سيناريو متكرر: ماذا حدث في السودان؟
لا تزال حالة عدم اليقين تهيمن على عملية الانتقال السياسي الهشة في السودان، وقد جاءت محاولة الانقلاب الأخير لتمثل الفصل الأحدث في مشهد التوترات المتصاعدة هناك، فقد استيقظ السودانيون في صباح يوم 21 سبتمبر الجاري على واقع محاولة انقلابية قام بها مجموعة من المحسوبين على النظام السابق وفقاً لتقديرات الحكومة السودانية، وهو ما طرح العديد من التساؤلات بشأن دلالات هذا الأمر على واقع المشهد الداخلي في الخرطوم، والتداعيات المحتمل لهذه التطورات على مسارات العملية الانتقالية.
محاولة جديدة:
أعلن المتحدث باسم مجلس السيادة الانتقالي السوداني في الـ 21 من سبتمبر الجاري عن محاولة انقلاب فاشلة تعرضت لها البلاد في فجر اليوم ذاته، مشيراً إلى أن المحاولة قد تم احتوائها وباتت الأمور تحت السيطرة، حيث تم توقيف عدد من الضباط المتورطين في محاولة الانقلاب بما في ذلك قائد هذه المجموعة اللواء “عبد الباقي بكراوي” القائد السابق لسلاح المدرعات في الجيش السوداني.
ويعد “بكراوي” أحد قادة الجيش السوداني في عهد الرئيس السابق “عمر البشير”، فقد كان عضواً في حزب “المؤتمر الوطني” الذي كان يقوده “البشير”، وتعد هذه المحاولة الانقلابية السادسة منذ الإطاحة بالرئيس السابق، وفي الواقع ارتبط اسم “عبد الباقي الحسن عثمان بكراوي” بمحاولة سابقة أيضاً حينما عمد إلى منع قوات الدعم السريع من التقدم بعد تنحي البشير في 2019، وفي هذا الصدد يجب الإشارة إلى أن السودان لديها تاريخ طويل من الانقلابات العسكرية بما في ذلك المحاولات المتكررة التي أعقبت إزاحة نظام الإخوان بقيادة “عمر البشير” في 2019.
من ناحية أخرى، ارتبطت محاولة الانقلاب الأخيرة بسلاح المدرعات في الجيش السوداني، والذي شهد خلال الفترة الأخيرة عدة إقالات في قادته العسكرية، في مقدمتهم اللواء “البكراوي” والذي كان يعد القائد الثاني في السلاح قبل استبعاده (لكنه عاد مرة أخرى)، وتجدر الإشارة إلى أن الأيام الأخيرة كانت قد انطوت على حالة من التوتر بين سلاح المدرعات وقوات الدعم السريع (التي يقودها الفريق “محمد حمدان دقلو” حمدتي) بشأن تمركز الأخيرة بالقرب من محيط المدرعات.
ماذا حدث؟:
وفقاً للمصادر السودانية، فقد قام مجموعة من الضباط التابعين لسلاح المدرعات بالجيش السوداني بمحاولة احتلال مبنى إعلامي حكومي، كما أشارت التقارير أن قاعدة في مدينة أم درمان القريبة من العاصمة الخرطوم قد تعرضت لإطلاق نار، وفي أعقاب ذلك أصدر الجيش السوداني بياناً أعلن خلاله إلقاء القبض على 21 ضابطاً وعدداً آخر من الجنود المرتبطين بمحاول الانقلاب(أزداد العدد المعلن بعد ذلك)، كما شهدت العاصمة تمركز قوات الجيش على الطرق الرئيسية وعلى الجسور التي تربط الخرطوم بالمدن المحيطة.
