مسارات تنموية: تحركات البنك الزراعي خلال الربع الثالث من عام 2025

يُعد البنك الزراعي المصري أحد أهم المؤسسات المالية المُتخصصة في دعم الزراعة والتنمية الريفية في مصر، حيث يجمع بين دوره التنموي والاجتماعي والتمويلي في آن واحد، فخلال الفترة الأخيرة برز البنك كفاعل رئيسي في تعزيز الشمول المالي، ودعم فئات المجتمع المختلفة، خاصة الشباب والطلبة، إلى جانب حضوره الفاعل في ساحة المعارض الزراعية والفعاليات الدولية التي تستهدف تطوير القطاع الزراعي وزيادة قدرته التنافسية.
وتأسيساً على ما سبق يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على نشاطات البنك الزراعي خلال الفترة الأخيرة وتأثيراتها على الاقتصاد المصري.
محاور استراتيجية:
يُمكن التعرف على محاور نشاطات البنك التنموية والتمويلية المختلفة من خلال النقاط التالية:
(-) تعزيز الشمول المالي: يضع البنك الزراعي محور الشمول المالي في مركز استراتيجية التنموية، فتعزيز وصول الأفراد إلى الخدمات المصرفية بكل سهولة ويسر يُحسن من بيئة القطاع المصرفي في مصر، وفي سبيل ذلك أعلن البنك الزراعي المصري خلال فعاليات” اليوم العالمي للشباب” في أغسطس الجاري، عن فتح حسابات توفير، جاري، ونشاط اقتصادي مجاناً دون مصاريف أو حد أدنى، فضلاً عن إصدار بطاقات ميزة مسبقة الدفع مجاناً وتفعيل المحفظة الإلكترونية Agri Wallet.
فهذه الخطوة تقود إلى توسيع قاعدة المستفيدين من الخدمات المصرفية وخاصة الفئات غير المتعاملة سابقًا، وتُعد مؤشرًا ملموسًا على دمج شرائح جديدة داخل النظام المالي.
(-) الاهتمام بالعنصر البشري: يزداد الدور الاجتماعي والاستثماري للبنك الزراعي المصري في رأس المال البشري، وهو ما يتجلى في تكريم البنك لأوائل الثانوية العامة عبر منحهم مكافآت مالية وفتح حسابات بنكية لهم بدون رسوم، فهذه المبادرة تمثل استثماراً مباشراً في رأس المال البشري؛ لأنها تشجع الطلاب على التفوق وتربطهم مبكراً بالنظام المصرفي، مما يزيد من وعيهم المالي ويؤسس لعلاقة طويلة الأمد مع البنك، كما أن هذه الخطوة لا تُعد فقط عملاً مجتمعاً، بل استثماراً استراتيجياً في شريحة الشباب التي ستقود الاقتصاد في المستقبل.
ومن هنا يتضح أن البنك الزراعي المصري لا يركز فقط على التمويل الزراعي، بل يسعى لبناء مجتمع مالي أكثر وعياً، وهذا يعكس فهمه أن رأس المال البشري أهم من رأس المال المادي؛ لأنه المحرك الأساسي للإنتاج والابتكار، فمن خلال الاستثمار في التعليم والوعي المالي، يضع البنك الزراعي أساساً طويل الأمد لتنمية مستدامة قائمة على المعرفة والمهارات، فعلى سبيل المثال توفير المحفظة الإلكترونية Agri Wallet للشباب يُساعد على تدريبهم على التعامل مع المدفوعات الرقمية، وهو مهارة مطلوبة لسوق العمل المستقبلي.
(-) دعم للمعارض الزراعية: يقوم البنك الزراعي المصرفي في إطار تحركاته الواسعة في مجال التنمية الزراعية ودعم القطاع الزراعي وتقديم حلول تمويلية للمزارعين والشركات الزراعية، برعاية معرض Sahraa2025″” الذي يُعتبر أكبر معرض متخصص في مصر وإفريقيا والشرق الأوسط، إذ سيعقد هذا المعرض دورته خلال الفترة من 14 إلى 16 سبتمبر.
ومن الجدير بالذكر أن المعرض يستقطب آلاف المشاركين من أكثر من 20 دولة، ويجمع بين شركات المعدات الزراعية، موردي البذور والأسمدة، شركات التكنولوجيا الزراعية، والمزارعين، فبالتالي رعاية البنك لهذا المعرض تمنحه فرصة مباشرة للتواصل مع مختلف الفاعلين في المنظومة الزراعية، وتقديم خدمات تمويلية، خصوصاً في مجالات تمويل الزراعة التعاقدية، المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتحول للزراعة الذكية.
انعكاسات واجبة:
(*) زيادة الوعي المالي: يترتب على الخطوات التي يتخذها البنك الزراعي المصري في محور الشمول المالي، تعزيز الوعي المالي لدى عدد كبير من المصريين، خاصة الشباب،فوفقاً لبيانات البنك المركزي المصري ارتفعت نسبة الشمول المالي في مصر إلى 74.8 % ، والبنك الزراعي مساهم رئيسي في هذه النسبة؛ بسبب انتشاره الكبير في المحافظات الريفية، ومبادراته المختلفة بفتح الحسابات المجانية. فكما يوضح الشكل (1) حدثت طفرة كبيرة في معدلات نمو الشمول المالي بين الفئات المختلفة منذ عام 2016، إذ سجل 295% بين النساء، و 53.1% بين الشباب.
الشكل( 1) يوضح تطور معدلات الشمول المالي في مصر من 2016 إلى 2024
وهو ما ينتج عنه أثراً كلياً في الاقتصاد مُتمثل في رفع حجم مدخرات القطاع المصرفي بدلاً من الاقتصاد غير الرسمي، وزيادة قدرة البنك المركزي على إدارة السياسة النقدية بفاعلية أكبر مع دخول شرائح جديدة للنظام المصرفي، فضلاً عن التوسع في فرص الإقراض لاحقاً بما يدعم الاستثمار المحلي، خاصة في الريف.
(*) تعزيز الابتكار الزراعي: إن مشاركة البنك الزراعي في المعارض الزراعية، تدعم التوجه نحو الزراعة الذكية والرقمية، فعلى سبيل المثال، التعاون مع شركات التكنولوجيا الزراعية المشاركة في المعرض يُساعد على ربط الفلاحين بأحدث الأدوات (أجهزة استشعار، أنظمة ري حديثة، تطبيقات لمتابعة الإنتاجية)، وهذا ينسجم مع استراتيجية الدولة للتحول إلى الزراعة المستدامة، وتقليل الفاقد ورفع الإنتاجية.
ومن ناحية أخرى تجذب هذه المشاركة الاستثمارات الجديدة في القطاع الزراعي، خصوصاً في سلاسل القيمة الزراعية ( من الزراعة حتى التسويق)، كما أنها ترفع وعي المزارعين حول فرص التمويل الميسرة، وهو ما يُعزز اندماجهم في السوق الرسمي ويزيد من كفاءة الإنتاج.
(*) تنشيط الاقتصاد الريفي: مع انتشار البنك الزراعي عبر أكثر من 1100 فرع في مختلف المحافظات، فإن نشاطه الكبير في مجال الشمول المالي، سيُعزز النشاط الاقتصادي الريفي، مما ينعكس على زيادة تدفق الأموال في القرى بدلاً من الاعتماد على الاقتصاد النقدي، وتوفير أدوات دفع رقمية مثل Agri Wallet، الأمر الذي يترتب عليه تسهيل التجارة الريفية وتقليل تكاليف المعاملات.
(*) تقليل مخاطر الإقراض: إن دخول شرائح جديدة إلى القطاع المصرفي، يُقلل من الاعتماد على القطاع غير الرسمي، وهو ما يرفع قدرة البنوك على تقييم العملاء من خلال بيانات رقمية، وتقليل معدلات التعثر بفضل انتشار ثقافة الادخار والمعاملات المصرفية، إذ أن ارتفاع نسبة القروض المتعثرة داخل القطاع المصرفي يُعتبر مؤشر سلبي ويضعف الجدارة الائتمانية للقطاع.
وعليه، فإن نشاط البنك الزراعي المصري في الفترة الأخيرة يُمكن النظر إليه كأداة تحريك لدوائر اقتصادية متعددة: من توسيع الشمول المالي وزيادة المدخرات، إلى تحفيز الاستثمار الزراعي ودعم رأس المال البشري، وصولًا إلى تعزيز النمو الريفي والأمن الغذائي. هذه الانعكاسات تجعل البنك ليس مجرد مؤسسة مالية، بل لاعبًا اقتصاديًا وتنمويًا محوريًا في مصر.
يتضح من التحليل أن البنك الزراعي المصري تجاوز دوره التقليدي كبنك متخصص في تمويل الزراعة ليصبح مؤسسة مالية وتنموية شاملة تمتلك أبعادًا اقتصادية واجتماعية واستراتيجية متكاملة. ففي الوقت الذي يعمل فيه على دعم القطاع الزراعي وتمويل المشروعات الإنتاجية، يحرص أيضًا على الاستثمار في رأس المال البشري من خلال تكريم المتفوقين وتعزيز الشمول المالي للشباب، وهو ما يرسخ مكانته كفاعل رئيسي في بناء مجتمع أكثر وعيًا مالياً وأكثر قدرة على تحقيق التنمية المستدامة.
وبذلك يمكن القول، إن تحركات البنك الزراعي المصري في الفترة الأخيرة تعكس استراتيجية متوازنة تجمع بين التمويل الزراعي، المسؤولية المجتمعية، الاستثمار في الإنسان، والانفتاح على الشراكات الإقليمية والدولية. هذه الاستراتيجية، إذا ما استمرت وتعمقت، ستجعل البنك ليس فقط أداة تمويلية، بل قاطرة للتنمية الريفية والاقتصادية في مصر، ونموذجًا يُحتذى به في كيفية توظيف القطاع المصرفي لخدمة أهداف الدولة التنموية.