هل تتغير السياسة الخارجية الإيرانية تجاه إفريقيا بعد وفاة “رئيسي”؟
نظرًا لاهتمام طهران الُمتزايد في السنوات القليلة الماضية بالتواجد في القارة الإفريقية، من خلال عقد الاتفاقيات التجارية والاقتصادية مع الدول الإفريقية، وخاصة منذ تولي “إبراهيم رئيسي” الرئاسة الإيرانية في أغسطس 2021 الذي كان يسعي إلي توسيع وتعزيز علاقات بلاده في القارة، بعد سنوات من التراجع منذ عام 2013 في عهد الرئيس السابق “حسن روحاني، تثار مجموعة من التساؤلات بشأن مستقبل السياسة الإيرانية تجاه إفريقيا، وذلك بعد وفاة “”رئيسي” ووزير خارجيته “حسين أمير عبداللهيان ” في 20مايو 2024 في حادث تحكم مروحية التي كانت تنقلهم أثناء عودتهم من أذربيجان الشرقية شمال غربي إيران.
وتأسيسًا علي ما سبق؛ يحاول هذا التحليل الإجابة علي التساؤل الرئيسي، وهو: هل تتغير السياسية الإيرانية تجاه الدول الإفريقية بعد وفاة “رئيسي؟، مع توضيح طبيعة العلاقات الإيرانية مع الدول الإفريقية في السنوات الأخيرة الماضية.
طبيعة العلاقات الإيرانية- الإفريقية:
تسعي إيران إلي تعزيز وتوسيع وجودها في إفريقيا، لحقيق أهدافها الجيوسياسية في المنطقة، وخاصة بعد عودة العلاقات في عهد “رئيسي” بعد سنوات من القطيعة، ويمكن توضيح خريطة التواجد الإيراني في الدول الإفريقية، وطبيعة العلاقات بينهما بشكل أكثر تفصيلاً فيما يلي:
(&) دول القرن الإفريقي: يتميز القرن الإفريقي بموقع جغرافي متميز، حيث يطل علي البحر الأحمر وخليج عدن، الأمر الذي يجعلها منطقة ذات أهمية استراتيجية واقتصادية وعسكرية للتغلغل الإيراني وتوسيع علاقاته مع دول القرن الإفريقي، الذي يشمل، إريتريا، وإثيوبيا، والصومال، وجيبوتي، ويتم استعراض العلاقات الإيرانية مع القرن الإفريقي، كالتالي:
1- إريتريا: نظرًا لموقع إريتريا الاستراتيجي المتميز، سعت طهران لتكوين علاقات قوية مع أسمرة، حيث توصلت إلي اتفاق يهدف إلي بناء طهران قاعدة عسكرية لها في “ميناء عصب” الذي يعد من أهم الموانئ البحرية الحيوية، نظرًا لقربه من مضيق بابا المندب وخليج عدن، في مقابل تقديم إيران مساعدات اقتصادية لأسمرة، وسعت طهران لاستغلال قدرتها العسكرية والسياسية مع أسمرة لمواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة، فضلاً علي اعتراض المرور عبر “مضيق باب المندب”، لدعمها الحوثي عسكريًا، واستهداف شفن الشحن الدولي المتوجهة لإسرائيل.
2-إثيوبيا: تربط طهران وأديس أبابا علاقات قوية، فضلاً عن التعاون الاقتصادي بين البلدين، إضافة إلي أن إيران تعد شريكًا أمنيًا لأديس أبابا، نظرًا لمساعدة طهران العسكرية لـ “آبي أحمد” في المواجهات العسكرية بين الحكومة الإثيوبية ومتمردي جبهة تحرير تيجراي، كما تتعاون البلدين في مجال مكافحة التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن دعم إثيوبيا امتلاك طهران للسلاح النووي.
3-الصومال: من المعروف أن الصومال يتمتع بموقع استراتيجي مميز في خليج عدن، الذي يعد مركز مهم لعبور الأسلحة، لذلك قامت طهران بتدريب وتسليح حركة الشباب الإرهابية، بهدف إحباط الأهداف الغربية لا سيما الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في القرن الإفريقي، وتستمر إيران في تقديم الدعم المادي والمالي واللوجيستي للحركة، كما تعمل إيران علي نشر الشيعة في البلاد، الأمر الذي أدي إلي تعقيد العلاقات الإيرانية-الصومالية.