ووفقاً للتصريحات المعلنة من قبل السلطات الانتقالية في السودان، تشير التقديرات إلى تورط عناصر النظام السابق في المحاولة الانقلابية، في إشارة إلى جماعة الإخوان هناك متمثلة في عناصر حزب المؤتمر، بينما ربطت بعض التحليلات تدبير هذه المحاولة الفاشلة بحزب “البعث السوداني”، وهو ما يزيد من حالة اللبس والغموض بشأن مدى وجود تفاهمات بين الطرفين لمحاولة الإطاحة بالسلطات الراهنة.
ردود واسعة:
في أعقاب الحديث عن قيام مجموعة من العناصر بمحاولة انقلابية، قام الفريق أول “عبد الفتاح البرهان” باجتماع طارئ لمجلس السيادة وقادة الأجهزة الأمنية، كذا عُقد اجتماعاً آخر لمجلس الوزراء بحضور تحالف قوى الحرية والتغيير وذلك برئاسة “عبد الله حمدوك” رئيس الوزراء، حيث عمد قادة السلطة الراهنة في البلاد بحث التطورات الأخيرة والتداعيات المحتمل لهذا الأمر.
وفي هذا السياق، دعا المتحدث باسم مجلس السيادة الانتقالي “محمد الفكي سليمان” المواطنين إلى حماية البلاد والمرحلة الانتقالية. فيما أعلن رئيس الوزراء “حمدوك” أن خطة الانقلاب الفاشلة جاءت عبر شبكة من الأطراف داخل الجيش وخارجه، مشيراً إلى أن المحاولة كانت تستهدف تقويض عملية الانتقال السياسي من قبل فلول النظام السابق، متهماً هذه الأطراف بالتدبير خلال الفترة الأخير للعمل على زيادة حدة الاحتقان في شرق السودان خلال الأيام الأخيرة والتي تمخض عنها إغلاق ميناء بورتسودان من خلال قبيلة “البجا” وقطع بعض الطرق وتعطيل إنتاج النفط، كما ألمح “حمدوك” إلى أنه سيتخذ إجراءات فورية لتحصين عملية الانتقال السياسي ومواصلة تفكيك نظام البشير.
في المقابل، أعلن “محمد حمدان دقلو” (حميدتي) نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد قوات الدعم السريع أنه لن يتم السماح بحدوث انقلاب جديد مشيراً إلى الرغبة في ترسيخ عملية تحول ديموقراطي حقيقي عبر انتخابات حرة ونزيهة. فيما أعلن “الطاهر أبو هاجه” المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة أن الأمور باتت تحت السيطرة وأنه تم إحباط محاولة الاستيلاء على السلطة.
أيضاً، أعلن الفريق أول “عبد الفتاح البرهان” رئيس مجلس السيادة الانتقالي أن الجيش سيحمي البلاد والعملية الانتقالية، وجاءت هذه التصريحات للبرهان إثر وصوله إلى مقر سلاح المدرعات الذي قاد المحاولة الانقلابية الفاشلة، وقد أكد رئيس مجلس السيادة بأن المعلومات المتوافرة عن هذه المحاولة لم تثبت حتى الآن عن وجود أي صلة بين العناصر الانقلابية وأية جهة أخرى، داعياً إلى وحدة القوى السياسية وتعاونها لصد كافة المخاطر التي تهدد العملية الانتقالية. (تعكس القراءة التحليلية للتصريحات الرسمية من قبل المسئولين في الخرطوم استمرار وجود حالة من الغموض بشأن كافة المتورطين في المحاولة الانقلابية).
وعلى المستوى الخارجي، أدانت الولايات المتحدة محاولة الانقلاب الفاشلة في السودان، وقد جاء ذلك عبر المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية “نيد برايس”، والذي أكد أن واشنطن تواصل دعم الخرطوم في مساعيها لإنجاح تجربة التحول الديمقراطي وأنها تدعو لمحاسبة المتورطين في هذه العملية، مشيراً إلى أن بلاده تدين أي تدخل خارجي يهدف إلى التضليل الإعلامي والإضرار بمصالح الشعب السوداني والتأثير على إرادته، كما أدنت مفوضية الاتحاد الإفريقي محاولة الانقلاب الفاشلة في السودان، وهو الأمر ذاته بالنسبة لرئيس البعثة الأممية في الخرطوم (يونيتامس) “فولكر بيرتس” والذي أدان الأحداث الأخيرة في السودان مؤكداً على دعم الأمم المتحدة لعملية الانتقال السياسي ورفضها لأي محاولة لتقويض هذه العملية، كذلك، أدان أعضاء مجلس الأمن الدولي محاولة الانقلاب الفاشلة والتي تهدد الانتقال السياسي في الخرطوم، وجدد المجلس دعهم للسلطات الانتقالية في الخرطوم وفي مقدمتهم رئيس الحكومة.
وإقليمياً، أعلنت مصر عن إدانتها لمحاولة الانقلاب الأخيرة في السودان، مؤكدة على دعمها لمؤسسات الحكم الانتقالي في الخرطوم والجهود التي تقوم بها هذه المؤسسات في خدمة مصالح وطموحات الشعب السوداني، كما أكدت القاهرة على حرصها على استقرار وأمن وتنمية الخرطوم ورفضها لأي محاولة للمساس باستقرارها وجهود التنمية. أيضاً أعلنت المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت -في بيانات منفصلة- عن إدانتهم لمحاولة الانقلاب في السودان، معبرين عن دعمهم للخرطوم والسلطات الانتقالية هناك.
عدوى الانتشار:
تأتي محاولة الانقلاب الفاشلة في السودان في إطار سلسلة من التطورات المماثلة التي شهدتها القارة الإفريقية خلال الأشهر الأخيرة، فقد شهدت القارة عدة انقلابات عسكرية خلال هذه الفترة، ومثلت حالة غينيا كوناكري أحدث هذه الحالات، بعد حالتي مالي وتشاد. وبالتالي، ففي هذا السياق أشارت العديد من التقارير إلى أن ظاهرة “عدوى الانتشار” باتت تشهد حالة من التصاعد واتساع رقعة الانتشار في القارة الإفريقية، مع ترجيح احتمالية تكرار هذا السيناريو في نماذج أخرى داخل القارة السمراء.
أيضاً، ثمة رأي آخر يربط بين المتغيرات الأخيرة التي شهدتها الخرطوم وبين حالة التنافس الدولي في القارة الإفريقية، خاصةً فيما يتعلق بصراع النفوذ والهيمنة بين فرنسا وروسيا، وذلك في ظل تنامي النفوذ الروسي في القارة الإفريقية بالدرجة التي باتت تهدد الحضور والدور الفرنسي هناك، خاصةً وأن غالبية التحليلات كانت قد ربطت بين حالات الانقلابات السابقة التي شهدتها بعض الدول الإفريقية وبين التنافس الروسي- الفرنسي، بيد أنه حتى الآن لم يتم إثبات أي صلة بين الأطراف المتورطة في العملية الانقلابية الفاشلة في السودان وأية فواعل خارجية.
فيما ربطت بعض التحليلات الأخرى بين تصاعد حدة التوتر بين السودان وإثيوبيا، ومحاولات الأخيرة المكثفة لتأجيج الأوضاع في الخرطوم لتقليل حدة الأزمات الداخلية والخارجية التي تعاني منها أديس أبابا، وفي هذا الصدد رجحت هذه التحليلات احتمالات وجود دور خفي للحكومة الإثيوبية في تذكية الاحتقان الداخلي وتقديم الدعم لبعض عناصر النظام السابق للقيام لمحاولة الانقلاب على السلطة الحالية.
