ما هي دلالات فوز مصر بـ “نائب” رئيس اللجنة التنفيذية باتحاد البرلمانات الإفريقية؟
ثمة تصاعداً واضحاً في وتيرة الحضور المصري في القارة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة، في دلالة قوية على عودة الدور القيادي للقاهرة في المحيط الإفريقي (وكذلك الإقليمي)، وفي إطار الاستراتيجية الشاملة التي تتبناها القيادة السياسية المصرية الحالية والتي تستهدف استعادة الدور المصري في إفريقيا بعد فترة طويلة من الركود والانكفاء الداخلي، فضلاً عن تعزيز هوية مصر الإفريقية وانخراطها في حلحلة القضايا والإشكاليات التي تعاني منها القارة، عمدت الدولة المصرية إلى توسيع شبكة تفاعلاتها مع دول القارة السمراء، وتنويع مجالات التعاون والتنسيق المشترك، وهي الإستراتيجية التي باتت تتبناها كافة مؤسسات الدولة المصرية.
وفي هذا السياق، لم يكن البرلمان المصري بعيداً عن هذه الرؤية الأوسع التي تتبناها الدولة، والتي تنطوي على إعطاء العلاقات مع الدول الإفريقية أولوية على أجندة السياسة الخارجية المصرية، وهو ما تجسد بشكل واضح في استحداث لجنة جديدة داخل مجلس النواب خاصة بالشئون الإفريقية في عام 2016 لتعزيز التواصل والاهتمام بالقضايا الإفريقية المشتركة، وقد جاء فوز النائب “شريف الجبلي” رئيس لجنة الشئون الإفريقية بمجلس النواب المصري بمقعد نائب رئيس اللجنة التنفيذية بإتحاد البرلمانات الإفريقية Pan African Parliament ليعكس بوضوح تنامي الحضور المصري في القارة الإفريقية وعودة الدور القيادي للقاهرة، وبالتالي، تسعى هذه الورقة إلى قراءة تحليلية لأبعاد فوز مصر بمقعد نائب رئيس اللجنة التنفيذية بالبرلمان الإفريقي، والدلالات التي تعكسها هذه الخطوة على دور مصر الإقليمي، وكذلك على صورة البرلمان المصري داخل القارة الإفريقية.
حضوراً مصرياً:
قام وفد من مجلس النواب المصري برئاسة النائب الدكتور “شريف الجبلي” رئيس لجنة الشئون الإفريقية بالمجلس بزيارة رسمية إلى جيبوتي لحضور أعمال الدورة الـ76 للهيئة التنفيذية لإتحاد البرلمانات الإفريقية والمؤتمر الـ43 للاتحاد، وقد استمرت هذه الاجتماعات خلال الفترة 11-15 أكتوبر الجاري، وقد تضمن الوفد المصري المشارك في هذه الاجتماعات كل من النائب “عمرو هندي” وكيل لجنة الشئون الإفريقية، والنائبة “رشا أبو شقرة” أمين سر اللجنة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الوفد المصري كان قد شارك أيضاً في اجتماعات البرلمان الإفريقي نهاية مايو الماضي، حيث عقدت هذه الاجتماعات في جنوب إفريقيا، فقد كان من المفترض أن تشهد هذه الاجتماعات إعادة انتخاب مكتب البرلمان الإفريقي بعدما انتهت ولاية المكتب القديم بعد مرور الثلاث سنوات التي حددها البروتوكول الخاص بالبرلمان كمدة محددة لولاية المكتب، بيد أن هذه الاجتماعات كانت قد شهدت خلافات حادة بلغت حد الاشتباكات والتراشق بين بعض أعضاء البرلمان الإفريقي، وذلك نظراً للخلافات الحادة بشأن قاعدة التناوب في رئاسة البرلمان خاصةً بين نواب إقليم جنوب إفريقيا من ناحية، وإقليمي وسط وغرب إفريقيا من ناحية أخرى، مع تزايد إلحاح جنوب إفريقيا في طلب تولي منصب رئاسة البرلمان، وتحركاتها لتحقيق هذا الأمر، ولعل هذا ما يفسر زيارة مرشح الجنوب “فورتشن شارومبيرا” إلى مصر منتصف مايو الماضي برفقة رئيس برلمان زيمبابوي لعرض برنامجه الانتخابي وطلب دعم مصر لتولي مرشح برلمان زيمبابوي في رئاسة البرلمان، وهو ما يعكس الوزن النسبي الكبير للقاهرة.
