أثر التدخلات الاقليمية على فرص بناء السلام في جنوب البحر الأحمر (عرض رسالة ماجستير)

عرض – ريهام إبراهيم رضوان- باحثة متدربة بالمركز 

يحتل البحر الأحمر أهمية اقتصادية واستراتيجية يمر عبره نحو 13% تقريبًا من حجم التجارة العالمية، حيث يرتبط بخليج عدن والمحيط الهندي جنوبًا وقناة السويس والبحر المتوسط نحوالشمال في ضوء تعدد أنماط ومصادر الثروات الطبيعية بالمنطقة، وخاصة منطقة جنوب البحر الأحمر التي تضم دول إريتريا، والصومال، وجيبوتي، إلى جانب إثيوبيا.

وركزت دراسة “أثر التدخلات الاقتصادية علي فرص بناء السلام .. دراسه حالة التدخلات الإقليمية في منطقة جنوب البحر الأحمر والقرن الإفريقي منذ عام2011” على تدخلات دول الجوار وتداخل سياسات كل من إيران وتركيا وإثيوبيا تجاه منطقة جنوب البحر الأحمر والقرن الإفريقي وتركز بالأساس على توازنات القوي بين الفاعلين الإقليميين وأثرها على فرص السلام في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر.

وتشير الدراسة إلى أسباب واتجاهات وآليات التنافس الإقليمي والدولي في تلك المنطقة بالنظر إلى أهميتها المحورية، حيث تشهد المنطقة حالة من التدخلات من جانب دول (مصر واسرائيل و تركيا وايران والصومال وإثيوبيا )

أهمية متزايدة:

تعتبر منطقة القرن الافريقي والبحر الاحمر إحدي المناطق التي تثير خلافًا بين الباحثين حول حدود الدول التي تشملها المنطقة ويرجع ذلك إلى تعدد الدول ذات المصالح الجيوسياسية والجيواقتصادية فيها، ولتعدد ثرواتها الطبيعية وأهميتها الاستراتيجية، ويزداد الأمر تعقيدًا مع ارتباط تلك المنطقة بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب وبالتالي لا يمكن فصل تلك المنطقة عن الدول المشاطئة للبحر الأحمر والتي تشمل (مصر والسودان والسعودية واليمن وإسرائيل).

تعتبر تلك المنطقة ذات أهمية استراتيجية واقتصادية نظرًا لأهميتها بالنسبة لتجارة النفط والغاز الطبيعي ففي عام 2018 وفقًا لتقديرات الإدارة الأمريكية لمعلومات الطاقة تم تسجيل حوالي 6,2 مليون برميل/يوم من الزيت الخام والمنتجات البترولية المتجهة إلى كل من آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، بينما بلغ إجمالي حجم المواد البترولية والزيت الخام العابر لمضيق باب المندب حوالي 9% من إجمالي حجم المواد البترولية المتجهة إلى كل من آسيا وأوروبا والولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك يقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر في اتجاهين أكثر من 21000 قطعة بحرية سنويًا تمثل 7% من حركة الملاحة البحرية العالمية، كما تقدر قيمة البضائع التي تمر عبر البحر الاحمر سنويًا حوالي 700 مليار دولار تشمل معظم التجارة العابرة بين آسيا وأوروبا.

أبرز التحديات التي تواجه منطقة جنوب البحر الأحمر:

تواجه منطقة جنوب البحر الأحمر عدة تحديات يمكن استعراضها على النحو التالي:

(*) ضغوط اقتصادية: تظهر المؤشرات الاقتصادية لدول القرن الإفريقي، تراجع معدلات النمو الاقتصادي وتذبذب معدلات إجمالي الناتج المحلي، حيث استمر تراجع إجمالي الناتج المحلي في جيبوتي من 8,4% عام 2018 إلى 7,5% عام 2019 كما تراجع إجمالي الناتج المحلي في إريتريا من 6,7% عام 2018 إلى حوالي 6,5% عام 2019.

كما يتفاوت حجم الصادرات والواردات في تلك الدول وتسجيل عجز في الميزان التجاري، حيث بلغ حجم الصادرات الإريترية عام 2017 بنحو 624 مليون دولار، بينما بلغ حجم وارداتها حوالي 1,3% مليار دولار. وبلغت واردات جيبوتي عام 2016 حوالي 705 مليون دولار مقابل صادراتها التي بلغت 140 مليون دولار.

