الموقف الأردني من العدوان على غزة

اتخذ الأردن منذ بدء الحرب على غزة موقفًا واضحًا تجاه مخطط إسرائيل لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء، ومن الضفة الغربية إلى الأردن، حيث أكدت بشكل حازم عن رفضها لمحاولة تصفية القضية الفلسطينية على حساب أمنها القومي، وقد شدد العاهل الأردني ومسئولون أردنيون أكثر من مرة على رفضهم لأي خطوة من شأنها أن تؤدي لتصاعد وتوسع الصراع والذي سيؤدي بدوره إلى تدفق اللاجئين من الضفة الغربية إلى داخل الحدود الأردنية.

وبناء على ما تقدم يحاول هذا التحليل الاجابة عن التساؤلات الآتية: ما هي طبيعية العلاقات الأردنية الفلسطينية؟، كيف تُشكل حرب غزة تهديدًا للأمن القومي الأردني ؟ ما هي الجهود المبذولة من الأردن لحل الازمة الفلسطينية ؟

ارتباطات سابقة   

مرت العلاقات الفلسطينية الأردنية بمراحل ومحطات هامة منذ بدء التفكير فى إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين والتى كان لها أثر واسع في تطور هذه العلاقات حيث يعيش الأردن القضية الفلسطينية بأدق تفاصيلها.

(*) الوصاية الهاشمية: لا ترتبط المملكة الأردنية بفلسطين عن طريق الحدود الجغرافية فقط، بل ساهم الهاشميون منذ عام 1924 في ترميم الأماكن المقدسة بمدينة القدس على يد “الشريف حسين بن علي”، حيث تبرع بمبلغ 24 ألف ليرة ذهبية وسمي ذلك بـ”الإعمار الهاشمي الأول ” ليُبايع بعد ذلك وصيًا على القدس وذلك بناء على ما يوصف أنه عقد شرعى وأخلاقي مستمد من دور الهاشميين والممتد في إدارة شئون المقدسات بمكة المكرمة قبل ذلك التاريخ.

كما بدأت الوصاية الأردنية الهاشمية ليس فقط على المقدسات الاسلامية بل على المقدسات المسيحية أيضًا في عهد مؤسس المملكة الأردنية الملك الراحل عبدالله بن الحسين ولاتزال مستمرة حتى الآن رغم الاحتلال ووفقًا للقانون الدولى “لا يحول الاحتلال دون حقوق الملكية ” فعقب احتلال القدس الشرقية عام 1967 سرعان ما آلت الوصاية والسيطرة على الحرم القدسى الشريف للأردن مجددًا وذلك بموجب قرار مجلس الأمن رقم 242 .

وتشرف وزارة الاوقاف الأردنية على 144 من المقدسات الواقعة في مدينة القدس بالإضافة الى المقدسات المسيحية حيث ساهم الأردن فى إعمار كنيسة القيامة عام 1967.

(*) الموقف الفلسطينى من الوصاية الهاشمية: تعترف الحكومة الفلسطينية بالوصاية الهاشمية وتؤيدها حيث احتفظت الأردن بمسؤولياتها عن الأوقاف الاسلامية والمقدسات حتى بعد قرار الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات وملك الأردن الراحل الحسين ابن طلال بفك الارتباط 1988، حيث كانت الضفة الغربية خاضعة للإدارة الأردنية منذ عام 1955 ، ومن أجل حفاظ الأردن على وصايتها قامت بعقد اتفاقية عام 2013 مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والتى سميت باتفاقية “حماية الاماكن المقدسة في القدس” والتي أكدت على استمرار وصاية عبدالله الثانى ملك الأردن على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.

(*) الموقف الاسرائيلى من الوصاية الهاشمية: رسميًا اعترفت إسرائيل بحق الأردن في الإشراف على الشئون الدينية في القدس حسب نص المادة التاسعة من اتفاقية وادى عربة بين البلدين عام 1994، أن تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص بالمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائى ستولي إسرائيل أولوية كبرى لدور المملكة التاريخي في هذه الاماكن.

ويسعى الاحتلال الاسرائيلى مؤخرًا لسحب الوصاية الأردنية حيث ناقش الكنيست في العام الماضى مشروع قرار قدمه النائب اليمينى المتطرف موشيه فيجلين يطالب بنقل السيادة على المسجد الأقصى إلى الحكومة الإسرائيلية لكن الكنيست فشل فى تمرير هذا القرار وقد حذرت المملكة الأردنية من تداعيات سحب الوصاية الأردنية على المسجد الاقصى.

