هل تتغير السياسة الإيرانية تجاه دول الخليج بعد رئيسي؟
في الـ20 من مايو الجاري 2024، أعلنت إيران رسميًا عن نبأ وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ومعه وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان، وعدد من المسئولين الإيرانيين، بعد سقوط المروحية التي كانت تقلهم أثناء عودتهم من أذربيجان الشرقية يوم الأحد 19 مايو. وطبقاً للدستور الإيراني، وبموافقة القيادة تم انتقال صلاحيات ومسئوليات السلطة إلي محمد مُخبر، النائب الأول لرئيسي، وذلك لحين إجراء انتخابات رئاسية خلال 50 يومًا. كما تم تكليف علي باقري، للقيام بمهام وزير الخارجية، إذ كان يشغل منصب مساعد وزير الخارجية للشئون السياسية.
لقد أثار خبر وفاة رئيسي، وحسين عبداللهيان، العديد من التساؤلات حول مستقبل السياسة الإيرانية بشكل عام وتجاه دول منطقة الخليج العربي بشكل خاص، وما إذا كان غيابهما سيؤثر علي مستقبل العلاقات الإيرانية الخليجية، خاصة بعد الانفراجة الكبرى التي حدثت في العلاقات مع دول الجوار الخليجي، لاسيما السعودية والمصالحة التي تمت بينهما برعاية الصين في مارس 2023، ما أدي إلي تغييرات هامة في الدبلوماسية الإيرانية وكذلك في العديد من الملفات الحيوية في المنطقة.
وعليه، يطرح هذا التحليل تساؤل مركزي، هو: ما مستقبل العلاقات الإيرانية الخليجية، وحدود تغيرها بعد وفاة رئيسي؟
طهران والخليج في عهد رئيسي:
شهدت العلاقات الإيرانية الخليجية منذ تولي الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، رئاسة الجمهورية الإيرانية في أغسطس 2021، تطوراً تدريجياً إيجابياً بشكل ملحوظ، والتي بدأت برفع مستوي التمثيل الدبلوماسي مع الإمارات العربية المتحدة والكويت، ثم جاءت المصالحة الإيرانية السعودية برعاية الصين في مارس 2023، بعد سنوات من القطيعة، وعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ما فتح المجال أمام جولة لوزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان في يونيو من العام ذاته، لزيارة عدد من دول الخليج منها الإمارات، والكويت، وقطر، وسلطنة عُمان، لذلك لُقب عبداللهيان بمهندس تطبيع العلاقات مع الجانب الخليجي ولاسيما السعودي. كما أدت تلك التحركات الدبلوماسية إلي انفراجة كبري في العلاقات الإيرانية الخليجية، وذلك بالتركيز من قبل الجانبين علي القواسم المشتركة واتباع سياسة تصفير المشكلات، والحفاظ علي مبدأ حسن الجوار إلي حد كبير، بدلاً من العزف علي الخلافات والصراعات.
ولعل أبرز ما يشغل إيران في الوقت الراهن علي مستوي الملفات الخارجية بعد رحيل إبراهيم رئيسي، هو ملف العلاقات مع دول الخليج العربي، وكما هو معلوم أن الصوت الحاسم في ملفات الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيرانية بشكل عام، يتمثل في المرشد الأعلى، وقيادات الحرس الثوري. لذا من المرجح ألا تتأثر السياسات الإقليمية الإيرانية، كون أن المرشد والحرس الثوري ستظل لهما هيمنة وسيطرة كبيرة على هذا الملف وغيره، وبالتالي ستكون تلك السياسات كما هي ولن تتغير إلا بحدوث تغييرات كبري في الإقليم من شأنها أن تضر بمصالح إيران بشكل كبير.
كما أنه من المرحج أيضاً خلال الأسابيع القليلة المقبلة، أنه سينصب الاهتمام الإيراني علي الشأن الداخلي وانتخاب رئيس البلاد. كما أن إبراهيم رئيسي قد ترك إرثاً يعزز عدم المواجهة الشاملة علي المستويين الإقليمي والدولي، وعلي الرغم من انتمائه الشديد إلي المعسكر المتشدد، إلا أنه قد استطاع في ذات الوقت أن يفتح قنوات أوسع من التواصل والتوافق مع معظم الأطراف الخليجية.
تحركات محفزة:
تشير المعطيات حتى الآن إلي ميل إيران ودول الجوار الخليجي إلي دعم حالة السلم والاستقرار في المنطقة، وتعكس رغبتهم المشتركة أيضا في تعزيز علاقات التعاون والتنمية، ومد جسور التواصل، فالحضور الخليجي الواسع في جنازة الرئيس الإيراني، وكذلك التصريحات المتبادلة تؤكد هذه الرغبة. وعلي طهران أن تنتهز تلك الفرصة وتمضي قدماً في تحسين علاقاتها بالجانب الخليجي بشكل كبير. فقد انهالت رسائل التضامن والتعزية وإبداء مشاعر الحزن والآسي من كافة زعماء دول الخليج العربي ووزراء خارجيتهم كالسعودية وقطر والإمارات والكويت وسلطنة عُمان وحتى البحرين التي لا تزال في حالة قطيعة للعلاقات الدبلوماسية مع إيران، إلا أنها بعثت وزير خارجيتها عبد اللطيف الزياني لتقديم واجب العزاء باسم الملك والحكومة والشعب، وهذه الزيارة للبلاد هي الأولى منذ 13 عام، كما بعث ملك البحرين أيضاً برقية تعزية للمرشد الأعلى الإيراني. ذلك إلي جانب مستوي الوفود الرفيعة بشكل عام من الخليج إلي طهران لتقديم واجب العزاء، مع إبداء استعدادهم لتقديم كافة أشكال المساعدة أثناء البحث عن مروحية الرئيس ومرافقيه، ولعل هذا ما يعرف ب “دبلوماسية الأزمات” والتي من شأنها أن تزيد من فرص التقارب وفتح المزيد من قنوات الاتصال والدعم بين الدول، ما قد يعني تعزيز مبدأ حسن الجوار، والعمل المشترك. والذي من شأنه أن يصبح سبباً لدعم العلاقات الإيرانية الخليجية التي أخذت مسار التحسن في عهد إبراهيم رئيسي.
وطبقاً للخبراء والباحثين، فإن هناك آمالاً خليجية تجاه إيران، بأن تستثمر اللحظة التي تمر بها المنطقة من أحداث متلاحقة، لمواصلة المزيد من دعم حالة السلم والاستقرار، والتوقف عن التدخل في الشئون الداخلية لدول المنطقة، وأن لغة الحوار هي اللغة الُمثلي لحلحلة كافة الملفات والقضايا الخلافية بين الجانبين. كما أن العلاقات بينهما تشمل جوانب عديدة سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً، إلي جانب البعد الجغرافي، لذا فالتوافق والسلام مكسب لجميع الأطراف، وهو الأمر ذاته الذي أكده المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي لدى استقباله أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مشيراً إلى أنه “لا خيار أمام دول المنطقة سوى التآزر والوئام”.
مسار مُرجح:
من المعروف عن السياسية الإيرانية، أنها لا تتغير بتغير الرؤساء، وأن إيران دولة مؤسسات لا أشخاص، ولا تتوقف مسيرتها السياسية برحيلهم، وهذا الخبر الصادم بالرحيل المفاجئ للرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته عبداللهيان، لن يغير من توجهات طهران التي تقوم علي تفعيل مبدأ المصلحة أولاً “البراغماتية النفعية” في علاقاتها الخارجية. ولكن لا يمكن إنكار حقيقة أنه برحيل رئيسي وعبداللهيان، تفقد إيران رجلين مهمين في بناء شبكة علاقات دبلوماسية قوية في المنطقة. وفي تصريح للقيادي في الحرس الثوري الإيراني، محسن رضائي عن دور رئيسي ووزير خارجيته فقد وصفه بـ “تعزيز الانفتاح الإيراني مع دول المنطقة والعالم” وأضاف بأن “نهج إبراهيم رئيسي الذي يتضمن فتح أبواب الدبلوماسية أمام الجميع سيستمر”. ولعل هذا ما أراد المرشد الأعلى التأكيد عليه منذ اللحظة الأولي لوقوع الحادث، حيث دعا “الإيرانيين للاطمئنان وعدم القلق، وإدراك أن أمور الدولة ستسير من دون تغيير”. وبحسب هذه التصريحات، فإنها تشير إلي أن مرحلة ما بعد رئيسي لن يطرأ عليها أية تغييرات لاسيما في الملفات الخارجية.
كما أكد المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران، أن “مسار السياسة الخارجية الإيرانية، سيستمر بكل قوة وبتوجهات من المرشد الأعلى نفسه، حيث استمرار العداء لإسرائيل، وتقديم الدعم للفلسطينيين، والمحافظة على الميل شرقاً، عبر تعزيز العلاقات مع كل من روسيا والصين، إضافة إلى المحافظة على العلاقات الجديدة مع دول الخليج العربي”. وبالطبع أياً من يكن خليفة لرئيسي في سدة الحكم، فلن يكون الصوت الحاسم في مسائل السياسة الخارجية والأمن القومي وصنع القرار، لأن هذه العملية تبقي في يد المرشد الأعلى الإيراني.
ولكن يجب التنويه إلي أنه من المبكر القفز الحتمي إلي سيناريو واحد في المرحلة الحالية، خاصة أن أذرع إيران في المنطقة ما زالت محط خلاف مع دول الجوار الخليجي، إلي جانب أن الوضع الإقليمي بشكل عام متوتر للغاية وقاب قوسين أو أدني من اندلاع مواجهة ما بين إيران والكيان الصهيوني، ولقد ظهر مؤخراً حالة من عدم الالتزام بالقواعد القديمة للاشتباك فيما بينهما والمتمثلة في الضربات السرية من جانب الكيان المزعوم والرد غير مباشر من خلال الأذرع الإيرانية في الإقليم.
ختاماً، الثابت في السياسة الخارجية الإيرانية، أن صناعة القرار الإيراني تبدأ وتنتهي من المرشد الأعلى الإيراني، لكن المهم أيضاً تحديد قدرة الأشخاص المنوط بهم تنفيذ هذا القرار، من حيث المرونة وفتح قنوات للاتصال وتمهيد السُبل، وهو ما يشير إلى أن طهران ستكون محط أنظار العالم في الأيام القادمة، ومن سيكون خليفة رئيسي، هل هو من المتشددين أم من الإصلاحيين؟ وهل سيكون علي نفس القدر من المرونة والذكاء الدبلوماسي؟، خاصة فيما يتعلق بملف العلاقات الإيرانية الخليجية، والذي من مصلحة إيران أن تستثمر ايجابياً فيه بشكل كبير.