انعكاسات عملية طوفان الأقصى؟

فجر السبت الموافق السابع من أكتوبر، أطلقت حماس عملية طوفان الأقصى، بشن هجوما صاروخيا من عدة مواقع في قطاع غزة، انطلقت على إثره صافرات الإنذار في عدة مناطق في إسرائيل. وأسفر الهجوم عن سقوط عشرات الضحايا من قتلى ومصابين، إلى جانب أسر عشرات الإسرائيليين، في عملية نوعية غير مسبوقة مقارنة بغيرها.

تأسيسا على ما سبق، لماذا تعتبر عملية طوفان الأقصى نوعية؟، وما هي انعكاساتها المتوقعة على المشهد؟، وكيف سيكون الرد الإسرائيلي؟.

عملية نوعية:

مثلت عملية طوفان الأقصى عملية نوعية في توقيتها، حيث تمت في الساعة السادسة والنصف صباح السبت الموافق ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وفقا لنيويورك تايمز. وهو يوم يوافق عطلة رسمية لجميع المؤسسات في إسرائيل، وبالتالي كانت العملية مباغتة إلى حد كبير بالنسبة للجانب الإسرائيلي، وبعيدا عن المسارات والأهداف، فقد تشابهت عملية طوفان الأقصى في توقيتها مع توقيت حرب أكتوبر 1973.

وكانت عملية نوعية في حجمها أيضا، حيث انطلقت من قطاع غزة الذي يمتد بنحو 360 كم2 ويشكل 1% فقط من مساحة فلسطين التاريخية، وشملت العملية مستوطنات غلاف غزة التي تمتد بحوالي 40 كم في عمق الخط الأخضر، ووصلت إلى أسدود شمالا وبئر السبع شرقا.

يذكر أن غلاف غزة هو تلك المستوطنات التي بناها الإسرائيليون بعد الانسحاب من القطاع في 2005، وتشكل ثلاث تجمعات استيطانية يسكن بها 55 ألف مستوطنا، الآن هم عرضة لهذه الهجمات المباشرة، الأمر الذي يمثل تهديدا وجوديا لإسرائيل، التي تتجنب أي تهديد يمس هيكلها الديموغرافي تحديدا. أضف إلى ذلك أنها  انطلقت من العمق الإسرائيلي هذه المرة وليس على الحدود، فأكثر من موقع عسكري ومستوطنة تشهد اشتباكات.

وعليه، الآن المناطق كلها عرضة لهجمات المقاومة الفلسطينية، حتى أنها وصلت إلى تل أبيب على بعد حوالي 80 كم، وتوقفت الحركة في مطار بن غوريون. ومن المتوقع تجاوز السياج الفاصل بين قطاع غزة ومناطق 48، لأنه لا يبعد كثيرا سوى بضعة كيلومترات، وفي حالة حدوث ذلك سيكون الدخول سهلا لكتائب القسام تمهيد الاختراق أكبر.

كما شهدت العملية أيضا نقلة نوعية في تكتيكات المقاومة وإمكانية التغلغل في مستوطنات غلاف غزة وسيطرة على مواقع عسكرية، حتى أن هناك تطور نوعي في أدوار المقاومة خلال الحروب الخمس الأخيرة، من حيث أنواع الصواريخ وطريقة الإطلاق والمدى، وشهدت أيضا تغير في الفكر حول كيفية إدارة المعركة، وبالتالي لا يمكن مقارنة حرب 2012 بـ2021. وعلي ما يبدو أن من يقود العمل العسكري أصبح أكثر نضجا بحيث أصبح يوظف الإمكانات في الاتجاه الصحيح، وهو ما شاهدناه خلال العملية الراهنة من شل حركة مطار بن جوريونوأسر عدد كبير من الإسرائيليين.

وسبق وأعلنت حماس عن تحرك الكتيبة صقر، وهم استشهاديون فلسطينيون يستخدمون طائرات شراعية، اقتحموا مستوطنات إسرائيلية أيضا، وبالتالي فإنها عملية شاملة وموسعة ومتطورة إلى حد كبير وليست مجرد عملية استشهادية معتادة، بالذات مع تمهيد بالنيران بأكثر من 2500 صاروخا تم إطلاقه من قبل حماس.

دلالات هامة:

رغم المحاصرة العسكرية الإسرائيلية الشديدة لقطاع غزة، حتى أنها تواصل تأمين حدودها مع القطاع بعدد من النقاط العسكرية الصعب اختراقها، إلا أن حماس حركت وحدات للتسلل داخل هذه الوحدات العسكرية، فإن ذلك قد يؤشر إلى:

(1)- فشل استخبارات كبير جدا من إسرائيل، والتي تروج لامتلاكها أقوى جهاز استخبارات في المنطقة. فإذا أخذنا في الاعتبار نتائج العملية حتى الآن من أسر مواطنين وجنود إسرائيليين، والسيطرة على نقاط عسكرية ومستوطنات، أضف إلى ذلك تحرك أعداد كبيرة من المقاومة هذه المرة وليس عدد قليل بما يزيد من علامات الاستفهام حول عدم معرفة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي بذلك، وكيف أخفق في رصد تسلل مئات الجنودمن المقاومة الفلسطينية ؟.

