كيف يتفاعل المصريون رقميًا مع انتخابات مجلس الشيوخ 2025؟

تتهيأ الحكومة المصرية لإجراء انتخابات مجلس الشيوخ لعام 2025 في موعدها، ولذلك للتأكيد على تعهد الدولة بترسيخ مؤسساتها الديمقراطية على الرغم من وجود تحديات إقليمية ودولية. يحتوي مجلس الشيوخ على 300 مقعد، يعين رئيس الجمهورية ثلثهم، بينما ينتخب الثلثان (100 مقعد بالنظام الفردي و100 مقعد بنظام القائمة المغلقة). ويُخصص للمرأة ما لا يقل عن 10% من إجمالي عدد المقاعد لضمان تمكين المرأة سياسيًا. وبدأت فترة الدعاية الانتخابية للمرشحين في 18 يوليو 2025 وتستمر لمدة 14 يومًا. ومن المقرر أن يصوت المصريون بالخارج خلال يومي الأول والثاني من أغسطس، وفي الداخل يومي الرابع والخامس من أغسطس.

يهدف هذا التقرير إلى تحليل رؤية المصريين لانتخابات مجلس الشيوخ لعام ٢٠٢٥ من منظور رصد وقراءة وسائل التواصل الاجتماعي، مع التركيز على التفاعل والنقد والمخاوف والخطاب الرسمي. تعتمد المنهجية على تحليل المحتوى من مصادر إخبارية وبحثية ترصد وتناقش الخطاب السياسي على المنصات الرقمية في مصر.

مشهد المنصات والجمهور في مصر 2025

في مطلع عام 2025، عزز “فيسبوك” هيمنته على مشهد وسائل التواصل الاجتماعي في مصر، بعدما بلغ عدد مستخدميه نحو 48.7 مليون مستخدم، أي ما يعادل 41.4% من إجمالي السكان، و66% من البالغين فوق سن 18 عامًا. ويعكس هذا الرقم الضخم مكانة فيسبوك كمحور أساسي للخطاب السياسي وتشكيل الرأي العام، لدرجة تجعله أقرب إلى مرادف لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في البلاد، في ظل اقترابه الشديد من إجمالي عدد مستخدمي السوشيال ميديا في مصر، البالغ 50.7 مليون مستخدم[5].

ورغم وجود منصات أخرى مثل “إكس” (تويتر سابقًا)، يوتيوب، وتيك توك، فإن الفارق البسيط في عدد المستخدمين بين فيسبوك وبقية المنصات (2 مليون فقط)، يشير إلى أن المنصات الأخرى تلعب أدوارًا تكميلية أو تستهدف شرائح فرعية من المستخدمين. فتيك توك، على سبيل المثال، اكتسب شعبية كبيرة بين الفئات الأصغر سنًا، في ظل قاعدة عالمية نشطة تجاوزت 1.5 مليار مستخدم شهريًا، بينما يتسم “إكس” بتركيبة ذكورية أكثر، إذ بلغت نسبة مستخدميه من الذكور نحو 63% في يناير 2025، مقارنة بـ60.6% على فيسبوك[6].

سياقات التفاعل والتأثير

شهدت منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر دورًا بالغ الأهمية خلال الثورة المصرية عام 2011، حيث ساهمت فيما يُعرف بـ”التعبئة الأولية”. فقد ساعدت هذه الوسائل في تجنيد المتظاهرين، وتنسيق التحركات الميدانية، ونشر التحديثات الفورية حول لوجستيات الاحتجاجات. وقد أدى هذا الاستخدام المكثف إلى وصف هذه الانتفاضة بـ”ثورة الفيسبوك” أو “ثورة تويتر” بسبب الاعتماد الكبير على هذه المنصات. وكان لفيسبوك تأثير خاص في جذب شريحة من الأفراد الذين لم يكن لهم خبرة سياسية أو نشاط سابق في المجال العام[7].

غير أن هذا الدور لم يبقَ على حاله، فبعد 2011 بدأت وسائل التواصل الاجتماعي تتحول تدريجيًا من أدوات للتحفيز الديمقراطي إلى منصات ساهمت في تعميق الانقسام السياسي وزيادة العزلة بين الجماعات الأيديولوجية المختلفة[8]. وبحلول عام 2019، اتخذت الحكومة المصرية خطوات فعلية نحو بسط سيطرة أكبر على الفضاء الرقمي[9].

هذا التحول يبرز مفارقة جوهرية في العلاقة بين التكنولوجيا والسياسة. فبينما اعتُبرت وسائل التواصل الاجتماعي في البداية أدوات فاعلة في تعبئة جماهيرية لا مركزية ومفتوحة، وأعطت انطباعًا عالميًا بأنها تعزز الديمقراطية[10]، أظهرت تطورات ما بعد الثورة وجهًا آخر أكثر تعقيدًا؛ إذ أثبتت الدراسات لاحقًا أن هذه الوسائل يمكن أن تؤدي إلى تفتيت الخطاب العام وإضعاف التحولات الديمقراطية الناشئة[11]. من هنا، فإن هذا التحول المعقد في دور وسائل التواصل الاجتماعي يساعد في تفسير حالة الفتور العام تجاه انتخابات مجلس الشيوخ 2025، رغم الخلفية “الثورية الرقمية” التي لطالما ارتبطت بالمجال الافتراضي في مصر.

منذ عام 2020، تم الاعتراف بوسائل التواصل الاجتماعي كـ “أداة محورية” في الحملات الانتخابية في مصر، خصوصًا في ظل تداعيات جائحة كورونا التي فرضت الحد من التجمعات الميدانية. واعتمد العديد من النواب الشباب في البرلمان (2020) على هذه المنصات لعرض رؤاهم السياسية، والتفاعل المباشر مع الجمهور عبر جلسات الأسئلة الحية، مما يعكس تصاعد أهمية التواصل الرقمي في السياسة المصرية[12].

ورغم أن الرؤية السائدة في 2020 كانت تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي ذات دور ثانوي في الحملات مقارنة بالعوامل الثقافية والاجتماعية[13]، إلا أن السياق في عام 2025 يُظهر تطورًا لافتًا؛ فالتحول الرقمي الذي تبنته الهيئة الوطنية للانتخابات[14]، والقيود المالية المفروضة على الحملات الميدانية، جعلا من السوشيال ميديا والمواقع الإخبارية “السلاح الحقيقي” في التواصل السياسي[15]. وهذا يدل على أن هذه الوسائل لم تعد مجرد أدوات تكميلية، بل أصبحت ركيزة أساسية ومنخفضة التكلفة وفعالة في التعبئة والوصول إلى الناخبين.

المشاركة الرسمية في التحول الرقمي للانتخابات

أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات التزامها الواضح بـ “مواكبة التحول الرقمي” كجزء أساسي من تحضيراتها لانتخابات مجلس الشيوخ 2025، في خطوة تعكس إدراكًا رسميًا لأهمية الرقمنة في تعزيز الاتصال بالمواطنين. ومن مظاهر هذا التوجه تطوير تطبيق إلكتروني جديد يمكّن الناخبين من معرفة مواقع لجانهم الانتخابية بسهولة، مع معلومات جغرافية دقيقة. كما أصبحت منصات التواصل الاجتماعي ضمن قنوات التواصل الرسمية للهيئة، بما يعكس دمجًا منهجيًا للمنصات الرقمية ضمن استراتيجيات التوعية والشفافية[16].

وبالتوازي، أطلقت نقابة الإعلاميين غرفة عمليات مخصصة لتيسير التغطية الإعلامية للانتخابات، ضمن إطار من القواعد المنظمة التي تحكم الإعلام الانتخابي. ويعكس هذا التنسيق نهجًا منظمًا لضمان تدفق المعلومات بشكل متوازن خلال الفترة الانتخابية[17].

تصورات المصريين حول انتخابات مجلس الشيوخ

تذهب بعض التقديرات إلى توقع “إقبال جيد” من المواطنين على انتخابات مجلس الشيوخ، استنادًا إلى قناعة بأن الناخب المصري بات أكثر وعيًا بالمخاطر والتحديات التي تواجه الوطن، ويدرك أهمية الاصطفاف خلف القيادة السياسية في هذه المرحلة. ويُنظر إلى المشاركة في التصويت بوصفها مؤشّرًا على دعم المواطنين لمسار الدولة واستحقاقاتها وقراراتها الراهنة[18].

مع ذلك، يعتبر عبد الناصر قنديل، خبير النظم والتشريعات الانتخابية ومدير المجموعة المصرية للدراسات البرلمانية، أن انخفاض عدد المرشحين في انتخابات مجلس الشيوخ الحالية – حيث بلغ 469 مرشحًا فقط مقارنة بـ792 في انتخابات 2020 – يُعد “مؤشرًا مقلقًا” يُلقي بظلاله على مدى حماس المواطنين للمشاركة السياسية، ويثير تساؤلات حول مستوى التفاعل الشعبي مع العملية الانتخابية[19]. يبرز تباين واضح بين الخطاب الرسمي، الذي يشدد على أهمية المشاركة الواعية وبين بعض المؤشرات التي قد تعكس تفاعلًا محدودًا على المستوى الشعبي.

وعلى الرغم من إعلان الجدول الزمني لانتخابات مجلس الشيوخ 2025 وتفاصيلها، لا تبرز أي هاشتاجات شعبية محددة ترتبط مباشرة بالانتخابات كتوجه رقمي واسع النطاق، بخلاف بعض الهاشتاجات السياسية العامة. إن هذا الغياب الظاهر، رغم الاستعدادات الحزبية والإعلانات الرسمية، يُعد مؤشرًا ضمنيًا هامًا على محدودية الاهتمام الشعبي ونقص الزخم الرقمي المصاحب للعملية الانتخابية. إذ لو كانت الانتخابات تحظى باهتمام واسع يعادل ضخامة القاعدة الناخبة لكان من المتوقع أن تظهر هاشتاجات مخصصة، كما هو الحال في مناسبات سياسية أقل أهمية.

ويشير هذا الغياب أيضًا إلى ما يمكن تسميته بـ”الفتور السياسي الرقمي”، وهو حالة يتراجع فيها الحماس الشعبي أو ينعدم التفاعل الرقمي، كتعبير عن شعور فئات من الناخبين بتراجع قدرتهم على التأثير السياسي عبر المشاركة الانتخابية. وفي هذا السياق، لا يصبح الصمت الرقمي مجرد فراغ، بل مؤشر على ضعف الارتباط الشعبي بالمؤسسة المنتخبة، ويعزز من القلق القائم بشأن انخفاض عدد المرشحين في الانتخابات مقارنة بالدورات السابقة، باعتباره انعكاسًا لتراجع الحماس للمشاركة السياسية.

الخلاصة؛ إن صمت وسائل التوصل الاجتماعي ومحدودية التفاعل الشعبي حول انتخابات مجلس الشيوخ 2025 لا يمثل فقط فراغًا رقميًا، بل هو “بيان مؤثر” واضح على الفتور عن المشاركة السياسية وتراجع قدرة الناخب على التأثير في الأجندات الانتخابية. وربما يرجع غياب تغطية شعبية حقيقية، حتى بعد إطلاق مبادرات إلكترونية من الهيئة الوطنية للانتخابات، إلى ارتفاع التكاليف المالية للترشح، والانخفاض الملحوظ في عدد المرشحين، رفض عدد من الأحزاب والقوى السياسية للنظام الانتخابي المعمول به.


[1] مصر تتأهب لانتخابات مجلس الشيوخ 2025 فى موعدها الدستوري.. ضوابط صارمة لضمان النزاهة وتعزيز المسار الديمقراطي وسط التحديات الإقليمية والدولية الراهنة.. سقوف مالية صارمة وعقوبات رادعة لضمان التكافؤ، اليوم السابع

[2] انتخابات مجلس الشيوخ 2025، الهيئة العامة للاستعلامات

[3] عددهم 428.. إعلان أسماء المرشحين بانتخابات مجلس الشيوخ في مصر

[4] مرجع سابق

[5]  تقرير وسائل التواصل الاجتماعي في مصر، شركة راجح للتسويق والبرمجة

[6]  إحصائيات وسائل التواصل الاجتماعي 2025 (المستخدمون والإيرادات)

[7] Launching Revolution: social media and the Egyptian Uprising’s First Movers | British Journal of Political Science | Cambridge Core

[8] What social media Undermined Egypt’s Democratic Transition | Carnegie Endowment for International Peace

[9] VCU researcher finds insights into social media, activism and journalism by exploring unrest in Egypt – VCU News – Virginia Commonwealth University

[10] op. cit.

[11] How Social Media Undermined Egypt’s Democratic Transition | Carnegie Endowment for International Peace

[12] اتصالات البرلمان”: السوشيال ميديا عنصر أساسى فى الدعاية الانتخابية المقبلة، اليوم السابع

[13]  مرجع سابق

[14] القاضي أحمد بنداري: مواكبة الطفرة الرقمية محور رئيسي في استعداداتنا لانتخابات مجلس الشيوخ 2025، إكسترا نيوز

[15] الشارع النيابي| متابعة استعدادات الأحزاب لخوض انتخابات مجلس الشيوخ 2025، إكسترا نيوز

[16] مرجع سابق

[17] “الإعلاميين” تشكل غرفة عمليات لتسهيل عمل المكلفين بتغطية انتخابات الشيوخ، اليوم السابع

[18] الجزيرة نت

[19] مرجع سابق

حبيبة صلاح

حبيبة صلاح- رئيسة برنامج التحولات الداخلية بالمركز، الباحثة حاصلة على بكالوروس الاقتصاد من كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، دفعة ٢٠٢٢ بتقدير عام جيد جدا مع مرتبة الشرف. كما أن الباحثة تعد في رسالة الماجستير التي تحمل عنوان الإنفاق الحكومي على الصحة وعلاقته بإنتاحية العامل في مصر خلال الفترة (1991: 2023). الباحثة شاركت في العديد من المؤتمرات العلمية في مصر وخارجها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى