تأثير تطورات أحداث الساحل على المصالح الأوروبية
تعد دول منطقة الساحل الإفريقي ذات أهمية استراتيجية للدول الأوروبية من حيث الأمن والاستقرار ومواجهة الهجرة غير الشرعية، حيث تحاول دول الاتحاد خاصة المطلة على البحر المتوسط تعزيز شراكاتها مع دول الساحل بشكل متزايد، في ظل أزمات الطاقة الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن نظرًا للانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر والجابون، إضافة إلى المنافسة مع روسيا والصين في طرد القوات الفرنسية من دول الساحل وآخرها انسحاب فرنسا من النيجر، يوضح ذلك عجز الدول الأوروبية في تحقيق أهدافها بالمنطقة.
وجدير بالذكر، أن الشركاء الأوروبيين مولوا منذ عام 2015 التدخلات في منطقة الساحل لمساعدة دولها على زيادة قدرتها في ضبط الهجرة والسيطرة عليها، حيث شجع الاتحاد الأوروبي السياسات التي تعزز المصالح الأمنية المشتركة مع حكومات دول المنطقة، لغياب قدرة المنظمات الإقليمية والقارية على تدشين أطر شاملة لكافحة الهجرة غير الشرعية.
وفي ضوء ما سبق، يحاول هذا التحليل التطرق لمعرفة مواقف الأطراف الأوروبية من التطورات في منطقة الساحل الإفريقي، وانعكاساتها المحتملة على الدول الأوربية.
مواقف أوروبية:
برصد التطورات في منطقة الساحل، كان للشركاء الأوروبيين مواقف واضحة من الأحداث في المنطقة منذ عام 2012 وحتى الآن مع حدوث الانقلابات العسكرية المتعاقبة، والإطاحة بأنظمة الحكم الحليفة للدول الأوروبية التي تدل على فشل السياسات الأوروبية وتحديدًا فرنسا، مما قد ينعكس على مصالحها في القارة الإفريقية، وفيما يلي أبرز مواقف كل من إيطاليا وإسبانيا وألمانيا والدنمارك:
(&) إيطاليا: تعد إيطاليا من ضمن الأطراف الأوروبية الفاعلة في منطقة الساحل، حيث يعود التدخل العسكري الإيطالي في المنطقة منذ عام 2013، مع بداية الوجود الأوروبي في المنطقة، بحجة القضاء على الهجرة السرية التي تتسرب إلى حدودها الجنوبية.
وجدير بالذكر، مشاركة إيطاليا عسكريًا في عملية “تاكوبا” بهدف ظاهري وهو الدعم العسكري لجيوش المجموعة الخماسية لدول الساحل، لا سيما مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ولكن الهدف الأساسي يتمثل في مشاركة إيطاليا في تقديم الدعم الأوروبي إلى فرنسا، إضافة إلى أن تدخل إيطاليا يهدف إلى تحقيق الاستقرار في منطقة الساحل الوسطي، نظرًا لموقعها الجغرافي الذي يربط إفريقيا جنوب الصحراء بحوض البحر الأبيض المتوسط.
وكان لروما موقف واضح من أزمة النيجر، حيث طالبت بعدم اتخاذ المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا “إيكواس” خطوة التدخل العسكري، ودعت لتمديد المهلة التي منحتها المجموعة للسلطة الانتقالية لعودة النظام الدستوري.
كما قامت الحكومة الإيطالية بخفض عدد قواتها في النيجر لإفساح المجال في قاعدتها العسكرية للمدنيين الذين يحتاجون للحماية في ظل الوضع الأمني المتدهور، حيث أقلعت طائرة عسكرية إيطالية من العاصمة النيجرية نيامي إلى روما وعلى متنها 65 جنديًا إيطاليًا، بالإضافة إلى 10 جنود أمريكيين.
وأكدت روما إجراء المزيد من الرحلات الجوية في ظل وجود 250 جنديًا إيطاليًا يقومون بمكافحة التمرد والتدريب العسكري في البلاد، وأجلت 36 من رعاياها من نيامي، تاركة حوالي 40 مدنيًا إيطاليًا في النيجر، معظمهم من العاملين في المنظمات غير الحكومية.
