المكاسب المصرية المحتملة من عضوية بنك تكتل البريكس
أعلن بنك التنمية الجديد لـ”بريكس” الأربعاء 29 ديسمبر 2021، عن استضافته مصر كعضو جديد فيه. وتعد مصر، هي العضو الجديد الرابع الذي يتم قبوله في بنك التنمية الوطني، بعد بنجلاديش والإمارات العربية المتحدة وأوروجواي. وستتاح للأعضاء الجدد في البنك منصة لتعزيز تعاونهم في البنية التحتية والتنمية المستدامة، في وقت تعهد فيه البنك بمواصلة توسيع عضويته بشكل تدريجي ومتوازن بما يتوافق مع استراتيجية البنك التي تهدف إلى أن يصبح أهم مؤسسة تنموية للاقتصادات الناشئة.
ملامح تكتل البريكس:
أنشئ تكتل البريكس BRICS فى أربع دول(البرازيل، روسيا، الهند، الصين) سنة 2006( قبل انضمام جنوب إفريقيا إليه سنة 2011)، و”البريكس”، هي مختصر للحروف الأولى باللغة الإنجليزية للدول المكونة للمنظمة، حيث أسست هذه الدول التكتل لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي فيما بينها لتحقيق مصالحها المشتركة أبرزها تشكيل نظام اقتصادي متعدد الأقطاب قوي له القدرة على الصمود في وجه الصدمات الاقتصادية العالمية.
ويضم تكتل البريكس مجموعة من الدول ذات الاقتصادات العظمى التى تمثل مساحتها أكثر من 26 % من مساحة اليابسة في العالم، و42 % من سكان العالم، وأكثر من 20 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي حيث يبلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لدولها نحو 17 تريليون دولار. كما أنها صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، حيث تسهم في نمو الاقتصاد العالمي بأكثر من 50 %. ورغم التباعد الجغرافي بين دول التكتل، فلا يجب إغفال الأهمية الجيوبولوتيكية لكافة هذه الدول التي تحتل مواقع إستراتيجية في خريطة العالم وتتوفر على موارد متعددة تحقق للبريكس تكاملا في عدة مجالات حيوية كالموارد الأولية والطاقة التي يبلغ حجم إنتاجها في دول البريكس 40.2% من الحجم العالمي.
بنك التنمية الجديد:
تسعى دول التكتل إلى تغيير استراتيجيتها القائمة على تكتل وتبادل تجارى بين الدول الأعضاء، إلى مستثمر دولى ينوع شركاته ويهتم بالدول التى تجد صعوبات فى التعامل مع المؤسسات المالية العالمية. وبذلك، فإن بنك التنمية يسعى إلى اقتحام الأسواق الواعدة بالنمو والاستثمار فيها بهدف تحقيق هوامش ربحية وحصص سوق كبيرة، الأمر الذى يزيد من النفوذ السياسى لهذه الدول، وبخاصة تحالفاتها مع دول الجنوب، وبذلك، تصبح دول البريكس قوة اقتصادية فاعلة وذات تأثير سياسى قوى.
ومن هنا، استطاعت دول البريكس تدشين بنك التنمية الجديد National Development Bank “NDB” فى عام 2015 ، برأس مال 100 مليار دولار. ويأتى إنشاء هذه المؤسسة المالية بعد إعلان موسكو لسنة 2015 الذى أكدت فيه مجموعة البريكس أنها تسعى إلى إعادة هيكلة نظام «بريتون وودز» المالى. فحسب الإعلان نفسه، صمم هذا النظام لحقبة زمنية معينة وفقًا لظرفية ما بعد الحرب العالمية الثانية، والعالم الآن فى حاجة إلى نظام جديد يأخذ بعين الاعتبار التغيرات الاقتصادية الجذرية فى عصر العولمة.