(*) تحديات التنوع الاجتماعي والديموغرافي: إن شعوب دول القرن الإفريقي تتكون من عدة قبائل تختلف على المستويات العرقية والعقائدية والتاريخية مما يزيد من تحديات تلك المنطقة

(*) التهديدات الأمنية: تتمثل في انتشار الفوضي على الساحل الصومالي واستشراء الجماعات المتشددة والقرصنة البحرية التي تهدد التجارة الدولية بالإضافة إلى اندلاع الصراع في اليمن بعد التمرد الحوثي للسيطرة على اليمن والبوابة الشرقية لمضيق باب المندب مما مثل تهديدًا للسعودية من الجنوب وقاد لتشكيل تحالف عربي في اليمن.

تداعيات التنافس الدولي على استقرار المنطقة:

أشارت الدراسة صعوبة التعامل مع تلك المنطقة بمعزل عن الضفة الشرقية لمضيق باب المندب المتمثلة في الصراع الدائر في اليمن، وأن هناك بعض العوامل التي أدت إلى زيادة التنافس على النفوذ في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، فبعد أن كان البحر الاحمر يُنظر إليه باعتباره بحيرة عربية إفريقية، أدي قيام إسرائيل وما تلاه من إنشاء ميناء إيلات الإسرائيلي إلى زعزعة تلك الصورة في ضوء الحرص الإسرائيلي على ضمان سلامة وحرية الملاحة منها وإليها عبر تلك المنطقة.

وتستنتج الدراسة أن منطقة القرن الإفريقي وجنوب البحر الأحمر أصبحت ساحة تتجلى فيها آليات وانعكاسات التنافس على النفوذ والسيادة الإقليمية بين القوى المتنافسة سواء على المستوي العربي أو الشرق أوسطي، وكذلك التنافس الدولي.

وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة اقتصاديًا وتجاريًا بين الدول المشاطئة للبحر الاحمر شرقًا وغربًا على مدى قرون، إلا أن النفوذ والعلاقات الخليجية مع دول المنطقة تعاظمت بصورة ملحوظة خلال العقدين الماضيين وخاصة عقب الأزمة الاقتصادية سنه 2008، حيث سعت دول الخليج للعمل على تنويع اقتصاداتها وعدم الاعتماد على تجاره النفط الا ان تلك العلاقات لم تقتصر فقط على البعد الاقتصادي والدبلوماسي إنما تبلورت لتشمل أيضًا الأهداف والطموحات على المستويين السياسي والأمني.

ووصل عدد المشروعات التي تشهد استثمارًا من جانب دول مجلس التعاون الخليجي في منطقة القرن الإفريقي نحو 340 مشروعًا خلال الفترة من 2000-2020، كما وصل حجم المساعدات والاستثمارات من جانب دول المجلس في منطقة القرن الإفريقي حولي 18 مليار دولار خلال الفترة من 2003-2020.

من ناحية اخري، ساعد توجه الولايات المتحدة نحو الانسحاب التدريجي من منطقة الشرق الأوسط، على سعي دول الخليج العربي إلى تعزيز نفوذها في المنطقة بما يعزز موقفها على الساحة الدولية، وذلك من خلال آليات حفظ السلام والمساعدات الإنسانية.

وفي النهاية يمكن القول إن تلك التفاعلات تشير إلى وجود حالة من عدم التوافق حول ترتيب الأولويات وتحديد التهديدات التي تواجهها المنطقة حتى بين الدول التي تبدو ظاهريًا أنها تحت مظلة معسكر واحد.

وتشير التفاعلات السابقة، بحسب الدراسة، إلى استفادة كلا الطرفين من حالات التنافس والانقسام وليس العكس، فالقوى الإقليمية مستفيدة من الانقسام في منطقة القرن الإفريقي وجنوبي البحر الاحمر سواء على مستوى الانقسامات داخل الدول أو الصراع بين دول المنطقة.

تُرجح الدراسة استمرار عدم الاستقرار النسبي في المنطقة في ضوء استمرار التنافس الإقليمي، بالإضافة إلى تزايد حدة التنافس الدولي في ظل ما يمر به النظام الدولي من تغيرات هيكلية، نتيجة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي وتوجه النظام الدولي نحو التعددية القطبية نتيجة الصعود المتزامن لكل من الصين وروسيا ومحاولات الولايات المتحدة التمسك بمكانتها الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى