توافق أم إخفاق: ماذا بعد انتهاء الهدنة في اليمن؟
بعد أيام تنتهي الفترة الزمنية المحددة للهدنة الإنسانية في اليمن، والتي دخلت حيز التنفيذ في الثاني من إبريل2022، وبالرغم مما عانته الهدنة من صعوبات وخروقات مستمرة؛ إلا أنها ساهمت في تراجع الهجمات عمّا كانت عليه من قَبل، وعززت من فرص السلام، غير أن الكثير من التساؤلات التي أثيرت حول فرص تمديد الهدنة، وما الذي يمكن أن يحدث في حال فشل التمديد؟، هذا ما سيحاول هذا التحليل الإجابة عنه من خلال النقاط التالية.
جهود حثيثة للتمديد:
منذ أن أعلن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن “هانس غروندبرغ”، عن التوصل لهدنة إنسانية في اليمن، وهو يقود جهود حثيثة لتمديد هذه الهدنة، عبر التواصل مع جميع الأطراف اليمنية، حيث أجرى “غروندبرغ”، الثلاثاء17 مايو2022، لقاءات مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني الدكتور رشاد العليمي وعدد من الأعضاء ورئيس الحكومة في مدينة عدن، كما أجرى قبلها لقاءات مع ممثلي جماعة الحوثي ومسؤولين عمانيين لبحث جهود السلام.
ومن أبرز مواقف الأطراف الفاعلة في المشهد اليمني تجاه فرص تمديد الهدنة، ما يلي:
(&) أكّد المبعوث الأممي لليمن “هانس غروندبرغ”،استمرار جهوده للحفاظ على الهدنة الإنسانية في اليمن واستكمال استحقاقاتها، ودعا إلى تمديدها قبل انتهاء مدتها في الأول من مايو 2022، وأعرب عن أمله في التوصل لتسوية سياسية شاملة، داعياً كل الأطراف التعاون لإنجاح هذه الجهود، وضرورة تقديم تنازلات ليس لتمديد الهدنة فقط، ولكن لتحويلها إلى وقف دائم لإطلاق النار في اليمن.
(&) في الوقت ذاته يبذل مجلس التعاون الخليجي الكثير من الجهود لتعزيز الصف الوطني اليميني اليمني، وتوحيد الجبهة اليمنية وجمع كافة اليمنيين على كلمة سواء، كان من أهمها رعاية المشاورات اليمنية – اليمنية التي استضافتها الرياض، خلال الفترة من 29 مارس إلى 7 أبريل 2022، والتي أفضت إلى تشكيل المجلس الرئاسي اليمني الذي انتقلت إليه صلاحيات الرئيس السابق “عبدربه منصور”، وبدورها، قدمت سلطنة عمان اقتراحاً يقضي بتمديد الهدنة لـستة أشهر، خلال المشاورات التي تعقدها مع الأطراف اليمنية.
(&) كما أكد المجلس الرئاسي اليمني، خلال لقاء المبعوث الأممي الأربعاء 18 مايو 2022، على ضرورة استكمال تنفيذ اتفاق الهدنة، لرفع الحصار عن تعز وفتح معابر المدينة، وجددت الحكومة اليمنية التزامها بالهدنة وبالتمديد بكافة بنودها، وما تم الاتفاق عليه بكل حرص، مؤكدة أنها لن تكون سبباً في تعطيل هدنة إنسانية؛ بل تتعاطى بشكل إيجابي ومسئول مع أي مقترحات من شأنها التخفيف من المعاناة الإنسانية على أن تكون بعيدة عن الانتقائية باعتبار أن القضايا الإنسانية كل لا يتجزأ، غير أنها تطالب في الوقت ذاته بتحرك دولي جاد لردع الانتهاكات الحوثية للهدنة وتحميل الحوثيون مسؤولية تقويضها.
واتساقا مع الموقف الحكومة الشرعية، ترى دول التحالف- لا سيما السعودية والإمارات- بأهمية تمديد الهدنة، باعتبارها مهمة لتعزيز فرص السلام، وخطوة تمهيدية للقبول بوقف إطلاق النار، وإيجاد حل دائم لإنهاء الحرب في اليمن.
وتعكس المواقف السابقة رغبة حثيثة لتمديد الهدنة، أملا في تعزيز فرص السلام وبدء الحوار بين الأطراف اليمنية؛ ضمن مساعي إنهاء الحرب، على الجانب الآخر أعلنت جماعة الحوثي، يوم الأربعاء 18 مايو، 2022، إنها تدرس طلبا أمميا لتمديد الهدنة وفتح طريق تعز، وفقاً لتقييمها للمرحلة الحالية للهدنة، لكن لا يزال الحوثيون لم يعلنوا صراحة عن قبلوهم بتمديد الهدنة.
السيناريوهات المحتملة:
من الواضح أن الهدنة الإنسانية التي تنتهي بنهاية مايو2022، أمامها احتمالين أساسيين، لكل منهما مؤشرات معززة لفرص حدوثه، وذلك كما يلي:
(*)الاحتمال الأول، يتعلق بموافقة أطراف الصراع على تمديد الهدنة، في ضوء المساعي الإقليمية والدولية الراغبة في هذا التمديد؛ أملا في أن تشكل دافعاً للاتجاه إلى اتباع المسارات السلمية لوقف الحرب ومعالجة الأزمة، وتحاول الأطراف المتحاربة – أمام تضاؤل فرص نجاح الحسم العسكري- الاستفادة من الهدنة ومحاولة تمديدها؛ لإعادة ترتيب أوراقها، وتجميع قوتها وتعزيز قدراتها العسكرية، والترتيب لأي معارك محتملة، خاصة إذا فشلت الهدنة، وأخفقت مساعي تمديدها.
تعد موافقة الأطراف المتحاربة في اليمن على تمديد الهدنة، تعبيراً عن حسن النية تجاه مساعي وقف الحرب، ودعما لفرص السلام، خاصة وأنهم يدركون جيدا أن أي تعطيل أو إعاقة للهدنة، أو عدم تمديدها؛ معناه العودة للحرب مباشرة، وهو أمر له عواقبه؛ فالأوضاع الآن مختلفة، وإن كانت لصالح الحكومة الشرعية، خاصة بعد تشكيل المجلس الرئاسي الذي ينسجم إلى حد كبير مع طبيعة التكوينات السياسية والتشكيلات العسكرية اليمنية- باستثناء الحوثيين- وهو أمر لم يستطع الحوثيون إخفاء قلقهم منه، فهم يدركون الآن أن الجميع يقف في الجهة المقابلة لهم، ما يعني أن إطالة أمد الحرب ليس في صالحهم، فقد يحدث تحول مفاجئ، ويتوقف الدعم الإيراني لهم في أية لحظة؛ ضمن تسويات القضايا الإقليمية، عندها لن يكون بمقدورهم الصمود، لا سيما وأنهم يتخوفون من أي تسوية يمكن أن تقلل من فرصهم في الاستمرار في السلطة، أو تغيبهم عن المشهد السياسي، حيث يفضلون الاستمرار في الحرب عن حدوث ذلك.
من الشواهد السابقة، فإن احتمالية تمديد الهدنة هي الأقوى؛ إذ أن اخفاق تجديد الهدنة؛ سيقود للدخول في مرحلة جديدة من الحرب، قد تصل بأطرافها إلى مواجهة مفتوحة، لا سيما وأن أيا من أطراف الصراع ليس لديه القدرة على حسم الحرب لصالحه بعد!!، كما أن مخاطر الإخفاقستؤدي إلى تجدد الهجمات المتبادلة، والتي قد تتحول إلى حرب شاملة، تضع أطراف الصراع أمام مأزق حقيقي على نحو لا يتمناها أيا منهم.
(&) الاحتمال الثاني، يرتبط برفض التمديد أو انهيار الهدنة، في ضوء التعنت الحوثي ورفض الحوار، واستمرار الخروقات الحوثية للهدنة الإنسانية، والتنصل عن بعض بنودها، بل والتصعيد الواضح من جانبهم، مما يشي بأنهم استثمروا الهدنة جيدا في التحضير لمعارك قادمة، غي الوقت ذاته لم يعطوا إشارات واضحة للقبول بالتفاوض، أو عبروا عن اتجاههملوقف الحرب؛ خشية تقديم تنازلات يمكن أن تكون مؤلمة بالنسبة لهم.
وإن كان من السابق لأوانه تحديد موقف واضح للحوثيين بشأن قبول أو رفض تمديد الهدنة، كما أن انتهاء الوقت المحدد للهدنة لا يعني انتهاء مسارات الحل السياسي، أو بدء موجة جديدة من الحرب، وإن ظل للخيار الأخير عواقبه المؤلمة؛ فعودة الحرب قد لا تكون بوتيرتها السابقة، في ضوء سعى كل طرف للضغط على الطرف الآخر؛ عبر تصعيد هجماته على مختلف جبهات القتال،وقد يكثف الحوثيون في الوقت ذاته من هجماتهم العابرة للحدود، الأمر الذي يزيد من مخاطر الصراع، وتحوله إلى صراعاً إقليمياً،
وبالتالي فإن مسألة الإصرار على تصعيد المطالب وتعظيم الأهداف ليس من الواقعية بمكان؛ في ظل الظروف الراهنة التي تشهد المزيد من التعقيد، إلا أنه من الممكن البدء بإقناع كافة الأطراف- لا سيما الحوثيين- بالقبول بالتفاوض، والجلوس للحوار، ضمن حوار يمني يمني، ومن دون شروط مسبقة، ليظل السؤال الأهم،هل من الممكن فعلياًقبول الحوثيون بالجلوس للتفاوض، والجنوح للسلام؟.
وحتى يمكن الوصول إلى إجابة؛ يتعين على كافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية الفاعلة في المشهد اليمني، ممارسة جهودها بشكل حثيث لدفع الأطراف المتحاربة للجلوس إلى مائدة الحوار، والدخول في عملية تفاوضية؛ يمكنها أن تفضي إلى إنهاء الحرب، لكن لا يزال من الصعب على الأقل في الوقت الراهن دفع الحوثيين إلى ذلك!!
في الوقت ذاته، من الأهمية أن يركز المجلس الرئاسي جهوده على حشد المزيد من القوات على جبهات القتال؛ لإحداث فارق ملموس، يمكنه من الضغط بقوة على الحوثيين وإجبارهم على التراجع، في الوقت ذاته امتلاك القدرة على تنفيذ إصلاحات عميقة في الداخل تساهم في تحسين الأوضاع المعيشية لليمنيين، ولا شك أن أعضاء المجلس الرئاسي، والحكومة اليمنية الشرعية، يدركون تماماً أنهم أمام اختبارات عملية عنيفة، تستوجب الاستعداد الكامل والشامل لها.
استنادا إلى ما سبق؛ فإن مستقبل الهدنة الإنسانية في اليمن؛ يظل رهناً بتطور الأوضاع على الأرض، وحالة التوافق التي يمكن أن يصل إليها أطراف الصراع، خاصة وأن إخفاق مساعي تمديد الهدنة؛ سيشكل عائقاً جديداً أمام فرص وقف الحرب، ويزيد من تعميق المشاكل الإنسانية لليمنيين، المستمرة منذ ما يزيد عن سبعة أعوام.
ويظل العامل الأهم لوقف الحرب هو قبول جميع أطراف الصراع بالمشاركة في حوار سياسي يمكن أن يفضي إلى تسوية سياسية، في ضوء ما كشفته السنوات السبع السابقة، عن عجز أي من الأطراف لفرض رؤيته على الآخر، أو تمكنه من إنهاء الحرب لصالحه.
بالنهاية، ما هو قادم سيكشف الكثير من النوايا الحقيقية لأطراف الصراع، وإن كانت الممارسات الحوثية تشي بأننا أمام صراع ربما يطول، وعلى المجلس الرئاسي والحكومة اليمينة وتحالف دعم الشرعية الاستعداد للسيناريو الأصعب، سواء تم تمديد الهدنة أو فشل هذا المسعى.
وهناك حاجة لتعبيد مسارات السلام في اليمن، ذلك أن تمديد الهدنة لفترة أخرى لا يكفي وحده لتحقيق ذلك، أمام تعقيدات المشهد اليمني والعوائق الجمة التي تعترض طريق فرص السلام، لكن ما هو مؤكد أن كافة الأطراف الفاعلة في الساحة اليمنية؛ يواجهون اختبارا صعباً في الفترة القادمة؛ إذ أن الأوضاع في اليمن لا تقبل المزيد من التدهور، واليمنيون بحاجة ماسة إلى وقف هذه الحرب.