وقد استطاع البنك تمويل 80 مشروعا تنمويا خلال السنوات الماضية بدول التجمع برأس مال 30 مليار دولار، وذلك من أجل لتعبئة الموارد لتمويل مشروعات البنية التحتية والتنمية المستدامة بدول تجمع “بريكس” وغيرها من الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية، وليعمل على تكامل جهود المؤسسات المالية متعددة الأطراف والإقليمية؛ من أجل دعم التنمية عالميًا. ويقوم البنك بتمويل المشروعات في مجالات النقل والمياه والصرف الصحي والطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية، والبنية التحتية الاجتماعية، والتنمية الحضرية، وتهدف استراتيجية البنك في الوقت الراهن توسيع نطاق عمله جغرافيًا ليصبح المؤسسة التنموية الأولى لخدمة اقتصادات الدول الناشئة والبلدان النامية. يقوم البنك بتمويل المشروعات فى مجالات النقل والمياه والصرف الصحى والطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية، والبنية التحتية الاجتماعية، والتنمية الحضرية.
العلاقات الاقتصادية بين مصر والبريكس:
ترتبط مصر مع دول “بريكس” اقتصاديًا من خلال الاستيراد، والتصدير، حيث صدّرت مصر لدول البريكس “جلود وأثاث وحاصلات زراعية وقطن خام وأسمدة نيتروجينية”، فيما استوردت منهم سيارات وأجهزة إلكترونية وقطع غيار سيارات ومولدات كهربية. إذ بلغ حجم تجارة مصر مع دول بريكس عام 2016 نحو 20 مليار دولار، استحوذت الصين على المرتبة الأولى منها بنحو 11 مليار دولار.واستمر حجم التبادل التجارى بين الجانبين فى الارتفاع ليتجاوز الـ 46 مليار دولار لعام 2020 .
كما بدأت استثمارات هذه الدول فى التدفق على مصر على مدى سنوات ماضية ليصل عدد الشركات المؤسسة من دول المجموعة فى مصر الى 2318 شركه بقيمة رءوس أموال تصل الى ما يقرب من مليارى دولار تعمل فى عدة قطاعات اقتصادية حيوية منها قطاع الصناعة والخدمات والإنشاءات والاتصالات والتكنولوجيا.
هذا وقد سبقت مشاركة مصر في فعاليات قمة “بريكس” لعام 2017، وسط أكبر الاقتصاديات نموا فى العالم، بما يمنح فرصة جيدة لمصر أهمها إعطاء الحكومة فرصة للتوسع فى جذب مزيد من الاستثمارات لمصر وخاصة أنها أصبحت من الدول الواعدة للاستثمار، بجانب زيادة السياحة، فضلًا عن فتح أسواق جديدة لصادرات المصرية في هذه الدول، بالإضافة إلى الترويج للمشروعات القومية وإنشاء عدد من المشروعات في مجال الطاقة والبنية التحتية. كما أن هذه المشاركة تدل على تركيز العالم على تواجد دولة قوية وكبيرة مثل مصر، خاصة فى ظل تحسن أداءها الاقتصادى والتوقع بأن يصبح لها مركز مالي كبير بين دول العالم قريبًا.
انعكاسات متعددة:
يؤكد انضمام مصر عضوا لبنك التنمية الجديد «NDB» التابع لتجمع بريكس، على صلابة ومرونة وقوة الاقتصاد المصري الذي استطاع أن يحقق الريادة خلال السنوات السابقى، وتحقيق معدلات نمو من أسرع معدلات النمو على مستوى أفريقيا والشرق الأوسط، وذلك بشهادة تقارير المؤسسات الاقتصادية العالمية.فيعتبر الاقتصاد المصرى ثالث أكبر اقتصاد إفريقى فى عام 2021 بعد جنوب إفريقيا ونيجيريا ، وتوقع صندوق النقد الدولى أن يكون ثانى أكبر اقتصاد بحلول نهاية 2022 بعد نيجيريا، موضحا أن مصر تعد رابع دولة تنضم لعضوية البنك من خارج التجمع، وهذا يؤكد أن الاقتصاد المصري في تقدم ونمو دائم وأنه يسير في الاتجاه الصحيح، خاصة فى ظل تطبيق مصر لمرحلتين من الإصلاح الاقتصادي بدأت الأولى في نوفمبر 2016، حين أطلقت مصر برنامج إصلاح اقتصادي لمدة ثلاث سنوات بدعم من صندوق النقد الدولي، وتضمن تحرير سعر صرف وتنفيذ إجراءات لدعم موازنة الدولة منها الرفع التدريجي لدعم الوقود والكهرباء. وفي أبريل 2021، بدأت الحكومة المصرية المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح، مستهدفة معدل نمو من 6 إلى 7 %على مدى السنوات الثلاث المقبلة وخفض العجز إلى 5.5%..
كما يساعد هذا الانضمام على فتح الأبواب أمام مصر للتوسع في التعاون الاقتصادي مع دول التجمع لزيادة معدل التبادل التجاري والتجارة البينية، إضافة إلى أن “بنك التنمية الجديد يُعد بمثابة منصة جديدة لمصر لتعزيز التعاون مع دول تجمع بريكس في مجال البنية التحتية، والتنمية المستدامة، فمن المتوقع زيادة الاستثمارات الأجنبية من هذه الدول في مصر، خاصة أن مناخ مصر الاستثماري جاذب للاستثمارات ويصنف فى المركز الأول على مستوى أفريقيا خلال عامى 2020 و2021. وتتطلع مصر خلال السنوات المقبلة، إلى بناء شراكة قوية مع بنك التنمية الجديد الذي يمتلك قدرات تمويلية هائلة، وخبرات دولية متقدمة يُمكن أن تُساعد مصر في تلبية احتياجاتها التمويلية، وتعظيم جهودها في تطوير البنية التحتية” وهى المشروعات التى نجحت فيها مصر بشكل كبير فى الاونة الأخيرة ، ونفذت فيها العديد من المشروعات الرائدة .حيث يعتبر بنك التنمية الوطني “منصة تمويل جيدة” لمشروعات التنمية في الدول النامية التي ستجنبهم عناء الاقتراض بسندات بالدولار الأمريكي بأسعار فائدة مرتفعة.
كما تعتبر خطوة عضوية مصر فى بنك التنمية مقدمة ايجابية تثير التفاؤل بشأن امكانية انضمام مصر الى تكتل البريكس خاصة فى ظل امتلاكها مقومات تؤهلها لذلك ، كذلك تبنى مصر لرؤية استراتيجية تسعى من خلالها الى احتلال الاقتصاد المصري مركزا بين الـ30 الكبار على مستوى العالم، وتحقيق معدلات نمو سنوية تصل إلى 10%.
تأسيساً على ما سبق، يعتبر انضمام مصرية لعضوية بنك التنمية لتكتل البريكس، وسيلة هامة تعزيز التعاون مع شركاء التنمية الدوليين، خاصة في ظل ما تشهده مصر من حراك تنموي غير مسبوق؛ لإرساء دعائم التنمية الشاملة والمستدامة وتحقيق رؤية مصر 2030، وما تُوفره من فرص استثمارية وتنموية واعدة في شتى القطاعات، تخدم الأهداف التنموية، وتُسهم في تحسين مستوى معيشة المواطنين، وتلبية الاحتياجات التنموية لهم، والارتقاء بجودة الخدمات العامة المقدمة إليهم.كما أن مصر لديها فرص استثمارية هائلة في مختلف المجالات، فضلا عن سوق كبير ومفتوح ليس على المستوى المحلي فقط وإنما مرتبط بالأسواق الإفريقية والعربية والأوروبية، ما يعني أن بنك التنمية الجديد بما يمتلكه من رأس مال وما يوفره من مصدر تمويل للمشروعات المختلفة يمكن أن يحقق تعاونا كبيرا ويعود بالمكاسب على الطرفين.