أضف إلى ذلك، أن تحرك حماس لم يتم عن طريق  البر فقط، وإنما البحر أيضا، وفقا لوسائل إعلام إسرائيلية، فإن هناك عددا من الزوارق التي نقلت استشهاديين فلسطينيين بأعداد كبيرة اقتحموا مستوطنات على الحدود البحرية. فمن المفترض أن تكون الحدود البحرية تحديدا مؤمنة ومراقبة بشكل كبير، ليس فقط ضد هجمات الفلسطينيين، وإنما خشية أي تهديد إيراني.

(2)- قيام حماس بأسر عشرات الإسرائيليين، هو أمر خطير جدا بالنسبة لإسرائيل، خاصة وأنه من ضمن الأسرى أسماء بارزة على الساحة، فمن شأن ذلك أن يمكن حماس من مساومة إسرائيل على الإفراج عن أسرى فلسطينيين في المقابل. ففي وقت سابق، أسرت حماس جندي إسرائيلي يدعى جلعات شليط، وحينها مقابل الإفراج عنه اضطرت إسرائيل للإفراج عن ألف فلسطيني.

(3)- دخول عناصر من المقاومة الفلسطينية القواعد العسكرية الإسرائيلية، والتي تحوي بداخلها مخازن ذخيرة ضخمة، فمن الممكن في هذه الحالة زيادة المشاركين في العملية الفلسطينية، لأن حماس قد تلجأ لتوزيع الأسلحة الموجودة على متطوعين بما قد يضاعف من أعداد المشاركين. حتى أن تحرك حماس ذاته قد يشجع باقي فصائل المقاومة الفلسطينية على الانضمام إليها، وبالتالي زيادة جديدة في الأعداد.

(4)- الحكومة الإسرائيلية قد تعيد حساباتها في المستقبل حول انتهاكات المسجد الأقصى، خاصة فيما يتعلق بإرسال يهود مدنيين للصلاة حتى لا يتم استهدافهم.

وعليه، فإن الحدث يعكس مدى تطور التنسيق العسكري وعملية الاستطلاع لأماكن تواجد الإسرائيليين وأسلحتهم، وخطوة مهمة جدا.

انعكاسات محتملة:

وفقا للوقائع الحالية، والضربات السابقة، فإن العملية ليست لها مسار محدد، نتيجة عدم وضوح أبعاد الهدف الفلسطيني، وهو ما يزيد من ضبابية المشهد. ومن الواضح أيضا أن المؤسسات الإسرائيلية خلال الساعات الماضية، وتحديدا وزارة الدفاع، تشهد تخبطا واضحا، فهي لم تشن هجوما موسعا أو عملية برية أو جوية للتصدي للهجمات، وبالتالي يمكن القول إن أكبر مخاوف إسرائيل حاليا، هو حماية حدودها الشمالية خشية أي تحرك من قبل حزب الله، في سيناريو أشبه بحرب أكتوبر.

واعتدنا أنه عندما يكون الضغط كبيرا على الجانب الإسرائيلي تتسارع الجهود الدولية للتوسط بين الجانبين، ولكن علينا مع ذلك توقع رد إسرائيلي قاسي جدا تجاه المدنيين تحديدا أو البنى الاجتماعية داخل غزة، و كثافة النيران المستخدمة جوا وبحرا وبرا، إلى جانب استهداف بعض القيادات المؤثرة في إدارة المعارك في حماس والجهاد الإسلامي. كما سيكون هناك هجمات للبنى التحتية بصورة مفرطة، كما سبق وتم تفجير برج هنادي الذي كان من ضمنه مكتب الجزيرة.

ومن الممكن أن يتبلور رد إسرائيل في ارتكاب مجازر، كما فعلت جولدا مائير خلال حرب أكتوبر، حينما قامت بضرب مدرسة درب البقر، وحينما سئلت خلال حوار إعلامي عن سبب ذلك، كان ردها أن هذا عقاب الاعتداء على جنود إسرائيليين.

وهناك احتمال آخر مطروح، حال تأزم الموقف، قد يتم عزل نتنياهو على سبيل المثال، في ظل الاحتجاجات الداخلية الرسمية والشعبية ضد حكومة نتنياهو، أو بروز نجاح فلسطيني،  قد يؤدي إلى التراجع عن التعديلات القضائية، كما قد نشهد مخالفة ما قبل نتنياهو للأوامر العسكرية، كما فعل شارون في وقت سابق.

فعلي ما يبدو أن المشهد الراهن سيصل إلى مرحلة العض على الأصابع، فإذا نظرنا إلى عدد الأسرى، والشرخ الذي أحدثته المفاوضة في البنية العسكرية والاجتماعية والنفسية لدى الإسرائيليين، قد يدفع إسرائيل للسماح بدخول وساطات دولية أو إقليمية، بالذات مع وجود مجتمع داخلي هش، كما وقد يتم اللجوء إلى هدنة أو مهلة إنسانية، كما طلب بن جوريون في 67. وكلها تبقي توقعات في انتظار التطورات المقبلة وردود الفعل الدولية والإقليمية.

وختاما، يمكن القول إنه إلى جانب إعلان إسرائيل حالة الحرب، والتواصل مع إدارة البيت الأبيض، والذي يعتبر بمثابة ضوء أخضر أمريكي بشأن رد عسكري إسرائيلي موسع، فقد يعني استمرار الاشتباكات بين الجانبين لعدة أيام إضافية.

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، كانت تعمل في مركز رع للدراسات رئيسة لبرنامج الدراسات الأوروبية والأمريكية. الباحثة حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى