروط بالنسبة للصومال، أهمها التراجع عن الاعتراف بإقليم “أرض الصومال” وهو الشرط الأساسي لقبول الإقليم لإبرام الاتفاق الذي يتضمن إقامة قاعدة عسكرية إثيوبية بالقرب من “ميناء بربرة” علي مساحة 20 كم لمدة 50 عامًا مقابل الاعتراف الإثيوبي بأرض الصومال، فضلاً عن عدم المساس بسيادة الصومال، وهو ما أكد عليه الرئيس الصومالي “حسن شيخ محمود” في تصريحاته الأخيرة خلال مؤتمر مجموعة شرق إفريقيا في مقديشو، مؤكدًا أن حكومته لا تعارض رغبه إثيوبيا في الوصول للبحر بشكل عام؛ ومع ذلك لن تسمح بإنشاء قاعدة عسكرية إثيوبية علي أراضيها تحت أي ظرف، مشيرًا إلي أن أديس أبابا قد تتمكن من الوصول للبحر مثل كل من أوغندا بالوصول لبحر كينيا، وبوروندي ورواندا بالوصول لبحر تنزانيا، وإثيوبيا بالوصول لبحر جيبوتي؛ وذلك للحفاظ علي سيادة الصومال، الأمر الذي يؤكد علي عدم موافقة الصومال علي إنشاء قاعدة عسكرية إثيوبية علي أراضيها بأي شكل.
وقد يكون عدم تنفيذ إثيوبيا لمذكرة التفاهم حتى الآن، نقطة مهمة في استعداد أديس أبابا للتفاوض علي بعض بنود الاتفاق، الأمر الذي من شأنه أن يقوي من فرص نجاح الوساطة التركية.
(&) السيناريو الثاني،- فشل الوساطة التركية: من المتوقع في حال أصرت مقديشو على التراجع عن الاتفاق لمنع المساس بسيادة الصومال، فضلاً عن تمسك أديس أبابا بحقها في الوصول للبحر الأحمر عن طريق إقليم “أرص الصومال”، فمن المستبعد الوصول لتسوية لحل الخلاف بين الطرفين، وبالتالي قد يضطر الطرفين إلي اللجوء إلي الخيار الخشن”، وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا وفقًا لتصريحات الطرفين المتعنتة.
ختامًا، يمكن القول إن الجولة الثانية من المفاوضات التركية المقرر عقدها في سبتمبر المُقبل لم تنجح في إقناع مقديشو بتنفيذ الاتفاق المبرم بين إثيوبيا وأرص الصومال؛ ولكنها قد تكون بداية مهمة لإمكانية التوصل لحل لتسوية الخلاف بين مقديشو وأديس أبابا، خاصة وأن الطرفين وافقوا علي إجراء المفاوضات، ومن المتوقع أن يتطلب حل الخلاف وقتًا أطول؛ لكي تتمكن أنقره من إقناع الطرفين بالتوصل لحلول وسط ترضي الدولتين، خاصة وأن المنطقة مضطربة بالصراعات والتوترات الأمنية التي من المتوقع أن تستغلها التنظيمات الإرهابية لا سيما تنظيمي “داعش” و “القاعدة”، بالإضافة إلي سقوط عشرات القتلى في هجوم لحركة الشباب الصومالية في مقديشو، لذلك أمام تركيا تحدي صعب لإقناع الدولتين، وقد يتمثل التحدي الأكبر في إقناع أديس أبابا بالتخلي عن وصولها للبحر الأحمر من خلال إقليم” أرض الصومال” واستبدالها بميناء جيبوتي أو موانئ دول الجوار وفقًا لاتفاقية لقانون البحار للأمم المتحدة، وهو ما ترفضه إثيوبيا لعدم قدرتها علي تحمل التكلفة المادية والتحديات التي قد تواجهها من إحداث أي بديل. وعليه، لابد وأن تتكاتف القوي الإقليمية والدولية الفاعلة بجانب تركيا للضغط علي مقديشو وأديس أبابا لتسوية الخلاف، خاصة وأن منطقة القرن الأفريقي مليئة بالتوترات الأمنية والصراعات المتصاعدة، فضلاً عن هجمات الحوثي في البحر الأحمر.
_____________________________________________________________