عضوية البرلمان الإفريقي:
يمثل اتحاد البرلمانات الإفريقية (يطلق عليه أيضاً البرلمان الإفريقي أو برلمان عموم إفريقيا) الأجهزة التي نشأت في إطار الإتحاد الإفريقي، حيث نصت المادة الـ 5 من القانون التأسيسي للاتحاد في يوليو عام 2000 على إنشاء البرلمان الإفريقي كأحد الأجهزة المنبثقة عن الإتحاد، قبل أن يعتمد رؤساء الدول والحكومات الإفريقية لبروتوكول معاهدة الجماعة الاقتصادية المؤسسة لبرلمان عموم إفريقيا، وذلك في القمة الإفريقية غير العادية بسرت في مارس 2001، ومن ثم تم تشكيل البرلمان الإفريقي لأول مرة في مارس 2004، حيث تساهم كل دولة عضو من الـ53 دولة إفريقية بخمسة أعضاء على أن تتضمن حصة كل دولة على عضوية امرأة واحدة على الأقل (يتم انتخابهم أو تعيينهم عبر البرلمانات الوطنية).
وعلى الرغم من السلطات الرقابية والتشريعية الواسعة التي منحها القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي لإتحاد البرلمانات الإفريقية للدرجة التي جعلته –وفقاً لهذا النص- يعد أعلى سلطة داخل الإتحاد، بيد أن هذه السلطات لم تفعل حتى الآن ومن ثم بقيت سلطات البرلمان الإفريقي قائمة على الأبعاد الاستشارية بالأساس، إلا أن هذا لا ينفي تماماً أهمية هذه المؤسسة القارية، والتي تعد منصة هامة لتعزيز التواصل والتنسيق بين الدول الإفريقية المختلفة، وتحقيق التعاون والتنمية المطلوبة ومن ثم تمهيد الطريق أمام الوصول إلى مستوى التكامل الإفريقي، وفي هذا الإطار يجتمع البرلمان الإفريقي مرتين في العام (على الأقل) بالإضافة إلى الدورات الاستثنائية.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن البرلمان الإفريقي يتشكل من عدة هياكل فرعية، يتضمن أحدها مكتب البرلمان والذي يتشكل من أربعة نواب بجانب رئيس البرلمان (يمثلون الأقاليم الإفريقية الخمسة)، يضاف لذلك اللجان النوعية الـ11 التي يتضمنها البرلمان، بيد أن المكتب يعد هو المسئول عن تنظيم وإدارة البرلمان وأجهزته، كذلك، ينطوي البرلمان الإفريقي على خمسة كتل تمثل المناطق الجغرافية المختلفة في القارة، تتضمن كل كتلة الدول الواقعة في نطاقها الجغرافي بقيادة هيئة تنفيذية لها رئيس ونائب له، ويضاف لذلك الأمانة العامة للبرلمان والمسئولة عن إدارة الأعمال اليومية.
فوزاً هاماً:
في ختام اجتماعات البرلمان الإفريقي، نجحت مصر في الفوز بمنصب نائب رئيس الهيئة التنفيذية لإتحاد البرلمانات الإفريقية، وذلك عن تكتل شمال إفريقيا(أحد التكتلات الخمسة داخل البرلمان)، حيث تمكن النائب “شريف الجبلي” بحصد هذا المنصب، وهو ما عكس درجة القبول الإفريقي المتنامي للدور المصري في القارة، وهو الأمر الذي عبر عنه أيضاً “الجبلي”، والذي عمد إلى تقديم الشكر إلى أعضاء البرلمان الإفريقي على دعمهم ومساندتهم لفوزه بهذا المنصب.
كذلك، نجحت أمينة سر لجنة الشئون الإفريقية “رشا أبو شقرة” بمنصب نائب رئيس لجنة المرأة بالبرلمان الإفريقي، وذلك بعدما حصدت النائبة المصرية 80 % من الأصوات مقابل 20% لمنافستها المالية، في مؤشر آخر على مدى حيوية وفاعلية الدور المصري في المؤسسة القارية.
تعزيز الدبلوماسية البرلمانية المصرية:
بعد عدة سنوات من كمون الدور المصري في القارة الإفريقية، شرعت القيادة السياسية خلال السنوات الأخيرة إلى تكثيف نشاطها في التنسيق والانخراط في الملفات الشائكة الخاصة بالقارة السمراء، وهو ما لاقى قبولاً واسعاً في غالبة أرجاء القارة نظراً للموثوقية والحيادية التي لطالما صبغت الدور المصري في المنطقة، إذ تنظر الدولة المصرية إلى تحركاتها في إفريقيا باعتبارها مسئولية ملاقاة على عاتقها إزاء أشقائها الأفارقة، ولعل هذا ما تعكسه التحركات المصرية لتقديم كافة سبل الدعم للدول الأفريقية في كافة المجالات وفي مقدمتها مشروعات الربط الكهربائي ودعم الحقوق المشروعة لشعوب القارة في تلقي اللقاحات الخاصة بفيروس كورونا المستجد، فضلاً عن الاستعداد لتقديم كافة سبل الدعم والتعاون للدول الأفريقية في مواجهة التهديدات الأمنية والإرهابية. وفي هذا الصدد، لا يمكن غض الطرف عن خطوة انتخاب مصر لرئاسة الدورة الـ15 للجنة الأمم المتحدة لبناء السلام، وذلك بعدما تم ترشيح مصر كممثل عن القارة الإفريقية لتولي هذا المقعد الهام، في مؤشر واضح لمدى الثقة والقبول الإفريقي للدور المصري وقدرته على تحقيق المصالح المشتركة لدول القارة.
وتشير فكرة الدبلوماسية البرلمانية إلى الدور الذي تقوم به الاتحادات البرلمانية باعتبارها المؤسسات المنوط بها ممارسة هذه المهام، وذلك عن طريق الانخراط في الاجتماعات والمؤتمرات فوق الوطنية لتبادل وجهات نظر المؤسسات الشعبية والدفع نحو تعزيز أنماط التعاون والتنسيق في العديد من الملفات المشتركة، ودعم السلم والأمن الإقليميين والدوليين.
من ناحية أخرى، في ظل الخلافات الحادة التي تهيمن على عملية انتخاب الرئيس القادم للبرلمان الإفريقي، ثمة تقديرات واسعة ترجح أن تشهد الفترة المقبلة دوراً محورياً لمصر في حلحلة هذه التصدعات بين الأقاليم الإفريقية المختلفة، خاصةً في ظل حيادية الموقف المصري وعدم انخراط القاهرة في هذه الصراعات غير المجدية، بل على العكس ربما تمثل هذه الاستراتيجية العقلانية للدولة المصرية عاملاً حاسماً في ترشيح مصر لرئاسة البرلمان الإفريقي في دورته المقبلة في عام 2024.
من ناحية أخرى، مثلت التطورات الأخيرة والمتمثلة في حصد النائب “شريف الجبلي” لمنصب نائب رئيس الهيئة التنفيذية -وكذلك فوز النائبة “رشا أبو شقرة” بمنصب نائب لجنة المرأة بالبرلمان الإفريقي- دلالة هامة أخرى فيما يتعلق بصورة البرلمان المصري في القارة الإفريقية، حيث تعد التجربة النيابية المصرية رائدة للمنطقة ككل، وتنظر إليها غالبية دول القارة باعتبارها النموذج الذي يتم استلهام التجارب والخبرات منه، وبالتالي فبعد عدة سنوات من الكمون الاستراتيجي للدولة المصرية جراء التطورات الداخلية التي شهدتها مصر مطلع العقد الماضي، شهدت السنوات الأخيرة عودة الصورة النمطية للتجربة النيابية المصرية الرائدة مرة أخرى، ولعل التطورات الأخيرة تعزز من هذا الطرح، كما أنها تؤرخ لمزيد من الدور والحضور للدبلوماسية البرلمانية المصرية في القارة الإفريقية والمنطقة ككل.
في النهاية، لقد تم إنشاء البرلمان الإفريقي بالأساس ليكون بمثابة المنصة الأوسع لمشاركة شعوب القارة في عمليات التنمية والتكامل الاقتصادي والسياسي، والعمل على حلحلة الإشكاليات والتحديات التي تواجه دول القارة السمراء، بيد أن البرلمان – كبقية أجهزة الإتحاد الإفريقي- لا يزال بحاجة إلى الكثير من الإصلاحيات الهيكلية لتعزيز فاعليته في تحقيق الهدف الرئيس منه، وهو الملف الذي طالما دعت إليه –ولا تزال- الدولة المصرية لإضفاء مزيد من الديناميكية للتفاعلات الإفريقية المشتركة.