(&) إسبانيا: تعد إسبانيا من الدول الأوروبية المنخرطة في منطقة الساحل الإفريقي أمنيًا وسياسيًا، وتحديدًا منذ ترؤسها لـ”الجمعية العامة للتحالف من أجل الساحل” في النصف الأول من عام 2022، والتي تأسست في 2017 بمبادرة فرنسية.
علاوة على ذلك، تقود إسبانيا المشروع الأوروبي “جار-سي ساحل” لتدريب قوات الدرك في دول المنطقة بالإضافة إلى السنغال، كما تشارك في بعثات الاتحاد الأوروبي المختلفة في المنطقة.
وفي الوقت الذي كانت فرنسا ترتكز على النيجر لتنفيذ سياستها في المنطقة، فإن إسبانيا كانت تسعى لكي تكون موريتانيا بوابتها للنفوذ والتغلغل في المنطقة.
كما حاولت إسبانيا استغلال انعقاد قمة حلف الناتو على أرضها نهاية يونيو 2022، لدعوة موريتانيا للمشاركة فيها، حيث حاولت مدريد إقناع أعضاء الحلف بوضع استراتيجية جديدة في منطقة الساحل بعد انسحاب قوات برخان الفرنسية من مالي، خاصة وأن إسبانيا تمثل حلقة الوصل بين الحلف ودول المنطقة وعلى رأسها موريتانيا.
ويرجع اهتمام إسبانيا بموريتانيا كقاعدة ارتكاز لاستراتيجيتها الجديدة في الساحل، لأنها ترى في تطورات المنطقة تهديدًا لأمنها القومي سواء من خلال الجماعات الإرهابية وشبكات تهريب البشر والهجرة والجريمة المنظمة العابرة للحدود، فضلاً عن تمدد النفوذ الروسي في المنطقة وسعيه الاستراتيجي لتطويق دول الحلف من الجنوب.
وفي ظل الانقلابات بالمنطقة، أكدت وزيرة الدفاع الإسبانية “مارجريتا روبلز” في 30 أغسطس 2023 أن إسبانيا ستقوم بتقييم وضع قواتها العسكرية في إفريقيا في أعقاب أزمتي النيجر والجابون، كما أكدت روبلز أن إسبانيا لها وجود في مالي والصومال، وجمهورية إفريقيا الوسطي، وفي حين يتعلق الأمر بالمهام العسكرية، أكدت أنه لابد من مراجعة كل القضايا لتقييم مهامهم العسكرية في إفريقيا، فالأحداث الأخيرة في منطقة الساحل تثير قلقًا كبيرًا لإسبانيا، حسب شبكة سي إن إن.
(&) ألمانيا: فمنذ التطورات الأخيرة في مالي ودول الساحل المجاورة بغرب إفريقيا، أصدر البرلمان الألماني “بوندستاج” قرارًا بنوع من الانسحاب المشروط على خلفية تفويض الجيش الألماني “بوندسفير” ضمن بعثة الأمم المتحدة في مالي “مينوسما”، حيث أكد البرلمان أنه في حال لم يتم توفير الرعاية والحماية للجنود الألمان بشكل كافي، فسوف يتم اتخاذ تدابير لتعديل المساهمة الألمانية في منطقة الساحل.
كما طالب أعضاء بالائتلاف الحاكم في ألمانيا في ظل توتر الأوضاع بإنهاء المهمة في مالي في أقرب وقت، لكن وزيرة الخارجية “أنالينا بيربوك” أكدت على تمسكها باستمرار المهمة.
ومن جانب آخر وجهت النائبة اليسارية “سيفيم داجديلين” انتقادات حادة للوجود الفرنسي في منطقة الساحل، وأكدت أن فرنسا تقوم باستخدام اليورانيوم النيجري لإنارة محطاتها النووية، في حين يعاني سكان دولة الساحل من الجوع، إضافة إلى تأكيدها أن ألمانيا بات يُنظر إليها بشكل متزايد كشريكة في “السياسة الاستعمارية الفرنسية”.
ودعت برلين منذ أزمة النيجر، إلى فرض عقوبات على قادة السلطة الانتقالية في نيامي، كما أكدت دعمها للجهود الإقليمية لحل الأزمة بهدف استعادة النظام الدستوري، إضافة إلى قيام ألمانيا بتعليق مساعدتها الإنمائية ووقف دعمها المالي للنيجر، وأدانتها للسلطة الجديدة، بينما يوجد حوالي 100 جندي ألماني في النيجر، وقاعدة جوية مهمة للجيش في العاصمة نيامي.
وكانت وزيرة الخارجية الألمانية “أنالينا بيربوك” قد أكدت على تعاون بلادها مع دول جوار النيجر للتعامل مع الأزمة وإحلال الديمقراطية بمنطقة الساحل، وأن الإطاحة بالرئيس محمد بازوم بطريقة غير دستورية، أثرت على خطط قوات بلادها بالانسحاب من منطقة الساحل.
(&) الدنمارك: تلعب الدنمارك دور مهم في منطقة الساحل، حيث تساهم في مكافحة الإرهاب من أجل ضمان الاستقرار في المنطقة منذ عام 2012، وقامت كوبنهاجن بتقديم مساعدات عسكرية إلى مالي ومنطقة الساحل وقدمت عام 2013 طائرة نقل لعملية “سيرفال” التي قادتها فرنسا، والتي سبقت لعملية برخان، كما ساهمت في مهمة الأمم المتحدة في مالي “مينوسما” عام 2014.
وفي عامي 2019 و2020، ساهمت الدنمارك بطائرات هليكوبتر في عملية “برخان”، إضافة إلى تقديم دعم كبير للبعثة لتحقيق الاستقرار في مالي.
علاوة على ذلك، نشرت مروحية دنماركية في جاو في الجزء الشرقي من مالي بين عامي 2019-2020، تضم حوالي 70 شخصًا في عملية “برخان” التي تقودها فرنسا لدعم الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، وكانت تقوم بنقل القوات والمعدات.
وفي مايو 2021، تمت الموافقة على اقتراح قدمته الحكومة الدنماركية لمساهمة قوات العمليات الخاصة في فرقة العمل “تاكوبا” في مالي، حيث كانت تعمل الفرقة على دعم قوات الأمن المالية وتحقيق الاستقرار في مالي وأجزاء من منطقة “ليبتاكو-جورما” التي تشمل مناطق في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، لتعزيز قدراتهم الخاصة وضمان حماية المدنيين من الجماعات الإرهابية.
ومع ذلك أكدت الدنمارك يوم 27 يناير 2022، أنها ستسحب قواتها العسكرية الصغيرة من شمال مالي والتي تضم 100 جندي بعد طلب المجلس الانتقالي الحاكم في الدولة، وبالفعل انسحبت الدنمارك في أبريل 2022.
وفي 19 سبتمبر 2023، استأنفت الدنمارك منح النيجر جزء من المساعدات المخصصة للتنمية التي علقتها بعد الأزمة، حسب وزير الخارجية “لارس لوك راسموسن”.
كما أكدت كوبنهاجن على خطورة الوضع في النيجر الذي سوف يؤدي إلى تدفق محتمل للاجئين، وأشارت أنها لا تخطط لاستئناف كامل برنامج مساعداتها إلى النيجر البالغة قيمته 920 مليون كورنة (قرابة 130 مليون دولار)، على خمس سنوات.
تهديدات واضحة:
بعد قراءة ورصد تفاعل الأطراف الدولية في منطقة الساحل في ظل الانقلابات العسكرية، قد تحاول الدول الأوروبية إعادة تقييم الأوضاع في المنطقة، وتحديدًا بعد انسحاب فرنسا من النيجر، كل ذلك يؤثر بشكل كبير على مصالح تلك الدول وتهديدها، حيث يؤدي الانهيار التدريجي للحكم في غرب إفريقيا إلى التوسع في نفوذ الجماعات الإرهابية الذي من شأنه أن يتسبب في ظهور تحديات إنسانية وأمنية وزيادة أعداد الهجرة في إفريقيا، ويمكن توضيح تلك التهديدات كالتالي:
(-) تزايد أعداد الهجرة: شهدت الدول الأوروبية تزايد في أعداد الهجرة من إفريقيا، نظرًا للأوضاع الأمنية الهشة التي تشهدها دول الساحل في ظل الاضطرابات التي تسببت في القلق والفوضى، وتعتبر إيطاليا أكثر الدول المتضررة من تلك الأوضاع بالإضافة إلى تضرر إسبانيا وألمانيا والدنمارك.
وعليه، تشهد إيطاليا تزايد مستمر في أعداد الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط من إفريقيا، حيث أكدت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني يوم 15 سبتمبر وصول ما يقرب من 118500 مهاجر إلى إيطاليا على متن القوارب منذ بداية العام، في حين بلغ عدد المهاجرين في عام 2022 ما يقرب من 64529 شخص. ودعت ميلوني يوم 16 سبتمبر الاتحاد الأوروبي إلى المساعدة في تخفيف الضغط على بلادها بعدما وصل إلى جزيرة “لامبيدوزا” الإيطالية نحو 8500 شخص في ثلاثة أيام فقط على متن 199 مركبًا، وفق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
كما يواجه مركز استقبال المهاجرين في “لامبيدوزا” وفي ظل حالة عدم الاستقرار الاقتصادي بسبب التضخم وارتفاع الأسعار، صعوبة في استيعاب عدد الوافدين، بسبب نقص المياة والغذاء والرعاية الطبية، وقد عاتبت إيطاليا شركائها الأوروبيين عن عدم القيام بما يكفي لمساعدتها في التعامل مع العدد الهائل من المهاجرين.
كما صرحت ألمانيا أنها لن تستقبل مهاجرين من إيطاليا، فيما أعلنت فرنسا إرسال تعزيزات للتصدي للهجرة غير الشرعية على حدودها مع إيطاليا.
ومع ذلك، قامت الحكومة الإيطالية بتخصيص 45 مليون يورو لـ”لامبيدوزا” لمساعدة الجزيرة على التعامل مع المهاجرين، وطالبت ميلوني مساعدة الاتحاد الأوروبي، لذا تلقت إيطاليا 14 مليون يورو من الأموال الأوروبية، حسب المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية يوم 15 سبتمبر 2023، حيث يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إطلاق خطة جديدة لمساعدة روما في الحد من التدفقات غير المسبوقة للاجئين، وتجتاز القارة الإفريقية العدد الأكبر.
ومن جهة أخرى، أكدت ألمانيا يوم 23 سبتمبر 2023، أنها ستدرس إنشاء نقاط تفتيش حدودية ثابتة لاحتواء الهجرة غير الشرعية التي تمر عبر بولندا وجمهورية التشيك، كما أكدت برلين إن نقاط التفتيش يمكن أن تشكل وسيلة لمكافحة جريمة تهريب المهاجرين بطريقة أكثر قوة وفاعلية.
وشددت ألمانيا على أنه في حال تقدم شخص بطلب لجوء على الحدود، يجب فحص طلب اللجوء في ألمانيا، وهذا التزام قانوني واضح، حيث تواجه ألمانيا حركة هجرة كثيفة، إضافة إلى تسليط الضوء على أهمية حماية الحددود الخارجية للاتحاد الأوروبي، حسب صحيفة الشرق الأوسط.
(-) تهديد المصالح الأوروبية: تعد دول منطقة الساحل الإفريقي ذات أهمية استراتيجية للدول الأوروبية من حيث الأمن والاستقرار ومكافحة الهجرة غير الشرعية المرتبطة بأوروبا، ففي الوقت الذي تحاول فيه الدول الأوروبية تعزيز شراكاتها مع دول الساحل، في ظل أزمات الطاقة الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تحاول توسيع نفوذها الاقتصادي والعسكري على الدول الإفريقية، إضافة إلى الاستحواذ على مصادر الطاقة، ولكن جاءت الانقلابات العسكرية التي تسببت في الإطاحة بالرؤساء الحلفاء لأوروبا، لتهدد مصالحهم وتوضح عجز هذه الدول في تحقيق أهدافها بمنطقة الساحل، كما تدل هذه الانقلابات التي شهدتها القارة الإفريقية على فشل السياسات الأوروبية وتحديدًا السياسات الفرنسية.
كما قد يتسبب انقلاب النيجر في وقف “خطة ماتي من أجل إفريقيا” الجديدة التي روجت لها إيطاليا كثيرًا، والتي تهدف إلى تقديم “بديل جدي لظاهرة الهجرة الجماعية من خلال العمل والتدريب والفرص”، كما تسعى روما لتعزيز شراكات الطاقة مع الشركاء الأفارقة، فالإطاحة بـ “محمد بازوم” قد يعرض هذه الخطة للخطر، إضافة إلى التدفقات الهائلة من المهاجرين إلى الحدود الجنوبية لأوروبا.
علاوة على ذلك، تتطلع “جورجيا ميلوني” رئيسة الوزراء الإيطالية نحو إفريقيا لإعادة تشكيل أمن الطاقة الإيطالي وانتقاله، وتريد الحكومة الإيطالية إحياء الموقع الاستراتيجي للبلاد في وسط البحر الأبيض المتوسط، وتحويل شبة الجزيرة إلى حلقة وصل بين أوروبا المتعطشة للطاقة وإمكانات الطاقة الهائلة التي تتمتع بها إفريقيا، حيث تحتوي إفريقيا على نصف الموارد المعدنية في العالم، بما في ذلك التربة النادرة الوفيرة، ومساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة غير المستغلة على الأغلب، ولكن هناك صعوبة في تحقيق طموحات ميلوني في ظل الأوضاع الحالية في دول الساحل.
وتأسيسًا على ما سبق، في ظل انتقاد الشركاء الأوروبيين وتحديدًا إيطاليا لسياسة فرنسا في الساحل والتي تسببت في تزايد تدفق المهاجرين على الحدود الجنوبية لأوروبا، بعد سنوات من تقديم الدعم الأوروبي لفرنسا في المنطقة مقابل الحصول على موارد الطاقة والمعادن من القارة الإفريقية، ولكن بانسحاب فرنسا من النيجر، قد تقوم هذه الدول بمراجعة الأسس التي تعتمد عليها في سياستها مع الدول الإفريقية من خلال تبني سياسة جديدة تقوم على الشراكة بعيدًا عن أشكال الاستغلال الذي تتبعه فرنسا، للحفاظ على مصالحها في القارة، والحد من تزايد التدفقات الهائلة من المهاجرين الأفارقة إلى الحدود الجنوبية لأوروبا.
وختامًا، يمكن القول إنه بمغادرة السفير الفرنسي من النيجر، واستعداد القوات الفرنسية للخروج من البلاد بحلول نهاية العام، لن يبقى للوجود العسكري في إفريقيا سوى قاعدتين الأولى في تشاد، والثانية في جيبوتي، إضافة لتمركز عدد من الجنود الفرنسيين في دول مثل ساحل العاج والسنغال وبنين.
وعليه، قد تشهد المنطقة صراع بين الدول الغربية لملء الفراغ الأمني الذي خلفته فرنسا في النيجر، لا سيما بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، فقد تلعب الولايات المتحدة دور قوي في المنطقة لمواجهة التوسع الروسي والصيني داخل القارة الإفريقية، حيث تعد المنطقة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة لمواجهة النفوذ الصيني، والوجود الروسي الذي يحاول استغلال تراجع النفوذ الفرنسي.
وفي ظل وجود القوات الأمريكية في النيجر حيث يوجد 1100 عسكري في البلاد وكذلك السفير الأمريكي، بالإضافة إلى قاعدة للطائرات بدون طيار تساعد الجيش النيجيري في مواجهة المتمردين المرتبطين بتنظيمي “داعش” و”القاعدة” الإرهابيين اللذين من المؤكد يحاولا استغلال انسحاب فرنسا للنمو والتمدد في مناطق إضافية، كما أن محاولة الاستعانة بمجموعة “فاجنر” الروسية الخاصة لم تكن قادرة على تعويض القوات الفرنسية، لذا تحاول واشنطن تقوية الدور الأمريكي في المنطقة، وربما تقدم مزيد من الشراكة الأمنية البديلة لفرنسا، أما بالنسبة للصين فهي ثاني أكبر مستثمر في النيجر بعد فرنسا في مجالي النفط واليورانيوم وبانسحاب فرنسا من النيجر قد تصبح الصين أكبر مستثمر اقتصادي في النيجر بل ودول الساحل الإفريقي.