ماذا بعد زيارة وزير الخارجية التركي إلي القاهرة؟

جاءت زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إلى القاهرة، في إطار رغبة تركية لتسوية كافة الملفات العالقة مع القاهرة منذ سنوات، باعتبارها الأولى من نوعها منذ ١١ عاما لوزير خارجية تركي إلى مصر. وهي خطوة أنهت الجدل وأزالت علامات الاستفهام حول سبب تأخير الإعلان عن استئناف العلاقات التركية المصرية بعد قرابة عامين من المباحثات الاستكشافية والتواصل الدبلوماسي بين البلدين.
وتأسيسا على ما تقدم، يناقش هذا التحليل أهم التحركات الإقليمية التي أثمرت عن عودة العلاقات التركية المصرية، وأهم الملفات التي من الممكن أن تؤثر حيالها، مع تسليط الضوء على أبرز المحطات التي أثمرت في مجملها عن استئناف العلاقات بين البلدين.
مقدمات للتقارب:
تأتي زيارة وزير الخارجية التركي إلى القاهرة في إطار جملة من التحركات المشابهة بين مسؤولي كلا البلدين، لعل أبرزها:
- استمرار اللقاءات خلال العامين الماضيين بين القاهرة وأنقرة على مستويات عدة، كان أبرزها المحادثات الاستكشافية التي تمت بين نائبين وزيري خارجية مصر وتركيا. وعملت من ذلك الحين أنقرة على محاولة استرضاء القاهرة، وتنفيذ أهم شروطها بتحجيم أفراد جماعة الإخوان المسلمين المقيمة في تركيا، وإغلاق قنواتهم التي تبث من تركيا.
- ومصافحة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان في حفل افتتاح مونديال قطر الأخير، الذي كان مبشرا أيضا في هذا الشأن، والتي اعتبرها أردوغان ” خطوة أولى ” في طريق عودة العلاقات.
- زيارة سامح شكري وزير الخارجية المصري إلى أنقرة في أواخر فبراير الماضي على رأس شحنة لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى أنقرة، عقب الزلزال الكبير الذي ضرب جنوب تركيا في 6 فبراير الماضي.
- حتى أنه خلال العامين الماضيين تغيرت اللهجة العدائية بين البلدين وصاحبها الهدوء نوعا ما، بالرغم من أن مستوى التمثيل الدبلوماسي لم يكن على مستويات عليا.
ولهذا، من الممكن أن يكون الإعلان عن استعادة العلاقات المصرية التركية، واستضافة القاهرة لوزير الخارجية التركي في هذا التوقيت، باعتبار أن أردوغان يستعد الآن لمعركة انتخابية محتدمة، أن القاهرة تدعم أردوغان وتفضل بقاءه خلال الفترة المقبلة. وقد تكون الرؤية المصرية جزء لا يتجزأ من الرؤية الخليجية بوجه عام التي يبدو أنها تفضل قيادة أردوغان المرحلة في تركيا، بالرغم من الخلافات التي جمعتهم به، إلا أنه يبدو الأنسب لتنفيذ سياسات معينة في المنطقة خلال الفترة المقبلة.
محفزات إقليمية:
فقد جاءت خطوة استعادة العلاقات التركية المصرية في إطار مناخ إقليمي موات بشكل كبير. وتمثلت ضربة البداية في عملية المصالحة الدول الخليجية ومصر مع قطر في إطار اتفاقية العلا في مطلع 2021، وهو ما كان المحفز الأول لبداية صفحة جديدة في العلاقات بين تركيا ودول المنطقة، خاصة وأن أنقرة كانت تتبنى موقفا مساندا لقطر في الأزمة، وبالتالي كان من البديهي بعد استعادة العلاقات الخليجية والمصرية مع قطر أن يتم إعادة النظر في العلاقات مع تركيا كذلك.
ومن بعدها انهالت المصالحات الخليجية مع تركيا، وكان على رأسها السعودية والإمارات، التي توجت بتبادل الزيارات بينهم على التوالي، إلى الدرجة التي أضحت تدعم فيها الدول الخليجية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال السباق الانتخابي الشرس المقبل على أصعدة مختلفة. خاصة بعدما قامت الإمارات بإنشاء صندوق استثماري في تركيا يبلغ قيمته ١٠ مليار دولار، كما أودعت السعودية خلال الشهر الجاري ٥ مليارات دولار في البنك المركزي التركي. ناهيك عن المساعدات الإنسانية والاقتصادية التي قدمتها الدول الخليجية إلى أنقرة على إثر كارثة الزلزال.
أضف إلى ذلك، التطورات الإيجابية التي لمست العلاقات التركية اليونانية، والتي من المتوقع أن تسهم في عودة الهدوء إلى العلاقات التركية اليونانية بشكل ما خلال الفترة المقبلة، خاصة بعدما قدمت أثينا الدعم إلى أنقرة عقب كارثة الزلزال، الأمر الذي دفع أردوغان إلى توجيه الشكر إلى اليونان. وهو في حد ذاته موقف لافت، بعد سيل التهديدات التي أطلقها أردوغان لليونان، والتي كان أبرزها الهجوم العسكري التركي على اليونان، ردا على مزاعم تركيا بأن اليونان تعمل على تسليح الجزر في بحر إيجة.
إلى جانب التحركات الإقليمية من أجل إعادة سوريا إلى الحاضنة العربية، واستعادة العلاقات بين حكومة الأسد وبين الدول الإقليمية التي تجمعها خلافات مع حكومة الأخير، وعلى رأسهم السعودية وتركيا.
والأهم، أنه تم الاتفاق مؤخرا بين السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح السفارات خلال مدة أقصاها شهران، الأمر الذي من شأنه أن يعزز من التحركات في إطار المصالحة مع إيران بين دول المنطقة وخاصة مصر وبقية الدول الخليجية. وبالتالي قد تصبح أنقرة هي حلقة الوصل بين القاهرة وطهران في هذا الشأن.
وبالنظر إلى ذلك، أضحت العلاقات التركية المصرية بمثابة معرقل لخطط عدة في مسار إعادة لملمة الأوراق في المنطقة وإعادة النظر في خريطة التحالفات بها.
ملفات تنتظر الحسم:
لا يمكن الجزم أن هناك إمكانية لتصفية كافة المشكلات بين البلدين، ولكن سيبقي باب الحوار مفتوحا للمشاورات في المرحلة القادمة، خاصة وأن المحادثات الاستكشافية المستمرة طيلة العامين الماضيين قطعت شوطا كبيرا في هذا الخصوص، رغم أن مستوى التمثيل السياسي والدبلوماسي لكلا البلدين لم يكن على أعلى مستوى خلال المباحثات، إلا أنه نجح في طي ملف الإخوان في تركيا بعدما قامت الحكومة التركية بإغلاق القنوات التابعة لهم.
ناهيك عن، التغير الملحوظ الذي شهده الموقف التركي من نظام الأسد، حيث دأبت الحكومة التركية خلال الفترة الأخيرة على الترويج إلى أهمية استعادة العلاقات مع حكومة الأسد على لسان عدد من المسئولين الأتراك مثل وزير الخارجية التركي، وحتى أردوغان نفسه. وهي الخطوة التي كان من المتوقع لها أن تسير بوتيرة متسارعة خلال الفترة المقبلة على إثر تداعيات الزلزال، إلا أن أردوغان من الممكن أن يلجأ إلى تأجيل مثل هذه الخطوة على المستوى الرسمي في إطار محاولاته الداخلية لكسب دعم الأحزاب الكردية في تركيا لكي يعينه في الملف الانتخابي.
ولهذا، من المتوقع أن تصبح المشاورات والتخلي عن سياسة المواقف الجامدة في ملفات أخرى هي الخيار الأنسب، مثل الملف الليبي. ففي ليبيا، أصبحت القاهرة وأنقرة لديهما رغبة مشتركة في مساعدة الأجسام الليبية لتوحيد الجهود المشتركة وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية من أجل استعادة الهدوء على الحدود. الأمر الذي قد يتوج بوضع خطة عمل مشتركة للعمل في ليبيا لتجنب أي خلافات كبيرة فيما بعد، وهو ما قد يكون سبب المرونة التي أبدتها أنقرة تجاه أطراف الشرق الليبي مؤخرا.
وأيضا في شرق المتوسط، وبالتحديد بعد موقف اليونان من زلزال تركيا، قد لا نستبعد البدء في حوار جديد و وضع استراتيجية جديدة للتعامل مع ملف شرق المتوسط، وقد يتطور الأمر إلى حد ترسيم الحدود التركية مع بقية الأطراف في شرق المتوسط، والعدول عن سياسة استبعاد أنقرة من أي نقاشات تخص ملف الغاز في المنطقة.
كما من المتوقع أن تطال التفاهمات الملف الاقتصادي، بأن يتم تبادل الاستثمارات، وزيادة معدلات التبادل التجاري بين البلدين. وفقا لما أكده وزير الخارجية التركي خلال اللقاء الذي جمعه بنظيره المصري بالقاهرة، بعدما حث تشاووش أوغلو مستثمري بلاده على العمل في مصر وتعزيز التبادل التجاري، كما أكد سامح شكري أن” التبادل التجاري مع تركيا بلغ تسعة مليارات دولار “.
في النهاية، يمكن القول أن الخطوة باتت استكمالا واقعيا لمسار التطبيع التركي نفسه في المنطقة، كما حدث بين تركيا والخليج وإسرائيل، حتى أضحت العلاقات التركية المصرية بمثابة الحلقة المفقودة في المشهد الراهن.
ولهذا من المنتظر أن تشهد الفترة المقبلة طفرة ملحوظة في اللقاءات المصرية التركية، تتوج الجهود الدبلوماسية بزيارة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلي القاهرة، خاصة حال فوزه في الانتخابات المقبلة.