من يفوز في الانتخابات التركية؟
ساعات معدودة وتبدأ لجان الانتخابات التركية فتح أبوابها للناخبين، ورغم تعدد دراسات استطلاعات الرأي التي أجريت خلال الفترة الأخيرة حول المرشح المحتمل رئيسًا، إلا أن اتجاهات تصويت الأتراك بعد الزلزال قد تحركها عوامل مغايرة ربما تغير ملامح صناديق الاقتراع المتكررة.
وتأسيسا على ذلك؛ يقدم هذا التحليل قراءة لفرص المرشحين للانتخابات التركية وفقا للمعطيات الراهنة، مع محاولة توضيح أهم العوامل التي تدعمه.
تقدم طفيف:
رغم أن هناك تقاربا واضحا في النتائج بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان و كمال كليتشدار أوغلو في استطلاعات الرأي، إلا أنه وفقا لمتخصصين لا تزال فرص الرئيس التركي هي الأقوى خلال السباق الانتخابي القادم، رغم الصعوبات التي يواجهها أردوغان، ورغم المشكلات التي حدثت خلال ولايته الأخيرة،في ظل الضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد من تراجع في قيمة العملة وارتفاع في مستويات التضخم بسبب إصراره على خفض سعر الفائدة.
فأردوغان لا يزال يحتفظ برصيد شعبي كبير لدى الأتراك، وبالأخص قاعدته المحافظة، وهي كتلة لا يستهان بها في الحسابات الانتخابية، حتى خلال الاستطلاعات لا يزال قطاع من الشعب التركي يؤكد على أن ما كانت عليه تركيا قبل مجيء العدالة والتنمية يسمح بإعطاء فرصة لأردوغان وحكومته مرة أخرى، خاصة وأنها الانتخابات الأخيرة لأردوغان، وفقا لما ينص عليه الدستور وما أعلنه الأخير بنفسه.
أضف إلى ذلك، المفاجآت التي خبأها أردوغان إلى يوم الصندوق، والتي أعادت نوعا ما ثقة الشارع في قيادته وحزبه، وانعكس ذلك على استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجريت خلال الأسبوع الماضي، والتي انتهى معظمها إلى تقدم الرئيس التركي بفارق ثلاث أو أربع نقاط عن أقرب منافسيه.
حيث أعلن خلال الأيام القليلة الماضية عن مشروعات جديدة في مجال الصناعات الدفاعية، كالمسيرات وحاملة الطائرات، وتحييد أبو حسين القرشي قائد تنظيم داعش في سوريا في عملية خاصة للاستخبارات التركية، والتي سوقها أردوغان كإنجاز جديد له فيما يخص ملف الأمن القومي. كذلك مشروعات الطاقة؛ بعد الإعلان عن اكتشاف بترولي جديد وبدء استخدام الغاز المستخرج من البحر الأسود، وغيرها من مشروعات الفضاء والطاقة النووية.
ناهيك عن بعض الإجراءات المتعلقة باقتصاد الانتخابات، حيث قام أردوغان برفع الحد الأدنى للأجور، والتعاون بمنح ١٥٠ ألف ليرة للمقبلين على الزواج تسدد على سنتين بدون فوائد، وتسهيل القروض التعليمية، والتعهد بتعويض متضرري الزلزال، وبناء ١١٣ ألف منزل إضافي. كما أضاف وجوه جديدة للحزب، حيث غير تقريبا 65% من الشخصيات المرشحة على قوائم حزبه،لكي يجذب الناخبين ممن أرادوا التغيير، كما من المتوقع أن يغير في الوزراء ونوابه.
ولا يمكن إغفال دور أردوغان في الحرب الأوكرانية كرجل دولة، والذي أثار إعجاب كثيرين في الداخل والخارج التركي، وفي مثل هذه الظروففاز ماكرون في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في فرنسا.هذا إلى جانب بعض التطورات في مجال السياسة الخارجية، والتي تهم جيب المواطن التركي، مثل المصالحة مع الخليج ومصر، والتحركات ذات الجوانب الاجتماعية والأمنية والمصالحة مع نظام الأسد، لضمان العودة الآمنة لملايين السوريين إلى بلادهم، والذي من شأنه أن يخفف من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية في أنقرة، كذلك الاتفاق حول سردية لضمان أمن أنقرة من تهديدات حزب العمال الكردستاني في الشمال السوري.
واستنادا لما تقدم، قد يكون أردوغان هو المرشح الأفضل بالنسبة للأتراك في الخارج، باعتباره عزز من مكانة تركيا على الساحة الإقليمية والدولية، حيث عبر الكثير منهم عن استحسانهم للدور التركي في الحرب بين أرمينيا وأذربيجان ومؤخرا في الحرب الأوكرانية. حيث لا تتركز أولويات الأتراك في الخارج بشكل كبير حول القضايا الاقتصادية والسياسية الداخلية لأنهم لا يعيشون في تركيا، ولكن ما يهمهم أكثر هو الدعم الذي يقدمه أردوغان للمغتربين في الخارج وبالأخص الدول الأوروبية التي يواجه فيها الأتراك بعض التضييق، كما يهمهم أيضا سمعة الدولة التركية ومكانتها في الخارج.
يذكر أن ما يقارب ٦,٥ مليون مواطن تركي يعيشون في الخارج، ٣,٥ مليون تقريبا يحق لهم التصويت، ويشكلون نحو ٥,٣ ٪ من مجموع أصوات الناخبين هذا العام. وخلال انتخابات 2014 صوت أكثر من 60% من المغتربين لصالح أردوغان، بينما صوت نحو ٦٤٪ لأردوغان خلال الانتخابات الماضية. وعليه لا يتوقع ان يحدث تغيرا كبيرا بالنسبة إلى وجهة أصوات الأتراك في الخارج خلال الانتخابات المقبلة.
ثقل غير مماثل:
في مقابل ذلك، لا تزال فكرة التماسك هي أولى نقاط ضعف المعارضة التركية، فقد شهدت الفترة الماضية تجاذبات عدة، تمثلت في انشقاق ميرال أكشينار عن تحالف الطاولة السداسية في مارس الماضي، بسبب خلافات أحزاب الطاولة حول المرشح الرئاسي. إلى جانبالاستقالات المتكررة التي شهدها تحالف الطاولة، كان آخرها في حزب الجيد وحزب المستقبل منذ أيام، حيث تقدم 300 عضو باستقالته من حزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو منذ أيام وانضموا إلى حزب العدالة والتنمية، بسبب معارضتهم لسياسات داوود أوغلو. حتى أنه في وقت سابق تم قطع البث عن إحدى القنوات المعارضة أثناء كلمة لأحمد داود أوغلو.
والأهم، الخلافات الجوهرية الموجودة في أفكار ورؤية كل حزب، والذي يعتبر سلاح ذو حدين بالنسبة للمعارضة، ومع كل هذه الاختلافات فرضت أحزاب الطاولة أن يعين رؤساؤها نوابا لرئيس الجمهورية حال فوز كليتشدار أوغلو بالانتخابات، مما قد يفقد الثقة في المرشح الرئاسي وقدرته على الإدارة. وبالتالي ، ووفقا لخبراء، فإن المعارضة التركية لم تنجح في طرح نفسها بشكل حقيقي ومقنع للناخب التركي.
حتى أن الأحزاب المتحالفة مع حزب الشعب الجمهوري، باستثناء حزب الجيد، ما هي إلا أحزاب صغيرة لا تتجاوز قاعدتها الشعبية 1% ، وبالتالي فهي ليست بالقاعدة الكبيرة التي تؤمن الفوز رقميا لصالح كليتشدار أوغلو.
ناهيك عن دعم حزب الشعوب الديمقراطي ” ممثل الأكراد ” للتحالف المعارض، ورغم أن هذا الحزب يملك قاعدة شعبية بنحو 10% ، إلا أنه من ناحية أخرى قد يؤثر على الأصوات القومية والمحافظة التي كان من المتوقع أن تصوت لصالح المعارضة، وهو ما اعتبره خبراء خطأ استراتيجيا فادح حول اهتمام بعض الناخبين من الأزمة الاقتصادية إلى الأمن القومي.
أضف إلى ذلك، الشبهات التي تدور حول وجود دعم غربي للمعارضة ضد أردوغان، بالتزامن مع الحملات الإعلامية والانتقادات التي وجهها مسئولين غربيين للأخير، بل والدعوة إلى إسقاطه، مما قد يدفع قطاع كبير من الناخبين الأتراك إلى الوقوف إلى جانب من يدعي المظلومية، وهو أردوغان في هذه الحالة، خاصة وأن الشعب التركي لديه حساسيات تاريخية بشأن علاقات الغرب مع الدولة التركية.
