كيف يدير “حزب الله” مشهد التصعيد الإقليمي؟
يشهد جنوب لبنان تبادلاً للقصف بين “حزب الله” وجيش الاحتلال الإسرائيلى، بجانب تنفيذ مقاتلين فلسطينيين بلبنان عمليات تسلل عدة باتجاه مستوطنات شمال إسرائيل، حيث لم يتوقف القصف بين “حزب الله” وجيش الاحتلال الإسرائيلى على امتداد الخط الأزرق عقب عملية “طوفان الأقصى”.
بالتوازي مع نشاط المقاومة الفلسطينية في لبنان في استهداف مستوطنات الشمال، وكان أبرزها استهداف “كتائب القسام” مستوطنة “كريات شمونة” بنحو 12 صاروخًا، ومن الملاحظ أن رقعة القصف الاسرائيلى بدأت تتسع وتقترب من عمق الجنوب اللبناني.
وبناء على ما تقدم؛ وفي ضوء المكانة المركزية للحزب في محور إيران، يحاول هذا التحليل الإجابة عن التساؤلات الآتية: ما هو حدود تداخل “حزب الله” في التصعيد الراهن؟، وما هو شكل التعاون القائم بين “حزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية؟
تصعيد متزامن
بعد 24 ساعة على انطلاق عملية طوفان الاقصى أعلن “حزب الله” تأييده لحركة “حماس” وقال الحزب إن قيادته على اتصال مباشر مع قيادة المقاومة الفلسطينية في داخل فلسطين وخارجها، واستهدف الحزب 3 مواقع عسكرية في منطقة مزارع شبعا وتلال كفر شوبا التى يعتبرها لبنان مُحتلة وهي موقع الرادار وموقع زبدين وموقع رويسات العلم، وقد أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلى في بيان له مهاجمة “بنية تحتية لحزب الله” بطائرة مسيرة في مزارع شبعا، مشيرًا إلى قصف المدفعية الإسرائيليلة مناطق لبنانية وخيمة نصبها “حزب الله” والتي أُطلقت منها قذائف باتجاه مناطق ومستوطنات الشمال.
وقد قال رئيس المجلس التنفيذى لـ”حزب الله” هاشم صفي الدين إن “على نتنياهو أن يعلم أن هذه المعركة ليست معركة غزة فحسب.. نحن لسنا على الحياد”.
ويعتبر من أهم محركات موقف “حزب الله” من حرب غزة واشتعال الجبهة اللبنانية، الأهداف التالية:
(*) الإرباك: تخفيف الضغط عن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وإثبات تضامن الحزب مع “حماس” عبر جر جزء كبير من جيش الاحتلال إلى الحدود اللبنانية، حسب تصريحات الأمين العام حسن نصر الله في خطابه الأول بعد “طوفان الأقصى”، مضيفًا أن ثلث قوات إسرائيل البرية متواجد عند الحدود اللبنانية ونصف القوات البحرية وربع القوات الجوية وما يقارب نصف الدفاع الصاروخي والقريب من الثلث من القوات اللوجيستية موجه باتجاه جبهة لبنان.
(*) التحوط: جاء ذلك بالتوازي مع مساعي “حزب الله” لردع جيش الاحتلال الإسرائيلي، تجنبًا للدخول في حرب مباشرة، حيث أكد “حزب الله” أنه يتجنب الانجرار إلى حرب سيخسر فيها الكثير سواء خارجيًا أو داخليًا، وبالتالي فإن اندلاع حرب ستهدد شعبية “حزب الله” في الداخل وذلك لأن لبنان يعاني من ضائقة شديدة منذ الانهيار المالي عام 2019 كما تعانى من فقدان قيمة عملتها ووصول التضخم إلى 200% تقريبًا وانهيار النظام المصرفي، وهو ما دفع قوى الداخل اللبناني لتحذير “حزب الله: من الانخراط في الحرب القائمة على غزة نظرًا للظروف المادية السيئة التي تمر بها البلاد في الوقت الحالي، وهو ما أكد عليه رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي على أهمية تجنيب لبنان الدخول في الحرب محذرًا من فوضى أمنية لا في لبنان فقط بل في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
إدارة التصعيد الإقليمي
ولضمان المساهمة في تحقيق الأهداف السابقة وتجنب حدوث حرب إقليمية في المنطقة برزت مواقف كلاً من الفصائل العراقية و الحوثيين في الآونة الأخيرة، على النحو التالي:
(&) موقف الفصائل العراقية: تعرضت القواعد الأمريكية وقوات التحالف الدولى لعدة هجمات في العراق منذ نشوب الحرب في قطاع غزة، قد أعلنت جماعة تُسمى “المقاومة الإسلامية في العراق” قصف مدينة إيلات الاسرائيلية بعد إصدارها في وقت سابق بيانًا تهدد فيه بتوسيع استهدفاتها لـ”الأعداء” في إشارة لإسرائيل والولايات المتحدة، حيث قالت في بيان لها “نصرة لأهلنا في فلسطين وثأرًا للشهداء سنبدأ الأسبوع المقبل مرحلة جديدة في مواجهة وستكون أشد وأوسع على قواعده في المنطقة”، ولم يعلق الجانب الإسرائيلي بالنفي أو التأكيد حول صحة الهجوم.
كما أعلنت هيئة الحشد الشعبي في العراق عن حالة التأهب القصوى في صفوف عناصرها وقد أعلنت “المقاومة الإسلامية في العراق” أنها قصفت بطائرة مسيرة قاعدة “حرير” الجوية التي تضم قوات أمريكية في شمال العراق، وذلك بعد استهداف قاعدة “عين الاسد” في الأنبار، وقد أعلنت الدفاع الامريكية أن 58 هجومًا استهدفت القوات الأمريكية من قبل من وصفتهم “بوكلاء إيران في العراق وسوريا ” منذ 17 اكتوبر الماضي.
(&) موقف “الحوثيين”: جاء الموقف “الحوثي” متفقًا مع موقف “حزب الله” من الحرب في غزة وفي محاولة للعمل على تعدد جبهات الاشتباك ضد إسرائيل لتعظيم كلفة أي توسع للحرب على نطاق إقليمي وتخفيف القتال في قطاع غزة، حيث هدد “الحوثي” بالدخول في طوفان الأقصى وقصف إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيرة في حال تحقق شرطين؛ الأول: يأتى من تدخل الولايات المتحدة الامريكية بشكل مباشر في الحرب، والثانى: تجاوز اسرائيل للخطوط الحمراء دون تحديد ماهية هذه الخطوط التي يجب ألا تتجاوزها إسرائيل.
وقد أعلن “الحوثيين” فيما بعد إطلاق عدد من الصواريخ الباليستية والمسيرات نحو أهداف مختلفة في جنوب إسرائيل منها أهداف عسكرية في منطقة إيلات وذلك ضمن سلسلة هجمات نفذتها الجماعة ضد الاحتلال الاسرائيلى لكن جيش الاحتلال أشار إلى إسقاط هذه المقذوفات فيما لم يؤكد في بعض الأحيان حدوث هذه الهجمات.
وقد أعلن “الحوثيون” في 19 نوفمبر 2023 خطف سفينة شحن إسرائيلية بالبحر الأحمر ونقلها إلى ميناء الصليف بالحديدة اليمنية، كما أفادت الجماعة في بيان لهم أنهم سيقومون باستهداف جميع السفن التي تحمل العلم الإسرائيلي أو السفن التي تقوم بتشغيلها شركات إسرائيلية، وهو ما نفته تل أبيب أن تكون السفينة إسرائيلية ملقية الضوء على تضخيم الهجوم واعتباره “حادث خطير للغاية له عواقب عالمية”.
والجدير بالذكر أنه يمكن اعتبار تحركات “الحوثيين” ضد إسرائيل بالتنسيق مع “حزب الله” اللبناني وإيران، حيث أكد رئيس حكومة “الحوثيين”عبد العزيز بن حبتور أنهم جزء من “محور المقاومة” وأضاف “نشارك بالقول والكلمة والمسيرات”، كما أشار إلى “أنه محور واحد وهناك تنسيق يجري وغرفة عمليات مشتركة وقيادة مشتركة لكل هذه العمليات”.
تعاون ميداني محدود
منذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى” بدأت “كتائب القسام” عملياتها من لبنان بتنفيذ عدة عمليات، تمثلت أولاها بإطلاق مجموعة من الصواريخ على الجليل الغربي، فيما أعلنت عن إطلاق مجموعة جديدة من الصواريخ على مستوطنتى شلومى ونهاريا.
وقد عملت حماس على تنظيم نفسها عسكريا بعدما كان وجودها في لبنان محصور بالنشاط الإعلامي والسياسي والثقافي والمجتمعي وذلك بعد الانفجار الذي وقع في عام 2021 في مخيم البرج الشمالي والذي نشب في مستودع لوقود الديزل ويمتد إلى أحد مستودعات الذخيرة التابعة لـ”كتائب القسام”، وترتكز قوة “حماس” في لبنان بمخيمي “البرج الشمالي” و”البص” في منطقة صور جنوب لبنان، ومخيم “برج البراجنة” في بيروت، ومخيم “عين الحلوة” في الجنوب.
(&) التنسيق في جبهة لبنان: تتحرك “كتائب القسام” في لبنان بغطاء من “حزب الله” حيث عمل الحزب على توسيع نطاق عملياته القتالية على الحدود مع إسرائيل من أجل صرف انتباهها عن قطاع غزة، وقد نتج عن سلسلة هجمات شنها مسلحو “حزب الله” اللبناني و”كتائب عز الدين القسام”، إصابة 23 إسرائيليًا بجروح خطيرة يوم الأحد 12 نوفمبر 2023.
أما الإصابات الأخطر فكانت في استهداف موقع دوفيف العسكري حيث قال جيش الاحتلال إن 6 مدنيين، من بينهم 5 في حالة حرجة عندما استهدفتهم قذيفة مضادة للدروع، ورد الاحتلال على الفور بقصف مدفعي على مواقع إطلاق النار في الأراضي اللبنانية، كما أعلن “حزب الله” استهداف تجمع جديد لجنود إسرائيليين في موقع بياض بليدا وحققوا به إصابات مباشرة، وذكر جيش الاحتلال الإسرائيلى أنه تم تحديد عدد من عمليات الإطلاق داخل الاراضى الإسرائيلية وأن قوات جيش الاحتلال تهاجم مصادر النيران بالمدفعية وقذائف الهاون والدبابات.
وفي إطار التعاون بين “حزب الله” والفصائل الفلسطينية التقى الأمين العام للحزب حسن نصر الله بالأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” زياد النخالة، ونائب رئيس المكتب السياسى لحركة “حماس” صالح العاروري في أكتوبر الماضي، لبحث الخطوات التي يجب القيام بها لتحقيق انتصار المقاومة ووقف الهجوم الإسرائيلى على غزة.
واستعرض اللقاء الأحداث الأخيرة في قطاع غزة منذ بدء عملية “طوفان الأقصى”، وخلال هذا اللقاء تم تقييم المواقف المتخذة دوليًا وإقليميًا وما يجب على أطراف “محور المقاومة” القيام به في هذه المرحلة الحساسة لتحقيق انتصار حقيقي في غزة ووقف العدوان الغاشم، وتم الاتفاق على مواصلة التنسيق والمتابعة الدائمة للتطورات بشكل يومى ودائم.
(&) غرفة العمليات المشتركة: نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن قيادي بفصيل عراقي مسلح إعلانه الانخراط في غرفة عمليات مشتركة بين فصائل عراقية سورية لبنانية مع المقاومة الفلسطينية، وأن المعلومات الميدانية تتدفق بانتظام الى هذه الغرفة ، كما ان ضباط ايرانيين انخرطوا في تنظيم أعمال غرفة العمليات مع قيادات محلية من العراق وسوريا ولبنان.
وظهر التنسيق العملياتي بين المقاومة الفلسطينية (“حماس” و”الجهاد”) خلال معركة سيف القدس والتي أطلقتها حماس عام 2021، فيما برز في تلك المعركة مصطلح “وحدة الساحات” للدلالة على التحام فصائل محور إيران بالمقاومين الفلسطينيين، ويظهر هذا المصطلح بشكل واضح مع زيادة حدة التوتر القائم في جنوب لبنان لمساندة المقاومة في قطاع غزة.
وختامًا فإنه على الرغم من تزايد حدة الاشتباكات بين “حزب الله” وجيش الاحتلال الإسرائيلى على حدود لبنان إلا أن إسرائيل ربما تحاول الابتعاد عن الدخول في حرب إقليمية وتتجنب القتال في أكثر من جبهة والذي يشكل ضغطًا كبيرًا عليها خاصة في ظل الخسائر الهائلة التي يتعرض لها الاقتصاد الإسرائيلي في ظل الحرب الراهنة.