حسابات استخدام “الأسرى الأجانب” في تهدئة الوضع في غزة
في السادس عشر من أكتوبر الجاري، أعلن المتحدث باسم كتائب القسام أبو عبيدة عن أسر نحو ٢٠٠ إلى 250 أسير، بينهم أجانب من جنسيات مختلفة، تم أسرهم خلال الساعات الأولى من عملية طوفان الأقصى. الأمر الذي أثار التساؤلات حول توقيت الإعلان، وكيفية توظيف حماس لملف الأسرى، والأجانب تحديدا، وما إذا كان هذا الملف يمثل نقطة قوة أو عامل ضغط بالنسبة لحماس.
ملف هام:
واقعيا، يبدو أن حماس متخوفة من حدوث الهجوم البري الذي ينوي جيش الاحتلال شنه على قطاع غزة، ولهذا دوما ما تلوح بملف الأسرى، فأحيانا تضطر إلى إعلان وفاة بعض الأسرى نتيجة للقصف الإسرائيلي. وأخيرا اضطرت لإعلان عدد الأسرى المحتجزين لديها بعد ١١ يوما من عملية طوفان الأقصى، على أمل أن يمثل العدد عامل ضغط على المسئولين الإسرائيليين والأمريكان، للعدول عن فكرة الهجوم البري، وبعد أسبوعين من القصف المستمر، واستمرار الدعم الدولي لإسرائيل.
كما تحاول حماس أيضا تصدير مزيد من الضغوط الداخلية على الحكومة الإسرائيلية، من جانب أهالي الأسري، الذين حملوا حكومة نتنياهو المسؤولية كاملة، في وقت نظم فيه إضراب مفتوح من جانب تلك الأسر في إسرائيل، ودعوا خلال مؤتمر صحافي السلطات الإسرائيلية إلى العمل على إطلاق سراحهم فورا.
وفي وقت سابق، أعلنت السلطات الإسرائيلية أن حماس تحتجز ٢٠٣ أسيرا. ناهيك عن إعلان الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة في اليوم الثالث من القتال، أن الحركة وحدها لديها ” أكثر من 30 أسيرا من العدو “، كما تمكنت حماس من أسر عدد غير معلوم حتى الآن من الإسرائيليين، بينهم جنود وضباط بارزين، وفقا للنخالة.
نقطة قوة:
قد يشكل ملف الأسرى الأجانب المحتجزين لدى حماس نقطة قوة أمام الجانب الإسرائيلي في مرحلة لاحقة، وفي الوقت الراهن أيضا، وذلك لعدة أسباب، أبرزها:
(*) عملية طوفان الأقصى عموما، وليس فقط ملف الأسرى الأجانب، تعد إنجاز سياسي وعسكري، وحتى معنوي، لحماس في أي محادثات قادمة لها على المستوى الإقليمي فيما بعد. حتى أنه سيشكل عامل قوة أيضا أمام فصائل المقاومة الأخرى.
(*) حماس منذ إطلاق عملية طوفان الأقصى، قد يكون في حساباتها استعادة صدارة المشهد الفلسطيني من جديد، بعدما تصدرت حركة الجهاد الإسلامي المشهد خلال العامين الماضيين، وبعد محاولات دولية وإقليمية لتقوية دور السلطة الفلسطينية على حسابها. وبالتالي فإن هذه العملية، إلى جانب ملف الأسرى، قد يعيدا تلميع صورة حماس من جديد.
(*) حماس تعلم مدى أهمية ملف الأسرى بشكل عام لدى إسرائيل، ففي وقت سابق اضطرت إسرائيل للإفراج عن ألف أسير فلسطيني مقابل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شليط. والآن، تربط وقف القصف على غزة بالإفراج عن الأسرى المحتجزين، وقد تزيد حساسية هذا الملف مع وجود أسرى أجانب من جنسيات مختلفة لدى حماس. وبالتالي، قد تستغل حماس هذا الملف للضغط على إسرائيل للإفراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين لديها، خاصة من النساء والأطفال، كما سبق وتم طرحه في المبادرة القطرية.
(*) قد يمثل ورقة تفاوضية قوية لدى حماس، عندما يحين وقت التفاوض مع القوى الدولية، التي لديها أسرى محتجزين لدى حماس، للحصول على مكتسبات غير واضحة ماهيتها حتى الآن، إن كانت تتعلق بملف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، أم حسابات سياسية لحماس.
(*) من الممكن أن توظفه حماس أيضا للضغط بعدم توسيع نطاق العدوان الإسرائيلي على غزة، بعد نحو أسبوعين من سلسلة الهجمات الوحشية على مواقع مدنية بالقطاع، نجم عنها آلاف الضحايا من شهداء ومصابين. ولهذا أعلنت حماس في وقت سابق عن وفاة 13 أسيرا جراء القصف الإسرائيلي لعله يكون رادعا جيش الاحتلال لتخفيف هجماته.
(*) قد يكون ملف الأسرى الإسرائيليين، الأجانب تحديدا، أحد أسباب تأخير العملية البرية التي تنوي إسرائيل تنفيذها في قطاع غزة حتى الآن، نتيجة لتخوف القوى الدولية وإسرائيل من أن يعرض الهجوم البري حياة الأسرى إلى الخطر، حتى أن هذا الأمر من شأنه أيضا أن يؤجج الرأي العام الداخلي ضد الحكومات.
(*) من الممكن أيضا أن تستغلهم حماس للرد حال نُفذ الهجوم البري، خاصة وأن كتائب القسام قد أعلنت في وقت سابق عزمها على إعدام الأسرى بالصوت والصورة حال قصفت إسرائيل مواقع مدنية إضافية. وبالتالي قد يحين الدور على الأسرى وهو ما لن يقبله ذويهم أو دولهم. وعليه، قد تكون حماس أرجأت تنفيذ تهديدها كحل أخير حفاظا على هيبتها واستمرار التعاطف معها.
جدير بالذكر أن ما يتم الحديث عنه في الأوساط الإسرائيلية الهجوم البري الموسع، يواجه خلافات بين المؤسستين العسكرية والسياسية، إلى جانب تحفظات القوى الدولية على حدود الهجوم البري. حتى أن الهجوم البري قد يطيل أمد الحرب، فلا الولايات المتحدة ولا إسرائيل تريدان حربا طويلة، خاصة وأنه لا يدري أحد ماذا تعد غزة لمواجهة الغزو البري. ففي 2014، إسرائيل لم تستطع التوغل سوى أمتار محدودة ثم خرجت بهزيمة قاسية، إلى جانب حسابات تتعلق باحتمالية وجود جهات أخرى إذا دخلت إسرائيل بريا، كلها أسباب قد تؤدي في النهاية إلى تلكؤ إسرائيل في هذه الخطوة.
عامل ضغط:
ومن جهة أخرى، قد يمثل ملف الأسري الأجانب ثغرة أو عامل ضغط استغلته إسرائيل ضد حماس، للأسباب الآتية:
(&) قد يكون احتجاز أجانب لدى حماس سببا قويا للدعم المبالغ فيه من القوى الدولية على المستوى الرسمي لإسرائيل. فالولايات المتحدة أرسلت حاملتي طائرات وحزم مساعدات ضخمة إلى إسرائيل، إلى جانب زيارات متلاحقة للمسئولين الغربيين إلى إسرائيل دعما لها، كالمستشار الألماني أولاف شولتس، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك. وكانت الزيارة الأهم، هي الزيارة جو بايدن في أول زيارة لرئيس أمريكي لإسرائيل في وقت الحرب.
(&) من المرجح أن يكون ملف الأسرى، هو واحد من أهم العوامل التي أدت لتدخل رسمي من قبل الولايات المتحدة، التي أرسلت قوات ” دلتا “الخاصة المعنية بتحرير الرهائن إلى إسرائيل، من أجل المساعدة في إطلاق سراح الرائد، بالتزامن مع تعهد الرئيس الأمريكي بتحرير الرهائن، وبعد تصريحات للمتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي عن مقتل 22 أمريكيا، وهناك 17 آخرين في عداد المفقودين.