4-جيبوتي: استعادت إيران علاقاتها مع جيبوتي في سبتمبر 2023، بعد أن قطعت علاقاتها مع إيران قبل سبع سنوات بعد طلب من الرياض، عقب استعادتها للعلاقات مع السعودية في أوائل عام 2023.
(&) دول غرب إفريقيا: تربط طهران بدول غرب إفريقيا لاسيما النيجر وبوركينا فاسو ومالي علاقات ودية، وخاصة في عهد الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي”، حيث سعي رئيسي لتوسيع نفوذ طهران في غرب إفريقيا من خلال معارضته للهيمنة الغربية، لاسيما فرنسا والولايات المتحدة، واستغلال التراجع الغربي علي آثر الانقلابات العسكرية التي شهدتها هذه الدول، لتعزيز التعاون الإيراني في المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، إضافة العلاقات القوية مع نيجيريا، ويتم توضيح ذلك فيما يلي:
1-النيجر: تعد النيجر من أكثر الدول الوفيرة بالثروات الطبيعة، حيث تمتلك رواسب اليورانيوم والفحم والذهب، الأمر الذي جعلها محط أنظار لإيران، وخاصة بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته نيامي، حيث تحاول طهران استغلال الوضع لتعزيز وجودها في النيجر؛ ساعية إلي توقيع اتفاق مع نيامي لحصولها علي احتياطات اليورانيوم النيجيرية، لسد النقص الذي قد تحتاجه لتطوير برنامجها النووي مستقبلاً مقابل إرسال أسلحة إيرانية إلي نيامي، إضافة إلي الاتفاق علي تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، لا سيما السياسية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، مع الحرص علي تبادل الزيارات الرسمية بين البلدين لتقوية العلاقات.
2-بوركينا فاسو: تعد بوركينا فاسو شريكًا جديدًا لإيران، منذ سيطرة المجلس العسكري الحالي علي البلاد في سبتمبر 2022، حيث تم توقيع عدة اتفاقيات في أكتوبر 2023 بين طهران والمسئولين في وأغادوجو في مجالات الطاقة والتعدين والأدوية والتدريب المهني.
3-مالي: تربط مالي وإيران علاقات ودية، وقد زار “ساديو كامارا” وزير الدفاع لشؤون المحاربين القدامي في مالي في مايو 2023، وأكدت إيران آنذاك قدرتها علي تزويد باماكو بالمعدات العسكرية وتبادل الخبرات لمكافحة التنظيمات الإرهابية المتحالفة مع حركة الطوارق.
4–نيجيريا: هناك علاقات قوية بين طهران ونيجيريا، حيث تعد أبوجا ثالث أكبر شريك تجاري لإيران في القارة بعد جنوب إفريقيا وكينيا، ولكن قد يؤدي الدعم الإيراني العلني للحركة الإسلامية النيجيرية إلي تهديد الأمني النيجيري، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلي توتر العلاقات بين البلدين، لذلك هناك إزدواجية في العلاقات بين طهران وأبوجا، وخاصة في حال تدهور الأمن في نيجيريا بسبب أنشطة الحركة، من المتوقع أن العلاقات الإيرانية-النيجيرية سوف تتدهور.
(&) دول جنوب إفريقيا: نظرًا لأهمية دول جنوب إفريقيا، سعت طهران إلي تعزيز علاقاتها مع جنوب إفريقيا وزيمبابوي، كالتالي:
1-جنوب إفريقيا: هناك علاقات قوية بين جنوب إفريقيا وإيران، نظرًا لدعم بريتوريا لمساعي طهران بامتلاك البرنامج النووي، إضافة إلي انضمام جنوب إفريقيا إلي التصويت بالإجماع في البريكس لدعوة انضمام إيران إلي الكتلة. كما تدافع بريتوريا عن مصالح طهران في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، فضلاً عن عرقلة مساعي إسرائيل التواصل مع الدول الإفريقية. كما قد رفعت جنوب إفريقيا قضية إبادة جماعية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.
يضاف إلي ما سبق، العلاقات الاقتصادية القوية بين بريتوريا وطهران، حيث صدرت إيران في الفترة من 2022-2023 بضائع بقيمة 304 ملايين دولار تقريبًا إلي جنوب إفريقيا، إضافة إلي توقيع البلدين اتفاقيات تعاون عسكري.
