التحوط الاستراتيجي: لماذا ذهب أردوغان إلى “أبوظبي”؟
أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة إلى دولة الإمارات في الرابع عشر من فبراير تلبية لدعوة ولى عهد أبوظبي، وتعتبر هي الزيارة الأولى منذ عام ٢٠١٣، وتأتي زيارة أردوغان كخطوة تالية في سياق استعادة العلاقات التركية الإماراتية، في إطار أجواء المصالحة وحلحلة أزمات المنطقة، بعد أن سبقتها زيارة لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى أنقرة في الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي، وقد جاءت زيارة أردوغان بعد تعافيه مباشرة من فيروس كورونا، مما يشير إلى أهمية تلك الزيارة بالتزامن مع أوضاع إقليمية ودولية على صفيح ساخن بسبب الأزمة الأوكرانية.
وفي هذا الإطار، يحاول هذا التحليل الوقوف على أهم الأهداف المرجوة من زيارة الرئيس التركي إلى الإمارات، وأهم الملفات التي يتوقع أن تكون قد تمت مناقشها، وذلك مع الأخذ في الاعتبار توقيت الزيارة واستعادة زخم العلاقات بين البلدين.
صفحة جديدة:
نجحت العلاقات التركية الإماراتية في استعادة حيويتها رسميا وبسرعة لافته بعد قرابة عشر سنوات من التوتر والتنافس في العديد من الملفات في المنطقة، وتأكيدا على ذلك، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن ” بداية صفحة جديدة في العلاقات التركية الإماراتية من خلال اللقاء الذي عقد مع ولي عهد أبوظبي في أنقرة في نوفمبر الماضي،.. قائلاً اليوم نتوجه لأبوظبي لتعزيز هذا الزخم الذي اكتسبته علاقاتنا “، وقد نستدل على ذلك أيضا من خلال مجموعة من المؤشرات، يتمثل أهمها في:
(*) اتفاقيات ثنائية: خلال زيارة رسمية لأردوغان وقعت تركيا والإمارات ١٣ اتفاقية شملت العديد من المجالات، مثل الاستثمار والصناعة والتقنيات المتقدمة والنقل والصحة والزراعة والتجارة، كما وقعت الدولتان على بيان مشترك حول بدء مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية بينهما، كما وقعتا أيضا على خطاب للنوايا بشأن بدء اجتماعات التعاون في مجالات الصناعات الدفاعية.
(*) مستوى التمثيل في الزيارة: وقد يشير أيضا إلى المستوى الذي وصلت إليه متانة العلاقات التركية الإماراتية مستوى التمثيل التركي في الزيارة، حيث اصطحب الرئيس التركي كلا من وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو ووزير الداخلية سليمان صويلو ووزير المالية نور الدين نباتي ووزير التجارة محمد موش وغيرهم، كما وسبق أن زار ولى عهد أبوظبي محمد بن زايد أنقرة شخصيا مع وفد رفيع المستوى في نوفمبر الماضي، مما يشير إلى نجاح البلدين في تجاوز خلافاتهم،على خلاف مستوى التمثيل خلال المباحثات مع القاهرة الذي اقتصر فقط على مستوى نواب وزراء الخارجية لكلا البلدين، وهو ما يرجع إلى وجود عدد من الملفات العالقة بين القاهرة وأنقرة.
(*) توقيت الزيارة: وقد يؤكد ذلك أيضا توقيت الزيارة بعد تعافي أردوغان من فيروس كورونا مباشرة، مما يشير إلى أهمية الزيارة وحساسية الملفات التي ستتم مناقشتها، فقد جاءت الزيارة في خضم الأزمة الأوكرانية، مما قد يثير التساؤلات حول ما إذا كانت أنقرة قد ناقشت مع أبوظبي تمويلها بالنفط والغاز حال تراجعت الإمدادات الروسية إذا ما تأججت الأوضاع أكثر. وبالتزامن أيضا مع الوضع الاقتصادي المتذبذب في تركيا مما يفسر المسارعة لعقد الاتفاقيات الاقتصادية ومحاولة ضخ المزيد من الاستثمارات الإماراتية للمساهمة في تعافي الاقتصاد التركي. كما أن الزيارة أعقبت العملية العسكرية التي نفذتها تركيا في سوريا ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني (نسر الشتاء)، التي تواردت بشأنها العديد من الأنباء خلال الأسابيع الماضية، والتي تفيد بعقد لقاء للتنسيق للعملية بين مسئولين أتراك وسوريين تابعين لنظام الأسد في مدينة العقبة الأردنية، وبرعاية عدد من المسئولين الأمنيين في منطقة الخليج، وقد رجحت التكهنات بأن يكونوا تابعين للإمارات والسعودية وقطر. كما جاءت الزيارة بعد تعرض الإمارات لهجمات صاروخية من قبل الحوثيين في اليمن، وفي هذا الصدد، ندد أردوغان بالهجمات وأكد وقوف بلاده ضد كافة أشكال الإرهاب.
منفعة متبادلة:
يأتي التقارب التركي الإماراتي في إطار الاستفادة من المزايا التي يقدمها كل طرف للآخر في عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، ويتمثل أهمها في:
(&) مزايا اقتصادية: فاستكمالا لطي صفحة الخلافات، تحاول الإمارات الاستفادة من الخبرة التركية في مجال الصناعات العسكرية، فأبوظبي لم تخف البتة اهتمامها بالمسيرات التركية، والتي بدأت تنتشر بشكل ملحوظ في بقاع مختلفة، في مقابل ذلك تسعي أنقرة لاستقطاب المزيد من الاستثمارات الإماراتية في السوق التركي، كوسيلة لإنقاذ الوضع الاقتصادي المضطرب، والذي فرض جملة من التحديات كان أبرزها تذبذب الليرة التركية، والذي قد يؤثر بالإيجاب في استعادة أردوغان لشعبيته وحزبه التي تراجعت في السنوات الأخيرة بسبب بعض السياسات الداخلية والخارجية لأردوغان وفقا لاستطلاعات رأي كثيرة. لذا أبرمت الدولتان اتفاقا لتبادل العملات المحلية بقيمة خمسة مليارات دولار، كمساهمة في استعادة الليرة عافيتها، كما تم إنشاء صندوق استثمار إماراتي في نوفمبر الماضي بقيمة عشرة مليارات دولار.
(&) ملفات شائكة: فقد أشارت تصريحات لمسئولين أتراك إلى أن هذه الزيارة تعتبر مقدمة لإعادة ترتيب العلاقات مع مصر وإسرائيل، ومحاولة الاستعانة بالعلاقات الإماراتية المميزة بكلا الدولتين، ولكن دون إغفال الحقوق الفلسطينية، مقابل إصلاح العلاقات الإماراتية مع قطر وإيران بمساعدة تركية، وقد يكون السبيل لتحسين العلاقات الإماراتية الإيرانية مناقشة الطريق التجاري المشترك بين تركيا والإمارات عبر إيران. كما أن المحادثات قد تكون شملت ما إذا كان هناك إمكانية للاتفاق على موقف موحد في الملف الليبي، خاصة بعد اختيار البرلمان الليبي لفتحي باشاغا رئيسا جديدا للحكومة الليبية، ورفض الدبيبة تسليم السلطة سوى لسلطة منتخبة. وأيضا محاولة إيجاد نوع من التقارب بين تركيا وبشار الأسد، كنوع من الحشد السياسي لبشار الأسد قبل انعقاد القمة العربية، حيث ترغب الدول العربية استعادة سوريا لعضويتها، خاصة بعد توارد أنباء _وفقا لوسائل إعلام تركية _ حول تنسيق بين مسئولين أتراك وسوريين بشأن العملية العسكرية الأخيرة ضد الأكراد.
(&) أمن منطقة الخليج: فقد يكون هناك نوع من الإدراك لدى المسئولين الإماراتيين بضرورة التخلي بعض الشئ عن سياسة التعويل على الولايات المتحدة وحدها في حل مشكلات المنطقة، بعد أن بدى ضعف الأخيرة في التعامل مع الملفات الملحة في ظل الإدارة الجديدة التي أعلنت أن منطقة الشرق الأوسط بأكمله خارج أولوياتها، وقد يكون البديل لذلك بالتقارب نوعا ما مع الروس _ لكن بالطبع دون التخلي نهائيا عن واشنطن _ للحفاظ على توازنات المنطقة، وذلك من خلال وساطة أنقرة التي تجمعها علاقات ومصالح جيدة بموسكو.
فضلا عن تثبيت التواجد التركي ذاته في منطقة الخليج باعتبارها قوة إقليمية إلى جانب إسرائيل في مواجهة إيران، خاصة وأن إيران على مشارف توقيع اتفاق نووي مع الغرب، وبالتالي رفع العقوبات عنها، مما سيعطيها أريحية أكثر في التعامل مع قضيا المنطقة. وعليه، قد يؤدي استهداف مليشيات تابعة لإيران في العراق لأهداف داخل السعودية والإمارات الشهر الماضي، وإحباط تركيا لمخطط إيراني يستهدف اغتيال رجل أعمال إسرائيلي على أراضيها إلى خلق مساحة مشتركة لتعاون تركب إماراتي سعودي، إلى جانب إسرائيل بالطبع، وهو ما قد يسرع التقارب مع السعودية في الفترة القادمة، خاصة مع إعلان وزير الخارجية التركي بأن تركيا تنتظر ” تقدما في العلاقات مع السعودية قريبا “.
وختاما، جاءت زيارة الرئيس التركي إلى الإمارات في إطار استكمال مساعي طي صفحة الخلافات بين البلدين، ولكن رغم الإقرار بحضور بعض الملفات السياسية والأمنية بصورة جلية على الطاولة، إلا أن الطابع الاقتصادي قد يكون هو الغالب على الزيارة من جانب أردوغان على الأقل، وهو ما شهدناه من توقيع جملة من الاتفاقيات في المجال الاقتصادي، ولقاءه بعدد من رجال الأعمال الإماراتيين في معرض إكسبو دبي، باعتباره الهدف الأكثر إلحاحا بالنسبة لأردوغان، والذي بات يهدد حظوظه وحظوظ حزبه في الانتخابات المقبلة، وقد تتماشي الإمارات مع الرغبة التركية في الوقت الراهن تمهيدا لتعاون أعمق في الفترة المقبلة، ورغم ذلك لا يتوقع انسجام السياسات التركية الإماراتية في كل الملفات، وعلى سبيل المثال الملف الليبي.