(&) وجود عدد كبير من الأسرى لدى حماس دفع إسرائيل لقصف المواقع المدنية والبني التحتية في غزة بوحشية ضارية هذه المرة، سقط على إثرها آلاف الضحايا، حتى أن إسرائيل ربطت التراجع عن قرار قطع المياه والكهرباء عن القطاع، بل ووصول المساعدات، بعودة هؤلاء الأسرى، بما يمثل عامل ضغط على حماس.فإسرائيل اعتبرت نتائج عملية طوفان الأقصى عموما إهانة لها.
(&) من المحتمل أن تلعب إسرائيل على ملل حماس من رعاية بعض الأسرى الكبار في السن والسيدات والأطفال، لأنهم من ناحية يحرجون حماس أمام المجتمع الدولي، ومن ناحية أخرى تتطلب رعاية مثل هؤلاء تكلفة وجهد في ظل الإمكانات المحدودة، وفي وقت تحاول فيه حماس إبقاء أماكنهم سرية قدر المستطاع.
(&) من المرجح أنه كلما استمرت الهجمات الإسرائيلية الوحشية على القطاع، قد تخور قوى حماس وتضطر للتفاوض، أضف إلى ذلك أن الرهائن قد يكون غير محصنين بالقدر الكافي من الضربات الجوية الإسرائيلية في ظل تواجدهم في أماكن غير معلومة، وبالتالي في حالة فقدان أي أسير فتفقد حماس ورقة تفاوضية لديها.
جدير بالذكر، أن عامل الوقت في هذا الخصوص ليس في صالح لا إسرائيل ولا حماس، فالأسرى معرضين للخطر لأسباب أخرى غير القصف، نظرا للظروف الصحية للبعض، أو حال أقدم خاطفوهم على قتلهم، إما بدافع الغضب أو تنفيذا لبيان القسام، أو حال شعر آسر وهم أنه تم التواصل إلى مكانهم، كما حدث في نيجيريا في 2012.
والأهم، أنها أفقدت حماس، وسكان القطاع عموما، التعاطف الدولي، فعملية طوفان الأقصى بتفاصيلها أربكت وأحرجت السلطات الإسرائيلية، إلى الدرجة التي سمحت من خلالها القوى الكبرى لإسرائيل بإطلاق يدها في القطاع، وتغاضت عن ذلك المنظمات الدولية أيضا.
وختاما، يمكن القول إنه ليس من الواضح حتى الآن كيف ستوظف حماس ملف الأسرى، والأجانب تحديدا ؟، وما إذا كانت ستوظفه للضغط على إسرائيل والقوى الدولية لعدم توسيع هجومها البري، وهل ستتمكن من تنفيذ تهديدها بإعدام الأسرى أم لا حال تطورت الأمور ؟، كما أنه ليس من الواضح هدف حماس هذه المرة من الاحتفاظ بعدد كبير من الأسرى، هل فقط من أجل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في المقابل، أم أن الحماس أهداف أخرى ؟
ولكن لا الولايات المتحدة ولا غيرها من دول الأسرى ستلجأ للتعامل مع حماس فيما يخص الأسرى الأجانب بشكل مباشر، وإلا ستبدو وكأنها تتعامل مع الإرهابيين وفق تصنيفها، فمن المرجح أن يبقى الأمر متروكا لإسرائيل. خاصة وأن حادثة مشابهة كادت تنهي رئاسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ريجان، عندما تفاوض مع حزب الله من أجل تحرير الأسرى الأمريكيين في لبنان. أضف إلى ذلك،أن مثل هذا الموقف قد يغضب إسرائيل، التي سترى حينها أن حلفاءها الغربيين يتجاهلون مصالحها الخاصة ويعملون بشكل مستقل عنها. ناهيك عن أن الدول الأجنبية لا يقع على عاتقها أي التزام قانوني تجاه مواطنيها في مناطق النزاع سوى تقديم الخدمات القنصلية،خاصة وإن كان الأسرى من ذوي الجنسية المزدوجة.