2-زيمبابوي: وقعت طهران وهراري العديد من الاتفاقيات خلال رئاستي “أحمدي نجاد” و “رئيسي”، حيث سعت إيران للحصول علي مخزونات اليورانيوم في زيمبابوي، ولكن إلي الآن لم تحصل طهران علي اليورانيوم، وفي يوليو 2023، قد زار “رئيسي” زيمبابوي، والتقي مع بمنانجاجوا، وقعت البلدين علي 12 اتفاقية تعاون في مختلف المجالات غير العسكرية، من بينهم اتفاقيات الطاقة والاتصالات السلكية واللاسلكية والتكنولوجيا، فضلاً عن توقيع اتفاق مشترك بين البلدين؛ لإنشاء شركة لتصنيع الجرارات في زيمبابوي، والي الآن لم يتم تنفيذ هذه المشاريع.
(&) دول شرق إفريقيا: تحاول إيران تقوية علاقاتها مع دول شرق إفريقيا، لاسيما أوغندا وكينيا، ويتم توضيح ذلك فيما يلي:
1-أوغندا: تعد أوغندا من الدول الغنية بالموارد الطبيعية، مثل الذهب واحتياطات النفط والغاز غير المستغلة، والتي تحاول إيران إقناع أوغندا باستخراجها، لذلك قام “رئيسي” بزيارة كامبالا في يوليو 2023، ووقع من خلالها أربع اتفاقيات من بينهم التعاون الزراعي، كما أعلن سفير إيران لدي أوغندا أنه تم التوقيع علي 11 مذكرة تفاهم، من بينهم مقترحات للتعاون في مجال استخراج الموارد الطبيعية، كما أكد “رئيسي” أن إيران مستعدة لبناء مصفاة للنفط، والتي تهدف إلي تعزيز إنتاج أوغندا من النفط بمقدار 60 ألف برميل يوميًا، ولكن كامبالا رفضت العرض، الأمر الذي يؤكد حذر أوغندا من تعاونها مع طهران.
2-كينيا: تعد كينيا موقعًا إستراتيجيًا مهمًا بالنسبة لطهران، حيث أن ميناءها الرئيسي في “مومباسا” يشكل مركزًا بالغ الأهمية في المنطقة، كونها دولة مستقرة نسبيًا. لذلك تعد كينيا أول الدول التي سعي “رئيسي” لعقد علاقات تجارية وتكنولوجية متبادلة معها منذ عام 2021، وقد سعي “رئيسي” لتقوية العلاقات بين البلدين من خلال زيارته لنيروبي في عام 2023، تضمنت الزيارة الاتفاق علي إنشاء مصنع لتصنيع السيارات في مدينة مومباسا الساحلية، وغيرها من المشاريع الاقتصادية.
(&) دول شمال إفريقيا: تربط إثيوبيا بدول شمال إفريقيا علاقات قوية لاسيما الجزائر والسودان، ويتم استعراض طبيعة العلاقات كالتالي:
1-الجزائر: تربط الجزائر وطهران علاقات قوية، نظرًا لأهمية الجزائر الدولة الأكبر في البحر الأبيض المتوسط، والأكبر مساحة في إفريقيا، لذلك تحرص إيران علي تعزيز العلاقات معها، خاصة وأن الجزائر تقف إلي جانب طهران في قضية برنامجها النووي، فضلاً عن المشاعر المُعادية لإسرائيل من جانب البلدين.
2-السودان: نالت السودان اهتمامًا كبيرًا من جانب إيران؛ نظرًا لموقعها الجيوسياسي المتميز، لذلك سعت طهران إلي تعزيز علاقاتها مع السودان، بعد عودة العلاقات في أكتوبر 2023 بعد انقطاع دام لمدة سبع سنوات، حيث قامت طهران بتزويد الجيش السوداني بطائرات بدون طيار إيرانية الصنع في حربه ضد ميليشيا “الدعم السريع” في محاولة للحصول علي قاعدة بحرية إيرانية في بورتسودان لكي تتمكن من تزويد الحوثي بالسلاح. كما اتفقت السودان وإيران علي إكمال فتح سفارتي البلدين، فضلاً عن بحث سبل التعاون في مختلف المجالات.
الأهداف الإيرانية تجاه إفريقيا:
في الفترة الأخيرة من عهد الرئيس الراحل “إبراهيم رئيسي”، حظت إفريقيا باهتمام مُتزايد، بعد انقطاع دام أكثر من 10 سنوات، وذلك لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الإيرانية التي تتطلع إلي تعزيز وتوسيع نفوذها في القارة، من خلال عقد الاتفاقيات التجارية والاقتصادية والعسكرية، ويتم توضيح أهداف طهران في إفريقيا، كالتالي:
(*) التحكم في الممرات المائية: يرجع تطلع “رئيسي” لتقوية علاقات بلاده مع الدول الإفريقية، إلي موقعها الاستراتيجي المتميز الذي يتحكم في مضيق “بابا المندب” والذي يصل إلي البحر الأحمر وخليج عدن المطل علي المحيط الهندي، الذي قد يجعل إيران ذات نفوذ إقليمي ودولي، ويجعلها تتحكم وتؤثر في أمن واستقرار مضيقي “هرمز” و “بابا المندب” معًا، فضلاً عن التحكم في حركة التجارة العالمية، وخاصة بعد صعود دور الحوثي في البحر الأحمر.
(*) تعزيز التعاون الاقتصادي: يعد العامل الاقتصادي عاملاً مهمًا في تطلعات طهران الاقتصادية تجاه الدول الإفريقية الغنية بالثروات الطبيعية، مثل الذهب والغاز والنفط واليورانيوم، لذلك تحاول طهران التوسع وتعزيز علاقاتها التجارية في القارة، حيث افتتحت 8 مراكز تجارية في إفريقيا بين عامي 2022 و 2023، منها في كينيا وتنزانيا وأوغندا.
كما تحاول طهران توسيع حجم صادراتها، حيث وصل حجم صادراتها في إفريقيا إلي 1.28 مليار دولار، في حين ترغب إيران في تحقيق زيادة قدرها عشرة أضعاف لتصل صادراتها إلي 12 مليار دولار، لذلك وقعت طهران علي 21 اتفاقية في مختلف القطاعات القطاعات مثل النفط والطاقة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والزراعة والطب خلال زيارة رئيسي إلي كينيا وأوغندا وزيمبابوي، وبالتالي قد تتجاوز العقوبات الدولية المفروضة عليها منذ أكثر من 4 عقود بالتعاون الاقتصادي في القارة السمراء.
(*) تخفيف العزلة الاقتصادية والسياسية لطهران: قد يكون اتجاه طهران لتقوية علاقاتها مع الدول الإفريقية، يرجع إلي تخفيف آثار عزلتها الاقتصادية والسياسية، ولذلك تحاول طهران بناء العديد من التحالفات الجديدة مع الدول الإفريقية التي تمكنها من مواجهة النفوذ الغربي وخاصة الأمريكي المرتبط ببرنامجها النووي.
(*) الحصول علي اليورانيوم: تحاول إيران استخدام صادراتها العسكرية في إفريقيا، مقابل الحصول علي احتياطيات اليورانيوم في النيجر لتعويض النقص في اليورانيوم المستخرج من المناجم، خاصة وأن النيجر تعد سابع أكبر دولة منتجة لليورانيوم في العالم، لذلك تحاول طهران منذ نهاية عام 2023 التفاوض مع نيامي للحصول علي 300 طن من اليورانيوم مقابل حصولها علي طائرات بدون طيار وطواريخ أرض جو، وتمثل هذه الكمية من اليورانيوم الإنتاج المحلي لإيران عام 2019، وبذلك تعد إيران من الدول المحدودة في إنتاج اليورانيوم بالمقاربة بالدول الأخرى، الأمر الذي يُعيق من استكمال وتطوير برنامجها النووي علي المدى البعيد.
(*) تعزيز التعاون العسكري والأمني: يعد التعاون العسكري والأمني جزء كبير من استراتيجية طهران تجاه إفريقيا، لذلك قد تسعي إيران لبيع الأسلحة للدول التي تعاني من اضطرابات أمنية في ظل الفراغ الأمني الذي خلفته فرنسا، والذي من شأنه أن يؤدي إلي تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية، لاسيما في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
(*) توسيع النشاط الدبلوماسي: تحاول طهران من توسيع نشاطها الدبلوماسي في إفريقيا، لذلك بدأت بعودة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية وجيبوتي والسودان، كما استضافت طهران في الفترة من 26 إلي 29 أبريل الماضي، ممثلين من أكثر من 40 دولة إفريقية خلال القمة التجارية الثانية بين إيران وإفريقيا، في إشارة إلي إعادة إحياء وتفعيل دبلوماسية القمم المشتركة مع إفريقيا، وبالتالي توسيع نشاطها الدبلوماسي مع هذه الدول.
(*) توسيع نفوذ طهران إلي خارج الشرق الأوسط: يأتي من ضمن دوافع إيران لتوسيع نفوذها في إفريقيا، هو طموحها بتمديد نفوذها خارج الشرق الأوسط، وخاصة المناطق المجاورة لها، وهو ما تخشاه الولايات المتحدة؛ لأن كلما توسعت طهران سياسيًا واقتصاديًا، كلما تمكنت من استكمال برنامجها النووي.
(*) نشر الفكر الشيعي: سعت إيران إلي افتتاح جامعات ومراكز تابعة لها في دول القرن الإفريقي، في محاولة لنشر الفكر الشيعي في دول تسكنها غالبية مسلمة، الأمر الذي يسهم في توغل طهران في الدول الإفريقية.
مستقبل العلاقات الإيرانية-الإفريقية:
تثار التساؤلات حول مستقبل العلاقات الإيرانية-الإفريقية بعد رحيل “رئيسي”، وما إذا كانت السياسة الخارجية الإيرانية تتغير بتغير الرؤساء، وخاصة أن العلاقات مع دول القارة السمراء في عهد “رئيسي” اتسمت بعودة العلاقات والتعاون في مختلف المجالات، وذلك بعد سنوات من القطيعة في عهد الرئيس السابق “حسن روحاني”.
وعليه، فإن سلطات الرئيس الإيراني تنحصر في صلاحيات تنفيذية مقيدة وفقًا للدستور، عكس المرشد الأعلى فهو المتحكم في وضع السياسة الخارجية الإيرانية، ولكن هناك عامل مهم في نجاح سياسة “رئيسي” في تعزيز وتوسيع علاقات بلاده مع إفريقيا، تتسم في اتفاق رئيسي والمرشد في العديد من الملفات الداخلية والخارجية، الأمر الذي نتج عنه توقيع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية وغيرها في القارة السمراء.
ومما سبق، فمن المتوقع من الرئيس القادم سواء الرئيس المؤقت “محمد مُخبر” أو المرشحين الآخرين مثل محمد باقر قاليباف، محمود أحمدي نجاد، علي لاريجاني، علي أكبر صالحي، وغيرهم، الحفاظ علي النجاحات والاتفاقيات التي حققتها “رئيسي” قبل رحيله، وخاصة في الدول التي تعاني انقلابات عسكرية، وتصاعد في نشاط التنظيمات الإرهابية في دول غرب ووسط إفريقيا لا سيما النيجر ومالي وبوركينا فاسو، إضافة إلي استغلال الدول التي تعاني من تدهور في الأوضاع الأمنية، مثل السودان، فضلاً عن التغلغل في دول إفريقية أخري تحقق مصالح طهران الاقتصادية والعسكرية، وقد تحاول إيران بتولي الرئيس القادم التنسيق مع روسيا لتوسيع نفوذهما وتقسيم مناطق النفوذ؛لتحقيق توازن استراتيجي أمام منافسيهما فرنسا والولايات المتحدة، كما سيكون بيع الأسلحة الإيرانية لدول غرب إفريقيا، من أهم خطواتها لمواجهة التنظيمات الإرهابية، ومضاعفة حجم صادراتها من بيع الأسلحة.
وختامًا، يمكن القول إن السياسة الخارجية الإيرانية لم تشهد أي تغيرات جذرية تجاه إفريقيا بعد رحيل “رئيسي”، ومن المتوقع من الرئيس الإيراني الجديد أن يكمل مسيرة “رئيسي” في تعزيز العلاقات الإيرانية-الإفريقية في مختلف المجالات، وخاصة العسكرية والاقتصادية؛ للتخفيف من عزلتها والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، فضلاً عن إمكانية إقامة تحالفات جديدة مع دول القارة السمراء، وقد يحاول الرئيس القادم جعل إيران قوة إقليمية قوية في المنطقة بالتعاون مع روسيا والصين؛ لكي تكون قادرة علي التنافس مع القوي الغربية المُعادية لها، وخاصة الولايات المتحدة لتطوير برنامجها النووي.