أي مكاسب حققتها مصر من المشاركة فى قمة “فيشجراد” 2021؟
انتهت مشاركة الرئيس “عبد الفتاح السيسى” بقمة تجمع فيشجراد Visegrad Group، والذى يضم كل من المجر وبولندا والتشيك وسلوفاكيا، بالعاصمة المجرية بودابست فى زيارة استمرت لمدة ثلاثة أيام انتهت يوم الثلاثاء فى الثالث عشر من أكتوبر 2021، تم خلالها مناقشة ملفات عدة من بينها دور مصر فى منطقة الشرق الأوسط، والتعاون فى مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والتأكيد على الموقف المصرى من قضية سد النهضة.
أبعاد الزيارة المصرية:
شارك الرئيس “عبد الفتاح السيسى” للمرة الثانية بقمة دول تجمع فيشجراد مع مصر، والذى يضم أربعة دول من الاتحاد الأوروبي (المجر وبولندا والتشيك وسلوفاكيا) ويهدف إلى تعزيز التعاون في عدد من المجالات ذات الاهتمام المشترك ضمن التكامل الأوروبي، بالعاصمة المجرية بودابست فى الثالث عشر من أكتوبر 2021 فى زيارة استمرت لمدة ثلاثة أيام، كممثل للمنطقة والقارة بأكملها مع اليابان من خارج المجموعة، وتم خلال هذه القمة مناقشة ملفات عدة من بينها دور مصر فى منطقة الشرق الأوسط، والتعاون فى مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والأهمية المتزايدة لمصر فى مجال الطاقة.
وتم خلال هذا اللقاء إجراء مباحثات مع رئيس المجر “يانوش أدير” منفردة تلاها مباحثات موسعة، أشاد خلالها رئيس المجر بعلاقات الصداقة المصرية المجرية وما بلغته من مستوى متقدم على مختلف الأصعدة خلال الفترة الأخيرة، وتطلع بلاده إلى تعميق هذه العلاقات وتعزيزها لا سيما على المستويين الاقتصادي والتجاري من خلال تعظيم حجم الاستثمارات المجرية في مصر، وأعقب هذه المباحثات جلسة موسعة لوفدين من البلدين ومؤتمر صحفي جمع بين الرئيسين، وتناولت المباحثات بصفة عامة عدداً من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، خاصةً ما يتعلق بتطورات الأزمة الليبية والأوضاع في أفغانستان والجهود المشتركة للتصدي لتداعيات جائحة كورونا، كما تم انعقاد مباحثات جمعت بين الرئيس “السيسى” ورئيس وزراء المجر “فيكتور أوبان” فى اليوم الأخير من الزيارة تناولت سبل تعزيز العلاقات الثنائية على مختلف الأصعدة، وتطرقت إلى مختلف تطورات القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وتبادل الرؤى فيما يخص تطورات عملية السلام في الشرق الأوسط ومناقشة مستجدات قضية سد النهضة، وعقب هذه المباحثات انعقاد مؤتمر صحفى بين الجانبين.
دلالات المشاركة المصرية:
حملت دعوة دول تجمع فيشجراد إلى عقد قمة مع مصر للمرة الثانية، العديد من الدلالات أهمها:
(*) الاعتراف بدور مصرى المحورى بالمنطقة: والذى ظهر فى تدخل مصر لتصحيح المسار بقضايا عدة بمنطقة الشرق الأوسط، ومنها الإصرار على استقرار الأراضي الليبية بتأكيد مصر الدائم على موقفها الداعم لوحدة واستقرار وأمن ليبيا وتفعيل إرادة الشعب الليبى وكذلك مساندة مصر لجهود الجيش الوطنى الليبي فى مكافحة الإرهاب والقضاء على التنظيمات والمليشيات المسلحة التى تمثل تهديدًا ليس فقط على ليبيا بل الأمن الإقليمي ومنطقة البحر المتوسط، والدور البارز فى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وفلسطين الذى استمر لمدة 11 يومًا خلال الفترة 8-20 مايو 2021 والمبادرة المصرية لإعادة إعمار غزة، هذا بالإضافة إلى الدور المحورى لمصر بتجمع غاز شرق المتوسط والذى تم تأسيسه فى يناير 2019 ويقع مقره بالقاهرة.
(*) الاعتراف بدور مصر المحورى فى القارة الإفريقية: أدركت دول العالم أجمع عودة التوجه المصرى القوى والواضح نحو القارة الإفريقية منذ تولى الرئيس “عبد الفتاح السيسى” رئاسة الجمهورية فى الفترة الاولى عام 2014، وهو التوجه الذى جعل إفريقيا تحتل المرتبة الأولى فى دائرة السياسة الخارجية المصرية من حيث الناحية العملية والتطبيقية على الرغم من احتلالها الترتيب الثالث فى دستور عام 2014، كما كان لمصر دور فى تعزيز تكامل القارة من خلال استضافة مؤتمر توقيع منطقة التجارة الحرة الثلاثية بين التجمعات الإفريقية الكوميسا والسادك والإياك فى يونيو 2015، وكذلك إطلاق المرحلة التشغيلية لمنطقة التجارة الحرة القارية فى ظل رئاسة مصر للاتحاد فى 7 يوليو 2019، ولذلك ففى الوقت الذى تتنافس فيه الدول الكبرى لزيادة تواجدها فى القارة والاستفادة من مواردها الطبيعية الضخمة ومنهم اليابان، يأتى الاهتمام بالجانب المصرى من قبل تلك الدول بالنظر إليه باعتباره بوابة إلى إفريقيا خاصة بعد رئاستها للاتحاد الإفريقي للعام 2019، واهتمام القيادة السياسة بالحديث عن القضايا الإفريقية الملحة خاصة الاقتصادية والأمنية فى المحافل الدولية ودعوة المستثمرين الأجانب بزيادة استثماراتهم بالقارة.
(*) التأكيد على العلاقة الوطيدة بين مصر ودول تجمع فيشجراد: شهدت العلاقات بين مصر وتجمع فيشجراد شهد اندفاعًا قويًا منذ عام 2014، بمشاركة وزير الخارجية وقتها بمؤتمر القمة، وزيارة وزير خارجية المجر “بيتر سيزيارتو” للقاهرة فى يونيو 2016 ولقائه بنظيره المصرى “سامح شكرى” وعقد جلسة مباحثات حينها استهدفت الاستفادة المتبادلة وفتح مجالات للتعاون بين بلدان التجمع والقاهرة، كما شارك الرئيس ” السيسي” بقمة التجمع عام 2017 بدعوة من الرئيس المجري “فيكتور أوربان””.
(*) إدراك الدور المصرى فى مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والتعامل مع اللاجئين: وذلك بعد أن ظهر الدور المصرى الكبير فى مكافحة الإرهاب بالقارة الإفريقية ومكافحة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، حيث أكد تجمع فيشجراد 2021 على عدم تسجيل مصر لأى حالة هجرة غير شرعية منذ عام 2016، كما أكد الرئيس “السيسى” خلال كلمته على احتضان مضر لنحو 6 ملايين مهاجر من إفريقيا ودول أخرى يتم معاملتهم مواطنين مصريين.
المكاسب المصرية:
ساهمت قمة تجمع فيشجراد فى تحقيق العديد من المكاسب لمصر ليس فقط على مستوى علاقاتها بالدول الأربعة الأعضاء بالتجمع ولكن بكافة الدول الأوروبية، وهى المكاسب التى تعزز جميعها من العلاقات المصرية الأوروبية بما يخدم المواقف والتوجهات المصرية على المستوى الإقليمى والدولى، ويفتح آفاقًا لتوسع العلاقات الاقتصادية بينهم، ويمكن إيجاز هذه المكاسب فى النقاط التالية:
(&) مكاسب سياسية على مستوى العلاقات الثنائية: تؤدى المشاركة المصرية بالتجمعات الإقليمية بصفة عامة إلى تعزيز العلاقات المصرية الثنائية بهذه الدول، وتعزيز سبل التعاون السياسي وعرض ما قامت به مصر من إصلاحات اقتصادية وفرص الاستثمار المتاحة بها، وهو ما حققته مصر من مكاسب خلال المشاركة بقمة تجمع فيشجراد 2021، ففى اللقاءات التى تمت على مستوى القمة؛ التقى الرئيس “السيسى” برئيس المجر “يانوش أدير”، وتم التأكيد خلال هذا اللقاء على تعزيز العلاقات بين البلدين والتعاون فى مجالات معالجة وتحلية المياه.
(&) دعم العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول التجمع الأربعة V4: فمن شأن التفاهمات السياسية أن تمهد الطرق لتعزيز وتطوير العلاقات الاقتصادية بين الدول، وهو ما ظهر خلال لقاء الرئيس “السيسى” برئيس وزراء المجر “فيكتور أوربان”، والذى أكد أن بلاده تستهدف تعظيم حجم التبادل التجاري مع مصر ومشاركة الشركات المجرية في تنفيذ مشروعات وطنية ضخمة بمصر بما يحقق نقلة نوعية على صعيد العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، ويظهر تطور العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول تجمع فيشجراد من خلال تطور حجم التبادل التجارى بين مصر والدول الأعضاء بالتجمع بتجاوز قيمة التبادل التجارى بينهما مليار دولار منذ عام 2014، وكانت أعلى قيمة له هى 1.9 مليار دولار عام 2019.
المصدر 1إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات مركز التجارة العالمى ITC
(&) كسب الدعم الدولى والإقليمى بقضية سد النهضة: حيث أتاحت قمة فيشجراد الفرصة للحديث عن الموقف المصرى من سد النهضة الإثيوبي وأضراره المتعددة والتمسك بتطبيق قواعد القانون الدولى، حيث أكد الرئيس “السيسى” خلال كلمته بالقمة على ضرورة وجود اتفاق قانوني ملزم لحل أزمة السد.
(&) التأكيد على الالتزام المصرى بحقوق الإنسان وخصوصية هذه القضية: حيث أكد الرئيس “السيسى” خلال كلمته بالقمة على اتساع مفهوم حقوق الإنسان بأنه يشمل أيضًا توفير الحياة الكريمة للمواطنين، وأن الهجرة غير الشرعية تعتبر إحدى صوره، موجهًا تساؤلاً للدول الأوروبية عن مدى استعدادها للمساهمة ومشاركة الدول فى تحسين أوضاعها السياسية والاقتصادية والثقافية، بدلا من اقتصار نظرتهم لحقوق الإنسان على المنظور السياسي مشددًا على أن “مصر كقيادة تحترم شعبها ولسنا بحاجة لأحد لأن يقول لنا معايير حقوق الإنسان”.
(&) الترويج للمبادرة المصرية (حياة كريمة): بما سيساهم فى جذب الدعم الدولى، حيث أكد الرئيس “السيسى” خلال كلمته بالقمة على أن الدولة المصرية أطلقت مبادرة حياة كريمة بهدف تحسين أوضاع 60 مليون شخص في الريف المصري بجميع المجالات من بينها؛ التعليم والصحة ومعالجة المياه والري والطرق والصرف الصحي وغيرها.
(&) دعم مصر فى محاربة الإرهاب ودورها فى مكافحة الهجرة غير الشرعية: ففى خلال المؤتمر الصحفى للقمة دعى وزير خارجية المجر “بيتر زيجارتو” إن “الاتحاد الأوروبي له مصلحة راسخة في أن تكون مصر قادرة على حماية حدودها والحفاظ على الاستقرار من أجل منع موجات المهاجرين من الوصول إلى أراضي الاتحاد الأوروبي”، وأقترح خلال تصريح صحفى بعد انعقاد القمة أن يتبنى الاتحاد الأوروبي قائمة مصر للإرهابيين والمنظمات الإرهابية، ورفع القيود الأوروبية التي تمنع مصر من شراء معدات لحماية الحدود من بينها عودة تحويل التمويل المخصص لمصر وهو 120 مليون يورو ضمن سياسة الجوار الأوروبية في أقرب وقت ممكن والتخلي عن جميع الشروط السياسية الزائفة والمصطنعة المرتبطة بهذا الدعم المالي.
وختامًا يمكن القول، أن مصر استطاعت خلال السنوات السبعة الأخيرة إثبات دورها الحيوى والمحورى فى المنطقة العربية والإفريقية، الذى جعل جميع الدول الكبرى وذات الاهتمام المشترك تدرك هذا الدور، وتسعى بشكل دائم على تعزيز علاقاتها بمصر فى كافة المجالات، وتعتبر قمة دول تجمع فيشجراد مع مصر نموذجًا من ضمن النماذج التى تدلل على هذا.