كما أن المعارضة ليست لديها سجل من الإنجازات يضاهي ما قدمه أردوغان والعدالة والتنمية،والتي لا يزال يتكئ عليها رغم سقطاته، وبالتالي فإن فوز أردوغان من وجهة نظر كثيرين هو الحل الأكثر ضمانة للاستقرار في الوقت الراهن.
ولهذا، اعتبر محللون أن الحشود التي حضرت في مطار أتاتورك لتأييد الرئيس أردوغان خلال تجمع انتخابي بولاية إسطنبول بمثابة إعلان مبكر حول وجهة الأصوات في هذه الولاية، حيث حضر لأردوغان ما يقارب مليون و ٧٠٠ ألف مواطنا، مقارنة بنحو ٢٠٠ ألف للمعارضة. ومن المعروف أن من يفوز بولاية إسطنبول فقد حسم الانتخابات، وهو ما أكده أردوغان شخصيا في وقت سابق.
ماذا عن انسحاب محرم إنجه؟:
سبق وأعلن المرشح الرئاسي محرم إنجه الخميس الماضي عن انسحابه من السباق الانتخابي، على إثر تعرضه للابتزاز من قبل المعارضة التركية، من خلال تسريب صور شخصية وتقارير مزورة من قبل المعارضة، وفقا لما قاله إنجه.مما زاد المشهد ضبابية، باعتبارهم يحدد حتى الآن المستفيد من تلك الخطوة. فبعد اتهام إنجه للمعارضة بالوقوف والتعاون مع الإرهابيين واتهامه لهم بالضغط عليه حتى قرر الانسحاب، من ممكن أن يدفع الفئة التي كانت ستصوت إلى محرم إنجه إلى عدم التصويت للمعارضة،وبالتالي توزيع الأصوات بين أردوغان وسنان أوغان.
مما دفع أردوغان إلى اللعب على الحبل ذاته؛حينما أعرب عن حزنه على انسحاب إنجه، واتهامه للمعارضة التركية بالضغط على الأخير، حتى أن المدعي العام التركي بدأ التحقيق في أسباب انسحاب محرم إنجه من الانتخابات وحملة التشوية التي تعرض لها. كما اتهم أردوغان كليتشدار أوغلو بأنه وصل إلى رئاسة الحزب بنفس الطريقة من خلال تسريب صور لسلفه. مما قد يدفع ناخبي إنجه للتصويت إلى أردوغان كخطوة عقابية للمعارضة بعد الضغط على مرشحهم.
ومن الممكن أن تذهب هذه الأصوات _ أو جزء منها _ إلى سنان أوغان، وذلك بسبب عدم اقتناع هذه الفئة منذ البداية بالتحالفين الكبيرين، وهو ما قد يصب في صالح أردوغان أيضا طالما لم تذهب الأصوات للمعارضة. ولكن كل هذا لا ينفي إنه من الممكن أن يكون التحالف المعارض هو الخيار الأقرب لناخبي إنجه، ولهذا أراد تحالف الطاولة انسحابه.
وبالتالي في ظل القرار الأخير بالانسحاب وعدم توجيه ناخبيه للتصويت للطرف المعين، فقد أضيفت فئة جديدة من الناخبين سيحاول بقية المرشحين استمالتها لصالحهم، كما ومن الممكن أن تعزز مثل هذه الخطوة من فرص حسم الانتخابات من الجولة الأولى.
وختاما، يمكن القول إنه إذا أتينا إلى مسألة الكاريزما ومواجهة التحديات الخارجية، فضلا عن المفاجآت التي خبأها أردوغان ليوم الصندوق، فإن كمال كليتشدار أوغلو يبدو متواضعا أمام أردوغان، باعتبار أن الأخير لايزال في السلطة ويملك أدواتها، وأبرزها الأداة الإعلامية للترويج لإنجازاته من أجل إقناع الناخبين.
حتى أن حادثة سحب محرم إنجه ترشحه لا يتوقع أن تؤثر بشكل كبير في سير النتيجة، حيث لم يتوقع أن تتجاوز بالتصويت له 4%، وفقا لمحللين أتراك.