مخاوف متنامية:
أشارت عدة تقارير دولية إلى أن محاولة الانقلاب الأخيرة في السودان تزيد من تفاقم الحالة الهشة التي تهيمن على المشهد السياسي هناك، وهو ما أكده التقرير الصادر عن “واشنطن بوست” Washington Post والذي أشار إلى أن الأوضاع الداخلية في السودان تشهد حالة من الاستقرار الهش في إطار بيئة إقليمية مضطربة (تتمثل في الأوضاع المتفاقمة في منطقة القرن الإفريقي خاصة في إثيوبيا والصومال)، ومن ثم تعكس المتغيرات الأخيرة التي شهدتها الخرطوم مؤشرات خطيرة بشأن التداعيات المحتملة على الاستقرار النسبي الذي تعيشه البلاد، فضلاً عن انعكاسات هذه الأمر على السياق الإقليمي المتأزم بالفعل.
وعلى الرغم من الأوضاع الصعبة التي تعيشها السودان، بيد أن الأشهر الأخيرة كانت قد شهدت بعض المؤشرات الإيجابية، خاصةً فيما يتعلق برفع اسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب والذي جعلها مؤهلة للإعفاء من الديون، وهي الخطوة التي جعلت الكونغرس الأمريكي إلى تخصيص نحو 700 مليون دولار كمساعدة في تمويل الخرطوم، كما أن البنك الدولي كان قد أعلن أنه ينوي منح السودان حوالي ملياري دولار في شكل منح لدعم الإصلاحات الاقتصادية وتحسين الظروف الاجتماعية هناك، وفي هذا السياق، أشار “جوناس هورنر” Jonas Horner كبير محللي القرن الإفريقي في مجموعة الأزمات الدولية Crisis Group أن نجاح المحاولة الانقلابية الأخيرة كان سيتمخض عنه وقف هذه المساعدات الممنوحة من الأطراف والمؤسسات الدولي، مشيراً إلى أن عملية الانتقال السياسي الراهنة في البلاد لا تزال تلقى دعماً شعبياً واسعاً حتى في ظل بعض الانتقادات الداخلية لأداء السلطة الحالية في بعض القضايا.
دحض نظرية المؤامرة:
حاولت بعض الصحف الترويج لفكرة أن المحاولة الانقلابية التي تم الإعلان عنها مؤخراً في السودان لم تعكس واقعاً حقيقياً وإنما تمثل قصة خيالية – وفقاً لهذه الروايات المزعومة- تسعى بعض الأطراف الداخلية لمحاولة استغلالها لتعزيز هيمنتها على المشهد، ويستشهد أنصار هذه الادعاءات بأن الشوارع السودانية لم تشهد حراكاً كبيراً أو أي ملامح لعدم الاستقرار.
لكن، تعكس هذه المزاعم نوعاً من القصور في الرؤية وإعلاءً غير مبرر لنظرية المؤامرة، وهو الطرح الذي أشار إليه “ياسر عرمان” مستشار رئيس الوزراء السوداني، والذي أشار إلى أن المحاولة الانقلابية لم تتحول إلى عنف نظراً لمحدودية الدعم الذي لاقته من داخل الجيش، وفيما يتعلق بالجنود الذين تم مشاهدتهم في شوارع الخرطوم، فقد وضح “عرمان” بأن هؤلاء الجنود كانوا يتحركون بناء على أوامر من قادة الجيش لمنع العناصر الانقلابية من الاستيلاء على الجسور الواصلة بين المدن السودانية، من ناحية أخرى، أقرت كافة مكونات السلطة الراهنة بالمحاولة الانقلابية التي شهدتها البلاد، ولم يشكك أي طرف في مدى صدق هذا الأمر.
كذلك، أشارت بعض التقارير (منها تقرير لوكالة فرانس برس) إلى أن الأجهزة الأمنية في الحكومة السودانية كانت قد تلقت بعض المعلومات الاستباقية بشأن تحضيرات يقوم بها بعض العناصر المحسوبة على النظام السابق لمحاولة الانقلاب عن السلطة الحالية، وهو ما وفر الوقت الكافي للنجاح في إحباط هذه المحاولة دون أحداث مواجهات مسلحة أو أي مؤشرات تصعيدية.
خلافات متزايدة:
يبدو أن المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها السودان مؤخراً سيكون لها انعكاسات على المسار الانتقالي في البلاد، حيث بدأت نبرة التصريحات “غير الودية” المتبادلة تتصاعد خلال الأيام الأخيرة، فقد دعت “قوى الحرية والتغيير” إلى إصلاح المؤسسة العسكرية والأمنية في الخرطوم، مشيرة إلى أن تصريحات رئيس مجلس السيادة الانتقالي “عبد الفتاح البرهان” ونائبه “حميدتي” التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة تمثل تهديداً للعملية الانتقال الديمقراطي وزيادة الصدع بين الجيش وقوى الثورة.
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول “عبد الفتاح البرهان” كان قد أعلن في أعقاب محاولة الانقلاب الأخيرة في السودان أن القوات الأمنية هي التي تتولى “وحدها” حماية المرحلة الانتقالية مشيراً إلى أن المكون العسكري في السلطة الانتقالية يعمل بشكل منفرد دون أي دعم من قبل الحكومة المدنية، كما ألمح إلى أن السياسيين الذين كان منوط بهم مهمة العمل التنفيذي قد انحرفوا عن المسار الصحيح، وقد أشار البرهان في وقت لاحق إلى وجود انقسامات حادة بين القوى السياسية. كذلك، أعلن النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي “محمد حمدان” (حميدتي) أن مسئولية محاولات الانقلاب المتكررة في السودان يتحملها السياسيون في الخرطوم، والذين أهملوا – وفقاً لتصريحاته- المهام المنوطة بهم في خدمة الشعب السوداني وعمدوا إلى التركيز على الصراعات الخاصة بالمناصب والنفوذ، مما أفرز حالة من عدم الرضا بين المواطنين.
وفي هذا الصدد، يبدو أن ثمة غضب في المكون العسكري من التحركات الأخيرة لرئيس الوزراء “عبد الله حمدوك” التي عمد فيها إلى إطلاق مبادرة للمشاورات بين شركاء المرحلة الانتقالية حول تجاوز الاحتقان وبحث مسارات العملية الانتقالية، بيد أن “حمدوك” قام بإقصاء المكون العسكري من هذه المبادرة وتضمينها فقط بقوى الحرية والتغيير، كما أن”حمدوك” كان قد أعلن في يونيو الماضي عن حالة من التشظي داخل المؤسسة العسكرية. وفي أعقاب التصريحات الأخيرة لرئيس المجلس السيادي ونائبه بشأن تحميل المكون المدني نتاج الأوضاع المتردية التي تعيشها البلاد، أعلن رئيس الوزراء “حمدوك” أن أي تراجع في مسار العملية الانتقالية سيتمخض عنه عواقب وخيمة على كافة المستويات بما في ذلك الأمنية والقانونية وفقاً لتصريحاته، مشيراً إلى أن المخرج الوحيد، هو ضرورة الالتزام بالمواثيق والعهود من كافة الأطراف وتحقيق أهداف الانتقال.
ماذا بعد؟:
تعكس المحاولة الانقلابية الأخيرة التي شهدتها السودان مؤشرات خطيرة بشأن مسار العملية الانتقالية، فضلاً عما كشفته من تحديات كبيرة أمام هذه العملية، وربما تمثل التصدعات الراهنة والمتزايدة بين المكون المدني والعسكري أحد أبرز هذه التحديات، فضلاً عن الخلافات العميقة بين القوى السياسية خاصة فيما يتعلق بإدارة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وفي هذا الصدد عكست بعض التحليلات أن المحاولة الانقلابية الفاشلة ربما تمثل ورقة ضغط يسعى كل طرف إلى استخدامها في مواجهة الطرف الآخر، وهو ما قد يفرز بيئة داخلية أكثر احتقاناً تهدد نجاح العملية الانتقالية وتغذي محفزات أي محاولات انقلابية جديدة أو تأجج الغضب الشعبي ضد كافة مكونات السلطات الانتقالية.
في النهاية، يبدو أن إفرازات المحاولة الانقلابية الفاشلة في السودان سوف تبدأ في الظهور خلال الفترة المقبلة، في ظل بعض التقديرات التي ترجح احتمالية أن تطرأ عدة متغيرات على الاتفاق المرتبط بالعملية الانتقالية التي بدأت بعد سقوط نظام البشير في 2019 ومن المتوقع استمرارها حتى مطلع عام 2024، خاصةً في ظل تصاعد حدة الخلافات بشأن بعض القضايا والملفات الداخلية والخارجية، كذا ربما تشهد الأيام المقبلة بعض التعديلات الهيكلية في الجيش من خلال إعادة تنظيمه ودمج عناصر بعض الحركات المسلحة، في الوقت الذي تتصاعد فيه المطالب الداخلية والخارجية بشأن توحيد الأجهزة العسكرية.
لكن في مجمل القول، على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه العملية الانتقالية في السودان، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تؤثر على حياة المواطنين بدرجة حادة خاصةً بعد ارتفاع معدلات التضخم بمستويات قياسية، فضلاً عن التوترات الأمنية التي تشهدها بعض المناطق السودانية في الشرق والغرب، إضافةً إلى البيئة الإقليمية المضطربة (متمثلة في منطقة القرن الإفريقي) المحيطة بالسودان والتي تزيد من تأزم الأوضاع الداخلية، بيد أن ثمة موقفاً دولياً وإقليمياً صلباً يسعى إلى إنجاح الفترة الانتقالية في السودان، وتقديم كافة أشكال الدعم لتجاوز الخرطوم للتحديات التي تهدد المسار الانتقالي، ومن ثم يجب الاستفادة من هذه الزخم الدولي والإقليمي في إنجاح المرحلة الانتقالية في الخرطوم.
المراجع
- حمزة حبحوب، من هو اللواء عبد الباقي بكراوي المتهم بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية في السودان، وكالة مونت كارلو الدولية، 21 سبتمبر 2021، متاح على الرابط التالي:
- Peter Beaumont, Sudan coup attempt has failed, government says, The Guardian, 21 Sep 2021, available on:
- إسراء الشاهر، من يقف وراء المحاولة الانقلابية في السودان، اندبندت عربية، 21 سبتمبر 2021، متاح على الرابط التالي:
- السودان: حمدوك يتهم “فلول النظام البائد” بالوقوف خلف محاولة الانقلاب لإجهاض الانتقال الديمقراطي، فرانس 24، 21 سبتمبر 2021، متاح على الرابط التالي:
- Rachel Chason, Sudanese authorities say military coup by remnants of past regime thwarted, Washington post, 21 September 2021, available on: https://wapo.st/3hXQPz3
- Declan Walsh, Sudan Leaders Say They Thwarted Coup Attempt by Loyalists of Former Dictator, the new York Times, Sept. 21, 2021, available on: https://nyti.ms/3kxOAUR
- Morris Kiruga, Sudan: Attempted coup stopped by security forces say ruling council, 40 arrested, The Africa Report, 21 September 2021,
- Sudan failed coup: Government blames pro-Bashir elements, BBC, 21 September 2021, available on: https://bbc.in/3u2ALAP
- منى عبد الفتاح، أبعاد المحاولة الانقلابية الأخيرة في السودان، أندبندت عربية، 22 سبتمبر 2021، متاح على الرابط التالي:
- حمدوك: انقلابالبشيرآخرانقلابفيتاريخالسودان، العربية، 23 سبتمبر 2021، متاح على الرابط التالي:
- السودانيعلنإحباطمحاولةانقلابويتهمأنصارالبشيربتدبيرها، DW الألمانية، 21 سبتمبر 2021، متاح على الرابط التالي: