ما تداعيات عزل مكارثي؟
كما كانت عملية انتخاب رئيس مجلس النواب الأمريكي المعزول كيفين مكارثي تاريخية، بعد ١٥ محاولة تصويت حتى تم انتخابه في يناير الماضي بأغلبية بسيطة، في سابقة لم تحدث منذ ١٥٠ عاما في التاريخ السياسي الأمريكي. كان قرار عزله تاريخيا أيضا، فلأول مرة يقدم الحزب الحاصل على الأغلبية في مجلس النواب على عزل رئيسه، مما يؤكد وجود خلاف كبير بين مكارثي وحزبه الجمهوري.
الأمر الذي يدعو للتساؤل حول دوافع الجمهوريين للإقدام على مثل هذه الخطوة، وتداعيات مثل هذا القرار على الداخل الأمريكي وخارجه.
حدث تاريخي:
في سابقة تاريخية، صوت ٢١٦ عضوا بالكونجرس لصالح مذكرة قدمها الجناح المتشدد في الكونجرس لعزل كيفين مكارثي رئيس الكونجرس الأمريكي، مقابل ٢١٠ صوت عارض المذكرة. وكان قد صوت ٨ جمهوريين ضد زعيم حزبهم، إلى جانب ٢٠٨ عضو من الحزب الديمقراطي.
وكان مكارثي قد وصل إلى منصبه بعدما قدم تنازلات ضخمة لأنصار دونالد ترامب من أجل دعم ترشحه، وكان أخطرها، تغيير اللائحة الداخلية للمجلس بعدما سمح لأي عضو منفردا أن يقدم مشروع قانون أو مذكرة لعزل رئيس الكونجرس وقتما يشاء. وهو أمر عارضه الديمقراطيون بشده، واعتبروه خطأ كبير من قبل مكارثي.
خلفيات القرار:
خلال الأسابيع الماضية، شهدت الساحة السياسية الأمريكية جدلا واسعا بين الكونجرس الأمريكي، وتحديدا الأعضاء الجمهوريين، وبين إدارة البيت الأبيض، حيث تقدمت ١٢ لجنة (كل لجنة مرتبطة بفرع حكومي ) في الكونجرس بطلبات تتعلق بزيادة ميزانيتها الجديدة، الأمر الذي عارضه الجمهوريين في مجلس النواب، حتى أنه تم تعديل تلك المقترحات أكثر من مرة من قبل أعضاء اللجان، إلا أن موقف الجمهوريين كان متشددا في هذا الشأن.
وتتلخص وجهة نظر الجمهوريين، وتحديدا نواب MAGA[i]، في تخفيض الإنفاق الحكومي من ٣٠ ٪ إلى ٨٠ ٪، الأمر الذي أثار استهجان الرئيس بايدن واستدعي انتقاده علنا في مؤتمر صحافي، إلى جانب إعطاء الأولوية لزيادة الميزانية في مجال أمن الحدود، بعدما عارضوا عبور ٦ مليون لاجئ الحدود الجنوبية للبلاد خلال عامين فقط، أي منذ تولى بايدن الرئاسة. كما تضمنت الميزانية التي اقترحها الديمقراطيون، توفير حزم مساعدات إضافية لأوكرانيا في الميزانية الجديدة، الأمر الذي يعارضه الجمهوريون بشده علنا، وعلى رأسهم مكارثي، حيث كان استقباله لزيلينسكي ” باردا ” خلال زيارته للكونجرس الأمريكي عقب انتهاء أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حتى أنه رفض إلقاء زيلينسكي لخطاب في الكونجرس كما العام الماضي.
ونتيجة لعدم التوافق حول ميزانية جديدة قبل بداية يوم الأحد الماضي الأول من أكتوبر، وذلك لتجنب الإغلاق العام [ii] للمؤسسات الحكومية، نجح كيفين مكارثي في عقد صفقة سرية مع جو بايدن لتجنيب البلاد الإغلاق العام، بعيدا عن المجموعة المتشددة من الأعضاء الجمهوريين، تقضي بأن ” يقوم مكارثي بإقناع بعض النواب الجمهوريين بالتصويت لصالح الميزانية الجديدة، إلى جانب الأعصاء الديمقراطيين، للحصول على الأغلبية المطلوبة، بشرط استثناء دعم أوكرانيا من المقترح “، وهو ما حدث فعلا، وتم تمرير ميزانية مؤقتة لمدة ٤٥ يوما قبل ساعات من الإغلاق العام، ولم تتضمن أية مخصصات لدعم أوكرانيا.
وعندما علم أنصار MAGA بمجلس النواب، أعلن مات جيتس عن عزمه التقدم بمذكرة للتصويت على عزل مكارثي عن رئاسة المجلس عقابا له، واصفا الصفقة التي أبرمها مع البيت الأبيض ب ” الخيانة “، وتم تأييد القرار من قبل الديمقراطيين وبعض الجمهوريين.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن لأزمة الإغلاق الحكومي خلفيات أخري، نتيجة لخلافات بين الحزبين وبعض فروع الحكومة حول قضايا أخرى، مثل سقف الدين والضرائب والهجرة والصحة.
وعقب معارضة أنصار MAGA للصفقة، كان من المتوقع أن تتم صفقة أخري بين الديمقراطيين ومكارثي، بطلب من الأخير،بأن يوافق مكارثي على خطة دعم أوكرانيا ويقنع بعض الجمهوريين أيضا، مقابل تصويتهم ب ” لا ” على مذكرة جيتس، إلا أن مكارثي لم يطلب ذلك، وفقا لتصريحات بعض النواب الديمقراطيين، مما استدعاهم للتصويت ضده، وقد يرجح هذا الطرح تصريح مكارثي نفسه عقب قرار عزله بأنه ” يشعر بالارتياح “، وهذا قد يكون راجعا لكم الضغوطات التي يمارسها الحزبين عليه.
تداعيات محتملة:
لا شك أن مثل هذه الخطوة غير المسبوقة بعزل رئيس الكونجرس قد تترك تداعياتها داخل وخارج الولايات المتحدة، ولعل أبرز هذه التداعيات:
(*) تداعيات داخلية: فمن شأن هذه الحادثة أن تثير الفوضى داخل الكونجرس الأمريكي، نتيجة للخلافات بين الحزبين أولا، والانقسامات في صفوف الجمهوريين أنفسهم ثانيا، وهو ما ظهر خلال عملية انتخاب مكارثي في يناير الماضي. ومن المرجح أن تزداد الفوضى داخل الكونجرس نظرا لأن الحادثة هي الأولى من نوعها في الولايات المتحدة، وبالتالي تحتاج مزيدا من الاعتدال في التعامل معها، بالذات في ظل وجود محرض دائم خارج الكونجرس، وهو ترامب.
هذا كله بالتزامن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فقد تكون مثل هذه الحوادث مفصلية بها إلى حد كبير، وقد تنال من شعبية الجمهوريين،وقد تتضاعف أيضا حالة الخبط الداخلية كلما امتدت حالة شغور منصب رئيس المجلس وانتهت فترة الـ ٤٥ يوما دون انتخاب رئيس للكونجرس.
(*) تداعيات خارجية: حيث تعد أوكرانيا أحد أبرز المتضررين من مثل هذه التجاذبات، فهي مضطرة للاستمرار في حربها ضد روسيا دون مساعدات أمريكية خلال فترة ال ٤٥ يوما، والتي من المتوقع ان تمتد لفترة أطول في ظل عرقلة الجمهوريين لأي دعم مادي لأوكرانيا، حتى أن موقف الجمهوريين قد يزداد تصلبا على إثر حادثة عزل مكارثي.
وخلال الفترة المقبلة قد تضغط الولايات المتحدة على العواصم الغربية، وتحديدا بريطانيا، لمحاولة تعويض الدعم الأمريكي لضمان صمود أوكرانيا في الحرب، في ظل وجود تقارير عن هجوم روسي موسع جديد، قد يعاود من خلاله استهداف العاصمة كييف.
ختاما، يمكن القول أن الكونجرس الأمريكي سيكون على موعد مع مساومات ساخنة حتى الثلاثاء القادم، حيث من المقرر أن تبدأ عملية التصويت لانتخاب رئيس جديد للكونجرس.
ومن أبرز الأسماء المطروحة، ستيف سكاليز زعيم الأغلبية الجمهورية، وكيفين هيرن رئيس لجنة الدراسات، وجيم جوردان رئيس اللجنة القضائية، وغيرهم من الأسماء.
[i]MAGA ، هي اختصارا لعبارة Make America Great Again وهي الشعار الانتخابي لترامب، ويؤيدها بعض النواب الجمهوريين المتشددين في الكونجرس، وعددهم ٢١ نائبا،وقطاع من المواطنين أيضا.
[ii]الإغلاق الحكومي في أمريكا، هو حالة تحدث عندما يفشل الكونجرس الأمريكي في تمرير مشروع قانون لتمويل الحكومة الفيدرالية، مما يؤدي إلى توقف بعض الخدمات والوكالات الحكومية ( باستثناء الكونجرس والقضاء ) عن العمل، مما يؤثر سلبا على الاقتصاد والمواطن الأمريكيين، ففي هذه الفترة تنقطع حتى رواتب الموظفين.