خيارات استراتيجية

تعتبر مساعي الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية أحد أهم التحديات التي تواجه الأمن القومي الأردني وذلك في ظل العلاقة الأزلية بين الشعبين الأردني والفلسطينى ويبرز ذلك من خلال:

(&) الموقف من التهجير: حذر العاهل الأردني الملك عبد الله الثانى من أي محاولة لتهجير الفلسطينين إلى الأردن أو التسبب في نزوحهم وشدد على عدم تصدير أزمة الاحتلال إلى دول الجوار ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية ومفاقمة قضية اللاجئين، كما أكد على ضرورة توافر شروط التهدئة والاحتواء والابتعاد عن سيناريو اتساع رقعة العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، وقد جاء ذلك بعد إلقاء جيش الاحتلال الإسرائيلى منشورات يطالب فيها سكان قطاع غزة بالنزوح من الشمال إلى الجنوب.

وتتمثل مشكلة التهجير القسرى للفلسطينيين فى زيادة تفاقم مشكلة اللاجئين التي يعاني منها الأردن حيث يشكل اللاجئون الفلسطينيون في الأردن أعلى نسبة من مجموع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في مناطق عمليات الأونروا الخمس، فنجد أنه فى حرب 1948 فر نحو 700 ألف فلسطيني إلى الأردن، وفى حرب 1967 واحتلال إسرائيل للضفة الغربية فر نحو 300 ألف فلسطيني آخر معظمهم اتجه إلى الأردن.

(&) تداعيات مشكلة اللجوء: يبلغ عدد اللاجئيين الفلسطينيين الآن ما يقرب من مليوني لاجئ وفق بيانات الأمم المتحدة، ويبلغ عدد مخيمات اللاجئين الفلسطينين في الأردن ثلاثة عشر مخيمًا رسميًا، وقد عامل الأردن الفلسطينيين على أراضيه كمواطنيين أصليين على الرغم من التحديات الاقتصادية.

وتكمن الخطورة في الوضع الراهن في احتمالية توسيع حركة اللجوء وتقويض حل الدولتين وتوسيع رقعة الصراع، مما يمثل تهديدًا صريحًا للأمن القومي الأردني وذلك من خلال تحويل الأردن إلى منطقة للعمليات العسكرية للفصائل الفلسطينية مثلما حدث فيما عرف بأيلول الاسود أو الحرب الاهلية الأردنية حيث أنه بعد فقد الأردن السيطرة على الضفة الغربية قام عناصر المقاومة الفلسطينية بنقل قواعدهم إلى الأردن وصعدوا هجماتهم على الأراضي المحتلة وقد انتهت هذه الحرب بالانتصار الأردني الفلسطيني المشترك عام 1968، مما أدى لزيادة الدعم المقدم للمقاومة الفلسطينية في الأردن للحد الذي جعل فصائل تتدخل في الشأن السياسي الأردني، وبالتالي فإن محاولة تهجير مزيد من الفلسطينيين الآن يعني تهديد الاستقرار في المنطقة والمصالح الفلسطينية والأردنية لصالح مخطط الاحتلال.

(&) مشكلة الموارد المائية مع إسرائيل: أدى وجود وتحركات إسرائيل في المنطقة إلى تهديد الأمن المائي العربي وخاصة المملكة الأردنية حيث تعاني عمّان من نقص حاد فى الموارد المائية مما دفع الأردن لتوقيع اتفاقية مع إسرائيل والإمارات عام 2022 وتتضمن أن تقوم الإمارات ببناء محطة لتحلية المياه في إسرائيل لتزويد الأردن بالمياه وفى الوقت نفسه ستبنى الامارات مزرعة ضخمة للطاقة الشمسية في الصحراء الأردنية وستوفر نسبة من استهلاك إسرائيل للكهرباء.

ووفق اتفاقية وادي عربة السابق ذكرها تتلقى الأردن إمدادات مائية من بحيرة طبرية التي تتحكم بها إسرائيل وتقوم الحكومة الأردنية بشراء المياه من إسرائيل والتي تدعى أنها تعاني من نقص فى المياه على الرغم من هيمنتها على الموارد المائية وحوض نهر الأردن، وقد قام الأردن بتوقيع اتفاقية مع إسرائيل في أكتوبر 2021 وذلك لشراء 50 مليون متر مكعب إضافية من المياه.

جهود الأردن لوقف الحرب فى غزة 

أعلنت المملكة الأردنية منذ بداية الحرب على غزة دعمها  لفلسطين والتأكيد على الحق في إقامة دولة مستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967، ويمكن استعراض جهود عمّان لوقف العدوان على النحو التالي:

(#) الدعم الإنساني: منذ بدء الحرب على غزة وجه الملك عبد الله الثانى بإرسال المساعدات الانسانية و الإغاثية بشكل عاجل إلى مطار العريش، بالتنسيق مع جمهورية مصر العربية وذلك بهدف إدخالها إلى القطاع عبر معبر رفح.

وأعلن الأردن تبرعه  بمبلغ 4.3 مليون دولار لدعم عمليات الأونروا في قطاع غزة في أكتوبر الجاري، وقد أكد المفوض العام للأونروا أن هذه المساعدة هي الأولى من نوعها نقدًا في تاريخ الأونروا.

وقامت الإذاعات الأردنية بتوحيد بثها باللغتين العربية والإنجليزية لجمع التبرعات لإغاثة سكان قطاع غزة ضمن سلسة حملات نظمتها مجموعة الراية الإعلامية التابعة للقوات المسلحة الأردنية بالتعاون مع الهيئة الخيرية الهاشمية .

برلمانيًا، أقر المكتب الدائم في مجلس النواب الأردني في أولى اجتماعاته برئاسة أحمد الصفدى رئيس مجلس النواب اقتطاعات مالية من مخصصات النواب دعمًا للأهالي في قطاع غزة وقد أكد على أن خطوته تأتي من هدي التوجيهات الملكية.

وأعلن حزب الميثاق الوطني عن إطلاق حملة لجمع التبرعات لدعم الأهالى في غزة والذين يواجهون حملة إبادة جماعية على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، ويأتي ذلك امتداداً لحملتي التبرع بالدم التي نفذها الحزب بمحافظتي إربد والعقبة.

(#) الضغط الدبوماسي: توجه العاهل الأردني إلى مصر في أكتوبر الجارى وانضم إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي في الدعوة إلى وقف فورى لإطلاق النار بالإضافة الى تكثيف الجهود لحماية المدنين والسماح بدخول المساعدات الانسانية الى غزة.

وأكد وزير الخارجية أيمن الصفدي على ضرورة وقف الحرب فورًا وإيصال المساعدات إلى قطاع غزة وذلك خلال كلمته بمؤتمر المجموعة العربية بالامم المتحدة، كما أكد أن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين تعني حربًا بالنسبة للأردن، وأوضح أن هذا الموقف ثابت ولن يتغير وسيتصدى الأردن لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم.

وكثف الصفدى اتصالاته مع نظرائه الدوليين وعلى رأسهم الأيرلندي والهندي والسويسري، وذلك لحشد الدعم لمشروع القرار العربي الذي تم تقديمه للجمعية العامة للأمم المتحدة حول ضرورة حماية المدنيين والتمسك بالالتزامات القانونية والانسانية وضرورة وقف الحرب على غزة، والذي تم تمريره بنحو 120 صوت يوم الجمعة 27 أكتوبر 2023.

كما أجرى وزير الخارجية اتصالات مكثفة مع نظرائه إقليميًا ودوليًا لبحث إطلاق تحرك دولي فوري لوقف التصعيد في غزة ومحيطها وحماية المنطقة من تبعات عنف جديدة، وشملت الاتصالات محادثات مع نظرائه المصري سامح شكرى والقطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن والإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد والسعودية الأمير فيصل بن فرحان.

(#) التضامن الشعبي: لم يقتصر دعم الأردن لقطاع غزة على المستوى الرسمي فقط، بل امتد إلى التضامن الشعبي، حيث أعلن العديد من المحال التجارية في البلاد عن التبرع بنسب من الأرباح لصالح إغاثة قطاع غزة، كما شارك آلاف الأردنيين في وقفات تضامنية في محافظات عدة وانطلقت المظاهرات في العاصمة عمّان ومحافظات الطفيلة والكرك وإربد والقبة والبلقاء وجرش

وختامًا؛ فإن المملكة الأردنية دائمًا ما تنظر للقضية الفلسطينية على أنها مصلحة وطنية عليا وتعتبر كل من الأردن ومصر بمثابة الداعم والسند للقضية الفلسطينية في ظل الجهود المتواصلة لكلا البلدين لإبقاء حل الدولتين ووقوفهما الصارم أمام مخطط التهجير، ومن ثم فمن المهم مواصلة التعاون والعمل العربي المشترك ومحاولة الضغط بكافة الطرق لحماية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.

نادين مطر

باحث مساعد بوحدة دراسات الأمن الإقليمي، خريجة كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية جامعة الإسكندرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى